الفصل الثاني الثلاثون
كانت رباب تعمل باجتهاد ، لكن لا تعرف لما تجد المدير أمامها في كل مكان و كأنه يتتبعها .. و بدون سبب يقرعها دون أن تفهم لما و دون أن يسمع أسبابها .. حتى أصبحت محط سخرية الجميع ، و لم تسلم من شيماء التي أسمعتها ما في الخمر من أقوال ، فما كانت من رباب إلا أن تجاهلتها فيكفى توتر حتى الآن ! و المدير كل دقيقة يأمرها بعمل جديد وسط سخرية و شماته من الكثر ، و استغراب تام من هشام الذي لا يرى سبب منطقي لتصرفات مديره الذي كان يبدي دائما ميالا لعقليه رباب و يمتدحها ، لكنه كان أيضا مشغول !
••••••♡•••••
كان سمر و وائل في الملاهي و الأولاد يستمتعان كثيرا ، و قد اشترى وائل لهم ألعاب و مثلجات !
وقفت سمر تراقبهم بسعادة ، و كذلك وائل !
كم كان بعيدا عن تلك السعادة .. شعر عندما كان يستمتع مع طفليه أنه بغني عن الدنيا !
تخيل لو سارت معه الأمور بشكل طبيعي و لم ينعطف وائل في أول مفترق .
رسم تلك الصورة في خياله ، هو و يده في يد رباب حبيبته و زوجته و لمعة الحب في عيناهما لم تنطفئ كما الآن .. مازالت تقدره كسابق لا تراه مجرد زوج خائن ، و اختيار خاطئ ستظل تندم عليه .. و هما مع ولديهما يشبعان من حنان الأم و دفء الأب ! و أيضا تسير إلي جواره أخته و تشعر كأنه سندها حقا كي يسلمها إلي رجل يصونها , لا أن تصل لعامها الثلاثون و هي هكذا وحيدة !!
-آآآآآآآآه لو كنت أستطيع أن أعيد الزمن ، لم تكن لتمر تلك ال٧ سنوات هباءً منثورا !
هكذا تمنى وائل في خلده و لكنها أضغاث أحلام فقط !
قطع شروده صوت سمر و هي تقول :..
-ماذا ألم بك يا وائل ؟
-ماذا ؟
-لما تغيرت ؟
- لا تضغطي على الحرج يا سمر !
شعرت سمر أن أخيها نادم بالفعل ! فحاولت الإصلاح ما استطعت و قالت :....
-أخي ! أنا بدأت أفهم أنك تحاول أن تتغير للأفضل ! أن تبتعد عن حياتك السابقة .
تنهد ثم قال :..
-على الأقل أنتِ تفهميني ! لا أعلم لما رباب لا تريد أن تمنحني فرصة ! هي حتى لا تحاول أن تسمعني .
-أخي ! لا تحزن هي فقط تريد بعض الوقت , صدقني يا أخي إن رباب تحبك !
نظر لها بعينيه و كأنه يريد منها تأكيدا فأعطته ما أراد :..
-بل تعشقك صدقني ، المرأة لا تهتم إلا عندما تحب .. و هي تحفظ تفاصيلك ، تألمت لأنك لم تستشعر حبها صدقني ! لا تفهم المرأة إلا المرأة .. أنت جرحتها يا أخي ! انتظر قليلا ،و اصطبر , و حارب من أجلها كما صبرت هي كل تلك الأعوام الماضية .
كان ينظر لها بتفحص ، ثم شعرت به يقبل جبينها , و كلماتها تدب في صدره لتحيي أملا نبت بداخله !
كم كان مقصر في حقها !
-سمر ! أنا آسف .. لكن صدقيني أنا سأتغير سأجعلكِ تفخرين بي ! الأمر و ما فيه بضعة أيام أنهي المشروع الذي أنهيه هنا ! و سآخذك أنتِ و رباب و الأولاد و نعود إلي القاهرة وقتها لن تبتعدوا عني لحظة ، بل سأضمكم إليّ و سنعيش معنا في منزل والدينا !
ابتسمت سمر بسعادة غامرة ، و كأن دعواتها كلها أجيب الآن ، و كأن الفرحة قد اختزنت لتنفجر أمامها في لحظة ..
كم شعرت أنه تود ضم أخيها ليربت هو على شعرها لتشعر بدفء حنانه ! لكنهم في المنتزه ، لذا ستصبر قليلا ! ألم تصبر ٧ سنوات كانوا عجاف حان وقت العام الذي ستغاث فيه !
أرادت أن تطمئن أن الأوضاع بين أخيها و رباب ستكون بخير فقالت :..
-و أيضا يا وائل أنا لم يسعفني الوقت لأخبر رباب بأمر النزهة لأنه هاتفتني لتخبرني سريعا أن لديها عمل كثير و ستتأخر لذلك السبب و ليس بسببك يا وائل !
ابتسم وهو ينظر لها بامتنان كم وضعت له بلسما على جراحه بكلماتها ، و لملمت كبرياء رجل شرقي كاد يتأزم عندما علم بعصيان أنثاه !!
صدح هاتف وائل فأجاب ، ثم هتف فجأة :...
-ماذا ؟!!!
•••••¤▪¤•••••
في شاليه مراد،،
اتسعت حدقتيه و هو يلتقطها مسرعا ثم أسرع و حملها يحاول جعلها تفيق ، اراحها على الفراش و هو يشعر أنه سيجن ! لا يعلم ماذا بها ؟!
استخدم الدواء الخاص بها فبدأت تفيق ، حتى بدأت تستعيد توازنها و استوعبت الواقع لكنها فجأة بدأت تبكى ! و تنتحب و هو سيجن أكثر لا يعلم لما ؟!
و قبل أن يبدي أي ردة فعل ، فجأته هي بأن ضمته بقوة و هي تنتحب ! تنتحب بدون سبب ، فلم يملك إلا أن يضمها بقوة و يمسح على شعرها لعلها تهدأ ....
ظل يفعلها كثيرا حتى نامت في أحضانه ، فأنامها في الفراش و دثرها كأنها طفلته !
•••••••••••••••••
في مشفى الأمل ،،،
مر وقت طويل و انصرف أغلب العاملين و الأطباء حتى لم يبقى سوى أطباء الطوارئ الذين لديهم دوام ليلي ! و أما رباب لم تذهب فقد كانت تتابع الحالة ..
حاولت معها كثيرا مرارا و تكرارا حتى تتكلم لكنها لا تستجيب صامتة تماما .. فأمرت الممرضات أن يتركوها ، و لا يتحدثوا لها فقط يراقبوها .. و لا يتحدثون مع بعضهم أمامهم حتى !!!
و ظلت تراقبها هي من كاميرات المراقبة ..
غادر قاسم ! و خلعت رباب البالطو الطبي ، و ذهبت لتخلع الاسكراب الخاص بالمشفى ذو اللون البنفسجي الغامق و ترتدي ملابسها ، ارتدت ملابسها الشخصية فأتاها عامل يخبرها بأن المدير يريدها !
و حينما ذهبت له قابلت تهكمه الواضح لأنها أسرعت و أبدلت ملابسها ! و أخبرها أنها ستبقى في المشفى و لن تغادر , و لم يسمح لها لتعترض بل أمرها لتخرج !
لم ترغب أن ترتدي الاسكراب مجددا حيث ملت منه , فظلت بملابسها و كانت حانقة غاضبة لا ترى داعي لكل لهذا !
ذهبت إلي الحالة و جلست معها ظلت تحدثها :...
-ميسرة ! ألن تتحدثي .. هل هذا هو الحل ؟ هل ستحل كل أمورك هكذا ! لو ظللتِ صامتة لن أستطيع أن أساعدك !
ظلت حوالي ربع ساعة بدون أن تجدي نفع ! فأشار للمرضة لتجلس معها ثم غادرت ..
------------------------
في المنتزه ،،،
انهي وائل المكالمة بعصبية فسألته بهدوء :..
-ما الأمر يا وائل ؟
-و كأن القدر يعاندني ! مشاكل كثيرة جدا و استدعوني !
ابتسمت له بهدوء و قالت لتخفف عنه :..
-لا بأس ! أنا سأذهب بالأولاد و أنت اذهب ! و أنا سأنتظرك لتخبرني أنك انهيت عملك بنجاح ، و استعدت زوجتك و ستأخذنا و نسافر .
ابتسم و عيناه ترسل لها شكر خاص ثم غادر مسرعا !
نادت الأولاد ليغادروا ، فتذمروا كثيرا و رفضوا ... فأخذتهم بالقوة و هددتهم بوالدتهم و هي تعلم أنه يخافوا من رباب كما يحبوها !
وفي الطريق ،،
سليم بتذمر :..
-أين أبي يا عمتي ؟
سمر : لديه عمل و غادر .
"هنا" : لما غادر ؟ أنتما تفعلن ذلك دائما .
-ماذا نفعل نحن يا ترى ! و من نحن ؟
سليم :نعم أنتِ و أمي تفعلن ذلك دائما ! أنتما تغضبان أبي و تكرهوننا فيه ، لكنه يحبنا !
هتفت به بحزم :..
-ولد تكلم بأدب ! هل هذا جزاءِ أنا و أمك !
زجرتهم عمتهم بغضب فغضب الطفلان و أخذا يركضا منها في الشارع و العربات من حولهم تسير بسرعة ، فخافت عليهم فأسرعت الخطى خلفهم و دقات قلبها تتسارع ، لتنتبه لتلك السيارة التي تسير مسرعة تجاهها ، فتصلبت قدمها مكانها و جحظت عيناها بذعر حقيقي !!
•••••••••••••••••
وقف مراد حائرا لا يعرف ما الذي يجب عليه فعله ، لا يعرف ماذا حدث لها فجأة لقد كانت بخير ! تأمل ملامحها و قد كانت ممتعضة خائفة ..
لم يجد بدا من أن يتصل برباب ليفهم ما حدث ، فلم تجب فغضب .. و لم يعلم أنها كانت تعاني هي الأخرى ....
شعر بعد فترة بتثاقل جفنه ، فنام جواره ! و هو يضمها لعل امتعاضها يخف ...
••••••••••••
كان وائل يمر بضغوطات كثيرة في عمله ، و هو يفكر جديا في أمر رباب و أحواله معها ! و لما شعر أنه يريد التحدث مع أحد ، و شعر أيضا برغبة جامحة في أن يسمع صوتها أن يرى صورتها !
لقد تعب كثير ! فأمسك هاتفه ليتصل بها !
لكنها أيضا لم تجب ..
ففي ذلك الوقت لم تكن متفرغة لنفسها حتى ! و لم تكن جوار الهاتف ! حتى أن هاتفها نفسه قد انتهى شحنه ففصل .
••••••••••••••••••••
اصطدمت السيارة بسمر فقوقعت أرضا و هي تتنفس بخوف ، حمد لله أن السائق استطاع أن يوقف السيارة عند آخر لحظة ، فاصطدمت قدمها فقط ، لكن تأثيرا الصدمة كان كالشلل على أعضائها !
اقترب منها الطفلان يبكيان و يعتذران ، و قد شعرا بالخوف على عمتهما ! حاولت جعلهم يتوقفون لكن الصدمة كانت كفيلة حتى لا تقدر !
بعد قليل خرج سائق السيارة ، الرجل الثلاثيني و هو يرتدي بنطال من الجينز و قميص أسود ... و قد تجمهر عدد من الناس حول الحادثة !
دنا منها و هو يحمل في نبرات صوتها خوف مبطن :...
-هل أنتِ بخير يا مدام !
لم تملك القوة لترد !
سليم : أنا آسف يا عمتي !
" هنا " : نحن الثبب (السبب) يا عمتي .
كانت في حالة غريبة !! للحظة شعرت أن ملك الموت يقف أمامها سيخطفها من أحبابها ! سيأخذها في رحلة لا تعلم لها ملامح غامضة ! فكرت ماذا كان سيحدث إن انتهى كل شيء هنا !
كان عقلها فقط يسألها "هل أنتِ جاهزة لميقات ربك "
كانت تنظر أمامها بلا وعي ، حاولت النهوض , فصرخت بألم ! و جلست مكانها , فيبدو أن قدمها تأذت ! فجأة سمعت صوت الأولاد يبتعد عنها قليلا .. و شعرت بقدمها لا تلامس الأرض ..
شهقت بعنف عندما نظرت لوجهه الذي اقترب من وجهها نظرا لأنه يحملها ! حاولت إخراج الحروف ! الكلمات ! لكنها كانت مبعثرة مشتتة و هي أول مرة تسمح لرجل غريب أن يحملها ، بل يقترب منها أصلا!
بكلمة منه جعل الناس تنصرف ! جلس في مقعد السائق جوارها و الأولاد في الخلف !
انطلق بسرعة دون أن يتفوه ببنت شفة ، و بعد حوالي عشر دقائق قال أخير لما شعر بها تحاول أن تتكلم لكنها مازالت تحت تأثير الصدمة : ..
-سنذهب للمشفى ! لا تقلقي ستكونين بخير !
خطف نظرة سريعة نحو وجهها الذي أصبح كالطماطم أحمرا من الخجل و قالت أخيرا بحرج استشعره هو في نبرتها الهادئة :...
-كـ ..كان .. من الممكن أن تساعدني أي امرأة في الشارع .
-لكن أنا من صدمتك ...
تخطب وجهها بالحمرة أكثر و شعر هو بتلعثمها و هي تقول :..
-لكن .. أنا !! و أنت ..... لا ...
لا يعرف لما شعر بسعادة غامرة و هو يرى تورد وجنتها و تلعثمها المرتبك !
من هي تلك ؟!
هل هي من بنات هذا الزمن ؟! أم نوع خاص انقرض منذ زمن !
لقد قابل الكثير ! و لم يرى أبدا امرأة يلجمها الحياء هكذا !
ترى من تكون ؟!
هل ممكن أن تكون متزوجة و أم للطفلين ؟!
لكنه سمعهما يقولا عمتي !!
أخرج نفس قسرا من أفكاره و قال أخيرا :..
-آسف !
ثم استمر في طريقه ..
وصلا المشفى ! و قام الطبيب باللازم ..
الممرضة : حاليا يا أستاذ ! زوجتك بخير ، مجرد التواء بسيط ، سترتاح قليلا و تكون بخير ..
نظر لها بعد كلام الممرضة فوجدها تخفض وجهه بشدة و الحمرة تزحف لوجنتها لتلجم لسانها ..
لم يمنع تلك الابتسامة من التسلل لشفتيه على خجلها الذي كان كالعملة النادرة و قد أصر على أن يوصلها للمنزل ، لكنها لم تسمح له بمساعدتها أكثر بل طلبت المساعدة من زوجة البواب !
لم يذهب إلا عندما اطمئن أنها بخير !!
ثم ركب سيارته و هو مبتسم ! ما لبث أن تذكر شيئا و تجهم ثانية !
•••••••••••••••••••
في مشفى الأمل ،،،
لم تعرف رباب كيف ستنفذ ما عقدت العزم عليه و هي محبوسة هنا ! فأمسكت نوتة الأرقام و اتصلت بأحدهم من هاتف المشفى و قالت :..
-كريه علىّ أن أطلب منك شيئا ، لكنك الشخص الوحيد الذي يقيم في الإسكندرية و متفرع ! أريدك منك خدمة من فضلك ..
أسدل الليل ستائره ..
و قد تفنن المدير في أن يشعل رباب حتى أخر قطرة بعد أن غادر !
و لم يبقى سواها هي و أطباء الطوارئ و بعض الممرضات ..
شعرت رباب عند الساعة الحادية عشر ليلا بتعب شديد و تشنج عضلاتها ... جلست تقرأ بعض آيات القرآن الكريم ، و لما انتهت نظرت لميسرة من كاميرا المراقبة وجدتها تقترب من الكاميرا و عبثت بها حتى أغلقتها ، انتفضت رباب من مقعدها و هرعت إليها و هي تستشعر مصيبة على وشك الحدوث ..
..............
بقلمي أسماء علام موكا
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...