الفصل الرابع"الجزء الثاني"

365 6 0
                                    


هبطت الشمس نحو المغيب. وعلى صفحة الأفق، برزت النجوم مثل رذاذ نافورة ضياء متفجرة، التصقت بقبة السماء المعتمة في مانهاتن، ناشرة هالتها الفضية فوق المدينة التي لا تنام، بتناغم فريد، تكالب مع انعكاسات المصابيح المعدنية وأضواء اللوحات الإعلانية مسرفة التفاصيل، لتشكيل حُزَّم ضوئية برَّاقة، سقطت على صفحة النهر ذي اللون الأزرق الداكن، بعدما تسللت عَبر الشوارع والتقاطعات الحيوية ـ الرازحة تحت هيمنة أسطول مركبات الأجرَّة الصفراء، ومضت تتدافع مسرعة كالقطط المتوحشة وسط الأجمّات الكثيفة، وأشجار البلوط والدردار المعمرة، المنتشرة في حديقة(سنترال بارك)، لتعلو وتهبط مع المنحدرات، ثم تدور حول الصخور الناتئة وجداول الماء الصغيرة والمسالك المتشعبة، قبل أن تبدأ في التلاشي والإندماج مع المحيط مجددًا، كلما اقتربت من الجهة الأخرى، وتعالت أصوات الحضارة ثانية، مرفقة بضوضاء البشر، وأزيز المحركات وهي تندفع مسرعة على الطرق.

كان بإمكان أي شخص يقف على الجسر الحديدي المقوّس، الذي يعبر بأبهة ضفتي البحيرة الكائنة في الجانب الغربي للحديقة، رؤية المبانِ الراقية والفنادق الفخمة المطلة، حيث يُسحَب قوس الريح مُصدرًا ارتجافًا محسوسًا وضئيلًا. ولو استند على السور الأبيض المزركش بنقوش الأرابيسك، ورفع نفسه قليلًا، ودقق النظر، لأخذ نظرة شاملة على الحفل المهيب القائم في قاعة الرقص الكبرى لفندق(ريتز ـ كارلتون)، وظنَّه يضم حفل زفاف خيالي لأحد أثرياء المدينة، أكثر ممَّا هو عشاء خيري لجمع التبرعات. إذ بدت القاعة مشرقة كلؤلؤة تسطع وسط الظلام، وقد تم التخطيط لهذا الحدث الهام منذ أسابيع، فجُهزت الطاولات المستديرة بأغطية قِشدية اللون، تتلألأ عليها الشمعدانات الفضية وأدوات المائدة والأواني الكريستالية وتنسيقات الزنبق الفواحّة، وعُقِدت الأوشحة الحريرية الوردية الشاحبة على مساند المقاعد المغطاة بالقماش الأبيض، بينما وضعت الهدايا التذكارية في كل مكان، وتفنن الخطاط في كتابة لائحة الطعام على بطاقات فخمة بلون عاجي أنيق، تم تثبيتها على قواعد معدنية صغيرة، أمام كل مقعد، إلى جانب بطاقات الجلوس، المرتبة سلفًا، وفقًا لجدول تم التخطيط له بعناية فائقة، دون نسيان بطاقات برنامج الحفل و"كاتالوج"المزاد السنوي لجمعية آل هاينز الخيرية.

كان هنالك، بالإضافة إلى الفقرات الترفيهية المتنوعة رفيعة المستوى، عرض أزياء لمصممة شابة واعدة، مزاد لقطع باهظة الثمن، من ضمنها تشكيلة مجوهرات قيمّة قدمها متجر(تيفاني)الشهير، رحلات استجمام في منتجعات فارهة، وسيارة كاديلاك رباعية الدفع، مركونة أمام مدخل الفندق الرئيسي، مع شريط أحمر كبير معقود حول هيكلها، سيشعر أحدهم بالبهجة عند قيادتها إلى منزله بعد إنتهاء الحفل، تمامًا، مثلما ستعم الفائدة النبيلة لاحقًا على مستشفى(NewYork-Presbyterian)لعلاج الأورام السرطانية.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن