مرَّت ثلاثة أشهر منذ إنتهاء مهرجان(كان)السينمائي الشهير ولم تهدأ وتيرة الصخب في المدينة الفرنسية المُطلَّة على البحر الأبيض المتوسط أو تتغير قيد أنملة، ما تزال الحركة السياحية في أوجها، الأضواء تتلألأ على طول الساحل المحفوف بأشجار النخيل الباسقة؛ وتومض كما الجواهر عند الميناء حيث ترسو اليخوت الخيالية، الشوارع تزدحم بالسيارات الفارهة، والمقاهِ والمطاعم تكتظ بالسُيِّاح حتى وقت متأخر من الليل.
إذ بالرغم من كونها أشبه بمنتجع راقٍ يتمتع بمناخ استثنائي رائع لكنها تُعد مدينة حيوية مستمرة الأنشطة، الجميع فيها يستعد لمهرجان أو مؤتمر أو معرض جديد على مدار فصول السنة، ولا يتوقف الأمر أبدًا على لعب الجولف والاسترخاء في منتجعات وفنادق شواطىء(لاكروازيت)الفخمة، أو التسوق الفاخر في متاجر شارع(أنتيب)المعروف بكونه الطريق الإمبراطوري السابق، أو زيارة المتاحف التأريخية وارتياد حفلات الكوكتيل والسهر في قصور منطقة(بيل ـ إيبوك)المذهلة فقط، بل يتخطاه إلى كونها وجهة ومقصد أساسي لرجال الأعمال الأوروبيين وروَّاد المؤتمرات وأقطاب الإعلام والصناعة الدولية.
كان مهرجان اليخوت الذي سيبدأ صباح الغد قد جذب إلى المدينة سلفًا أكثر من أربعون ألف زائر خلال عطلة نهاية الأسبوع حرفيًا، فباتت الفنادق والشوارع مكتظة بالزوار الذين تدفقوا من كل حدب وصوب: أصحاب مصانع اليخوت المشاركة في المعرض، الأثرياء والمشاهير وعارضات الأزياء الفاتنات، المهندسون والمختصون بالملاحة، السيَّاح المهووسون بمشاهدة أخر الاصدارات والإطلاع على تطوَّر الصناعات البحرية، إلى جانب السُكَّان الأصليون؛ المعتادون على أنشطة 'عاصمة السينما' العالمية.
وبين الفينة والأخرى يتمكن مَنْ يدقق النظر جيدًا عبر الحشود رؤية بعض النسوة ذوات السيقان الطويلة والشعور المصبوغة والهيئة الصارخة بأنهن 'باحثات ذهب' وهنَّ يتجولن في الأرجاء بعطورهن الفرنسية النفاذَّة وثيابهن المصممة على أمل اصطياد زوج أو عشيق ثري، غير عابئات بالقاء أبسط نظرة على الشبَّان الطموحين المتأنقين؛ الذين قطعوا مئات الكيلومترات ـ وأحيانًا آلاف الأميال ـ وهم يحملون سيِرهم الذاتية، بحثًا عن فرصة عمل خيالية أو ضربة حظ استثنائية قد تتيح لهم لقاء أحد أصحاب النفوذ أثناء المهرجان، وربما التعرف على أحدهم عرضًا وهو عائد لتوه من حفل ساهر ويبحث عن طاولة شاغرة ليطلب فنجان قهوة ويدخن سيجارة، بعيدًا عن الوجوه المتكررة والأماكن الحصرية المألوفة.
'يا للسذاجة.'
كانت هذه الفكرة الأولى التي تخطر على ذهن نيكولاي كلما جرَّته اميرالد وأجبرته الحضور إلى (كان) أثناء أحد المهرجانات سابقًا، وذلك لأن صُنَّاع القرار وأصحاب النفوذ لا يلتقون إلَّا بأمثالهم عادًة، هم لا يثقون بالغرباء عمومًا، أو يكترثون حقيقًة، طالما لم يصلوا إلى ما هم عليه إلا عبر الدهس على الأخرين دون رأفة، وإذا كان لا بُدَّ من العثور على موظفين ألمعيين جُدد أو اكتشاف موهبة خارقة ما فأنها عملية تحتاج إلى التزكية والكثير من التقصي والبحث في خلفية طالب الوظيفة، ولن يحدث ذلك في حانة أو مقهى ما قطعًا، وحتى إذا ابتغى أحدهم إقامة علاقة غرامية قصيرة الأمد مع الفتاة المثيرة التي تتقرب منهم وهي على استعداد للقيام بكل شيء لجذبهم، فأنهم لن يترددوا في طردها من أجنحتهم الفندقية سريعًا قبيل الفجر، متذرعين بامتلاكهم مواعيد واجتماعات هامة في الصباح الباكر.
أنت تقرأ
{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984
Romanceسيمفونية الجليد والنار الجزء الثالث سلسلة اسرار خلف أسوار القصور كتابة وتأليف: Noor 1984 تصميم الغلاف والقالب الداخلي: Gege86 دار نشر منتديات شبكة روايتي الثقافية - قلوب أحلام الغربية https://www.rewity.com/forum/t478760.html روايات غربية بقلم noor1...