[ نقطة الصفر - الفصل الثالث والثلاون ]

2K 209 239
                                    

استغرق تعافي من الحمى يومين كاملين لم ينفك فيهما نييل عن الاتصال بي، قررت خلالهما تغيير نمط حياتي جذريا؛ إعادة ترتيب أولوياتي وكذا إعادة النظر في أهم قضايا ومسائل معيشتي التي ستقطع منعطفا خطرا لست مخيرة في شأنه بين المضي قدما أو العودة للوراء..

أول خطوة أقدمت عليها كانت تنازلي عن القضية رغم إصرار المحامية، حتى أنها ارتابت فيم إن تم تهديدي، بل وأصرت على معرفة السبب لكن لم يسعني قول شيء آنذاك سوى الاعتذار..

ثم توجب علي تاليا تقديم استقالتي من الشركة، فلقد بلغ بصري مرحلة يستحيل فيها استخدام القلم أو الإبرة أثناء إصابتي بالحمى التي لربما كان لها دخل في تفاقم حالتي، وهذا يعني أنني فقدت مورد عيشي الوحيد والأخير بعد المعهد..

فبعد أن كنت أرغد براتبين وفيري القدر ها أنا ذي أعيش على مدخراتي الهزيلة من الأشهر الماضية..

أعدت ترتيب الشقة وإزاحة ما يعترض طريقي، وكذا الاحتفاظ بغرفة واحدة تضم كل ما أحتاج واضعة بالقرب أغراضي الروتينية بما تبقى من نظري حسب نمط رؤيتي المستقبلي ففقداني لهذا النور الطفيف الذي أبصر به ماهي إلا مسألة وقت وحسب..

وللأسف عامل الوقت لا يتواني عن خذلاني منذ زمن..

حاولت وضع حاجياتي الأساسية في متناولي بينما استبدلت الزجاج بقطع أقل خطرا كما قمت بإبعاد قطع الأثاث الغير ضرورية عن الطريق والتي تعرقل عملية التجول في المكان بعد بضع تجارب من محاولة المشي مغمضة العين كاستئناس لما ستغدو عليه حياتي..

وكم كان ذلك عسيرا..

وكم زادني ذلك احتراما لكل من فقد بصره أو ولد دونه على وجه البسيطة..

فأنى لي أنا تلك البصيرة والعزيمة لاستئناف الحياة في الظلام بينما نور الشمس وحده ما كان يضيء عتمة حياتي التي التهمتها الظلمة حتى آخر قضمة؟!

لكن وماذا إن ساءت الأمور؟

وماذا إن فقدت نور عيني؟!

لقد فقدت ماهو أثمن وأعز على قلبي وها أنا ذي لا أزال على قيد الحياة!

لكن الحياة لا تتوقف عند خسارة بصر أو ذراع أو قدم، لذا فمهما داست مشاقها علي فليس بيدي سوى أن أكابد في وجهها..

لقد قطعت شوطا طويلا بالفعل للتحسين من وضع معيشتي والبدء من جديد، واقع صعب لكن ما باليد حيلة..

لقد عدت آلاف الأميال إلى الوراء وخيار الاستسلام غير وارد..

اتصلت بمكتب السكن بحثا عن شقة أصغر وسط المدينة قرب المرافق التي قد أحتاجها تفاديا لارتياد المواصلات والاضطرار لسؤال المارة والتعرض لمواقف قلبي في غنى عن تحملها..

كما قدمت طلبا في إحدى المكاتب التي سبق وأن عملت فيها بدوام جزئي لترجمة المقالات وبعض القصص القصيرة وما إلى ذلك وكذا تحرير بحوث طلبة الجامعات والمدارس، فلن يعتمد عمل مشابه على قدرة الإبصار بالدرجة الأولى كما أن الراتب يعتمد على الوقت وكمية العمل المنجز وهذا عامل لصالحي..

نحو الضياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن