52

115 10 0
                                    

"إذاً كيف كان يومك؟ " سألت من باب اللباقة وتفاجأت حين أجاب واصفاً جُل ما حدث في يومه

" لم أفعل الكثير، استيقظت و قمت بتجربة وصفة حساء جديده، لم تكن جيده كما ظننت، قمت بتصفح مواقع التواصل، قمت بغسل الصحون ووضع بقية الطعام في الثلاجة، قمت بقص اظافري و إنني الآن اتحدث معك"

"ماذا عنكِ؟ " قال هو وهو يحدق في داخل عيناي بحزم

"إن حياتي بأكملها لم يعد لها آية معنى، إنه فقط يوم مُمل آخر " قلت بصدق، إنني أحتاج إلى الحديث مع أحدهم

وإنني الآن أفعل

" هل انتِ مُهتمة بالفن؟ "  سأل 

نعم، إنني أرسم من آن إلى آخر ... لكنني أُصِبت بنوبة جنون سابقاً و قمت بتمزيق جُل رسوماتي " اجبت بخجل

سيظن الآن أنني مجنونه حقاً

كان سيتحدث لكنني قاطعته سريعاً، لا أريده أن يسأل عن السبب، لأنني انا نفسي لا زِلتُ أجهله
" إذا ماذا عنك.. هل أنت مهتم بالفن؟ "

" ليس حقاً، إنني احبذ الموسيقى، الجاز خصيصاً، لكن يمكنك القول انني متذوق للفن بشكل ما"

"هل تعمل؟.. اقصد هل كنت تعمل سابقاً، من الواضح الآن أنه لا أحد يعمل.. اقصد بسبب الوباء " سألت مجدداً

" كُنت أقوم بتدريس الأطفال في الروضه "  أجاب وتعجبت لوهلة، لم اظن قط أنه قد يمتلك مهنه كتلك! لحظة كم يبلغ من العمر أساساً!

" إنك لا تبدو كبيراً في السن..  لا اقصد الإهانة، لكن بشكل ما ترتبط فكرة التعليم في عقلي بكبار السن المُملين"

كانت هناك شبه ابتسامه على شفتيه

" إنني في عامي الثالث والثلاثون "

"مااذا؟، هل تشرب دماء العذروات أم أنك خالد؟ " قلت بصدق و تفاجئ، الآن كان دوره للتفاجؤ والقهقه، ظننتت أنه في مُنتصف العقد الثاني، ربما سته وعشرون ليس اكبر بعقد كامل!

"بالمناسبه إنني في الثامنه عشر " قلت لا أعلم لم!

"أعلم " أجاب، لقد خمنت ذلك مُسبقاً" ، ارتفع حاجبي الأيسر بغرابة

" رأيت إحدى كُتبك المدرسية سابقاً" قال مُفسراً

اذاً، لم أكن الوحيدة التي تتلصص، على الاقل الآن بت أعلم أنها ليست بأفعال مراهقين

" إذاً أيتها الأنسه ذات الثماني عشرة ربيعاً، لماذا تظنين أن التعليم مرتبط  بكبار السن؟" قال و هو يبعد شعره بيدة إلى الخلف

أشعر بأنه يقوم بمجاراتي لكن ذلك لا يهم حقآ

"لا تتظاهر بأنك لم تسمع شقيقتي وهي تصرخ بإسمي إنها تفعل ذلك كل يوم.. لإغاظتي بالطبع " قلت و انا امسد عنقي البارد، لم اعتد هذا الشعور بالفراغ بعد

ظل صامتاً متظاهراً بأنه لا يعلم إسمي ، أم انهُ حقا لا يعلم؟

ليس وكأن للأمر أهمية، فأنا مثلاً لم أعرف إسمه إلا قبل أسبوع، إن هذا مضحك حقاً، طوال المدة الماضية كنت اتلصص على اسلوب حياته لكنني لازلت أجهل الكثيرعنه

"إن المدرسين غير مهتمين بالتدريس أو بالتعليم او ببناء جيل سوي، إنهم يظلون يرددون ما يحفظون، نفس الكلمات، المال هو ما يهمهم حقا، نحن لا نشكل اية أهمية لهم ، لذلك لقد فقدت المُتعه منذ أمد في التَعلم... اقصد في الدراسه، على الأقل لازلت استمتع بالقراءة" قلت مُجيبة على سؤاله بكل صدق

" لا يمكنني مخالفاتك الرأي، لكن هل جميع المدرسين هكذا بالفعل؟"  قال

" إنني لا أعلم، لست جاهلة حتى أُجَمِع بالحُكم، لكن الملل قد اصابني من الأشخاص الذين صادفتهم " قلت مُجيبة ثم أكملت

"إن ما يثير جنوني هو قدرتهم على التعامل مع ذلك الروتين القاتل، الإستيقاظ في ذات الوقت، تكرار الشرح والتظاهر بأن للأمر معنى... إنني اقول ذلك لأن والدتي مُعلمة، إنها تتذمر طوال الوقت، إنني أرى كيف ييستنفذ الأمر طاقتها "

" إنكِ قد تظنين أنهم يتظاهرون، لكنني اخالفك الرأي ، انا مثلًا احفظ أسماء جميع الطلاب الذي اقوم بتدريسهم حتى مع كونهم أطفال قد لايفقهون شيء وانني بالفعل أجد متعه في تكرار المعلومات او الشرح لهم هل تعلمين لم؟ " قال و قد ختم حديثة بسؤال، ليس وكأنني سأجيب لذلك اكمل حديثه

" لأنني احبذ نظرات السعادة والفضول في أعينهم حين يتعلمون شيء جديد.. حين تُضيئ عقولهم و تزداد معرفتهم، الآن إنني اتفق معك كلياً أن الروتين قد يصبح خانقاً أحيانآ لكن من يجبرك على الإستمرار؟ "

اظن أنه بحبذ ختم حديثه بسؤال، الآن اجبت

" مالذي تقصده.. المال بالطبع.. الأمان الوظيفي، من كان يظن أن أمراً كوباء قاتل قد يعاود الظهور، أنظر الآن إننا نتعايش مع الأمر لأننا نملك المال"

" مااقصده، أن الشخص الذي يمتلك الرغبة والشغف في تحقيق ما يرغب لن يعتبر أن الروتين أمر قاتل كما تظنين بينما الأشخاص كوالدتك و مثلي أحيانآ قد يتذمرون لعدة أسباب " قال ثم أكمل

" لكن بالنسبة لي.. إنني اعيد النظر الآن في كل أمراً فعلته " قال ثم أكمل

" لستُ مجبراً على الإستمرار حتى و إن كنت أجد بعض المتعه... البشر كائنات ذكيه يمكنهم كسب المال من عدة طرق مُختلفة بغض النظر عن الوظائف الإعتيادية"

جعلني ذلك أفكر داخلياً، ربما يجب على إعادة النظر و مراجعة جميع قراراتي السابقة


هل أفعل؟

Next to you حيث تعيش القصص. اكتشف الآن