الفصل الثاني و الأربعون
-و أبي كان ضحية في وسط كل هذا ، ذنبه الوحيد أنه أحب ابنة سالم الغندور !!!
-دعيني أكمل يا رباب ! لما مر وقت كبير و لم يتغير شيء و راضي مازال يبحث عن وضيفة بلا كلل ، بعثت إليه بأسعد لينهي الأمر معه ، أغراه بالملل ، سايسه و هدده لكنه لم يتزعزع عن موقفة ، شعر راضي بعد مرور الوقت بالعجز ، لم يحصل علي أيه وظيفة ، كنت سطوتي تسد كل باب في وجهه ، فقرر السفر ، و لما طال غيابه فترة ، ذهبت لنادية أحثها على القدوم معي و أنا مستعد لمسامحتها شريطة أن تأتي معي ، مازلت أتذكر ردها حتى الآن ..
"لقد ترك زوجي هذا المنزل و هذه الأسرة أمانة في عنقي ، و أنا لن أخون ثقته ، كما لم يخن هو ثقتي أبدا ، لذا سيعود و يجدنا في انتظاره "
قالها سالم على لسان ابنته ثم تابع :..
-لم أفهم لما جمعت كلماتها وقتها ..
-كانت تقصدني أنا أليس كذلك ...
أومأ لها سالم بألم ، فأردفت هي :..
-هل تعلم أن أبي لم يخبر أمي يوما بما فعلته !! كان يخشي إن حدث له شيء أن لا تجد أحد معها ، و ترفض أن تلجأ إليك بسبب ما فعلته .
زاد ضمة وائل لكف يدها يؤازرها في سماع قصة والديها المؤلمة ! كان يخشي كثيرا أن تنهار ! و هي بالأصل متعبة مع ظروف حملها المؤلمة تلك !
فكان ينظر لها بين الحين و الأخر يحاول أن يستدعي قوتها ، هو يعرفها لن تهدأ حتى تعرف الحقيقة كــــاملة !
بينما غنا تستمع و تشعر بألم و كان أحد الأفلام التراجيدية تعرض أمامها ، فهي لم تكن تعلم بتلك التفاصيل من قبل ، و لا يمكنها تخيل ماذا يمكن أن تفعل إن كانت مكان رباب !
و مراد كان يستمع و هو يشعر بالشفقة على تلك العائلة بأكملها ، كلها عانت و الكل على طريقه الخاص ...
قد تبدو من نظر الجميع هي عائلة منعمة خالية من الهموم !
لطالما كان الحكم على الأخرين من المظهر منهاج حياتنا ! نسينا تلك المقولة التي تقول " لو اطلع كل منا على قلب الأخر لأشفق عليه "
تابع سالم :..
-حاولت مرارا و تكرارا أن أقنعها بالعودة لكنها أبت ، و قد أرسلت لها أخيها خالد ليحاول لكنه لم يفلح ، و ذات ليلة و كالعادة أنا متمدد على الفراش أفكر في ابنتي و حالها ، و خالد كان مع زوجته التي كانت قد وضعت ابنتها الأولي " رنا " حديثا .
قال الأخيرة بألم ثم تابع :..
-صدح صوت الهاتف في الفيلا قاطعا سكون الليل ، خرجت أنا و خالد ، أسرع خالد ليجيب ، بعد قليل وجدت الهاتف يسقط من يده قائلا بصدمة :..
-لننقذ نادية !
بعد تلك الجملة طار عقلي من وضعه ، لم أشعر بنفسي إلا و أنا أطرق بابها بعنف ..... بعد قليلا فتحت هي الباب ببطء و كانت شاحبة و العرق الغزير يغطي وجهها ، نظرت بصدمة لبطنها البارز فخالد لم يخبرني ! ربما لأنه خاف ردة فعلي ! بمساعدة خالد أخذتها للمشفى و صوت صراخها و تأوهاتها يشق سكون الليل ، و كأن صوت بكاءها كالخناجر يطعن بقلي ... كانت ولادتها متعسرة كثيرا ! عندها استجمع خالد شجاعته و أخبرني بكل الحقيقة ، و ذيلها بإعلامي بخبر وفاة راضي ، و لما صرخت فيه لما لم يخبرني و كنت سأجبرها على العودة ، و هل كان يظن أني قد أؤذي ابنتي و طفلها .. أخبرني أن نادية رفضت ، رفضت التصديق بموت راضي و عاشت على أمل عودته يوما .. و هو لم يستطع أن يجبرها ففضل أن تعيش بأملها على أن يقتلها اليأس , و هو كان يزورها دائما ليطمئن عليها .. بعدها أخبرنا الطبيب أن نادية قد أنجبتك و أنك بصحة جيدة لكن نادية ـــــ صوت بداخلي كان يصرخ ، ألم عميق يخترق روحي ، بعد أن أفقت أخبرنا الطبيب أن نراها للمرأة الأخيرة ، على عكسنا كانت مبتسمة و هي تعلم أنها نهايتها ، و قالت :..
****
" لما تبكون لقد حان الوقت لألحق بحبيبي فقد أرهقني الفراق ، أبي ! عدني أن تعتني بابنتي ، كنت أتمني أنا و راضي إن رزقنا الله فتاة أن نسميها رباب ، من تشبه أنا أم راضي .. أنا متأكدة أنها تشبهه فقد كانت أراقب صوره طوال أشهر الحمل ، و أنا متأكدة أني أحبه أكثر ، فستكون ابنتي تشبهه ، لذلك سألحق به ..
أمسك سالم يدها و قال ببكاء :..
-نادية ! أنتِ ستعيشين ، لقد بعث لأمهر الأطباء ليأتوا و هم في الطريق ! لا يمكن أن تتركِ والدكِ ! ألا تحبيني ؟! أنت ستربي ابنتك و تراقبيها و هي تكبر يوما بعد يوم .
-بالتأكيد سأفعل ! سأراقبها أنا و والدها من فوق ، و سأطل عليكِ يا أبي .. انتظرني في المساء و انظر من النافذة بالتأكيد سأسمعك !
-نادية !! لا تتحدثي كثيرا .. أنا ..
أشارت له كي يقترب و مسحت دموعه المنسابة و قالت بتعب :...
-لا تبكي يا أبي ! أرجوك لا تبكي ! كن قويا من أجل حفيدتك .. أنا سامحتك ، أنا لم أحقد عليك يوما ، أعلم أن كل ذلك لأنك كنت تحبني بجنون فلم تتخيل فراقي، و أنا أيضا أحبك لا تبكي ! وصيتي يا أبي أن لا تحزن ، أريد أن أراكِ تودعني بابتسامة كما كنت تفعل دائما ...
بعدها طلبت من أخيها و رقة و قلم و خطت فيها بعض الكلمات و أوصت خالد أن ينقلها في أخر صفحة من مذكراتها في دولابها و يضع الورقة بين طيات المذكرات .. طلبت منهم أن ترى ابنتها ، سالت دموعها و هي تحمل رباب بتعب و قالت :..
-رباب ! يا جميلتي .. أنت بالفعل تشبهين والدك ! أريدك أن ترسمي الضحكة على وجه كل ما تريه ، أحبي جدكِ يا حبيبتي ! هو سندك من بعدي ، كنت أتمني أن تتربي وسط رعيتي أنا و والدك لكن ..
ثم ابتسمت وسط دموعها و قالت لسالم الذي كان منهارا تماما :..
-أبي ! قلت لك لا تبكي .. ألن تنفذ وصيتي ، حين يحين موعد الفراق ابتسم من أجلي ابتسم ..
ثم صمتت نادية ، حركت شفتيها بضعف و تمتمت بصوت خافت لم يسمعه أحد و هي تردد الشهادتين لترقد بعدها في سباتها الأبدي ، و بين يديها ابنتها التي حملها خالد و لم يتمالك نفسه فبكي بحرقة ، بينما حاول سالم أن ينفذ وصيتها الأخيرة فابتسم و من داخله يموت قهرا ، دخل أسعد الحمزاوي في تلك اللحظة و قد كان أتي ليخبره عن وصول الأطباء الأجانب الذي جلبهم سالم بماله !!
بماذا أفاد المال !! و ماذا كسب سالم الغندور من نفوذه و سطوته في النهاية !
هل استطاع أن يعيد ابنته من الموت ؟! هل يستطيع أن يعطيها حياة إضافية ؟! هل استطاع أن يمنحها السعادة ؟! حتى لم يستطع أن يعيد الزمن للوراء و لو قليل !!
تعجب أسعد من ابتسامة سالم حتى أنه لم يصدق عينيه !
بينما سالم لم يستطع أن يتحمل أكثر ، و لا يستطيع أن ينفذ وصيتها أكثر ، فغادر دون التفوه ببنت شفة .
*******
رباب ! سالم ! غنا ! الدموع تدفق من عيون ثلاثتهما ، جذب وائل رباب من مرفقها و ضمها ليهدئها فقد كانت منهارة تماما ! و مراد يمسك بكف غنا في حنان !
بعد أن هدأت نوبة بكائهم قليلا ، تابع سالم :..
-من يومها و أنت تعيشين معي يا رباب ! لم تكوني يوما مجرد واجب ثقيل كما اعتقدتِ بل أنتِ من أعدتِ القليل من البهجة إلي حياتنا بطفولتك ، و قد عاملك خالد كابنتيه ، لكن ما شعرتِ به من غربة كان بسبب غرقي و غرق خالد كلا في شعوره بالذنب .
شعر خالد بأنه كم كان متخاذل ، لو أنه كان وقف في وجهي يوما أو في وجهها ، لو كان صارحني !! كان شعوره بالذنب ينغص عليه حياته و هو يحمل نفسه ذنب موت أخته ...
أما أنا فكان لا يمر يوم و لا ليلة إلا و أنا أأنب نفسي .. لو كنت استمعت لهما ، لو كنت تفاوضت ، لو كنت سامحت ، لكان الوضع مختلف الآن ! ألف ليت و ليت ، ألف لو و لو و الإجابة واحدة لقد فات الأوان .. كنتِ تكبرين كل يوم و يوم تزداد ملامحك تشبعا بملامح أبيكِ ، فكنت أتذكر كل شيء وقتها ، أتذكر حب أمك لراضي الذي أودي بحياتها ، أتذكر راضي و كيف سرق مني ابنتي !! لكني لم أكرهك يوما يا ابنتي , كنت فقط أرى والدك فيكِ دائما ، الأحرى أني لم أكن قادرا على مواجهتك ، و لم أكن أعلم أني أعذبك أكثر .. لما قررتِ أنتِ السفر إلي القاهرة لم أمنعكِ ليس لأني لم أرد أن أتمسك بكِ لكني لم أرد أن أجني عليكِ كأمك ، حتى جاء أمر زواجك هذا !! لما أصررتِ علي وائل .. و كأن الماضي كله عرض أمامي بكل ما فيه ، شعرت و كأن النيران تتأجج بداخلي و هكذا انقلب كل شيء ضدك ، انقلب كل شيء .... لم أكن أعلم أنك استمعتِ لحواري أنا و أسعد ذلك الأحمق الذي ظن أنني فرحت بموت ابنتي بسبب ابتسامتي و لم يعلم أنها كانت وصية نادية الأخيرة و لا أظنك استمعت لباقي الحوار ..أخر شيء أود أن أقوله ..
ربتت رباب على يده و قالت :..
-وقت أخر !
-لا ! لا تعلمين كيف استجمعت شجاعتك اليوم لأخبركم بالحقيقة ، أريد أن أطمئن أنك ستظلين مع أختك و لن تتخلى إحداكما عن الأخرى ، أريد أن تغادرا من هنا و أنتما لا تحملن أي كره تجاه بعضكما ..
صمت قليلا ثم تابع :..
-نعم أنا كتبت كل أملاكي باسم غنا ! و لكن هذا لأنكِ لستِ بحاجة لأموالي و لديك أموال والدتك ..
نظر له الكل مبهوتين مما يقول !!!!!
عن أي أموال يتحدث و قد مات راضي و نادية و هما لا يملكن أي شيء ..
-أنت تعلم أن المال لم يكن مشكلتي ، أنا لست تلك الجشعة ، و المحزن أنك و غنا تعتقدون أن سبب غضبي هو المال !
أراح سالم رأسه على الوسادة و مازال ممسك بيد رباب :..
-لست بحاجة لقول ذلك ، فأنا أعلم ، أنت نفسك عزيزة يا رباب ، لا تقبلين الإحسان و أنا موقن تماما أن هذا دافعك لفتح ذلك الحساب باسم غنا ، و الذنب ذنبي أني جعلتكِ تشعرين أن تلبية احتياجاتك هو فضل مني ، لكنه واجب عليّ يا رباب ! أنت حفيدتي .... فاستمعي إلي جيدا .. كنت قد خصصت نصف ثروتي مسبقا باسم " نادية " فقد أردت أن أجعلها مستقلة بنفسها ، و قد شعرت بالراحة و أنا أفعل ذلك و أخبرت خالد بالأمر و لم يبدي اعتراض و رفض أن يُخصص الباقي باسمه بل أقسم أن يظل باسمي ، و عندما تزوجت براضي ، هذا جعلني أكتم السر ، لعلها تعود لعقلها ... و عندما أخذ الله أمانته ، بأمر مني انتقلت هذه الأملاك باسمك ، و لذلك طلبت من المحامي وقتها أن يكتب ثروتي جميعها باسم غنا ، حيث أني لا أملك إلا نصف الأصل فقط ..
نظر له الكل بصدمة ، حيث لم يتوقع أحد أنه فعل شيئا كهذا !
جفت شفتي رباب و عقد لسانها لم تقدر على أن تنطق حرفا واحدا و كذلك غنا ..
بينما تابع سالم :..
-لا تصمتِ يا رباب ! ربما لم أكن جدك بحق طوال هذه السنوات ، لكن قلبي يريد أن يطمئن ، لن أصدق شيئا مما أراه بعيني إلا عندما تخبريني ... هل أنتِ راضية بالبقاء مع وائل ، أم أنك مجبرة بسبب الطفل ، ليس عليكِ أن تقلقِ ، الحماية سأوفرها لكِ و أنتِ لست بحاجة لأي شخص أبدا ..
تنهد بألم و هو يتمني أن تقول الحقيقة ، و هو يقسم أنه لن يخذلها أبدا بعد الآن ، أيا كان ما تطلبه ..
مرت دقيقة و وائل ينظر لها بتركيز ، رغم كل شيء ، رغم تبدل أوضاعها في الشهريين الماضيين لكنه ليس واثقا في بقاء حبها له ، في قدرتها على مسامحته ، في قدرتها على الوثق به من جديد !
زفرت رباب ثم قالت لسالم :..
-لا ! أنا بحاجة لك !
نظر لها الكل ، خصوصا وائل الذي شعر بتجمد الدم في عروقه .
تابعت رباب :..
-لتشهد مولد سليم الصغير إن شاء الله ، و في هذه الفترة أنا متأكدة أنك ستغير رأيك في وائل ! سترى الشخص الذي كانت حفيدتك رباب تحلم أن تراه يوما , و ها هو الآن تجسد أمامي , في وائل الجديد هذا ..
ثم شددت على يد وائل .
قال سالم :..
-سأري يا رباب ! لكن لن أتوانى لحظة عن جعله يطلقك إن عاد لذلك وائل القديم ..
نظرت له رباب و ابتسمت :..
-لا تقلق يا جدي !
ابتسم لها سالم ، و هو يشعر بسعادة غامرة ، فقد نادته بجدها و أخيرا !
بعدها أوصى مراد على غنا ، و كذلك أوصى غنا أن تظل دائما مع أختها ..
ثم قال لوائل :..
-هذه فرصتك الأخيرة !
قال وائل و هو ينظر لرباب مبتسما :...
-صدقني لن أخذلك .
-إذن ستنفذ أي طلب أطلبه منك ...
-بالتأكيد يا جدي !
شعر سالم بالغبطة ثم قال برزانة :...
-خذ رباب و غادرا ..
تفهم وائل الأمر و أمسك يدها ، بينما تشبثت رباب بجدها :..
-أنا لا أريد أن أغادر ...
-رباب ! أنا بخير .. أريد أن أستريح من مشاكلكم بضع ساعات .
كان الرفض ظاهرا في مقلتيها ، فجذبها وائل قائلا :..
-يجب أن تذهبِ بالفعل يا رباب ! هل نسيتِ أنك تحملين الآن طفل و يجب أن تكوني أكثر حذرا ... و أنا وعدت جدي و لن أخلف وعدي .
جذبها بلطف لكن بحزم , لكنها تشبثت بجدها , فما كان من وائل إلا أن حملها بخفة بين ذراعيه وسط دهشة الجميع , و رباب مذهولة تماما !!!!
قال وائل بعبث : ..
-لو لم تكوني تحملين الآن طفلي لكان لي تصرف أخر , و قتها كنت حملتك على كتفي كالأطفال !!!
وجهها بالكامل صار أحمر و هي ترجوه أن ينزلها لكنه أبي و تابع للخارج و هو مبتسم !!
ابتسم سالم بخفة عليهم , و قد اوقن الآن أنه لا يناسب رباب العنيدة تلك إلا وائل !!!
لا يفل الحديد إلا الحديد !!
قبل أن تخرج رباب مجبرة , كانت تنظر لسالم بمعني " كن بخير أرجوك من أجلي "
نظر لها سالم نظرات مطمئنة حتي يستطيع أن يجعلها تغادر .
ثم نظر سالم لغنا و مراد و قال :..
-مراد ! اذهب أنت و غنا .
غنا : لا يا جدي !!
-غنا !! لا تتعبِني .. فأنا أريد أن أرتاح .
دخل الطبيب قائلا :..
-سيد سالم يكفي هكذا ! أنا أخبرتك ألا تقابل أحد و رغم ذلك عندما أصربت سمحت لهم بمقابلتك .. لكن هذا سيضر بصحتك .
سالم : هم سيغادرون حالا ..
همس مراد لغنا :..
-غنا ! يجب أن ترحلِ الآن ، يجب أن ترتاحِ حتى تتمكني من الاعتناء به في الصباح .
وافقت غنا على مضض ، فولجا للخارج !!
لم يكن وائل و رباب قد غادرا بعد ، فقد وجدا أن هنا قد نامت و هم بالخارج بعدما تركوها مع مديحة .
و من ثم ترك وائل رباب , و حمل هنا , فسارت رباب جواره , و قبل أن يغادرا سمعا صوت ينادي باسم رباب .
التفتا للخلف , فوجدوا غنا تقف في مواجهة رباب قائلة بتحدي :...
-أنتِ الآن فرحة أليس كذلك ؟! استطعتِ أن تسامحِ و تنسي أمكِ و أبيكِ عندما ألقي إليك حفنة من الأموال .
لم ترد رباب أن ترد تقديرا للموقف ، فبالتأكيد غنا خائفة كما هي خائفة الآن و أكثر ، فامتدت يدها لتربت على كتفها , فابتعدت غنا على الفور , ثم هتفت :..
-لا ! لن يحدث .. لن تخدعيني ككل مرة ، لقد توقفت عن اللحاق بك كجرو خائف يبحث عن والدته ، كل شعاراتك كنت كذبة ، كل إنسانيتك و محبتك كانت خدعة ، أنا أعلم ..
قبضت رباب يدها بقوة و أرجعتها للخلف و كأنها تتمالك نفسها ، فوجدت يد وائل يضم يدها بدعم .
أخذت نفسا عميقا و شعرت أنها أفضل و كأنها تلقت منه القوة ، فتماسكت و قالت :..
-جيد ! من الأفضل أنكِ وجدتي طريقك الخاص ، لكن أرجو ألا يكون طريق الضعف مرة أخرى ، و يفضل ألا أجدكِ بعد فترة كالهرة تبكين من جديد ..
انفعلت غنا و قالت :..
-نعم وجدته .. لكني لن أفعل كما تعتقدين ، و لن أطلب منك المساعدة انتهي زمنك يا رباب ! سأصرخ عليكِ و لن أهتم بك بعد الآن ! و إن كنتِ تخليتِ عننا يوما ، فأنا من سيتخلى عنكِ الآن .
كان مراد أن يتدخل و يوقف تلك المهزلة فتصرفات غنا هذه الأيام أصبحت خارج السيطرة و لم تراعى حتي أنها في المشفى ، أشارت له رباب أن تتوقف ، كز مراد على أسنانه بعصبية .
منحه وائل نظرة مطمئنة ، لما نظر له مراد علم أنه يشجعه ، و لكن وائل كان ينظر لرباب بقلق فهو خائف عليها و بشدة من الانفعال لكنه يعلم أنه لا يجوز التدخل بين أخت و أختها ..
بين بنت خال و ابنة عمتها !
ببن طبيبة و مريضتها !
ألف علاقة و علاقة تمنعهم من التدخل بينهما مؤكدة أن مشكلتهما لن يحلها سواهما ..
===============
في حفلة افتتاح مصنع بلال ،،،
اقترب موعد الحفل كثيرا ، و بدأ بعض الزوار في التوافد .
كانت سمر في قمة أناقتها ، و أراد بلال أن يعبر لها عن إعجابه بأناقتها .. لكنها لم تكن متفرغة أو منتبه له أو حتى لنفسها .
كانت كوالدة العروس يوم زفاف ابنتها الوحيدة ، تشرف على كل صغيرة و كبيرة ، تتابع الكل ، تذهب و تجيء ، و تتفقد كل ما يحدث ..
كانت متوترة للغاية كطالب ينتظر نتيجة امتحانه !
و على عكسها بلال كان يخفي توتره ، فقد تعرض في حياته لمواقف صعبة جعلته قادرا على التحكم في تصرفاته و انفعالاته ، كما أكسبته ثباتا انفعاليا عاليا ..
فمن يتعامل مع استفزاز رباب و برودها يكون قادر على التغلب على الكثير من المواقف بالحكمة .
هذا هو الدرس الذي تعلمه وائل من فترة مكوثه بالمشفى!
صرخ بلال على ظلال الماضي و قرر المضي قدوما في طريقه الذي رسمه و لن يتراجع !!
لما شعر بلال أن سمر متوترة للغاية و تجوب المكان كالنحلة ، أشفق عليها و أوقفها قائلا :..
-سمر ! أنا أريد أن أحدثك في أمر هام !
-وقت أخر يا بلال ! ألا ترى أن الضيوف قد بدأوا بالتوافد .. أنا مشغولة ..
-إنها مشكلة يا سمر ! يجب أن تأتي معي .
هتفت سمر بقلق :..
-أي مشكلة ؟! لقد أشرفت على كل شيء بنفسي .
جذبها من يدها خلفه و هو يقول بجدية :..
-تعالي معي و شاهدي بنفسك !!!!!
عندما وصل بها وائل إلي مكان بعيد عن الأعين قال :..
-علمتِ إذن ما المشكلة .
-لا ! ما هي ؟ أخبرني يا بلال ! ماذا حدث و سأصلحه فورا .
أشار لها و قال :..
-أنتِ هي المشكلة .
نظرت لنفسها بسرعة و هي قلقة تحاول استشفاف الخطأ ، و قبل أن تنظر إليه مجددا لتسأله فهي لا ترى خطأ ، وجدته يهمس لها في أذنها برقة :..
-المشكلة هي جمالك الذي يخطف الأنفاس يا حلوتي .
ثم قبل جبينها ، ابتسمت بخجل ثم ضربته على صدره بقبضة يدها :...
-أخفتني ! ظننت أن هناك مشكلة حقا !!
-لا تقلقي يا سمر .. و لا تتوتري فمعلمتي المجتهدة أعدت كل شيء بمهارة و لن يجد أحدهم أي خطأ في الحفل ... ثقي فيّ ، الأمر لا يستدعي كل هذا القلق ...
ثم قبل يدها و هي يدعي الله أن تظل نعمة في حياته دائما و أبدا ثم قال :..
-لكنك لن ترقصِ معي بهذا الشكل البته .
عاندته قائلة :..
-و من أخبرك أني سأرقص معك يا بلال !
رفع حاجبيه و هو ينظر للمعة التحدي في عينها ، ابتسم بعبث ثم جذبها من يدها لتصطدم بصدره ، شهقت بصدمة فوجدته يطوق خصرها و هو يقول :...
-ماذا كنتِ تقولين سيدتي الجميلة !
زحفت الحمرة إلي خديها و هي تهمس :...
-لا .... لا شيء .. ابتعد فقط !
ارتد عنها بعدها ضاحكا ، نظرت له بغيظ ...
فجأة تقدم أحد الحرس من بلال قاطعا خلوتهما و هو يهمس في أذن بلال بأمر لم تسمعه سمر .. لكنها لاحظت تغير ملامح بلال ، فسألت بتوجس :..
-ما الأمر يا بلال ؟
انصرف الحارس فقال بلال متصنع اللامبالاة و الجمود :..
-لا شيء .. هيا بنا وصل الضيوف .
ثم مد لها كف يده ، فوضعت يدها على يده ليقودها إلي الحفل و كأنها أميرة متوجة .
قالت :..
-بلال ! لا داعي لذلك ، لنتدخل بطريقة عادية لا أحب التفاخر .
أجابها بصوت خلى من ترف المشاعر التي كان يغدقها بها في الفترة الأخيرة :..
-لا ! بل هناك داعي ! أما الآن فلتبتسمي فقط .
ابتسمت على مضض ، و هي تستشعر تغيره المفاجئ ، حاولت أن تستشف من نظراته ما الذي يفكر فبه ، لكن وجهه كان خاليا من أية تعبير .
كان سمر تمر مع بلال يعرفها على الضيوف بثقة و يخبرهم " تلك الجميلة التي خطفت قلبي فتزوجتها " و كان يخبر البعض أنهم مدعوون على حفلة الزفاف قريبا ، و هي كانت فقط تبتسم بتكلف .
إلي أن وصلوا لطاولة معينة ، كانت نظرات بلال تبدو مشتعلة ، تتبعت سمر نظراته لتعرف لمن يصوب نظراته ، حتي استقرت لدي فتاة ، تفوق سمر في الجمال ، ثيابها تدل من أي طبقة هي ، حيث الثياب باهظة الثمن و الشعر الأشقر المنسدل ، و تتعلق بذراع رجل يبدو من رجال الأعمال لكنه يوفقها سنا فيبدو في أواخر الأربعينات و هي في منتصف العشرين .
اقترب بلال بصحبة سمر منهم و تلق ترحابا من الرجل و عرفه على سمر ، حاول الرجل مصافحة سمر فاعتذرت بأدب ، بينما لاحظت تعلق بلال بالفتاة و هي كذلك و كانت ترمق بلال و سمر بنظرات احتارت سمر في تفسيرها !
امتدت يد الفتاة لتسلم على بلال ، فسبقته سمر إلي يدها قائلة : ...
-عذرا فزوجي لا يسلم على النساء .
قالت الفتاة الشقراء في غنج :..
-منذ متي ؟!
لم يجب عليها أحد ، اقترح الرجل على بلال أن يبدلا النقاش بعيدا عن الطاولة قليلا ، فذهب تاركا سمر مع تلك الفتاة الشقراء .
لحظات و انضم للفتاة مجموعة من الشباب و النبات الذين يعرفونها و تبادلوا الضحكات و المداعبات و التلميحات المقززة بالنسبة لسمر ، بعضها يتضمن كيف أوقعت كل واحدة منهن برجل أعمال ليتكفل بسهراتها و متطلباتها المادية ..
شعرت سمر بالقرف من تلك النوعيات من النساء و كذلك الشباب معهم ، فهي لم ترى في حياتها أشخاص بتلك الحقارة .
إلي أن وجهت إحداهن كلامها لسمر قائلة :..
-و أنتِ أخبرينا كيف أوقعتِ ببلال الهواري بعد أن هجرته الجميلة ميرنا !
حدقت بها سمر ، فوجدت تلك الشقراء تتحدث بفخر و هي تتلاعب بخصلات شعرها :..
-تبدو من النوع الذي يدعي البراءة !!
كانت كل واحدة منهما تتحدث بكلمة لها دلالة سيئة ، لم تجب عليهم سمر بل كان عقلها يحاول تفسير معني الجملة الأولي ...
من ميرنا ؟ ! و هجرت من ؟!
إلي أن سمعت صوت ضحكاتهم العالية و ينادون الفتاة الشقراء بميرنا ، عندها اتسعت مقلتي سمر و هي تراقب حركاتها إلي أن سمعتها تقول :..
-مسكين بلال ! لم يتحمل أني تركته ، فمكث في مشفى المجانين ، و يبدو أنه سيعود إليها قريبا !
عندها كانت الصدمة لها تأثير الشلل على جميع حواس سمر ، و عقلها لا يستوعب كل تلك الحقائق دفعة واحدة ..
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أما بلال فقد وقف مع بعض رجال الأعمال و أصحاب الشركات يتحدثون عن العمل ، و هو يحاول أن يلتهي عن النظر لميرنا تلك التي جرحته بخنجر خيانتها المسموم ، و في سبيل ذلك الهدف نسي أنه ترك سمر هناك .
عندما رأى ميرنا شعر و كأن عذابه و معاناته طوال أشهر تمثلت من جديد أمامه !
شعر و كأن جرحه القديم عاد ينزف من جديد ..
بعد فترة جاءه أحد الحرس يخبروه أن هناك رجل يفتعل المشاكل بالخارج ..
ذهب بصحبة الحرس لذلك الذي يفتعل المشاكل ، بعد أن أخذوه الحرس عنوة لغرفة بعيدة عن الحفل ..
بمجرد أن تطلع عليه وائل حتى عرف هويته ! ذلك الوغد أكرم ! بعدما بحث عنه كثيرا ، جاءه بنفسه حتى عرينه !
اقترب منه بلال ببطء مخيف و عيناه توحي بمدي غضبه .
أمسك أكرم من رقبته و رفعه عن الأرض قليلا ، لم يقاوم أكرم كثيرا فقد كان ثملا و جاء بحثا عن متعته !
قال بلال بغضب :..
-أتيت بقدميك لنهايتك أيها الحقير .
-من أنت ؟
-أنا من سيثأر منك ! أنا من سيخلص الناس منك يا حقير ! يا شبه رجل .. سأجعلك تدفع ثمن كل دمعة ذرفتها سمر بسببك يا وغد .
-سمر ...... سمر ! زوجتي ... و ما شأنك بها ؟!
قالها أكرم بثمالة ، تركه بلال بعد تلك الجملة فوقع أكرم على الأرض !
بينما وقف بلال مبهوتا ...
====================
بقلمي أسماء علام موكا
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...