الفصل الثامن
في أحد المطاعم ,,,
جلس الأطباء الثلاثة يتناولون الفطور , انتهت رباب من إفطارها و شربت كوب من القهوة , بينما الزوجين المشاغبين مازالا يتشاجرا على أشياء تافهة و رباب تحاول ألا تشغل رأسها كثيرا لكن هيهات فقالت بحدة و صوت عالٍ نسيبا :..
- كفـــــــــــــــــــــى
عاصم: ما الأمر ؟
نهي : ماذا بكِ لما على صوتك هكذا نحن في مكان عام .
رباب باستهجان : حقا !!! ألم تشعرا بنفسيكما ؟!! لقد رغبت فقط في بعض الهدوء , و إذا بالصخب يجلس جواري .. لا أريد أن أسمع صوتيكما , ثم ما تلك الأشياء التافهة التي تتشاجران عليها .. ما الأمر الهام إذا كانت الستائر صفراء أم حمراء , ماذا يحدث إذا كان ورد القاعة أحمر جوري , أم أبيض ... و أنت يا عاصم تدخل معها في هذا النقاش العقيم , هي من قبل مجنونة و الكل على علم بذلك , لكن أنت تعترض على الحذاء .. لقد أفقدكما الزواج عقليكما ..
نهي بعصبية : شكرا رباب , أنا مجنونة , أشكرك ..
ثم تابعت بهيام : ..
-لكني لا أشعر بالسعادة إلا و أنا أتجادل مع عاصم ... و أحب أن أعيش حياتي مع رجل أحبه و نحن نتجادل هكذا , نختلف لنشعر باللذة , ماذا سأستفيد إذا نفذت رغباته جميعها حتى و لو كنت موافقة سأشعر بالملل , و إن وافق هو بسهولة هكذا ستقتل الروتينية حبنا .
نظرا لها عاصم بانبهار و قال بفرح : ..
-تحبيني .. هل نهي اعترفت للتوا بحبها لي ..
خجلت نهي كثيرًا فتابع هو : ..
-9 أشهر خِطبة و لم تنطقها .... لقد قالتها , قالتها .
رباب : ستفضحنا يا مجنون .. أنا المخطئة أني خرجت معكما .
عاصم : لكن حقا أنا مقتنع بكلام نهي دكتورتي المجنونة الراشدة ... الحب شغف , و كلما تشاجرنا زاد حبنا و شغفنا , إنما الصمت يقتل , و سيؤدي يوما للخرس الذي سيقتل الحب يومًا ... أريد أن أعيش معها هكذا كالقط و الفأر .
رباب : أسعدكما الله و رزقكما بالذرية الصالحة .. لكن عندي رجاء لتأجلا شجاركما معًا حتى تصيرا وحدكما .. و أيضا أسرعا في الفطور لأنه يجب أن نصل للمستشفى في غضون 15 دقيقة .
عاصم / نهي : حسنا .
رباب : هل لي أن أستأذنك يا عاصم في أخذ زوجتك بعد الدوام لشراء بعض الأشياء .
عاصم : لكن هكذا ستتأخران و لن تستطيعا العودة , كما أخشي عليكما السفر وحيدتين .
رباب : أنا أسافر بمفردي قبل أن تعمل لدينا عاصم .. كما أني لن أنزل القاهرة سأظل هنا عدة أيام , لكن لا مشكلة وقت أخر يا نهي .
نظرت له نهي نظرة ذات معني و قالت :..
-لا رباب أنا أريد أن أذهب معكِ , لأن ذوقك يعجبني , و أنا من كنت أريد استغلالك لشراء بعض الأغراض قبل الزفاف .
رباب : لا مشكلة يا نهي , لنؤجلها حتى نعود للقاهرة .
نهي : لا أنا أريد التسوق من هنا , كما أنكِ ولدتِ هنا ستكونين الخيار الأمثل لنتنقل بدون خوف .
عاصم بدبلوماسية : حسنا عندي الحل الأمثل , لتذهبا على راحتكما , و أنا سأمر على بعض الرفاق , و أشتري بذلة الزفاف و بعض الأغراض و نتنزه قليلا .. و اتصلوا بي لكي أقابلكم .
نهي : فكرة رائعة .....
رباب بابتسامة : حسنا !
..........................................
في شقة مراد شرف الدين ,,,
سالم بغضب : ماذا تقول يا مراد لقد تخطيت حدودك .
مراد : صدقا !! عجبا لك تنعتني بالغرابة ... صدقني أنت رجل أعمال ناجح و ذو خلق كريم , لكن أشك فيك كرب أسرة فاشل , لم تهتم بأسرتك كما ينبغي , فخرجت الأمر عن السيطرة , انزع عنك طور الكبرياء و انظر لنفسك و لأسرتك فستجد أنك صفرا لم تحقق شيئا , زوجت حفيدتك دون إرادتها و حدث ما قد حدث , و قبل أن تستطيع أن تقف على قدميها زوجتها مرة أخرى دون إرادتها , من أدراك أني لست كسابقي بل أسوء ... هاه قولي .. حتى و إن كنت جيد فهي ليست على استعداد كي تسمع أو تقبل بي , و بالمناسبة هناك مشاكل كثيرة بين حفيدتك الأخرى و زوجها و قد ...
-لا تحدثني عن رباب , هي قادرة على حل مشاكلها بمفردها , أنا أتحدث عن غنا ..
لوى مراد فمه و تسأل في نفسه ماذا بها رباب تلك من ناحية جدها لا يطيق اسمها و ما قالتها عند مكالمتها به , و من ناحية غنا التي لا تريد سواها .
مراد : رباب أخبرتني أن حالة غنا غير مستقرة بالمرة ..
-دعك من رباب و ما تقوله , فأنا سأعرض غنا على أفضل الأطباء , و أنا واثق من شفاءها فهي تثق بي .
مراد باستهزاء : تعجبني تلك الثقة و أرجو أن تحتفظ بها للنهاية عندما تأتي معي و ترى بعينك .
أخذه مراد إلي غرفة حفيدته التي كانت جالسة خائفة شاردة , بمجرد أن سمعت صوت الباب , انزلقت أسفل الغطاء و تدثرت فيه ..
سالم : هل هي نائمة .
مراد : قل خائفة .
اقترب سالم من الفراش , و قال : ..
- غنا !
لم ترد , فاقترب أكثر و نزع عنها الغطاء فوجدها خائفة ترتجف , فقال بحنان : ...
-لما أنتِ خائفة يا حبيبتي ... أنا جدك .
لم يتوقع أن تظل هكذا لم تطمئن بوجوده بل سحبت الغطاء و تدثرت به ... تألم سالم , و ولج للخارج بقلب مثقل , خرج خلفه مراد , ثم قال متهكما : ..
-أين ذهبت ثقتك الغالية ... أنت لم ترَ شيئا بعد , لم ترَ كيف فقدت وعيها بمجرد أن أغلقت الباب , كيف لم تفق إلا عندما استخدمت الطبيبة رباب أدويتها , و حتى الآن لم يتوقف لسانها عن ذكر رباب ...
صمت و لم يجب , سمعا صوت يأتي من غرفتها كان صوت غنا تشنج جسدها و بدأ يهتز دون وعي منها .. حاولا جعلها تهدأ بلا فائدة ..
مراد بقلق : الوضع غير مطمئن إطلاقا , لنتصل برباب تلك .
سالم : لا .. أي طبيب آخر ..... هذا أخر ما لدي .
مراد : ليذهب كل ما لديك إلي الجحيم آتني هاتفك ... قلت إلي بهاتفك .
أعطاه الهاتف مرغما .. اتصل بها كثيرًا لكنها لا تجيب و فزفر بضيق و رمى الهاتف , أمسك بغنا و أخذ يهدهدها كثيرا إلي أن هدأت و نامت , فقال : ..
-الحمد لله ! لا داعي إلي رباب , لنبحث عن طبيب مناسب .
نظر له مراد نظرة مخيفة , و قال بحنق : ..
-سأذهب إليها رغم عن أنفك ... إذا أنت فقدت حبك لغنا فأنا لم أفقد .....
حب .... أم شفقة .... أم رحمة
لم يفقد ماذا .......... ما الذي يربطه بها ..... نعم لقد غيبه جمالها , رقتها عن العالم ...لكنه لم يعرفها إلا الأمس فقط !
بالأمس القريب كانت كبنات حواء في نظره الحانق عليهم .... و الآن لا يستطيع أن يقارنها بخائنة , أشعلت نار حقده ... و تركته وحده يستعر بالنيران التي كلما حاول إطفائها , وجدت الهشيم لتستعر و تحرق روحه الطيبة بطبعه ..... حسم قراره فقال : ..
- أنا لم أفقد الرحمة .... لتعطيني عنوانها و رقم هاتفها .
- لا يا مراد ..
- رغم تقديري لشأنك لكني أخبرك و لا أخذ برأيك في عين الاعتبار ..
ثم على صوته ليقول : ..
-إليّ بما أريد ..
كظم غيظه كثيرًا .. و تردد أكثر هل يأمن رباب على غنا .. نعم غنا حفيدته بعقله و قلبه و روحه , لكن رباب لم تزد في نظره يوما سوى عن حمل ثقيل سعد بالتخلص منه من على كاهله .. كما أنهم إذا طلبوا منها هذا فستتجبر عليهم و يشتعل غرورها الذي يعرف أن له براثن أسد شعر بالجوع و الظمأ لسنوات و آن له ليروي ظمأه قبل جوعه , و سيزداد في تأمره و تنهل أكثر من دمائهم و قد يقضي على الغابة كلها جوعا ..
زفر بضيق أمام سهام نظرات مراد التي لم تلين للحظة , تتطلع نحو غرفة غنا بحسرة , ثم بتردد أمسك ورقة و خط فيها ما يكرهه و أعطاه لمراد دون أن ترمش له جفن , نظر لها مراد و قال : ..
-ما هذا بالضبط .
سالم بضيق : ما تريد .. عندك رقم هاتفها , و هذا عنوان المستشفى التي تعمل بها .
تعجب مراد أنه يحفظ رقمها !!! عجيب ذلك الرجل كيف يحفظه و هو يدعي أنه يكرهها !! عائلة عجيبة غريبة بالأصح مجنونة !! لا توجد عاقلة فهي سوى الرقيقة المريضة غنا !!
مراد : سأذهب للداخل لأرتدي ملابسي .. لو سمحت ابحث في دليل الهاتف عن رقم الطبيب (...) و اطلب منه إحضار ممرضة , و عندما تصل أعطها أدوية غنا التي هناك ... و مواعيد كل دواء مكتوبة عليه لقد كتبتها رباب قبل أن تغادر ..
ليزداد حنقه .. هل تحاصره رباب أما ماذا ؟!! هل ستظل تحوم حوله حتى تحرقه ... هو يعلم أنها تكرهه .. و يشك أنها تود أن تنتقم منه !! ربما تفعل ذلك لتنتقم !!
لكنه لا يهتم الآن إلا بمصلحة غنا , فطلب الممرضة من الطبيب , و جلس في الخارج ينتظر مراد الذي كان يشعر بالتعب , و لم يعرف فيما أمضي كل هذا الوقت .. أحسن و كأن الماء المنهمر يغتسل روحه المعذبة المتألمة , فأطال الوقف أسفله في المرحاض , و ارتدي ملابسه .. أمضي ساعة كاملة , لا يدري كيف أمضي كل هذا الوقت ... و خرج دون أن يلقي السلام حتى على سالم الغندور ...
انطلق بسيارته نحو العنوان المنشود الذي كان بعيدًا للغاية ربما لن يصل قبل أن ينتصف النهار فهي بالأساس كان العاشرة صباحًا ... و أثناء طريقه بعدما أمضي قرابة الساعة والنصف شعر بقليل من الدوار , و تخدر في أصابع يده .. نظر أمامه بعجز ليجد أنه سيصل إلي نهايته قبل أن يصل إلي تلك المدعوة رباب ... إنها شاحنة كبيرة أمامه مباشرة يكاد يصطدم بها .....
.....................................
في مستشفى الأمل ,,,
كان يومًا عاديًا و بالطبع شاق على ثلاثتهم , جلسوا في راحة قصيرة حتى يذهبوا ليتابعوا حالة المريض القادم , رن هاتف رباب , نظرت لاسم المتصل و أجابت : ...
- السلام عليك ... مرحبا عزيزتي سمر افتقدتك يا فتاة .
-لا سلام و لا كلام .... أنا حقا غاضبة .
- لولا سلامك سبق كلامك , لكنا أكلنا لحمك قبل عظامك ..
استطاعت بكلامها ونبرتها التي جعلته كنبرة الغول أن تجعل سمر تموت ضاحكة لتنسي غضبها , بينما اكتفت رباب بابتسامة و قالت : ..
-ضحكتِ .. إذن أنا ربحت .
- هكذا أنتِ رباب نموذج للمرأة الرائعة الفاتنة المبهجة .. التي لم أرَ في قوتها ..
قالت رباب لنفسها : و ربما عجزت في ضعفها عن استعادة زوجها .. أو نسبها .. أو أهلها ..... أنا بائسة لست قوية كما تدعين .
تابعت سمر : ..
-مزيج للقوة و العقل لتكونِ حقا كاملة بجمال روحك الصارخ .. لذلك لم أجد لأخي سواك زوجة .... أنتِ خلقتي لتكونِ كاسمك رباب " القوة و الجمال " في آن واحد ...
ابتسمت رباب بحسرة و همست بنبرة ذبيحة لنفسها : ..
-ليت الكل يراني ناقصة , و لا أكون كاملة إلا بعينك يا وائل .. آآآآآآآآآآآآآه يا معذب روحي الأبدي , لكم قتلت روحي و أنت لا تدري ..... لا تدري بأني كل يوم أموت محمومة في فراشي بفعل راحة الشراب عندما تعود ثملا , فلا أجد مفر سوى ادعاء النوم .... لا تدري أن قلبي يرفرف كالذبيح بين أضلعي و روحي تُزهق و أنا أشتم رائحة العطور الأنثوية التي تبعث من ثيابك ... يا لك ما خاسرة رباب ....... فاشلة رغم نجاحك !!!
أتاها صوت سمر المتابع : ..
-لكني حقا غاضبة .. أنتِ تعلمين كوني صديقتك علاوة على أني عمة أولادك ... كيف لا تصارحيني بذلك !
قلقت رباب كثيرا ..
ماذا تقصد سمر هل يا ترى علمت بشيء عن وائل فاتصلت لتنعي معها قلبها .. لا يكفي أن تعلم هي فقط !! لا تحتمل نظرات الأعين لها على أنها الزوجة المخدوعة التي يخونها زوجها كل ليله !! أو المرأة التي أنقصت في حق زوجها فزهد فيها ليبحث عن مراده خارجا .....
سمر : لما لم تخبريني أنكِ سافرتي ... و أن الأولاد بمفردهم .. حتى سآخذهم حتما و أعتني بهم حتى تعودِ ..... لقد افتقدهم بحق .
تنهدت رباب بارتياح ثم قالت : ..
- و هل آمن عليهم من أحد غيرك يا سمر ... سأبعث إلي المربية برسالة لتأتي بالأولاد ليكِ .
-لا تقلقِ أنا بمنزلك سآخذهم و سأجعل المربية تغادر .
- حسنا !
ثم عادت رباب لتتابع عملها بآلية ..
=======================
هل انتهي الآن هذا العمر الذي طال عذابه , طاف بخيال مراد ذكرى تلك الخائنة تضحك بصوت مائع فاستسلم لذلك المصير المدجج بالموت .. لا داعي الآن للفرار فلا فائدة ترجى من حياة بلا معنى نعيشها كآلة بلا هدف , ليخترق هذا الاستسلام المعيب صورة من أروع ما يكون .. وجهها البريء يبكي بخوف , لا أحد يساندها ترجوه لينقذها من هلاكها , تلك الرقيقة غنا التي هدمت دفاعاته التي فرضها على نفسه , ليناضل أخيرًا مصير فرضه القدر عليه بسب ضعفه و تخاذله , لكنه قاتله بمهارة يحسد عليها و يتفادى ذلك التصادم رغم تشنج جسده.... فهو مراد شرف الدين على أية حال .
ترجل من السيارة يلتقط أنفاسه الضائعة .. و شعر كم أن الموت قريب ... فناداه خالقه لا تحزن فالذي رزق يونس في بطن الحوت , قادر على إحياء روحك من جديد .. أراحه حقا صوت نداء المؤذن من المسجد القريب , ليذهب إليه داعيًا الله بقلب وجل , خاشع .. انتظر حتى أقيمت صلاة الظهر فصلى ... و بعدها جلس قليلا في المسجد , حتى غفت عيناه دون أن يشعر ..
.............................
في منزل مراد ,,,
مازالت غنا نائمة بجسد أنهكته الهموم , و صلت الممرضة و دهنت جسدها بأدويتها للحروق و الكدمات , وهي على حالها ... و قلب سالم خائف , يكاد قلبه يقف عن الخفقان من فرط التوتر ..
.............................
في مستشفى الأمل ,,,
حان وقت استراحة الغداء , جلس الأطباء الثلاثة يتناولون الغداء في مقهى المشفى , وكل منهما يجزم أن قدميه لن تحمله أكثر , فاليوم كان بحق متعب ..
للمرة الثانية رن هاتف رباب فقالت في ضجر : ..
-ما الأمر ! هل أشرقت الشمس من مغربها اليوم أم ماذا ؟! أشعر أني كالنجم الذي لمع فجأة ... ألا يملون من الاتصال بي , القليل من التقدير لي و لعملي .
نهي : لو اتصال هام أجيبِ , وبعدها أغلقي الهاتف .
اقتنعت بوجه نظرها , رأت اسم المتصل فتمتمت كالمنومة : ..
-وائل ..
نهي : من وائل .
عاصم : خيرًا يا طبيبة رباب .
تركتهم و ابتعدت , ثم أجابت عليه و بعد إلقاء التحية قالت : ..
-هل لحقت عملك ..
أتاها صوته الحانق قائلا : ..
-هل تجرئين و تقولين هذا ؟! بعد لعب الأطفال الذي فعلته أنتِ خسرت أنا صفقة هامة .. سأخسر بسببك الكثير.
أغمضت عينيها ثم تنفست بعمق و كأن الهواء يأتي من أعماقها السحيقة , لتزفره بانطلاق , في محاولة بائسة لكبت جماح غضبها الكاسح التي لو أطلقت له العنان لأحرقه بنيرانها المستعرة في قلبها السجين بين ثنايا عشقه المميت المهلك ..
خسرت عملك !!
ليتك تعلم كم خسرت أنا في حبك ..
خسرت شخصيتي القوية المكابرة لأكون زوجتك المطيعة !!
خسرت كرامتي .. خسرت أنوثتي .. خسرت نفسي .. ما خسرته أنا أعظم بكثير مما قد تخسره !!!!
أنا التي لم تخسر معركة واحدة في حياتي , حتى أشدها انهزامًا لا أتركها حتى أحقق بعض المكاسب المرضية !! أجد نفسي معك كهرة خائفة .. رضيت بالهزيمة دون أي محاولة ..
حررها عصبية وائل من فرط حسرتها و ندمها و هو يقول : ...
-ماذا أفعل الآن .. هاه أجيبِ .. هل أخلصتِ في عملكِ حتى خسرت أنا عملي .
استعادت رابطة جأشها و هي تقول لنفسها قبلا : ..
-انتهي زمن الضعف يا رباب , دعيه يختبر رباب التي يجهلها و يجهل قدرها , من تسكت الجميع بحكمتها .
ثم قالت له ببرود : ..
-ماذا بعد ؟!
كز على أسنانه بغيط و هو يقول : ..
-تسألين ماذا بعد ؟!
أجابته ببرود : ..
-نعم ماذا بعد ! هل أخبرتني أن لديك عمل ..لا لم تفعل , فلا أظن أني مخطئة البتة .
-رباب لا تختبري صبري عليك .
قالت لنفسها بغضب : ..
-أين صبره هذا الذي يدعيه ؟!!
ثم قالت له ببرودها المتهكم : ..
-أعلم أنك فاشل في الاختبارات ؛ لذلك لن أفعل .... عمومًا لعله خيرا ..
-لعله خيرًا !! أظنكِ فقدتِ عقلكِ !! ما الخير في هذا !!
-أنت لا تريد مني مواساتك إذن .... حسنا أنظر حولك و أعلم ذنب من هذا الذي جعلك تخسر ..
المصيبة بعد كل هذا أن وائل لا يشعر بالذنب ؟ و لا يشعر أنه أخطأ في حق مسكينة –للأسف -أحبته ..
-عن أي ذنب تتحدثين ؟ على كلٍ ! ماذا تفهمين أنتِ بالأصل في عملي !!!
زاد حنقها الذي كبحته بمهارة تحسد عليها فأي زوجة في وضعها كانت ستهد المعبد على رأسه ..
لكنها رباب التي وعدت نفسها بأنها رابحة تلك الحرب لا محالة ...
تابع هو بجموده : ..
-متى ستأتي ؟
- بضعة أيام !!
قال بحنق و صدمة في آن واد : ..
-بضعة أيام ! هل جننتِ ؟!! من الذي سيسمح لكِ بهذا يا ترى .
تصنعت البرود و عدم الفهم و هي تهتف : ..
-أنت بالطبع , كالمعتاد كل شهر !
-من ؟ ماذا تقولين أنتِ !!! هل تفعلين ذلك كل شهر و أنا هنا غافل عن كل هذا !!! و ماذا تفعلين أيضًا من خلف ظهري !!
- لم أعد أحتمل المعاني القذرة لكلماتك يا وائل .
قالتها بنبرة الغاضب الذي يحاول ألا ينفلت الزمام من أصابعه بكل ما أوتي من قوة فلم يبقي سوى أن يتهمها في شرفها .
و الآن تضغط رباب على أعصابها أكثر لتبرهن له أنها ليست مذنبه كحالها دوما معه :..
-وائل ! أنا أبعث لك برسالة في كل مرة أسافر فيها و أنت تبعث لي كل مرة كلمتك المقتضبة "حسنا" لكن يبدو أنك كنت مشغول وقتها , أو لم تحمل نفسك عناء قراءة رسالتي ..
ماذا يقول الآن ؟ كلامها رغم جرحه إلا أنه لا يحمل سوى الحقيقة اللاذعة .. فهو إما كان ملتهي بعمله أو بنسائه ..
صمته قتلها بخنجر الحقيقة الخائنة في ظهرها فلم تدع لروحها القدرة على الصمود أكثر فقالت : ..
-لدي عمل لا يجوز أن أتأخر عليه , ملحوظة صغيرة الأولاد عند سمر أختك فلا تقلق و لن تعيدهم إلا عندما أعود .. و سيكون أفضل لو اطمأننت عليهم بنفسك , إلي اللقاء ..
......
أغلقت هي الهاتف في وجهه فنظر للهاتف مصدومًا يكاد يجن ...
من كان يحدث على الهاتف ؟!
هي رباب الهادئة أم أنه استبدلت بشخصية أخرى لم يعرفها يومًا ..
تتبجح عليه بصوت عالٍ ..
نعم بالتأكيد استبدلت فهو رأي بعينيه رباب أخرى لم يعرفها منذ البارحة ..
استقر هذا الهاجس في عقله الذي رفض التصديق بحقيقة ساطعة كسطوع الشمس وسط النهار !!
حقيقة أنه لم يعرف رباب !! أنه بعيد عنها بالرغم من أنه أقرب رجال الأرض إليها !!
رفض أن يصدق أنها رفرفت بجناحيها بعيدًا عنه لذلك الحد !!! ألهذا الحد هو غافل !! لا يمكن !!
حاول أن يبعدها عن فكره كما كان يفعل دائما لكن هيهات لم يقدر لأول مرة تشغل عقله امرأة ..
تعجب من نفسه كثيرا !! كيف غزت عقله حتى احتلته تمامًا !! لم يفكر بها بهذا الحد حتى قبل أن يتزوجها !! كيف يفكر بها بهذا الحد بعدما ضاع شغف الحب ..
انتزعه عنوة رنين هاتفه , يعلمه باتصال من أخته فأجاب بآلية : ..
-مرحبا يا سمر !!
- مرحبا أخي !! حمد لله أنك لم تنس اسمي !!
-سمر كفي عن تهكمك !! يكفيني رباب !!
لم يجد منها رد سوى ضحكة عالية استفزته فهتف فيها : ..
-علام تضحكين ؟
-بالتأكيد عليك ! ألم تعتد عليها , هي رباب هكذا و لن تتغير ..
- لكن أنا لم أعهدها هكذا ..
أردفت سمر باستنكار : ..
-لم تعهد منَ ... رباب و هل هناك سوى القوة في قاموس رباب !!
-القوة !!
- أنت غريب اليوم يا وائل ! رباب منذ قديم الأزل هكذا لا أحد يجرؤ أن يرفع عليها صوتًا !! هل تعرف معنى اسم رباب ؟
-لا أدري .. هل له معني بالأساس ؟!!
-بالطبع له ... يقال " السحابة البيضاء" لكن هذا لا ينطبق عليها بل يمكن القول أنها السحابة الغاضبة أو العاصفة .. لكن المعني الأرجح " القوة و الجمال " ..
صدى كلماتها يتردد في عقله ...
رباب هكذا دائما !!
و هل هناك غير القوة في قاموسها !!
منذ قديم الأزل هكذا !!
لا أحد يجرؤ على رفع صوته عليها !!
القوة و الجمال !!
القوة و الجمال !!
أهو جاهل عنها إلي هذا الحد ؟!!
أم هم المخطئون ! هم لا يعرفونها !! بالتأكيد يتحدثون عن رباب أخرى .. غير رباب المستكينة ..
لكم من مرة علا صوته عليها و لم تتفوه ببنت شفه !!
ظل يفكر حتى كاد يجن !!
حتى أتاه صوت سمر : ...
-أين ذهبت يا وائل , يحق لك الشرود فحبيبتك ستقضي عدة أيام بعيدة عنك يا مسكين .
- كيف علمتِ عن الأمر ؟
-طبيعي ... فهذا موعد سفرها .
كز على أسنانه و هو يتمتم : ..
-هل الكل يعرف عداي أنا ..
- المهم أريد أن أطمئنك ... اعرف أنك لن تستطيع التعامل مع الأولاد , لن أعيدهم إلا عندما تعود رباب .. فلا تقلق على العموم نحن نستمتع كثيرا .... وداعا .
-شكرا يا سمر وداعا ..
أسند ظهره للخلف و تمدد على كرسيه الوثير .. ليحتل عقله الآن أمر آخر ..الحل لإنقاذ مشكلته , لإنقاذ شركته .
-لا مشكلة وائل هذه ليست أول مرة .. و الأمر أسهل رباب ليست بالمنزل لعدة أيام و كذلك الأولاد .. لا بد من القيام بذلك !!
.............................
مشفى الأمل ,,,
أغلقت رباب الهاتف بعنف و هي تكاد تموت غيظا ..
من يظن نفسه هذا كي يتهمني .. و ماذا في شرفي !! الخيانة تشك !! لكن أنا المخطئة أن من سلمته قلائد عرش قلبي ليظن نفسه سلطانًا يأمر و ينهي و يتجبر !! لم يعرف هو شيئًا عن رباب التي لا يتجرأ عليها أحدًا !! التي يشار إليها بالبنان في قوة شخصيتها و رجاحة عقلها و إخلاصها لعملها ..... رأي فقط رباب الضعيفة التي أشبه بخادمة و ليست سيدة أمرها !! انتهي عصر الضعف و الخذلان ... ستعرف رباب الحقيقة الآن !!! و لنرى كم ستصمد يا وائل !!
لم تنتبه إلي على صوت طبيب صغير السن حديث التخرج يشبه إلي حد كبير وائل في طيشه و هزله و ولعه للنساء ..
-طبيبتنا الغالية رباب ..ماذا بك تبدين منزعجة ؟
أجابته ببرود : ..
-و ما شأنك .. ولا أعتقد أني سمحت لك أن تخاطبني هكذا !!
أجابها برقة متجاهلا نبرتها المستفزة : ..
-رأيتك منزعجة .. فقلت لنفسي أن أطمأن عليكِ .. فأنتِ تعلمين أنكِ مهمة جدًا لي .. أ..أ... أقصد لنا ..
-أشكرك .. و ما أعرفه أنك طبيب تحت التمرين فلا يحق لك التدخل في شئوني الخاصة , عد لعملك يا صغير و تعود على احترام من هم أكبر منك سنا و مقاما , من ترك للصبيان حرية التنقل في هذا المكان .
يكاد يموت حنقًا ! فكر هل سيعاقب إن أراح البشرية من سليطة اللسان تلك ! بل من الممكن أن يحصل على مكافأة إن دق عنقها تلك المستفزة !! إنها متخصصة في أن تخرج الناس عن شعورهم ..
....
على المقعد القريب انتبه عاصم و نهي مما يحدث بالقرب منهم فيبدو أن رباب أنهت هاتفها و تتحدث مع ذلك الشاب اللعوب لكن يبدو عليهما الضيق .. قرر عاصم الجلوس مكانه يراقب من بعيد فإن استدعى الأمر سيتدخل .. و لاحظت نهي أن هناك نقاش حد بين رباب و بين ذلك الطبيب كما لاحظ الكثير من الأطباء , مما جعلهم يرهفون السمع أكثر .
...
نظر لها نظرة ذات معني ، فهمتها هي على الفور فرمقته بنظرة محذرة و قالت : ..
-لقد تخطيت حدودك يا هذا ! اغرب عن وجهي الآن حتى لا أشوه وجهك الذي تتباهى به .. أنت لا تعرف من هي الطبيبة رباب يا صغير .
رمقته بنظرة أخيرة قبل أن تلتفت مغادرة و هي تتمتم : ....
-اللعنة على الرجال أجمع .
الآن كشر عن أنيابه لا يستطيع تحملها أكثر ، لقد طفح الكيل ، فتجرأ و أمسكها من مرفقها لتنظر إليه عنوة ...
لم يجد منها ردا قولا بل فعلا ... لينتهي هذا الموقف نهاية لم يكن يتصورها في أسوء كوابيسه ...........
بقلمي أسماء علام
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...