أحيانًا، ليس من الضروري أن تكون صفارة الإنذار هي ذلك الصوت الحاد المدوي، المثير للرهبة والذعر، الذي ينطلق عادًة عبر أبواق السماعات في أرجاء مدينة منكوبة تتعرض لقصف طيران معادي. هنالك أيضًا صفارات إنذار عشقية أشد تأثيرًا وأكثر استفزازًا وإثارة للتوجس، صافرة محذرة تنطلق في سماء حب عظيم وُلِد في لحظة شاعرية، وسط الانبهار والدوار وارتجافة البوح الأول، مثل نيزك مشتعل عجز الفلكيون عن رصده وتوقفت الكرة الأرضية إندهاشًا بقدومه. صافرة تصدح في الأعماق أثناء الصخب وضجيج الصمت، فلا يسمعها إلا المعني بها، لكنها كافية لأن تصم أذنيه ما أن تنطلق عند إشارات ومواقف صغيرة بظاهرها وهائلة بباطنها، تأتي فجأة بمثابة مؤشرات على خطر داهم أو كارثة قريبة، وتلح عليه لأن يتخذ موقفًا معينًا: أن يطلق ساقيه للريح ويلوذ بالفرار أو يبقى ويواجه مكشرًا عن أنيابه بشراسة، تمامًا مثل الحاسة التي تنبه كائنات الطبيعة المفترسة إلى شباك الصيادين المنصوبة في الغابات الكثيفة حولها، وتدفع بالأحصنة البرية للشعور بالزلازل والبراكين قبل حدوثها.
هكذا انطلقت الصفارة المُنذرة بالخطر داخل رأس اميرالد وصوت مكسيموس يعلو ويتردد صداه الوحشي بين جنبات عقلها مثل نصل سكين حاد مزق صفحة ظنونها السابقة حول سبب غضبه الحقيقي ممَّا تكفل ببعثرة أنفاسها مع أوراق الملفات التي تطايرت وتناثرت حوله كأن بوابة الجحيم قد فُتِحَت وهبّت عبرها نفحات سعير ناري ساخن قلبت المكان رأسًا على عقب خلال ثوان خاطفة تكفل فيهم جنونه بركل الطاولة الوسطية المستديرة أمامه وقلبها ليتهشم سطحها الزجاجي ويتفتت إلى ملايين الشظايا حال إرتطامه بالأرض، ويسقط التمثال البرونزي الثقيل فوقها، ويرتطم فوق الفتات المطحون بقسوة ماثلت قسوة نظراته الحاقدة وهو يعاود الصراخ بها، دون أن يرفع بصره عن وجهها الجامد:
"إخبريني، عليك اللعنة، ولا تجلسي أمامي صامتة كما التمثال! فسري لي كيف تجرأتِ وفعلتها؟ كيف تمكنتِ من الاتفاق مع ملك مخدرات معتوه حالما أدرت ظهري؟ لولا الظرف لكنت سلخت جلد الأشقر التافه حيًّا. والأدهى، كيف تجتمعين بالغجري القذر لعدة ساعات وحدك دون أن تفكري للحظة..للحظة واحدة..بأني سوف أهد جدران القصر الشؤم فوق رؤوس الجميع بعدها؟!"
لحظة صمت مريعة انتصبت بينهما وأفسدت ما سبق بينهما من تقارب وثقة وود، سحب ضبابية اسودت بسخام الغيرة ضجّت وثارت في دمه حتى ابتلعت الحنان والشغف والاطمئنان والأمان الذين تراهم بعينيه، عاصفة غبار حمراء هبت، عربدت ذراتها، وتأججت بينهما، حاجبة عنها فجأة دفء غرامه الملتهب وعشقه، حقدٍ شيطاني ومبهم تطفل على نظراته الصفراء المشعة ماحيًا بقايا إنسانيته حتى أحالها إلى تكشيرة كراهية تفور بالتحامل عليها، وكأنها أتت جرمًا لا يغتفر بقانونه، ممَّا جعلها تعجز عن نطق حرف ريثما تستوعب، لا تكاد تصدق أنه اتهمها علنًا بقضاء 'عدة ساعات' مع أليكسي كما لو أنها..كما لو أنها أتت من سريره توًّا!
أنت تقرأ
{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984
Romanceسيمفونية الجليد والنار الجزء الثالث سلسلة اسرار خلف أسوار القصور كتابة وتأليف: Noor 1984 تصميم الغلاف والقالب الداخلي: Gege86 دار نشر منتديات شبكة روايتي الثقافية - قلوب أحلام الغربية https://www.rewity.com/forum/t478760.html روايات غربية بقلم noor1...