"
أشكُو إِليك أُمُورًا أنت تعلمُها
ما لي علَى حملهَا صَبرٌ ولَا جَلَدُ
وقد مددتُّ يدي بالضُّر مُبتهِلًا
إليك يا خير من مُدت إليه يدُ"
*•
يجلس بجوارها ، يمسك يدها وبمواساة : الله يرحمهم .. كلمتيهم طيب ؟
تالا تهز راسها وبأسى : بس منى ، ريان تعبانة ما كلمتني ..
بدر وضع يده على كتفها : ولا يهمك ، باقي مصدومة .. بس يرجعون الرياض تروحين عندهم
اكتفت بهز راسها بدون تعليق ..
لاحظ تكدر خاطرها من وصلها الخبر ، همس : ودك نرجع البيت ترتاحين ؟
وقفت : ياليت ..
وقف معها : زين ، البسي عبايتك ..
لاحظت عمتهم مريم ، نطقت : رايحين ؟
بدر : اي والله يا عمة ، تعيشنا وهذا المهم .. ماعاد نبي نطول
بخيبة : اللي يريحكم ..
توجهت تالا للقسم الداخلي عند البنات ، أخذت عبايتها ولبستها .. ناظرتها ميرا بضيق ، ما أمداها تجلس معها وشوق وحدهم ، بخاطرها تحكي كثير .. تحكي لهم عن خطبة راكان لها ، أبوها الصبح كلمها .. محتارة جدًا وحاسة بالعجز لتختار الخيار الصحيح ! ، قلبها متذبذب مابين الرفض والقبول .. لكن مع وصول خبر وفاة أهل منى وريان استصعبت تحكي الموضوع ..
لفت عليها تالا بإبتسامة ميتة : يللا ميرا ، أشوفك على خير ..
هزت راسها وهي تسحب كرسيها خلف تالا حتى الصالة الكبيرة حيث تجلس أمها مع باقي عماتها ، كتبت بجوالها لأمها تستفسر عن شوق .. صابتها الخيبة وهي تسمعها تقول : عند أبوها وإخوانها بالملحق
من جات وهي عندهم ! ، شعرت بالغيض .. رجعت تكتب تسأل عن شادن الهادئة جدًا من جات ، وكان الرد مخيب كذلك : مع بندر بالغرفة !
استسلمت والملل يتسلل لها ، توجهت لأحد الغرف الداخلية واستسلمت للنوم كحل وحيد .
-
قبل ساعات :
كانت تقف أمام الأسوار العالية ، تستشعر أرواحهم حولها ، تتمنى لو تطير حتى تصل للتربة اللي تضمهم .. أسندت رأسها على الحديد غير مستشعرة للحرارة الشديدة اللي تنبض منه ، : يارب ارحمهم ، يارب هون عليهم وحشة القبر ، يارب طمن أرواحهم .. وسّع قبورهم ، وطهرهم .. يااارب اجعلهم بنعيمك يارب ..
كان يراقبها وهو يجلس بسيارته ، أصرّت على زيارة المقبرة .. بينما حالة ريان تزداد سوء ، طلب منّه ياسر على استحياء يوصلها للمقبرة علها تهدأ كونه مايقدر يترك ريان وحدها بهذي الحالة .. وها هي من ساعة تقف أمام السور المهيب .
وقف وهو يلمح بائع متجول يقترب منهم ، اشترى منه قارورة ماء .. توجه لها وهو يمد علبة الماء ، ابتعدت عن السور حتى يتضح له احمرار وجهها الشديد من أثر البكاء والشمس .. أخذت الماء من يده ، بللت شفاتها بالماء ..
ومن دون ما تنطق بحرف تحركت للسيارة ، جلست بالمقعد الخلفي .. وأخيرًا تحرك بسيارته متجه للشقة اللي يسكنها ياسر ..
أوصلها حد باب الشقة ليطمئن أكثر ، نطقت بخجل ممزوج بانهاك قبل ما تدق الباب : آسفة ، تعبناك معنا ..
أحمد بحنيته : لا تتعذرين ، ياسر بحسبة أخوي الصغير .. وأنتِ بنتي !
خنقتها العبرة للطفه وحنانه ، تمالكت نفسها : ما بنسى لك هالمعروف ، أحس بانشراح بعد ما زرت المقبرة .. شكرًا
ابتسم : الله يشرح لك صدرك ويفرج عليك .
فتحت باب الشقة ومن باب الواجب نطقت : تفضل ، ياسر موجود ..
أحمد رفع معصمه لتظهر له ساعته : ودي والله ، بس رحلتي قربت .
ما خفت عنه ملامح الدهشة والخيبة اللي غطت وجهها ، لكن سرعان ما نطقت : بالسلامة ..
ودّعها بابتسامة عذبة ، وتوجه بشكل سريع للمطار .. عاد للرياض ، وبرغم تعبه النفسي توجه لبيت أبوه حيث ماكانت العائلة مجتمعة ، قابلته بنته الوحيدة ببهجة بينما هو ألقى عليها خبر ما حصل لصديقاتها المقربات كالصاعقة ، تندم أشد الندم وهو يشوف فرحتها كيف تحولت لحزن شديد ..
طلع لبرى الفيلا برفقة بدر اللي كان ينتظر خروج تالا ، جلس على طرف الزينة الحجرية اللي تزين الجدار وهو يزفر بضيق ويمسح وجهه .
بدر عقد حواجبه : وش فيك عمي أحمد ؟
أحمد على نفس وضعيته : حاسس إني ضايع ..
بدر والاهتمام يزيد عليه : بسم الله ، شفيك ؟ عسى ماصار شي ماندري عنه !
أحمد أبعد يدينه عن وجهه واستعدل واقف : محتار وضايق .. ماودي أخطو خطوة واكتشف إنها خطأ ! ، ولا ودي أتراجع وقلبي يقولي امشي قدام .
على هالكلمة طلعت تالا ، وبترت باقي الكلام من لسان أبوها .. مشى معهم على رجلينه حتى وصل بيته ، ودعهم .. واستفرد بهمه في غرفته اللي تشاركه وحدته ، كل ما حاول يغمض عينه تتراءى له صورتها .. غير متقبل لسيطرتها على عقله ، يحاول يحاربها .. لكن لا جدوى ! منتصرة دائمًا ..
تنهد بهم وهو يستغفر ، كيف لفتاة بعمر بنته تسلب تفكيره .. تعوذ من الشيطان ودخل الحمام ياخذ له دوش ينعشه ويبعد عنه التفكير .. صلى ركعتين بعد ما طلع وهو يلح بدعاءه لربه أن ينيره بالطريق الصحيح .