الفصل الرابع عشر"الجزء الأول"

246 7 6
                                    


تشتهر منطقة«بحيرات البطريرك»في العاصمة الأغلى في العالم؛ موسكو، بكونها إحدى أهم المعالم الجغرافية التي خلدها الكاتب الروسي(ميخائيل بولغاكوف*)في روايته الشهيرة(المعلم ومارغريتا*)، واصفًا علامات الطريق مميزة الاقتباسات، والمقاعد الحجرية المنتشرة حول البحيرة الراكدة، والممرات المسورة بالأشجار الخضراء الوارفة ذات الأغصان المتشابكة التي منحت فعليًا صورة المشاهد الظلية لشيطان الرواية وأتباعه.

وقد سُميَّت المنطقة، الكائنة على ضفاف جدول مياه ضحل يرتبط بنهر بريسنيا من جهة الغرب، على اسم البطريرك سلوبودا في القرن السابع عشر. وعندما تم تجميع أول خريطة رسمية للمدينة اختفى الجدول، وانفصل، مؤلفًا مستنقعًا ظلَّ مهجورًا حتى أوائل القرن الثامن عشر حيث اكتسبت البحيرة شكلها الحالي، كجزء من خطة إعادة بناء موسكو ـ بعد الحريق الذي دمَّر أحياءها إثر دخول القوات الفرنسية المدينة في أعقاب معركة(بوردينو*) الدموية الطاحنة آنذاك.

ومنذ ذلك الحين، اشتهرت البحيرة وأصبحت مقصدًا لسكن الأثرياء بعد انسحاب جيوش نابليون وتجديد المساكن والقصور من حولها، ريثما سقطت تحت سيطرة المليشيات الطلابية اليسارية وباتت ساحة حرب، قبل أن تشهد عملية طرد ممنهجة للطبقة الارستقراطية في أعقاب الثورة البلشفية، فتحولت المبانِ الراقية المُصادرة إلى سفارات أجنبية، بينما مُنحَت الشقق الفارهة إلى منتسبي الحزب الشيوعي وأعوانه، وتشاركت كل شقة واسعة منهم عدة أُسر فقيرة في آنٍ واحد.

لكن اعتبارًا من عام 2016 تغيرّت كفة الميزان ثانية، إذ تم شراء الشقق المشتركة وأعيد تجديدها وتحويلها إلى مساكن فاخرة استقطبت الأثرياء ورجال الأعمال ونخبة المجتمع الإبداعية، بحين اقتطع أحد المطورين العقاريين جزء من الغابة الكثيفة، وشيَّد مدينة مُصغرّة تضم مجموعة قصور تسمى الأكواخ، يحاوطها سور عال يتجاوز ارتفاعه الستة أمتار، وتخضع إلى حراسة مشددة طيلة الأسبوع، بعدما بات البحث عن الهدوء والخصوصية مطلبًا أساسيًا بعيدًا عن الأضواء وصخب المدينة المكتظة، ممَّا ساهم في تغيير التركيبة السكانية بوتيرة سريعة وأصبحت المنطقة نقطة جذب تحظى بشعبية كبيرة جدًا فامتلأت بالمقاهِ والحانات والمطاعم.

وبإمكان أي عابر سبيل اليوم أن يلحظ الموسيقيين والفنانين وهم يزاولون أنشطتهم على الأرصفة المحيطة بالبحيرات، ويرى ربات المنازل الثريات يتجولن بين متاجر العلامات التجارية الباهظة. أما في ليلة الجمعة، فتكتظ المطاعم الأجنبية والحانات المرتصة على امتداد الشارع ويسهر روادها حتى ساعات الصباح الأولى، بطريقة بدأت تزعج سكان المنطقة الراقية الذين اعتقدوا في يوم ما أنهم انشأوا مملكتهم المعزولة الخاصة.

مع ذلك، بالرغم من اكتظاظ شارع(مالايا برونايا)برواد المطاعم الإيطالية المنتشرة على جانبيه وصولًا إلى البحيرة، إلا أن الطريق بدا هادئًا، وساحر الجمال، حالما انعطف سائق الليموزين البيضاء التي كانت تقل يانيس وميراسلافا، إلى اليمين، ودلف مدخل مدينة الأثرياء الحصرية عبر بوابة حديدية أليكترونية مزخرفة، سرعان ما أفضت بهم نحو شارع مرصوف، تحفه الأشجار الكثيفة من كلا الجانبين، بطريقة بديعة التنسيق تلائمت مع طراز الشوارع الداخلية، المفضية إلى مداخل القصور الأنيقة المتراصّة في المجمع السكني الفاخر.

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن