الفصل التاسع عشر ج1

316 13 5
                                    

انخفضت شمس الأصيل شمال أثينا ولم تعد مُعلقة وسط السماء. ضوءها مائل، يسقط بانحدار، تقنص حاشية من سحابة عابرة فتشعلها كأنها قطعة من الضياء، وتحيلها جزيرة ذهبية لاهبة لا يستقر عليها بصر، ثم تحنو على سحابة أخرى، تغازلها، تراقصها، وتلوّنها بألوان دافئة، وبين الفينة والأخرى كانت ترسل سهمًا من الضياء المتقد ليمرق شاردًا عبر زرقة المتوسط المرتعشة، أو تسكب بريقها مع هبّات النسيم فوق أوراق الشجر النضرة المتحركة والشوارع الأسفلتية المتلألئة كالمرايا.

كانت الطيور تجلس ساكنة على أطراف نادي ومضمار(دراكوس)الخاص للسباقات وركوب الخيل؛ خلا أنها تدير رؤوسها من جانب إلى آخر، وقد توقفت عن الإنشاد، متخمة، كأن إكتمال الظهيرة أرهقها، فجثمت لتستريح فوق أغصان السرو والأسوار المحيطة بالمكان المخصص لفئة استثنائية من نخبة المجتمع المخملي في اليونان.

الشرائط الملونة وملصقات الإعلان المثبتة على أبواب أكشاك الرهانات تتأرجح مع هبَّات النسيم، وأنوار اللوحات الداخلية تومض مُرحِبة، مستعدة لاستلام أموال المراهنين ذوي النزوات المكلفة، ممَّن يدمنون المجازفة على الحظ الميمون. صوت صهيل الخيل القادم من الاسطبلات الخشبية يبدو كأنه أغنية متقطعة لأجنحة رقيقة ترفرف في الأفق البعيد، خرير الماء في الجداول الصناعية العذبة يتداخل مع باقِ الأصوات الخفيضة المكتومة قبل أن يتبدد متبخرًا في الهواء، أجمات الورد والبنفسج وأزهار السوسن البرية تنثر رذاذها الشذي كنثرات من الذهب والليلك بينما تضرب أشعة الشمس عبر تويجاتها زاهية الألوان، نوافذ الأبنية الحجرية الأنيقة تعكس الضوء، ثم تردّه إلى الفضاء الأزرق المعدني على هيئة حُزّم مُشعة تشبه مجاميع من النِبال، وأوشحة ستائر الخيِّم المنصوبة محيط المدرج تتراقص وتتلوى مثل بيارق قلعة أسطورية، أما عُشب المضمار الكبير، الذي تمّ تصميمه بدقة على غرار المسارات الاحترافية في مضامير سباق المملكة المتحدة، فقد كان يتألق بلون أخضر فوسفوريٌ، كما لو أنه قطعة من غابة سحرية بعيدة، لم تطأها الأقدام مسبقًا.

يكاد كل شيء يبدو طبيعيًا ومريحًا للأعصاب في الواحة الخضراء النائية عن صخب المدينة المكتظة لولا الرهبة الناجمة عند ملاحظة البوابة الرئيسية الموصدة حرفيًا بوجه أعضاء النادي الحصريين، والتوتر المشحون السائد بين الساسَّة والموظفين بسبب المروحية السوداء المتوحشة الجاثمة طرف المزرعة كطائر عملاق ينشب مخالبه في الأرض، وحرس كادريوفسكي المخيفين الذين ثابروا على الانعزال بينما يشكلون دائرة فاصلة غير قابلة للاختراق حول مقصورة كبار الشخصيات في المدرج، وجوههم السمراء القاسية حليقة بعناية، ربطات أعناقهم لا تشوبها طيّة في غير محلها، ياقات قمصانهم المنشاة بيضاء ومستقيمة مثل حواف الورق، مقابض أسلحتهم الفضية تلمع بين الفينة والأخرى عبر الجرابات الجلدية المعلقة على خواصرهم، متوارية أسفل السترات الرسمية السوداء، وهم يقفون كالتماثيل، وعيونهم مسلطة على المضمار بانبهار لم يستطيعوا اخفاؤه تمامًا أثناء متابعتهم اللوحة الفنية المتحركة التي كانت تشكلها اميرالد، بكل جمالها وبهاءها الأسطوري، مع فرس تركمانستانية نادرة من سلالة(Akhal - Teke)القديمة، تألقت كأنها سبيكة من الذهب الخالص تحت أشعة الشمس.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن