٣٠

706 32 1
                                    

بقلمي أسماء علام موكا
عما قريب سأصرخ
الفصل الثلاثون
ابنك !
ابنك !
ابنك !!
تردد صدى تلك الجملة لدى الجميع ... فيما زمجر مراد قائلا :..
-سنرى ! سترحلين أم لا ؟!
اتصل مراد بأمن المنتجع ، الذين حضروا بسرعة و أخذوها خارجا !!
بعد أن رحلت ، جلس مراد على الأريكة واضعا وجهه بين كفي يده !!!
توجه إليه كم هائل من الأسئلة ، لم يكن مستعد أبدا ليجيب عليها !
إلي أن قال سالم الذي لم يعجبه صمت مراد :..
-مراد نحن بحاجة لشرح ... أي زوجة و أي ابن ؟!
قال مراد بأسف :...
-للأسف تلك زوجتي السابقة ! جاءت بعد أربع سنوات تخبرني  أن أخذ ابني فقد ملت هي من تربيته !
تابع مراد و هو يبدو مذهولا :..
-أنا لدي ابن ! و من تلك الساقطة ! و بل و تخبرني أنها تعبت من تربيته ! ههه أي تربية تلك بحق السماء !
صمت من جهة الجميع لا أحد يتكلم ، لكن دموع غنا أبت ألا تتحدث !
لكنها بالأصل لا تعرف لما تبكى !! ربما مشاعرة كثيرة مختلطة هي ما أدت إلي ذلك ! أو ربما لأنها مشفقة على مراد الذي يبدو كانه يحمل هموم الدنيا على كتفه !! زادت من عمره أضعافا مضاعفة !
إلي أن صدح صوت رباب مصاحبا لصفقة من يدها  :..
-نفس القصة ! أبغض أفلام الدراما المملة تلك ..
التفت إليها الكل و نظراتهم تحمل الكثير من اللوم إلي جانب نظرات نارية من سالم و مراد ، لكنها انتبهت لنظرات اللوم الواضحة من سمر !
-لما تنظرون إلي بتلك الطريقة ؟! ألا ترون أن ما يحدث لا يزد إلا عن دراما قديمة عرضت في الكثير من الأفلام !
ثم تابعت بصت راوين القصص و قالت :..
-بعد عدة سنوات من انفصالهم و انشغالها بحياتها واكتشافها حملها لكنه لم تبوح لوالده أبدا و عاشت تلك السنوات مع ابنها !! و هو أكمل حياته أيضا  و التقى بفتاته و تزوجها و بعدما كاد  ينسى  أمرها عادت و معها طفلهما الذي أخذ الكثير من ملامح والده ! جاءته تطالبه أن يعتني بالطفل ريثما تعود من سفرها ...... لا أعلم لماذا يجب أن يكون صبي !! المهم شعر بأن الطفل عبء عليه ، و كانا لا ينسجمان ...  لكن تلك الزوجة الجديدة أحبت الصبي حبا جما و قررت أن تجمع الأب بابنه ، رفض كثيرا و عاند أكثر لكنه أحب الصبي ..... لكن لم تنعم السماء بأكثر من ذلك ... فقد جاء  وقت الفراق سيعود الطفل إلي أمه التي انهت سفرها لتأخذ ابنها .... و في المطار و مع توديعات الطفل و والده و زوجة أبيه بكى كثيرا ، رق قلب الأم و تركته يبقى مع والده .... و تنزل كلمة النهاية على طيارة الأم و هي مغادرة تبكي ..... تاااااا
نظروا لها مبهوتين بتحليلها للأمر هكذا !!
جنت هي أم ماذا ؟!
أم أنها تستخف بمعضلة  مراد لهذه الدرجة !!
مراد بحنق :هل يبدو لكِ الأمر كمزحة !
كان مراد   ينظر لها شزرا ، فتدخل وائل مسرعا و ليته ما تحدث :..
-عذرا مراد فزوجتي لا تقصد الاستهانة ، لكن يبدو أن كثرة جلوسها في مصحى الأمراض العقلية وسط المجانين قد ...
و أشار لرأسه بعلامة الهوس ،  فابتسمت هي بسخرية وقالت :..
-شكرا على   تشخيصك ! لكن سيد مراد لا تجعلني أفقد حدثي الأول عنك و أتهمك الآن بالغباء !
نظر لها بحدة و قبل أن يتحدث تحدثت هي :..
-لو لم أراها الآن لاعتقدت أن ما قالته صحيح ! بأي منطق تبدو تلك كأم ، إن اكتشفت أعراض الحمل لما  لم تتخلص من الجنين ، هل  تبدو و كأنها ستضحي برشاقتها و صحتها لتصبح أم .... هذا فرضا إن كان الطفل منك ! فحسب ما أعرف فأنت تركتها بسبب ...
و  لم تكمل احتراما لكرامته كرجل ... و بعد برهة تابعت :..
-و إن كانت صبرت و أنجبته ، كيف ستراعيه .... جدلا فعلت و تحملت ، لما الآن بالتحديد ظهرت !!
غنا : برأيك لما  ؟!
-الأمر بسيط ! علمت عن زواجه فأرادت إما أن تفسد زواجك أو تبتزك لتدفع لها المال لتبتعد عن حياتك !!
سالم : و لما أنتِ متأكدة يا سيادة المحققة !
لم تأبه لنبرته المتهكمة الهازئة و أردفت :..
-الأم الوحيدة التي ذاقت الأمرين لتربية ولدها وحدها ...
عند تلك الكلمة نظرت لوائل و ما إن التفت حتى شاحت ببصرها و تابعت :..
-لن تفرط في ولدها بسهولة و تستعمله كسلعة ، بل ستعمل جاهدة لتخفيه عن عين أبيه ! لقد لعبت دورا لا يليق بها !
استحسن الكل كلامها ، و قالت سمر  :..
-لا أعلم إن كان يصح لي التدخل لكن  رباب محقة ، فأنا لست أم سليم و " هنا " لكن   ربيتهما مع رباب ... قد أجن إن فكرت في ابتعادهما عني !
غنا : معهن حق يا مراد هون عليك ..
و فجأة وجدت رباب يد وائل على كتفها و هو يهتف :..
-تفكير صائب ! يبدو أنك لم تفقدي عقلك تماما يا عزيزتي !
و ضحك بطريقة جعلت الجميع يبتسم و يفك التوتر قليلا !!
تألمت رباب  !
نعم ! فقربه مؤذي و بعده كذلك مؤذي !!
قال مراد :..
-لكن هذا محض افتراضات لماذا تتحدث روان بثقة إذن ؟
أجابه وائل :..
-كي تجعلك قلق هكذا و تصدق خدعتها ... أنا أعرف ذلك الصنف جيدا !
رباب بتهكم و قالت :..
-تبدو خبيرا سيدي !
غمزها قائلا :..
-أكثر مما تتصوري !!
شعرت بالحنق الشديد من كلماته لكنه لم يعبأ و استمر في مزاحه ، أعاد وضع يده على كتفها و قال :..
-و من يعش من دكتورة  المجانين لا يصبح خبيرا !
شعرت بالضيق مرة أخرى فهي لا تحب أن يلقبها أحد هكذا !
سالم بعقلانية :..
-هناك ألف طريقة لنفي نسبك للطفل !
مراد :..
-و هناك مليون طريقة للخداع و التلاعب بالأدلة و التحايل !!
-إذن دعي أمرها لي !! أعطني قليل من المعلومات عنها و أنا لن أخذلك !!
التفت الجميع إلي وائل و هو يقولها بثقة !
رباب :..
-دعها له .. لا تقلق فهو بقادر عليها !! لم يفشل يوما في  مهمة مثل تلك !!
لم يلحظ أحد نبرتها المتهكمة و لا نظرات قهرها لوائل و هو يأخذ المعلومات من مراد !!
لم تعد تحتمل أكثر ! دموعها على وشك الهطول !! و أيضا تشعر بنفسها يضيق !!
هرولت إلي الحمام .... أخذت تسعل بشدة ، أخذت دوائها و غسلت وجهها ! لكن السعال لم يخف و أنفاسها تبدو ضائعة !!
.....
في الخارج غادر وائل و قد وعد مراد أن يخلصه منها في أقرب وقت و رافقه مراد للخارج ..
......
هدأ التوتر نوعا ما .. فرأت سمر أنهم بالتأكيد سيغادرون قريبا .. التفتت إلي الأولاد ، فوجدتها ناما بعمق أثناء حديثهم الذي أصابهما بالضجر ...
ابتسمت و لاحظت غنا أيضا فضحك و قالت :....
-يالا بساطة حياة الأطفال !
سمر : يبدو أنها لم يحبذوا الشجار ..
سالم : ماذا !! هذان يبدوان كأنهما خلقا ليتشاجرا و خصوصا معي !!
ضحكوا مرة أخرى !
لمحت سمر طيف رباب فقالت ضاحكة :..
-تعالي يا رباب .. انظري لولديك .. ناما على الأريكة !! وداعا للنزهة .. قلت لكي ألا نخرج ... و انتظري حين يستيقظا لن تسلمي منهما .. فلقد ضاعت عليهم تلك النزهة أيضا !!
لم تنته لرباب الذي شحب لونها و تقطعت أنفاسها ، انتبهت عندما سمعت صوت سعالها .. فقلقت و انتبهت لتلك التغيرات  و قال بخوف :..
-رباب ما الأمر  ؟!
ابتسمت ابتسامة واهنة تخفي الكثير من الألم و همست :..
-أنا ب....
لم يرد لها الله أن تكمل كذبتها ، إذ ترنحت على الفور ، هرولت إليها سمر و غنا .. لكن الأسرع بالتقاطها كان سالم ! لم يشعر بنفسه و هي تترنح وجد قدمه تقوده إليها بخوف أب !!
فقدت الوعي في ثانية بين يدي سالم و الذي جلس بها أرضا !
ضربت سمر خدها برقة و هي تهتف بجزع :..
- رباب ! ردي عليا !
أما غنا فركضا تبحث عن مراد ، الذي ما إن رآها تبكي كتي ركض إليها يضمها و هو يسأل :..
-ماذا حدث ؟
سحبته من يده بسرعة و هي تقول  :..
-تعالي معي أرجوك !!
دخل ليتفاجأ بهذا المشهد !!
و قبل أن يتقدم مراد هتفت سمر ببكاء :..
-طبيب أرجوك!! مشفى !! أي شيء!! رباب تضيع !
أمسك هاتفه بسرعة يطلب مساعده و قد تذكر أن نوبة كتلك كادت تقتلها ذات مرة !
-هل هناك طبيب قريب !!! أجب بسرعة ........ طبيب خاص بالمنتجع  جيد ، أخبره أن يأتي إلي الشاليه فورا لدينا مريضة مصابة بأزمة ربو مغشي عليها !!
خبر كصاعقة !
أو ربما كدلو من الماء البار ألقي في إحدى ليال البارد القارص !!
من ؟! مصابة بماذا ؟!
لا سالم و لا غنا يستطيعان التصديق !!
لم تفق غنا سوى على صوت هتاف سمر بها  لتأتي لها بشي لجعل رباب تفيق ..
لكن غنا لا تعرف أي شيء هنا ، فارتبكت ، ثم وجدت كوب مياه ..
حاولوا جعلها تفيق ، بلا فائدة .. إلي أن وصل الطبيب و معه شخص يحمل اسطوانة تنفس صناعي !
حملها مراد على الفور ، أشار لهم سالم سريعا  بدون شعور على غرفته !
فعل معها الطبيب ما يلزم و طلب من الجميع تركها تستريح ....
...
صافح مراد الطبيب  و هو يقول :..
-شكرا جزيلا !
-لا شكر على واجب ! لكن جيد سيد مراد أنك أخبرتني عن الحالة مسبقا  .. و إلا لا قدر الله لم تكن لتمر على خير .. فمرض الربو كالعدو اللئيم ينتظر وقت ضعف ضحيته ليهجم عليه ! عفانا الله .. " و لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة   " الابتعاد عن الانفعال تماما و التوتر ! و بالنسبة للأدوية ....
سمر : لكنها تأخذ أدوية بالفعل و منضبطة عليها ...
عدل الطبيب من وضع نظارته الطبيبة و قال مفكرا :..
-إما أن نوعية الأدوية لم تعد تعطي مفعولها مع الحالة أو أنها تعرضت لانفعال شديد ! فاحذوا في التعامل مع الحالة ! و من الأفضل أن تراجع الأمر مع طبيبها المختص ! و أنا في الخدمة متى احتجتموني !
صافحه مراد مرة أخرى و شكره مجددا ، و أوصله للباب ، عاد و كانوا على وضعهم تماما ، سالم يستند على عمود من الرخام خلفه .. و غنا   تقف جوار الباب تتسلل النظر إلي رباب بدمعة عالقة في عينيها ! خلاف  سمر التي كانت تضرب على الهاتف بعصبية و كأنها تحاول الاتصال بشخص ما !
و صدقا كانت تفعل ! كانت تتصل بزوج تلك الراقدة على الفراش و تتنفس عن طريق الأجهزة !! و لولا أن الله سلم لم تكن ستتنفس مجددا !
و في كل مرة يأتيها نفس الرد اللعين " الرقم الذي تحاول الاتصال به مغلق أو غير متاح "
لم تتمالك نفسها من الغيظ  فألقت الهاتف على الأرض ليتهشم بدوى لفت انتباه الجميع و سمعوا هتافها المغتاظ :....
-منذ متى و نحن نجدك حينما نحتاجك يا وائل !!
تجاهلا الأمر و لم يزيدوا فيه نظرا لتوتر الأجواء :..
إلي أن قالت غنا لسمر باكية :..
-سمر ! رباب مريضة بالربو ..
أومأت برأسها فقط !
قال سليم بشي من العصبية لمراد : ..
-و أنت كنت تعلم يا مراد .. لما لم تخبرني ؟!
-لم يكن هناك وقت مناسب .. لنتفرغ للأمر الأهم , سنتدبر أمر مبيتنا الليلة كالتالي .. بما إن دكتورة رباب في غرفتك ..
قالها و هو يشير إلي سالم ثم تابع : ..
-سنأخذ الأولاد إلي غرفتي أنا و غنا ..
تمتمت غنا : ..
-غرفتي أنا و أنت !!
همس لها مراد : ..
-سنتحدث في هذا الأمر فيما بعد .
ثم تابع : ..
-و أنتِ أستاذة سمر بإمكانك أن تذهبي لشاليه الآخر ..
-لا ! عذرا أن سأبقى مع الأولاد , هم معتادون على ذلك , و أخشى أن يجزعا .
-حسنا ! و أنا و أنت يا غنا سنذهب إلي الشاليه الأخر .... و أنتِ سيد سالم يـ ..
-أنا سأظل هنا ..
قالها ثم غادر إلي مكتبه دون أن يزد كلمة أخرى ! ليثبت في كلمة مرة أن تصرفات ذلك الرجل خارج توقعاتهم !! 
.....
لم تستطع سمر أن تنام بسلام , فذهبت متوجهة إلي غرفة رباب , دلفت سمر إلي غرفة صديقتها الراقدة لا حول لها ولا قوة لتكتشف أنها ليست الوحيدة ،  رأت سالم الغندور جالس على كرسي يشرف عليها بوجهه ، لم تستطع تميز تلك النظرة التي على وجهه !
نظرة لا تستطيع تميزها غريبة بها كل المعاني !!
و هي لا تعلم حتى و كذلك هو لما أتي إلي هنا !! لكنها تعلم أن ذلك الجد يبغض للأسف حفيدته و لا تعلم السبب !!
و أمامها كان جالس  يراقبها تتنفس عبر الجهاز ،  لكنها وجهها ممتعض و كأنها تحلم بشيء يعكر صفوفها !!
تأمل قسمات وجهها الخمرية هي لا تشبه والدتها فهي للأسف تشبه من سرق منه ابنته !!
مشاعره تتنافس في خلده لعل أحدهم في النهاية ينتصر و يريحه !!
أهو الحب و الأبوة ! أم الشفقة ! أم الحزن ! أم الكره و الحقد !! كل تلك المشاعر يتأرجح فيها قلبه بلا هوادة لتترك العقل صريع غير قادر هو الأخر على أخذ قرار !!
تأمل وجهها  مرة أخرى عله يجد الإجابة ، فوجدها تبكى وهي نائمة !!
سمح ليده أن تسلل إلي خديها لتمسح تلك الدموع التي كللت وجهها !
لا يعلم ما حدث لكنه فجأة وجدها أمامه تحملق فيه و هي تدفع يده ، فقال  :...
-ماذا تفعلين ؟
-ماذا أفعل أنا ؟! بل ماذا تفعل أنت ؟! أتريد أن تقتلها !!
قام من مكانه و نظر لسمر مشدوها مما تفوهت به و هتف :..
-أجننتِ أنا أقتلها !
-إذا ماذا كنت تفعل ؟! ألم تكن تحاول نزع  جهاز التنفس !!
-أنتِ  مجنونة ... إنها .. إنها حفـ ....
-ما الأمر ألا تستطيع قولها .. إنها حفيدتك ، و  وحده الله الذي يعلم ما الذي تراه في وجهها لتكرهها إلي هذا الحد !
حملق فيها وما استشفته و الذي لم يزد عن كونه الحقيقة !!
نعم هو يكره  وجهها ! و يظل يردد على  مسامعها تلك العبارة " ابنة راضي " لأنها تشبهه تماما !! ذلك الرجل الذي سرق منه ابنته و حرمه منها للأبد !!
أردفت سمر : ..
-اعلم أنه لا يحق لي أن أفعل ذلك !! لكن أنا لن أسمع لك أن تؤذيها .. و من فضلك اخرج ، فالتوتر في ظل حالتها الغير مستقرة ضار جدا !! و هذا ما سيحدث إن أفات وجدتك هنا .
-هل تطرديني !!و أنا أوترها أليس كذلك ؟!
-فوق ما تتخيل ! تماما كما يحدث معك عندما تراها !!
امتعض وجهه لكنه لم يجد ما يقول و هو قد ضاق ذرعا من الحديث و غير راغب في إثبات العكس !!
غادر و تركها و على وجهه تعبير مبهم لم تستطع تميزها !! جلست هي مكانه جوار صديقتها ..
ما إن خرج حتى رأي سليم أمامه و يبدو أنه استيقظ لتوه من النوم !!
و نظر لسالم نظرات متحدية مستكشفة ..
=====================
في الشاليه الأخر ,,,
كانت غنا تنظر فقط لما يفعله مراد دون أن تقوى على الاعتراض حتى , من شدة ارتباكها من تصرفاته ..
لقد قرر كل شيء بمفردة , قرر أنهم سينامون في نفس الغرفة , و اختار ما سترتديه (بيجامة زرقاء) ثم أشار لها لتبدل ثيابه و ذهب هو للمرحاض , فعلت كما أمرت و هي مازالت متأملة أنه كان يقول ذلك فقط و أنه سينام في الغرفة الأخرى ..
دخل عليها و أوصدت الباب خلفها , فقالت في محاولة منها للسيطرة على زمام الأمور : ..
-سيد مراد ! هل يمكن أن تفهمني ما قولته هناك !
اقترب منها , و كرد فعل طبيعي ارتدت للخلف , لكنه اقترب و قال : ..
-بما أنك زوجتي فمن الطبيعي أن تشاركيني نفس الغرفة ....
لم تتحدث فقد عاق توترها أي قدرة لها على المقاومة .. فتابع هو : ..
-و بما أنك زوجتي ! فمن الأفضل لكِ أن تناديني مراد فقط ..
ازدرت ريقها بتوتر , و تسمرت مكانها ..
تركها مراد و ذهب و تمدد على السرير و أعطاها ظهره و تظاهر بالنوم ليزيح عنها الحرج ..
كانت محرجة كثيرة من أن تنام جواره .
و بعد مرور ربع ساعة و تأكدت من نومه , استلقت جواره ..    
======================
فأغلق باب غرفة رباب بسرعة قبل أن يرى الصبي والدته هكذا !
فهو طفل لن يتفهم الأمر و سيفزع !
نظر له سليم بتوجس و قال :..
-ماذا تفعل ؟!
قال سالم بارتباك لا يليق بسنه وهيبته لكن نظرات ذلك الطفل هو و أخته تربكه بالفعل !!
-لا أفعل شيء ! لا شيء !
-أين أمي و عمتي ؟
-أيها الصبي لا ترى أنك تحدث جدك و يجب أن تتحدث بأدب !
-أنا لا أصدق الغرباء و لا أثق بهم !
-ألم تسمع أنا جدك ؟!
-و أنا لم أرك من قبل ! و لم أسمع أمي تقولها ، و عمتي ممكن أن تكون أخطأت .
-و هل أنا أحتال عليك مثلا  !
عقد الصبي ذراعيه أمام صدره و قال بنبرة لا تليق بطفل :..
-لا أعلم !
اقترب منه سالم و قال :....
-إذن تعالي معي لأثبت لك أيها الطفل الكبير !
قالها سالم بمرح ، و أخذه معه دون أن يسمح له بالاعتراض ..
دخل سليم إلي غرفة مكتب سالم و قد بهر بها و بجمالها فهي بالفعل تليق بذلك الرجل ذو المكانة !
-واو ! رائعة !
-جيد أنها أعجبت السيد سليم .
-اثبت لي إذن أنك جدي .
أجلسه سالم على الأريكة المريحة جواره وقال :..
-أولا أنا جد والدتك ..
-قديمة ! قل شيء جديد !
-أيها الطفل ! كم تملك من العمر لتتحدث هكذا !
أخذ  الصبي يعد على يديه و قال :..
- ستة أعوام .
-ستة أعوام !! و لما تتحدث و كأنك ذو ستين عاما ؟!
-لندخل في الموضوع .
-كان لدي ولد و بنت .. ولدي أنجب خالتكم غنا ، و ابنتي أنجت والدتكم ! هل فهمت  ؟
-كلام بدون دليل .
-دليل !! دليل .... نعم ...
ثم أمسك سالم محفظته و أخرج منها صورة ، حدق فيها الصبي و قال  :..
-ما هذا 'هنا' كيف أصبحت كبيرة هكذا ! لكن .. أنا لا أفهم ..
نظر سليم إلي سالم طامعا في إجابة ، و هو لم يبخل بها :..
-هذه جدتكم .
-زوجتك ؟
-لا ! ابنتي نادية .. والدة رباب ! تشبه أختك كثيرا أنا أعلم .
ترقرقت الدموع في عيني سالم و قد سمح لدمعة شاردة لتسافر على خده الذي خط الزمن عليه خطوط السن و الشقي ..
أغمض عينيه من الألم و هو يتذكر وفاة ولديه ، لكنه شعر بيدين صغيرتين على خده تمسح تلك الدمعة الهاربة ..
سليم :..
-لا تبكى .. هل اشتقت لابنتك ؟!
-كثيرا !!
قالها بألم فقال الصبي بطفولة :..
-انظر للسماء إذن ! و أغمض عينيك و تخيلهم يبتسمون لك .. يفرحون بنا ونحن نتذكرهم .. عمتي و أمي كانوا يفعلون ذلك عندما يشتاقون لوالديهما  ..
ابتسم لذلك الصبي الذي وضع بلسما على جراحه ، فابتسم و قال :..
-هل صدقت إذن أني جدك ..
-نعم ! لكن لما تتشاجر دائما مع أمي .
-لا نتشاجر يا سليم ! إننا ..
-تتناقشوا !
قطب سالم بين حاجبيه ، فتابع سليم :..
-عمتي تقول هكذا دائما عندما نسألها عن أمي و هي تتحدث مع بعض الأشخاص و يعلو صوتها  .
-و هل يحدث ذلك كثيرا ؟
-جدااا !
أطلق سالم ضحكة ، و قد رأى أن الطفل قد أعاد له بعض المرح الذي فقده في حياته ، فقال :...
-إذن يا سليم هل تقبل أن تصادقني ؟
وضع الصبي يديه أسفل ذقنه علامة على التفكير ، فضم يديه بطريقة كوميدية يترجاه ..
-حسنا !
ابتسم سالم  ، و جلس مع الصبي يمرحان و يتجذبان أطراف الحديث ، حتى ناما على الأريكة و الصبي يضمه بشده ..
••••••••••••••••••••••••••
في الشاليه الأخر ،،،
استيقظت غنا في منتصف الليل لتجد أن مراد مازال مستيقظ ينظر من النافذة وهو شارد تماما !!
-مراد ! ألم تنم ..
أفاق من شروده على صوتها الذي ناداه و قال :..
-لن أستطيع النوم مالم أطمئن ، لما لم تنامي أنتِ ؟
-لا أستطيع النوم ! أشعر بشعور مقيت يخنقني .
نظر لها متأملا و هو لا يعرف ماذا أصابها ! لكنها لم يتحدث لتبوح أكثر ..
-أنا أخت سيئة للغاية .. لم أهتم برباب أبدا  .. كيف لم أنتبه و لو لمرة ، حتى سمر تعرف عنها أكثر مني  .. حتى أولادها لا يعرفوني و لا أعرفهم ! أشعر أني أنانية للغاية ..
دمعت عيناها بتأثر، و عندما رفعت بصرها وجدتها أمامه يربت على شعرها بهدوء !!
شعرت هي بالحنان الذي يتدفق منه عينيه ، بالرغم من كم المشاكل التي هو فيها .
••••••••••••••••••••••
أمضى وائل الكثير من الوقت في تتبع روان حتى استطاع التعرف عليها ، و وثقت به  ثم وعدها باللقاء غدا ، عاد قرابة الفجر إلي الشاليه و لم يلاحظ الفرق ، و لم يلحظ أن مراد و غنا قد أوصدا عليهما الغرفة ، بل ظنها رباب فنام فقد كان متعب !!
••••••••••••••••••••
عادت الأوضاع إلي طبيعتها الأولى بين عاصم و نهى ، و عادت السعادة للعائلتين ، و قد مضى عقد الشقة التي تعلو شقة والديه . و قد طلب كلاهما إجازة ليتما معا شراء الأشياء الضرورية لشقة الزوجية ..
********
في شاليه مراد ،،،
تململت سمر من نومتها جوار رباب !
لكن مهلا أين رباب ؟!
-رباب !
قالتها بفزع و هي تنظر إلي الجهاز الذي وضع مكانه بانتظام ، و مكانها من الفراش مرتب !
قامت من مكانها بفزع و هي تتفقد متعلقات رباب التي اختفت هي الأخرى !!!!!

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن