الفصل الأول

569 18 14
                                    


تمر الأيام وتزرع في خاطر الزمن حكاية، تنبض دفئاً وطيشاً، كشفتي عاشقة توردت.

براعم حب ازهرت، وغيرها سحقت. حرائق عظيمة خبت، ورقاقات صقيع ذابت واشتعلت.

تمر الأيام ونجد أن ثمة هنالك مشاعر نمت، ترسخت، وتوطدت، وأخرى تلاشت واختفت.

قلوب عشقت، وقلوب كرهت، والبعض منها بات كحرباء..بالغدر والمكر هي قد تلونت!

تمر الأيام كذرات رمال تسربت، ومازال التاريخ، هو الشاهد الحي، على أحداث خُطَت وسُطِرت، لأرواح كانت مقيدة وبالعشق ثارت وتحررت، وأفئدة سوداء أمعنت في غيها وازدادت ضلالاً وحقدت. على كذبات استهلكت وأبراج صدق شُيدّت، على اسئلة اجيبت وردود ضبابية حايلت ورواغت، على أمال اغتيلت وأحلام تحققت، على خيالات تجسدت ووقائع حال تغيرت، على حقائق تكشفت وأسرار جديدة دُفِنت، على ساعات جمود توقفت، وعقارب زمن تحررت، ثم مضت أخيراً وتحركت، مُتبِعة مؤشر بوصلة غرام فُتِنت واُخذِت بلحن عشق يعزف على أوتار قلوب هامت واغرِمَت دون أن يمتلك أصحابها قراراً سوى إدمان تلك المعزوفة المجنونة التي تخترق أسوار الصمت كتهويدة فيها النجوم ترنمت، لتنتشي أرواحهم، وتتهاوى أبراج أحزانهم، ويخبو أنين عذاباتهم ـ بعدما كان يتعالى مثل صرخات رضيعة وُئِدت، بينما تنزلق الآهات على صفحات العمر كقطرات من غيمة صيف عابرة هطلت، وتبتهج الدقائق، وتنسكب في اجزاءها نغمات فرح يجهل المنصتون إليها أنىّ وكيف انبعثت، وعلى أية مقطع فيها هللت النبضات ورقصت، مهما قيل لهم أن مقطوعتهم تخالف كل قوانين سُنت وشُرِعت، ومهما أدمى ذلك الوتر السحري العصا، وجرحت الأفئدة ونزفت في مغاور صدور من الصِوّان قُدّت وجُبلَت، دائماً ما تحدت أعصاير الصعاب، وواجهتها ببأس وشمخت.

* * * * *

نقيض شتاءاتها الثلجية القاسية، قارسة البرودة، ومظاهر الصقيع والإنجماد المألوفة، سيطرت الرطوبة العالية على أجواء سان بطرسبيرغ لهذا الصيف، حيث أشرقت الشمس وسطعت، وتبددت الغيوم الرمادية ورحلت، وعادت الألوان إلى لوحة المدينة البيضاء بعد أن كانت ضبابية كما الأفلام القديمة الصامتة. فانطلقت أسراب العصافير وغردت، وتمايلت الأغصان الخضراء وتألقت، بينما شرعّت السماء ستائر من قوس قزح وهي تفتح ذراعيها للأفق والمطر وأغاني جنيات الليل، لتروي قصصاً خيالية تخلدت عن قلوب جبابرة عصية لا يعرف أحد كيف شغفت، هامت، وعشقت.

كانت درجات الحرارة قد ارتفعت بطريقة ملموسة أوحت للناظرين كما لو إن هنالك سراجاً في السماء، ما فتىء يتوهج كقوس من النار حتى التهب الهواء وثقل، وغدت ذراته كألياف مضيئة مضت تتماوج بين السياح الذين تفتح شوقهم لزيارة القصور الإمبراطورية المذهلة مثل حقول من أزهار الجنون الليلية، وانتشروا وجابوا الشوارع كفراشات الربيع، بحين تحلق البعض منهم لمشاهدة نوافير قصر(بيترهوف*)الشهيرة، المتراقصة منذ نهاية شهر أيار على أنغام الاحتفالات التي ضجت بها شوارع المدينة النابضة مثل قلبٍ كائن حي،حيث انطلقت فعاليات مهرجان(أوليمبوس*)الدولي، متزامنة مع مهرجان(Stars of the White Nights) ـ الذي ما زال يعد واحداً من أهم المهرجانات الكلاسيكية في العالم نظراً لاستقطابه العديد من النجوم العالميين سنوياً وما فتئت فقراته الكرنفالية تتضمن عروضاً لأفضل المواهب والأعمال الفنية الاستثنائية الراقية، ابتداءاً من تأدية الحفلات الغنائية والأوبرا، وانتهاءاً بعروض الباليه الروسية.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن