الفصل العشرون ج1

265 2 3
                                    


كانت هضبة الأكروبوليس الصخرية تتمتع بإطلالة بانورامية كاملة على العاصمة التأريخية (أتيكا)، تشمخ ببقايا معابد (آرخيتون)و(بارينون)و(أثينا المنتصرة) بالإضافة إلى صرح (بروبلايا) الثقافي، كدليل ملموس على عراقة الحضارة الأغريقية وقِدمها، ممَّا يستقطب السيّاح من كل حدب وصوب للتمتع بمزايا التجوال في المدينة المقدسّة قديمًا، لرؤية الآثار الحجرية والتمتع بتجربة مذهلة، حيث تكسر الفرق الفلكلورية في المساء روتين الأمسيات الهادئة، وتصدح موسيقى رقصة الـ (زوربا) الشهيرة التي تعني (الانتصار على البؤس) بايقاعات متنوعة تجمع ما بين شتى الثقافات الأوروبية والشرقية المختلفة.

هذا ما جعل من فندق (قصر أليكترا) - باكورة سلسلة فنادق ليونايديس كادريوفسكي - أحد أهم وأفضل وجهات الفنادق الفاخرة وأكثرها حصرية في أثينا، ودفع مكسيموس للاحتفاظ به، نظرًا لتمتعه بإطلالة مباشرة على هضبة الأكروبوليس، تمنح الضيوف انطباعًا بأنهم يقفون على الحد الفاصل ما بين الحضارة والمستقبل، حال وطأهم بهو المبنى الأبيض العصري الضخم، المصمم على غرار المنتجعات السياحية الفارهة، ليغرقوا في جمالية التفاصيل وامتياز الخصوصية وأناقة الإطلالة الباهظة، غافلين عمَّا كان يحدث هذه الليلة، وتحديدًا في الطابق التاسع، حيث تستحوذ الشقة العلوية، ذات الطابقين، على مساحة شاسعة من السطح.

كانت الشقة التي شيدها ليونايديس لنفسه، بواحدة من شطحات أفكاره المكلفة، قبيل وفاته مباشرة، تمتاز بواجهات زجاجية ضخمة تمتد على ارتفاع طابقين، يفصلهما سلُّم رخامي لولبي الشكل، وحوض سباحة وجاكوزي خارجي، إلى جانب أربعة غرف نوم رئيسيات، وصالة استقبال كبيرة يتوسطها مشرب هائل الحجم، بيد أنَّ أكثر ما كان يميزها عن باقِ أرجاء وأجنحة الفندق الكلاسيكية فهو تصميمها الداخلي الغريب الذي تمّ استيحاؤه من طراز (آرت ديكو) المعماري، مع نفحة من الفن الحديث، حيث تمَّ الدمج ما بين الخامات المستخدمة مثل الألمونيوم، والفولاذ المقاوم للصدأ، والخشب، مع العناصر الغريبة الأخرى مثل جلود الفهد ونقشات خطوط الحمار الوحشي في الأثاث، بينما تسود الألوان المحايدة على الجدران بنفحة معدنية من الفضي والرمادي الداكن والبني الأحمر العميق، بطريقة تكالبت مع الجمع الصاخب لتمنح الصالة الرئيسية المكتظة انطباعًا بأنها جزء من نادٍ ليلي مشبوه، أو وكر فساد موبوء يعبق برائحة الخطيئة والخيانة والغدر.

في الواقع، لم يكن مكسيموس يومًا ممَّن يفضلون هذا الطراز المعماري الذي شاع استخدامه في ثلاثينيات القرن الماضي ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، ولطالما أشعره بالتلوث البصري والاختناق، خصوصًا إذا كان يضج بمجموعة من الرعاع الذين لم يتوانوا عن تشويه المتبقي من المكان - المشوه سلفًا بنظره - حتى باتت الشقة الفارهة عبارة عن سحابة من الضجيج والدخان والفحش العلني والهذيان.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن