٢٣

772 30 1
                                    

الفصل الثالث و العشرون
اندفعا تجاهها بسرعة وجثا على ركبتيهما أمامهما ...
وائل : رباب ماذا حدث ؟
حنان : وجهها أصفر بشكل غير طبيعي ... و باردة ! عبد الحميد سأجلبه بسرعة ..
خرجت مسرعة لتنادي على زوجها ..
بينما شعر وائل بقلق كبير و هو يراه لأول مرة في حياته كهذا , فحملها بسرعة و أراحها على الأريكة و قال بلهفة : ..
-رباب ماذا حدث لك رباب ... لا يليق بك رداء الضعف .. أفيقي ..
ضرب خدها برقة لكنها لم تفق , فأسرع نحو المنضدة يجلب كوب مياه , و عندما اقترب منها , اقتحم عبد الحميد الغرفة و معه مدير فرع الإسكندرية و خلفهما حنان , دخلا مسرعين فوقع بصرهما على هذا المشهد , اقترب عبد الحميد من رباب يفحصها , بينما قال مدير دكتور ممتاز : ..
-من أنت ؟
حنان بقلق على رباب : ..
-هذا زوجها !!
رمقهم وائل بنظرات مغتاظة ‍‍!! فمن هم ليسألوه بل هو من يحق له السؤال , فهذه زوجته , حبيبته , فقال غير عابئ بالشخص الذي أمامه : ..
-أيمكنك المغادرة , يكفى طبيب واحد لفحص زوجتي ..
رغم وقاحة لهجة وائل لكن ممتاز قدر حالته و غادر , لفت انتباه وائل و هو يصحب الطبيب للخارج حشد من الأطباء و الموظفين الفضوليين , فزعق فيهم وائل فانفضوا جميعا , ثم دخل و أغلق الباب خلفه ..
استطاع دكتور عبد الحميد أن يعرف أنها تعرضت لضغط عصبي و نفسي زائد و  هو واضح من ملامحها بالإضافة إلي عدم النوم و الذي سبب لها هالات سوداء أسفل عينيها .. و بعض الفحص أدرك أنها تعاني أيضا من هبوط في مستوى السكر في الدم فيبدو أنها أهملت في طعامها بالإضافة إلي أنه استشعر تناولها لأدوية لكن لم يعرف ماهيتها .. و تناولها كميات كبيرة من المنبهات  , كل ذلك أثر عليها سالبًا , و هو قد لاحظ أيضا توترها و اضطرابها الفترة الماضية ..
علق لها محلول , ثم بدأ في إفاقتها ...
دقائق قلاقل و بدأت تستجيب , و تفيق , و أخذت تسعل فترة إلي أن استطاعت التنفس بانتظام – الأمر الذي لم يفت دكتور عبد الحميد -  بعد أن اتزنت أدركت حقيقة نومها على الأريكة على ركبتي حنان التي تنظر لها بقلق ... و  يقابلها عبد الحميد على كرسي .. بينما كان وائل يستند على الحائط ينظر لها بتعمق و يكتم غيظه بصعوبة ... فهو حتى الآن لا يعرف ماذا بها .. فكلما حاول سؤال عبد الحميد توقفه حنان , لأن عبد الحميد لا يحب أن يقاطعه أحد أو يسأله أثناء عمله ..
خجلت رباب من وضعها و عندما حاولت الاعتدال أوقفتها حنان بيدها  , و  أردف عبد الحميد : ..
-لا تتحركي يا دكتورة ... تدركين مقصدي أليس كذلك ..
عندها انتبت رباب لذلك المحلول المعلق و المتصل برسغها , عندها فقط أدركت أنها لم تتناول أي شيء  منذ أكثر من 15 ساعة , و تناول دوائها على معدة فارغة أذاها أكثر .. كما أنها لاحظت ضعفها العام الفترة السابقة حتى أنها قررت أن تقوم بعمل تحاليل شاملة عما قريب و حتى تطمئن على حالة مرضها ..
قال وائل بغضب حاول التحكم فيه قدر الإمكان لكنه لم يستطع : ..
-أنت تعرف ما بها و هي تعرف , لكن هل يمكنني أنا أن أعرف ..
انتبها له , فارتسمت الدهشة جلية على قسمات وجه رباب التي لم تدرك وجوده سوى الآن .. فقالت بصوت بدا عليه تعبه  : ..
-وائل أنت هنا ..
-نعم أنا هنا , و أريد أن أعرف ماذا بكِ الآن ..
نظرت له بأعين مشدوهة !! أهذا وائل نفسه أم أنها تتوهم !! أهو قلق عليها فعلا أم هي من تتمني ذلك كل المنى ..
و لكن متي ذلك الاهتمام يا وائل !!
بعدما انتهي فصلك من حياتي , بعدما بات الانفصال قريب !! أما أن ذلك كله لم يزد عن إتقان لتمثيلك لإثبات ملكيتك لقلبي الذي أقسمت أن تطوعه تحت قدميك مرة أخرى ...
قاطع أفكارها صوت الدكتور عبد الحميد :..
- هل أخبره أنا أم تخبريه أنتِ يا دكتورة ..
وائل : فليخبرني أحدكم  !
رباب : دكتور عبد الحميد الأمر لا يستدعي كل هذا .. هذا أمر يخصني , سأنتبه في المرة القادمة ..
حنان باستنكار : لا يستدعي كل هذا !! تهملين في طعامك لدرجة أن تفقدِ وعيك .. و تقولين أن هذا لا يستدعي  ..
عبد الحميد : ليس هذا فقط .. تناولتِ كميات كبيرة من المشروبات المنبه , و  لم تنامِ جيدًا , و أدوية اخرى لا أعرف ما هي ..
توترت رباب كثيرا من ذكر دكتور عبد الحميد لأمر الأدوية خوفا من معرفة الكل لحقيقة مرضها ...
وائل : ماذا ؟!
رباب : دكتور عبد الحميد .. هذا لا شيء  .
عبد الحميد بتهكم : لا شيء !! و بسبب هذا اللاشيء ستتابعين مع الطبيب الذي اختاره , و ستقومين بتحاليل كاملة .. و أنت ...
قالها و هو يشير إلي وائل , مما أثار انتباه الجميع : ..
-أنت ألم تستطع أن تقوم بأولى مسئولياتك .. ألم تستطع أن تنتبه على زوجتك ..
استمر عبد الحميد في تقريع وائل , لكنه لم يكن منتبه , بل تاه كليا في ذلك الشعور ... شعور "الحما" , ذلك الشعور الذي لم يشعر به من قبل .. أن يكون هناك شخصا يهابه , يقوم بتقريعه إذا أهمل في حق ابنته,  هل إن راضي على قيد الحياة كان سيفل مثل عبد الحميد !!
ملت كثيرا و تضايقت من استمرار عبد الحميد في الحديث مع وائل ..
ولا تعلم هل تضايقت لأنه يوبخ وائل !! أم لأنه يتحدث عنها !! أم لأن وائل لا يجيب و هذا يعني أنه لا يهتم !!
فقامت و خلعت طرف المحلول من رسغها و قالت : ..
-يكفى هكذا !!
عبد الجميد بحزم : اصمتي لا ترفعي صوتك !
وائل بشماتة : لطالما قلت لها هذا !!
عبد الحميد : سأترك الباقي لك حنان ..
أمسكت حنان بعلبة الطعام و بدأت في إطعام رباب عنوة و غير مسموح لها أن تبدِ أي اعتراض ..
بينما خرج عبد الحميد بعدما استدعته إحدى الموظفات   ..
جلس وائل يتأمل كل سكاناتها و حركاتها , كانت هادئة بشكل افتقده منذ تحولها – إلي ما أسموه نفسها الحقيقية – لكنه لم يحب ذلك الهدوء المشبع بالضعف في استكانة غريبة , و ذلك السعال الذي يؤلماها يشعر أنه يؤلمه هو أيضا ... و استقر في النهاية أنها مازالت تحرك شيئا بداخله !! أين كان غافلا فلم يرى فتنتها كما يراها الآن .. أين كان عقله عندما غاب بتفكيره عن امرأة جمعت كل جمال امتازت به أي امرأة يوما في مزيج ساحر من القوة و الجمال !!
عند تلك الخاطرة خفق قلبه خفقان ساحر يشبهها , كناقوس يرقص فرحا بصاحبه ... و هو يجزم أن قلبه لم يخفق بتلك القوة من قبل , حتى عندما التقاها للمرة الأولى ..
اندهش هو نفسه من مشاعره التي سيطرت عليه , و فجأة شعر برغبة عارمة في يخفيها عن الأخرين فلا يراها أحد غيره بذلك الجمال ... أن يفوز برهانه الأخير على قلبها و يعود لها زوجا .. و قد أدرك الآن أنه إن خسرها فسيخسر ذلك النبض الذي ملأ قلبه حماسة و هو يعلم تماما أن ذلك القلب لن يرض بخسارة ملكته التي غابت عن عرشها فترة طويــــــــــلة في فوضى مشاعره ..
أفاق من أفكاره الصاخبة أمام سعالها الذي ازداد حدة , و بدون تفكير ناولها كوب المياه , مدت يدها لتلتقط الكوب بدون تفكير  و قبل أن تأخذه , نظرت لعينيه فتسمرت يدها و قد بدا الاعتراض جليا في عينيها ...
أعادت يدها مكانها و أشاحت بوجهها قائلة بتذمر :...
- لا أريد ..
سعلت مرة أخرى , فأمسك بوجهها يجبرها على شرب المياه قائلا ببرود :..
-لم أكن منتظرا رأيكِ ..
شربت المياه عنوة , و عندما انتهى التقط نظراتها التي كانت مشبعة بعتاب خالص , و قد شعر و كأنها تقول له لائمة : ..
-" منذ متى كنت تهتم ؟"
فعلا صحيح لقد وصله إحساسها كاملا , لكنه تابع قائلا حتى يحفظ ماء وجهه أمام تلك الغريبة : ..
-حتى لا نسمع توبيخ أخر من ذلك الطبيب بسببك ..
كان لكلامه مغزى أخر , فهو يطالبها بتفسير الآن لسر اهتمام ذلك الطبيب – الذي بعمر والدها – بها , فأبت أن تجيبه فليحترق كما تلذذ بجرحها بخنجر خيانته لسنوات , لكن حنان وفرت عليه ذلك العذاب عندما قالت بصفو نية :..
-لا عبد الحميد فقط غضبان لأن رباب أهملت نفسها , فهو يعتبر رباب ابنته فهي أمانة راضي ..
امتعضت رباب من تفسير حنان , فهي لا تريده أن يعلم و هي متأكدة أنه بذكائه وصل إلي حقيقة علاقتهما فهي أدرى الناس بذكائه الحاد الذي مكنه بالفعل من معرفة هوية عبد الحميد ..
حاولت حنان اطعام رباب ثانية لكنها رفضت بشدة و أقسمت أنها لا تستطيع تناول لقمة أخرى , لكن لم تتركها إلا عندما أقسمت أنها ستتهتم لطعامها و نومها .
وقفت حنان ترجع علبة الطعام في الحقيبة لتغادر عندما شعرت بضرورة ذلك الآن فيبدو أن بينهما حديث خاص , عندما سألتها رباب متجاهلة وائل تماما : ..
-سيدة حنان ..
قاطعتها قائلة : ..
-لوكنت في وقت أخر لكنت أدبتك على ما تفوهتِ به للتو .
فهمت رباب ما تعنيه , فكيف تناديها بسيدة , لكنها لم يشأ أن تزد في ذلك الحديث أمامه فتابعت : ..
-ما سر تلك الزيارة المفاجأة ؟ و لما هناك حذر في التعامل معكما ؟!
وضعت حنان سبابتها على شفتيها و قالت : .
-شششششششششش ... هذا سر , سيخبرك عبد الحميد بنفسه , حذرني أن أقول ... لكني لا أستطيع أن أكتم ذلك السر  .. انظري سأخبرك و تصنعي بعدها المفاجأة , اتفقنا ......
أجفلوا على صوت الباب يفتح , فقال وائل بانفعال : ..
-من يقتحم المكتب هكذا , ما هذا الأسلوب الهمجي.
أطل بعدها  وجه شاب ذو بالطو طبي و خلفه طبيبة شابة , يبدو على كلاهما الانفعال , ثم تقدمت الفتاة أمامه تحاول منعه من التقدم , لكنه لم يبدو مهتم بما تقول , إلي أن قالت رباب : ..
-دكتورة نهي ... دكتور عاصم ما الأمر ؟!
فهمت نهي عبارة رباب على أنها تهديد فارتبكت أكثر و قالت باضطراب : ..
-لا ... لا شيء .... نحن سنغادر حالا ..
عاصم : قلت لكِ أني لن أغادر حتى أطمئن على قائدة فريقنا يا نهي ..
ضغط على حروف عبارته التي بدت ذات مغزي لكلتيهما , هم فريق واحد لا يمكن لرباب أن تستغني عنهم , و هم كذلك , و إن كان القدر قد قال كلمته بشأن صداقتهم التي كانت أكثر من رائعة , فهذا لن يحدث بشأن العمل ...
نظرت رباب لنهي نظرة ذات مغزى , فهمت نهي معناها التحذيري على الفور ؛ الذي جعلها تخاف .. تبعها قول رباب الحاد : .
-قائدة فريقكم بخير , و في المرة القادمة اطرقا الباب .
ازدرت نهي ريقها ببطء و قالت بسرعة : ...
-آسفان !!
و جذبت عاصم من يده بقوة ليرتد للخلف خارج الغرفة.
كان تصرف رباب صائب جدًا ... إن لم يكن ثأرا لكرامتها و صورتها أمام نفسها أولا , و إن لم يكن درسا –لا يجب أن يكون إلا قاسيا – لنهي .. فهو إنقاذا لنفسها من بطش وائل – الناظر لها بغضب الدنيا كلها و الشياطين تتراقص أمام عينيه غير سامحه لأي تعقل – فإن كان منظره هكذا و هي لم تبدٍ اهتمام , فلا تستبعد أن يقتلها بين يديه إن أبدت اهتمام ...
الأمر الذي لم يفت حنان فهي كانت تراقب تعبيراته – عكس رباب الغافلة عن ذلك -  و نظراته التي لو كانت سهاما لخر عاصم صريعا في ثوان !!
كما أن نظرات عاصم تجاه نهي لم تكن أقل اشتعالا , لكن غضبها غضب عاشق لن يتهاون الآن في صب غضبه فيها ...
أدركت أنها لابد من أن تنقذ الفتاة التي يبدو عليها البراءة , و هي تعتقد – و ليتها ما اعتقدت – أن رباب عاقلة و حكيمة لتوقف جماح غضب وائل , و لا تعلم أن ما بداخل رباب براكين غضب لن تتواني عن الانفجار في وجهه ...
لملمت حنان أغراضها و قالت  : ..
-انتظري أيتها الطبيبة الشابة .
نهي كمن يوشك على البكاء من كل ذلك الضغط : ..
-أنا !
-نعم ! بما أن الطبيبة رباب متعبة , فما رأيك أن تطلعيني أنتِ على المشفى ؟
أجابتها بعملية : ..
-تحت أمرك سيدتي !!
و خرجت حنان بصحبة نهي و عاصم الذي استأذن بأدب .. و تركت حريق على وشك الاندلاع ..
.........
تنهدت رباب بعمق و هي تشعر بوزر ثقيل جاثم على صدرها , هي معتادة على الضغوط لكن ليس بذلك الشكل , و لم تدرك تلك العاصفة أمامها التي هبت في وجهها بدون أي مراعة لحرمة لمكان أو للباب الذي مازال مواربا ...
فاقترب منها بغضب عميق حتى شعرت هي بخطورة خطواته فتراجعت هي حتى ألصقها بالحائط فقالت بصوت مضطرب : ..
-ماذا بك ؟
-هل هذا مشفى أم مرقص !
-وائل !! كيف تجرأ !
قاطعها بحدة :..
-اخرسي , كيف أجرأ أنا !! أم كيف تجرئين أنتِ ... هل تظنين أني أعمى أم ماذا ؟! و لم أرى لهفة ذلك الطبيب عليكِ !
كانت نظراته السوداء بقوة انفعاله , تقلقها لكنها لا تسمح له بمثل تلك الإهانة .. يكفى !!
-وائل !!
أبعدته عنها بحدة حتى تحررت من أسر ذراعيه و هتفت بحدة لم تستطع السيطرة عليها : ..
-يكفى !! إلي متي تظن أني سأتحمل كل هذا ... من تظن نفسك حتى تتهمني و تستجوبني هكذا ..
-زوجك !!
كانت ردها جاهز لكن لم يطلق في وجهه , بل العصبية كانت من نصيب تلك الموظفة التي ظهرت أمام الباب : ...
-ماذا تفعلين هنا !!
نبرة صوتها كانت كفيلة لتزرع الخوف بقلب تلك الموظفة حتى أنها أخافت وائل نفسه الذي أجفل و قد أدرك أن الهدر كان سيكون فيه هو , فانتبه للموظفة و شعر بذعرها و ارتباكها في الكلام فبدأ بالفعل يتأكد مما أخبره عنه الجميع و هو وحده من ينكر وجه رباب الحقيقي  ...
-ال ... ال .. ال ..أ أ .
-انطقي بسرعة !
الموظفة بسرعة : ..
-الدكتور عبد الحميد يريدك في مكتبه قبل أن تذهبي للاجتماع الذي سيتم عقده لأطباء المشفى بعد ربع ساعة ... كما أن دكتور هشام يقرئك السلام , و يتمنى لكِ الشفاء العاجل ...
-و هل علم المشفى كله عن أمر مرضي ..
أجفلت الموظفة من صراخها , فقالت بسرعة لتهرب من أمامها قبل أن يطولها أذى : ..
-و يذكرك بأوراقك التي لدى المدير ..
زفرت بضيق و هي لا تفهم سر كلام دكتور هشام عن تلك الأوراق !! ألا يزال يكرهها و يتمنى التخلص منها !! لكن لما شعرت أنه تغير !!
كادت الموظفة لتفر من أمامها لولا أن أوقفتها رباب قائلة بلهجة عملية : ..
-هل عادت دكتورة شيماء من السفر ..
-ليس بعد !
أشارت لها لتغادر , و كادت لتغادر خلفها لكن أوقفها صوته الأجش : ..
-إلي أين ؟
نظرت له و قد بدا على وجهها الشحوب فجأة و قالت : ..
-ألم تسمع معي !! كما ترى عملي لا يسمح لي بالمزيد من الوقت , كما من الأفضل أن تذهب إلي عملك أنت الأخر و ترحمني و لو قليلا !!
أشفق عليها بصدق و قد بدا عليها أنها تحت ضغط كبير بالفعل , لكنها لم يستطع أن يقاوم رغبته في إغاظتها و إعلامها بما هو عازم عليه قبل أن يخبرها أحد أخر و يحرق مفاجأته التي من المؤكد أنها ستقع على مسامعها كالصاعقة !!
-لا تقلقي !! لمدة شهر كامل ليس لدي عمل سواكِ ..
اشتعلت عيناها و هي تهتف : ..
-ماذا تقصد ؟
قال ببرود كي يستفزها فتقاومه بشراسه محببة لديه : ..
-أقصد يا زوجتي العزيزة .. أن جنديك المخلص السيد مراد لم يفلح في الخلاص مني , و عقد إيجاري صحيح مائة بالمائة و سأبقى شهرا كاملا برفقتك في ذلك المكان الساحر , فكوني بصحة جيدة كي توجهيني بقوة فلا لذة للفوز على خصم ضعيف , أريد أن أفوز برهاني الأخير معكِ و ترين بنفسك خسارتك و أنتِ غير قادرة على فعل شيء و لكن و أنتِ بكامل عافيتك !!!
ثم غمزها بعينه و غادر دون كلمة إضافية , تركها تعض على أناملها من الغيظ ...
نعم لقد أحب هذا الوجه منها , لقد أحب رباب القوية تلك !!
يريدها دائما قطة شرسة !!
................................
سارت حنان مع نهي التي كانت شاردة و قطع شرودها صوت حنان : ..
-تحبيه !
نظرت لها و فغرت فاهها و قالت بارتباك : ..
-ماذا تقولين سيدتي ؟
-ذلك الطبيب تحبيه !!
-لا .. هو .. أنا ...
-لو لا لما أنتِ مرتبكة ... لو كان ما رأيته في عينيك في الغرفة شيء أخر غير الحب لما أنتِ شاردة لدرجة أنك تدورين بنا في نفس النقطة منذ خرجنا ..
أدركت نهي ما تقوله حنان و شعرت بالغباء , ثم مسحت على وجهها بضيق و قالت : ..
-ما رأيته في عيني كان الخوف .. عاصم يكون زوجي.
تحشرج صوتها في كلمتها الأخيرة .
لاحظت تعلق بصر حنان بأصابعها , فقالت مبررة وجود الدبلة في يدها اليمنى : ..
-لقد تم عقد قراننا منذ عدة أيام !
-إذن لقد أصبت !! لكن لما تخافين  ؟
-خائفة منها ...
- من مَن ؟
-من رباب !!
ضحكت حنان بخفة و تابعت : ..
-بالتأكيد تمزحين تلك الصغيرة التي أرق من النسيم تخافين منها ..
-أنتِ لا تعرفينها .. لم تسمعي تهديدها لي إن حاولنا محادثتها هددتني أنها ستدمر رسالة عاصم .. و رباب إن قالت شيء فعلته !!  لقد تغيرت كثيرًا ... أصبح وجودها وحده يوترني ...
كانت نهي تتحدث و هي تتحرك و تشير  بيدها بطريقة بدت لحنان مضحكة بالرغم من أنها لم تكن كذلك , فقد بدأت هي بالفعل تخاف من رباب !! فأطلقت حنان ضحكة جعلت نهي تنظر لها متعجبة و تقول : ..
-ما المضحك في الأمر ؟
-الطريقة التي تتحدثين بها عن رباب و كأنها وحش مخيف ...
-سيدتي أنتِ لا تعرفين الدكتورة رباب !!
-من الممكن أنكِ أنتِ من لا تعرفينها ..
-مستحيل !! أنا أعرفها منذ عملت هنا .. لكنها لم تكن هكذا , و بعد ما حدث بيننا تغيرت يمكن القول أنها تحولت و أصبحت شديدة و عنيفة جدًا , و لا آمن ردة فعلها , و عاصم لا يساعدني هكذا  ..
-لا أريد التدخل فيما حدث بينكم و جعلها تبدو هكذا فيبدو أنه أمر خاص بينكم  , لك لما لا تقولي أن نظرتك لها تغيرت !!
-أنتِ لا تعرفين ذلك الجانب من رباب إنها ...
-هذه هي المشكلة أنتِ ثبتي نظرك على هذا الجانب , أما أنا أعرف تماما الجانب الآخر - الذي لا تعرفيه- من رباب و أنا متأكدة أنه الجانب الوحيد لها  , رباب التي أعرفها تحب كل الناس , تهتم بالجميع و لا أحد يهتم بها , عنيدة لكنها رقيقة , تساعد كل الناس لكنها وحيدة , و لا أعتقد أن أحد يفهمها ........
كانت نهي مديرة ظهرها لحنان , و عندما التفتت نهي لم تجدها , ففزعت !!
أسرعت الخطى تبحث عنها  !!
ظلت تبحث عنها حتى وصلت للباحة الرئيسية للمشفى كانت شاردة جدًا و تتلفت يمينًا و يسارًا و قد شعرت أنها قد فقدت عقلها و كانت تتحدث لسراب أو أن أحد الأرواح الشريرة قد لبستها و تحدثت إليهم , ثم ألت تلك الروح إلي مسكنها , انتابتها القشعريرة , ثم وجدت عاصم يسير أمامها , و شعرت به و كأنه يقول لها شيئا لكنها لم تميزها ....
........................
في مكتب مدير المشفى ,,,
كان عبد الحميد يجلس على مكتب مدير فرع الإسكندرية , سمع صوت طرقات على الباب , فسمح لرباب بالدخول , دخلت بوقار قائلة : ..
-السلام عليكم !
-اجلسي !!
جليت فظل ينظر لها فترة دون حديث و لما مضت فترة ملت رباب و استكرت صمته فقالت : ..
-ما الأمر سيدي خيرًا !!
-منذ متي و أنتِ تعانين من مرضك !
جحظت عيناها و تلجم لسانها فلم تكن تتوقع أن يعرف أحد !!

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن