الفصل التاسع عشر ج3

144 3 0
                                    


على الجانب الأخر، وفي جهة الأفق الغربي من الحديقة العامَّة المهجورة، التي شوَّه الغدر جماليتها، بعدما سمَّم جشع سيث تربتها وأفسد بحقده نقاء هوائها، تلألأت النجوم كأزرار فضية، التصقت بقبة السماء المخملية داكنة الزرقة، وتعلقت فوق الرؤوس، بينما فاح شذى الورود والزهور الاستوائية النادرة، وتسابقت أضواء المصابيح الكروية الأشبه بنبات الفطر لتوزيع أشعتها الذهبية كافة زوايا وأرجاء المنزل فريد التصميم، فظهر عند المدخل تدفق قوي لبريق شلال ضوئي متدفق، يتشكَّل من ستارة مائية، عزلت شرفة الطابق الأرضي عن الأنظار، وحاوطتها من ثلاثة جوانب، مثل قوقعة تحمي لآلئها الثمينة تحت سيول طوفان.

كان الشلال الاستثنائي الذي يحتل واجهة منزل جوناثان الرئيسية، يلمع كالفولاذ، منظومة الإنارة ـ المخفية بطريقة هندسية ـ تجعله يتألق ببريق كريستالي شفاف، وقطرات الماء تتدافع مسرعة، نزولًا من السقف للأرض، ثم سرعان ما تعاود الغوص في جداول وقنوات التصريف الداخلية، قبل أن تتسابق وتصعد، بمعونة المضخات، عبر الأنابيب ثانية، لكي تكمل دورتها وتهبط مجددًا، كأنها تزدري القطرات البطيئة الأخرى، وتسخر منها، أثناء محاولتها حثها ملاحقها.

بدا كل شيء في الشرفة الطويلة، المسقوفة جزئيًا، خياليًا، ولا يمت للواقع بصلة. الجدران المائية، انعكاسات الأضواء المتسربة عبرها، أحواض الزرع الداخلية، الأرضية المغطاة بالخشب المصقول، الأرائك والمقاعد المريحة المصنوعة من سيقان أشجار البامبو الطبيعية، الشموع المثبتَّة على قواعد خشبية عريضة، والموسيقى الناعمة المتذبذبة مع هدير الشلال المهدىء بنغمة اتسقت وأصوات الضحكات والهمسات القادمة من الداخل كأنها خلفية تصويرية لمشهد فيلم كلاسيكي جميل.

أطلق جوناثان تنهيدة حررَّته من تعب وارهاق النهار المحموم، وهو يتأمل روعة مكانه المفضل في المنزل، بعدما سرق لنفسه بضع لحظات من ضيوفه وخرج لتدخين سيجارة. هذا إذا كان بامكانه اطلاق مصطلح 'الضيوف' على بلايك والقزمة المغيظة سالومي، طالما يقيمان لديه بصورة دائمية تقريبًا، أو يستطيع تحديد مشاعره تجاه المخلوقان الغريبان اللذان طالب مارلي بدعوتهما إلى العشاء الليلة!

قطب باستياء وهو يستعيد انطباعه الأول عن المراهقيَن الأكبر سنًّا ـ وخبرة لا محالة ـ من ابنته بالتبني: رورك، الشاب النحيل الطويل ذو السبعة عشر عامًا، أو على الأقل كان ذلك العمر الذي يظهر في بطاقته الشخصية الحقيقية لكن لا يُمكن أن ينسب إليه للوهلة الأولى، نظرًا لطريقته في ارتداء ثيابه كأفراد عصابات الدراجات النارية، بنطال جينز كالح وسترة جلدية فضفاضة مع (تي ـ شيرت) أسود، عار الأكمام، ومجموعة من السلاسل الذهبية الطويلة، ليكمل اطلالته غير المريحة بتاتًا بخصلات شعر طويلة، بنية محمرة، مثبتة بأطنان من هُلام التصفيف قديم الطراز، وابتسامة جانبية وقحة السخرية، زادت من ملامح وجهه الاجرامية قسوة، ومن أخلاقياته المعدومة نقصًا!

{سيمفونية الجليد والنار } ـ ج3 أسرار خلف أسوار القصور ـ Noor1984حيث تعيش القصص. اكتشف الآن