الفصل التاسع "الجزء الثاني"

164 8 0
                                    


قرعت مع كلمات أوزجو الخشنة مئات الطبول الوحشية في أفق عقل إينور المشوش بسحب غضب أسود لم تعرف له مثيل، وتعالى القرع، يصاحبه نفير مزامير حادة أصمّت أذنيها بطنين فتاك اشتعلت على أثره أعماقها حتى كادت تثب وتنشب أظافرها بوجهه لولا سرعة بديهية كولهان الذي قبض على ذراعها فجأة، بمحاولة عبثية لمنعها من إيذاء نفسها ـ أو إرتكاب جريمة قتل تجلت علاماتها على وجهها متغير القسمات.

وبقوة تجهل أنىَّ وكيف انبثقت داخلها، حررت ذراعها من قبضته الفولاذية المطبقة على زندها بشدة قاربت على اختراق اللحم الطريّ والنفاذ إلى عظامها وسحقها، وانتفضت صارخة بوجه أوزجو دون أن تعبأ لشيء:

"لا يحق لكَ استجوابي أيها السافل لأنك لست وصيًّا عليَّ، فلتذهب إلى الجحيم إذًا أنت وتهديداتك الجوفاء."

"لا تتحدثي معي بهذه الطريقة يا فتاة، ولتخفضي صوتك!"

"إخرس أنت. لست والدي أو أخي أو حتى زوج أختي الراحلة بل تقريبًا طليقها! ولولا ارغام آل كادريوفسكي إياك على معاملتي بالحسنى ما كنت لتنظر بوجهي أو تعاملني على قدر الاحترام الذي استحقه رغمًا عنك."

صرختها بجنون أخرسه على الفور وهي ترفع ذقنها بتحدٍ عام على صفحة وجهها المحتقن. لهثت نفسًا شق رئتها كنصل سكين، وشريط من الأحداث المؤلمة يقتحم عقلها ويومض كمجموعة صور(بولارويد)متقطعة: تدميره سمعة ومهنة ومستقبل سيلين ورفضه تطليقها، اضطرارها مغادرة أماسرا بناءً على طلب الأخيرة من أجل تربية طفلهما الرضيع أثناء سعيها بين متطلبات عشيقها وجلسات المحاكم، الفضيحة التي افتعلها حال مقتلها مع ليونايديس عوض لملمته الأمور بحكمة أكبر، عرض الزواج المضحك، وأخيرًا وليس آخرًا، والطامة الكبرى، استغلالها وجعلها بيدق قرر التضحية به خضم حربه مع كادريوفسكي، واكتشافها إنكاره أبوَّة طفل بريء يعرف سلفًا أنه من صلبه.

لولا وجود أوزجو أونال النحس في حياتها كلعنة وضعتها عرَّافة هرمة ما كانت لتعيش هذه المحنة الصعبة، أو تختبر محنة الاختطاف برمتها. لولا كذباته الشنيعة ما كان ماروس ليأتي إلى عتبة دارها ويأخذها قسرًّا، ما كانت لتبقى في كورتشا فترة طويلة. اللعنة، وما كانت لتغرم حتى النخاع بسيد جحيم مجنون أعلن أنه لا يراها كامرأة بل مجرد طفلة تحتاج إلى الحماية، لكنه ينظر إليها ويريدها كما لم يفعل مع امرأة سواها!

كل هذا أجج داخلها براكينًا كانت تكبحها منذ زمن طويل آثرت فيه التصرف بعقلانية وطيبة حسنة النوايا، حتى عربد غضبها وتدفق وصهر كل ذرات تعقلها المتبقية عندما أحست متأخرة أن أوزجو كان يصرخ بها فعليًا طوال الدقيقة الماضية ويهذر بالوعيد، دون أن تنتبه.

"إغلق فمك القذر هذا يا أوزجو، ما عاد الصراخ والوعيد يجديان معي لأنني صدقًّا لم أسمع شيئًا ممَّا قلته!"

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن