يونيو ٢٠٢٥ ، باريس
اتذكر اليوم كما هو ، جلست على حافة القمر برهة من الوقت نسبة إلي عمري فالأيام كالثواني في الساعة ، تحتاج الثواني لتصبح شيئا كيفما غدوت أنا اليوم. مازلت أعشق السحاب المار بين العمائر و كانوا في حمرة الوجنتين عند الغبطة التي تلمس شيئا و الأخضر كما هو لم يمسسه الخريف بعد في بلدة غير بعيدة عن هنا فقط مئات الأميال في شرفة مجدولة ساقها ثم تتفرع كخصلات فتاة غجرية و أنا بين كل هذا حاملة مجلد رسمي انقش تفاصيل أعشقها تسطر فيها أشعار لأرى صديق ما هو بغريب عني مار في بلدة غريبه عنه أم هي منشأه ؟ أنا لا أعلم . كخطين تقابلا ليفترقا أو سيغدوا بالتوازي، لم أنتهز فرصة لقائه فقد شغلني ذاك العازف بألحانه على رائحة الخبز المتمايلة مع الريح قبل أن أفتح عيناي و لا أراه. جمعنا بعدها معكرونة بوتزيروا ، يالصدف ! في آخر أزقة الممر الذي مكثت فيه لنتحدث عن أي شيء دون الماضي كمن لم يلتقوا مسبقا و السحاب المار خير دال على الوقت الذي لم أعتر له انتباه حتى غادرت أذرع الشمس الطيبة و حل موعد رحيلي إلي طيبة فتلك كانت آخر وجبة لي هناك ، تصافحنا حتى صرت أنا و السحاب واحد على عهد أن نتقابل كيفما عهدنا قبلا.
لم أتوقع أن أكن هنا اليوم ، في باريس ، المكان الوحيد الذي لطالما تمنيت اللجوء له رغم تعجرف الفرنسيين و ركاكة لغتهم لكن للمكان سحر آخر كمن ولد في المكان الخاطىء. ما أشبه اليوم بالبارحة كأن الزمن يعيد نفسة فالبنايات متشابهه و شرفة غرفتي كالغجرية المتعجرفة فتطل على برج أيفل من على بعد ٣ أميال لكن لازالت متعجرفة. أغرمت بالخباز كم يشبه الطليان في تفانيهم فالطعام ، آه الطليان ! أين أنت الآن يا صديقي العزيز ، لم أره منذ عدة أشهر بعد توديعه لي كأم في أول يوم دراسي خوفا من أن تكبر أو تحب أناس ما هم بالطيبين. لم أتحدث إليه منذ هبوطي هنا كمن يحلم و إنقطع عن الحقيقة لكن إلي متى ؟ فالأحلام فقط للتسلية أو العظة أو لتتحقق لوقت قصير . سأعود يوما ما لا أعلم متى فرجوعي كان مستحيل حتى أصبح اليوم جائز خاصة بعد أن استوحشتني الأكلات الإيطاليه.