الفصل الحادي والعشرون

187 6 5
                                    


يتردد دائمًا في أوساط واشنطن المخملية إن العلامة الأكيدة على نجاح شخصٍ ما في العاصمة هي العضوية في نادي (Cosmos Club) الحصري، الذي تأسس في أواخر القرن الثامن عشر، وذلك ليس فقط بسبب شروط عضويته الصعبة ورسوم انتسابه الباهظة، بل نظرًا لكون الأعضاء السابقين فيه يشملون أربعة رؤساء للولايات المتحدة، وثلاثة عشر قاضيًا من قضاة المحكمة الفيدرالية العليا، وعشرات الفائزون بجوائز نوبل وبوليتزر الصحفية ووسام الحرية الرئاسي، ما يجعل المقر الكائن في وسط المدينة، بالقرب من جادَّة دوبونت وشارع السفارات، يمثل معلم هام في تاريخ ومكانة مركز 'صُنَّاع القرار'، ومكانًا استثنائيًا لبحث الشؤون الاقتصادية والسياسية أثناء تناول الطعام الجيد وتدخين السيجار الكوبي مع كأس من الشراب المعتق الفاخر.

كان المبنى الضخم، المشيد على غرار قصور النهضة الأوروبية، والذي تمَّ إدراجه بشكلٍ فردي في السجل الوطني للأماكن التاريخية، وصدر قرارٌ بتعيينه كمعلم بارز في واشنطن، ما يزال يحتفظ بتصميمه الكلاسيكي الأصلي من الخارج: الحدائق المشذبة عند المدخل المهيب، أفاريز الشرفة الرخامية البيضاء، واجهات الحجر الجيري، والنوافذ الفرنسية المستطيلة، والأسطح المائلة جزئيًا، المغطاة بالقرميد الرمادي المُزرق. ورغم إضافة العديد من الملحقات إليه على مر السنين، وحرص القائمون على تجديده وترميمه لمواكبة العصر، لكنه ظلَّ مُحتفظًا بطرازه الأثري الفريد، بطريقة مهيبة، جعلت قلب رايتشل يخفق بشدة حالما وطأت قدميها البهو، وخطفت أنفاسها جمالية المكان المخصص للاستقبال، ومنحتها ذلك الانطباع بأنها قد انتقلت بالزمن إلى أحد نوادي السادة النبلاء في القرون الماضية، حيث ما تزال الجدران العتيقة المزينة بالزخارف الجصيّة البديعة والأعمدة الرخامية والأرضيات الخشبية المكسوة بالسجاد تعبق برائحة الماضي، بينما تنطق كل زاوية وأريكة ولوحة موجودة في المكان بسطوة المال القديم المتوارث ما بين الأجيال.

أخذت نفسًا عميقًا وهي تتفحص البهو المخصص كقاعة انتظار صغيرة، وعقلها يسجل كل تفصيل دقيق؛ جدران وقواطع اسمنتية بيضاء تزينها مجموعة متشابهة من الفوانيس النحاسية العتيقة، أعمدة رخامية يتداخل فيها اللونين الأبيض والأسود كعرق اللؤلؤ، أرائك ومقاعد كلاسيكية الطراز تتراوح ألوانها ما بين البيج الفاتح ودرجات القرميدي الهادئة، وثمة هناك مدفأة رخامية بيضاء تعتليها مرآة كبيرة، وسُلَّم لولبي عتيق؛ يكسوه السجاد الأحمر المَلكي، وتحيطه درابزين حديدية سوداء.

بدا كل شيء في المكان عريقًا ومترفًا بطريقة لا تبعث على الراحة أبدًا لأي شخص لم ينشأ وسط هكذا بيئة متكلفة، متحف يجسد جوهر الامتيازات الحصرية لأصحاب المال والنفوذ الذين يدورون في دوائر مغلقة؛ ومقر طَبقي غير رسمي، يجمتع فيه رجالٌ يتشدقون بالشعارات الرنانة حول الحقوق والحريات والمساواة، يُجملون وحشيتهم بالمُثُل والقيم العليا، بينما يفلسفون شهيتهم اللامتناهية للافتراس السادي والجشع، دون أن يكلفوا أنفسهم وسع تطبيق ما يقولونه، طالما يعولون على الحمقى من العامَّة لتصديقهم والإيمان بهم!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 24 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن