الفصل العاشر"الجزء الثاني"

275 7 0
                                    


يتَّسم الوقت عادًة في نيويورك ما بين الثالثة والخامسة صباحًا بالهدوء النسبي مقارنة بزخم النهار المحموم، حيث يقتنص الموظفون ساعات النوم الثمينة الأخيرة قبل بزوغ الشمس، ويغرق الأطفال في أحلامهم البريئة، بينما يعود السياح إلى فنادقهم، وينهار رواد الليل فوق أسِرّتهم، وتغلق معظم الحانات ونوادِ الرقص أبوابها، ولا يعود يعكر صفو وسكون المدينة المؤقت سوى أصوات محركات السيارات المتسارعة والشاحنات ودويّ صفارات إنذار سيارات الاسعاف والشرطة، والحركة الناعمة لدراجات العاملين في توصيل الصحف الصباحية.

لكن لو دقق المرء النظر جيدًّا وألقى نظرة شاملة على المشهد من الجو، عبر عدسة مكبرة البؤرة، فأنه سوف يلمح على نطاق الرؤية الواسع، إلى جانب الأضواء المتلألئة وبريق اعلانات الشاشات الرقمية العملاقة، تلك الحركة المريبة لبعض اللصوص ومروجيّ المخدرات في بعض المناطق المشبوهة والأحياء والأزقة غير الآمنة، وتمكن من سماع تردد عيار ناريّ أو اثنين، وهم يصدحون في أفق مدينة ما زالت تعتبر واحدة من أكثر مدن العالم تصنيفًا في ارتفاع معدلات الجريمة، بطريقة جعلت الوضع يبدو كأنه منتصف النهار أمام مقر شرطة نيويورك الرئيسية وقد اكتظ المربع الذي يحيطها بمركبات الدوريات البيضاء القادمة والمغادرة على عجل، تاركة أضواءها العلوية تدور كمراوح زرقاء وحمراء انعكست على واجهات المبنى الحجري القديم الكئيب، ذو الزوايا المستقيمة الحادًّة، والنوافذ السوداء العازلة المصمَّتة.

كان مبنى(police plaza1)الشهير، الكائن على تقاطع الشريان الرئيسي الذي يربط حي المال بالحي الصيني، أحد المقرات الحكومية المثيرة للجدل نظرًا لتسببه في اغلاق حركة المرور وسط مربع سكنيّ بأكمله تحت ذريعة حماية مركز الشرطة من الهجمات الإرهابية، وهذا ما دفع أعضاء تحالف السكان المدنيّ إلى الاعتراض والقتال عبثًا لعدة أعوام بهدف التخلص من الطوق الأمني المفروض حولهم، طارحين التساؤل تلو الآخر بشأن منطقية تواجد مؤسسة رسمية معرضة للهجوم في أي وقت منتصف منطقة سكنية مأهولة بالمدنيين، دون أن تأتيهم أجوبة شافية أو يلاقوا أي آذان صاغية حقيقة، إذ صرح المسؤولين عن مديرية الشرطة أنهم لا يعتزمون الانتقال واخلاء الموقع بتاتًا رغم الشكاوى المتكررة، مكتفين بتوضيح محاولتهم التخفيف من تأثير الاجراءات المشددة عبر منع الضباط من الوقوف في الأماكن العامة القريبة، وإعادة افتتاح درج جديد يطل على المقر الرئيسي من الجانب الجنوبي قرب جسر بروكلين، إلى جانب الوعد"المستقبلي"بتغيير تصميم أكشاك الحراسة والحواجز الأمنية لجعلها أكثر عصرية وجاذبية!

بيد أن كافة الوعود المقطوعة والميزانيات السنوية الضخمة المخصصة لإضفاء طابع جماليّ على المكان البارد لم تساهم قطعًا في منحه مظهر يشيّ بالدفء والترحاب للزوار أيضًا على قدر ما هو عليه بالنسبة للموقوفين، ممَّا جعل آيدِن تنكمش وتغوص بمقعد الجلد بينما تجلس في مكتب النائب فرناندو غارسيا صامتة، شاردة، منفصلة عن كل ما يدور حولها، كمَّن ظلَّ مجبورًا على مشاهدة فيلم رديء بألوان مشوشة تصاحبه موسيقى تصويرية وتأثيرات رخيصة من النوع المثير للغثيان لعدة ساعات حتى ما عاد يستطيع المتابعة والتركيز أكثر.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن