٣٤

651 27 0
                                    

عما قريب سأصرخ بقلمي أسماء علام
الفصل الرابع و الثلاثون
-نعم ! إنه موعد منذ أكثر من ثلاثين سنة ...
قطبت السكرتيرة بين حاجبيها ! و قالت :..
-أخبره أنكِ من تكونين ؟
-حفيدة سالم الغندور .
-ثواني !
أخبرته السكرتيرة بالأمر ، و بمجرد أن سمع أسعد الحمزاوي اسم سالم الغندور حتى أذن لها بالدخول على الفور ..
....
دلفت رباب إلي الغرفة ، فسمعته يقول :..
-تفضلي يا غنا ! تفضلي يا ابنتي !
-ربما نسيت أن للسيد سالم حفيدة أخرى .
التفتت لها و انتبه أنها ليست غنا إنها رباب ..
لكن هذا لم يكن فقط الشيء الذي لفت نظره ! بل ما ترتديه رباب! هذا الرداء ! هذا الرداء !
أمسك هاتفه مسرعا بعدما عدل من وضعية نظراته ، ثم نظر لها مصدوما !
-مستحيل أن تكوني أنتِ صاحبة حساب المصرف يا رباب ! لا يمكن أن نكون نلف حول أنفسنا منذ أكثر من عشر أيام و أنت أمام أعيننا تماما ..
نظرت رباب إلي شاشة الهاتف فوجدت فيها صورة لها لكن وجهها لم يكن واضحا ، لكنه كان نفس الرداء الذي اتسخ في نفس اليوم أمام المصرف ، فأبدلت ثيابها عند سمر  !
و يا لها من مصادفة فاليوم بالذات طلبت من سمر أن تجلبه لها ، فلم تكن لترتدي رداء الأمس فهي ارتدته طوال الليلة الماضية و بحاجة للتنظيف ..
فيبدو أنهم بدؤوا بمعرفة السر الذي أخفته منذ عشر سنوات ، فقالت :..
-واحدة أمام واحدة  !
-ماذا تقصدين يا رباب ؟ أتعترفين أنك صاحبة حساب المصرف ! لا أعتقد أن جدك سيكون سعيدا بالأمر !
-أمممم ! و منذ متى كان سعيدا بأي شيء أفعله يا ترى ! لكنك لست متأكدا و لا تعرف أيضا ما هي أسبابي ..
-و ما هي يا ترى ؟!
-قلت لك أستاذ أسعد واحدة أمام واحدة ... فقط عندما تخبرني بما أريد سأفعل و أخبرك بكل شيء تريده  ..
-ماذا تريدين يا رباب !
-أفضل ألا ترفع التكليف بيننا  .. و أن تدعوني بالدكتورة رباب كما أني ألقبك بأستاذ أسعد ..
-أنتِ كابنتي ..
قالها متعجبا ، لكن تلك الكلمة استفزتها كثيرا فهتفت بسخط :..
-لكنك لست أبي .. و أنت بالأخص لا تجرأ أن تلقبني بابنتك .
-ماذا حدث ؟ ليس هناك داع لذلك ..
-أنت تعلم ... صدقني أنت تعلم و من تعمل لصالحه أيضا يعلم !
-رباب ! سأسامحك فقط لأنك حفيدة السيد سالم ..
ابتسمت له بسماجة ، غير مبالية بما قال ، فتابع أسعد :..
-قولي ما تريدين ،  و عندها ستخبرِني لما فعلتي هذا ! فبسببك كاد السيد سالم أن يتخلى عني بالرغم من سنين خدمتي الطويلة له ...
*********
نست رباب تماما أمر بلال ، فغضب بلال كثيرا حاول قاسم أن يهدئه و يتحدث معه ، لكنه لم يكن متفرغا كي تضيع وقته رباب ، و ها هو هاتفها مغلقا أيضا !!
فأخذ سيارته و غادر ليتابع عمله .
**********
بعد عدة حوالي النصف ساعة ،،،
كانت رباب تصعد تلك الدرجات المهترئة ، و صلت إلي الشقة المطلوبة – شقة والديها قبل أكثر من ٣٠ عاما – و أمسكت المفتاح بيد مرتجفة .
فتحت الباب ، تلفتت حولها بريبة و هي تتأمل المكان بشغف محب ، كان الأثاث القديم المغطى بالبياضات فوقها و قد غطتها الأتربة الكثيفة !
و أية أتربة ! إنها أتربة مرت عليها ثلاثون عام !
تقدمت و أغلقت الباب خلفها و أخذت تتجول المكان في بحث شغوف .
ترفع الأغطية من على الأثاث ، و تجلس عليها  ، لم تترك قيد أنملة لم تتطأه قدماه ، لاحظت تلك الصورة التي غطتها الأتربة ، فلم  تدرك ملامح أصحابها !
مسحت الأتربة من عليها ، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة عند رؤيتها لصورة والدها و والدتها يوم زفافهما   !
يا الله ! كم كانا سعيدين !
تلك الابتسامة الخجولة على وجه والدتها ! والدها بنظارته الطبية على وجهه ، و نظرات الحب على وجه ، التي مستحيل أن تكون كاذبة !
أوصلتها قدماه إلي ذلك الدولاب ، كان يحتوي على ثياب لم تعد تميز ملامحها بسب الأتربة ، كما كان للحشرات دورا كبيرا في تشويها ! لكنها كانت سعيدة جدا بها ، أخفضت بصرها حتى وقعت عيناها على ذلك الدرج في الدولاب !
فتحته فإذا بكومة من المذكرات تراكمت عليها الأتربة ، مسحتهم و إذا بها المجموعة كاملة !
نعم هذه باقية مذكرات والدها و معها مذكرات والدتها أيضا !
لكنهم كثر لن تستطيع أن تقرأ كل هذا في يوم واحد !
أعدته في حقيبة ستقرأهم لكن لاحقا ، لكنها لم تستطع أن تقاوم رغبتها في قراءة  مذكرة والدتها الأخيرة !
و كيف علمت أنها الأخيرة ! ببساطة فهي تحمل نفس عام مولدها و قد ماتت يوم ولادتها ! لذا فهي مذكرتها الأخيرة ..
بدأت تقرأ فيها ، فرت بعض الصفحات لما أنهتم و أتابعت إلي أن وجدت الدموع تنسكب من عينيها أنهارا !
كانت تبدو و كأنها الصفحة الأخيرة ، أغلقت رباب المذكرة بعنف !
لم تعد تحتمل كل ذلك العذاب !
تعدت الأسباب و لم يبقى لي إلا أنا أكرهك يا ابن الغندور .
-آآآآآآآه
صرخت بها رباب قائلة ، صرخت مرة أخرى :...
-آآآآآه
فذلك الألم لم يعد محتمل ! أشعر أني أختنق ! كيف لك أن تكون بكل تلك القسوة يا من المفترض أنك جدي !
لم تخف عنها أيضا انكماش الأوراق  ، مما يعني أن والدتها كانت تبكى !
و كيف لها ألا تبكي و هي تروي ما يحدث لها من عذاب و هي تعاني من ويلات الحمل وحدها لا يرعاها أحد ، تشكى ألم فراق زوجها الذي سافر ، و بعدها مات و تركها و كانت تموت ألما و حسرة و كمدا !
ركعت رباب على ركبتها الأرض و هي تسمح للدموع أن تشق خديها ! سمعت للضعف أن يتخللها ..   ثم صرخت باكية !
-آه يا أمي ! آه ليتك لم تنجبِي ! ليتك لم تسافر يا أبي ! لما تركتوني وحدي أتحمل الألم وحدي ! ليتني ما بحث و ما علمت .. عنادي هو من رماني إلي ذلك  العذاب ! ليتني ما علمت ! ليتني استمعت إلي النصيحة !
ثم نظرت إلي السماء و هي تضع يدها على صدرها و قد تناثرت الأتربة على ثيابها و قالت :..
-يا رب ! يا رب ! اشفِ هذا القلب .. اشف هذا القلب ! امحُ ذلك الألم !
••••••••••••••••••••
كان سالم جالسا على تلك الأريكة على وضعه منذ ما يزيد عن  ساعتين في انتظار رباب !
رن هاتف سالم فأجاب :..
-نعم يا أسعد ! ماذا تقول ؟!!! أخبرت رباب بمنزل والديها  ........ لا تخبرني أنك رقة قلبك جعلتك تفعل ... لا أغضب !! إذا ماذا تريد أن أرقص فرحا !  يا لسعدي .... ذلك السر الذي كتمناه معا طوال ثلاثون عاما كشفته أنت في ثلاث دقائق .... ماذا ؟!!!!! أنت تمزح ..... كنت أظنك جننت لكن المجانين يملكون عقلا معطلا لكنك أنت لا تملك عقلا بالأصل ..... رباب !  هي من نبحث عنها .. مستحيل ! كيف لها أن تأتي بكل هذا المال ... و ما هو السبب يا عبقري ... أخبرتك ببعض الطلاسم و لم تفهم ....
أغلق سالم الهاتف في وجهه ، و إن كان غاضبا .. فهو الآن يشتاط غضبا !
رباب هي المرأة المجهولة !! يا للسخرية المرأة المجهولة  ! تلك كانت أمامهم طوال الوقت و لم يتعرفوا  إليها ؟!!
ما هدفها من ذلك ! أهذه هي خطتها في الانتقام ! ستنتقم منه عن طريق غنا !
لكن ماذا ستستفيد من مجرد حساب مصرف ! بالتأكيد هناك خطة  ..
"ما الأمر يا جدي "
-الأمر لا يخصك يا غنا .
=كيف لا يكون مهما بالنسبة لي ! إنها أختي من تتحدث عنها ..
-أظنك سمعتي ، فلا تجرئي على مناداتها بأختي فهمتي   .. من الآن تلك التي تدعي رباب لا تمت إلي عائلتي بصلة .
=و  أنا لا أقبل هذا القرار ...
-غنا ! توقفي عن معاندتي !! فما وصلت إليه حتى الآن من تجبر علينا كله بسببك .
هدأت غنا من روعها قليلا .. و اقتربت من جدها قائلة بلين :..
=جدي كيف تصدق أن رباب تربية يدك تفعل هذا يا جدي .
-و هذا كان جزائي بعد كل ما فعلته ، خانتني و طعنتني في ظهري بدم بارد ، و هي تخطط أيضا لتستغلك لتصل إلي .. كانت تخطط أن تجعلك تتذكرين تلك الذكريات المؤلمة التي نسيتها ، كانت تخطط لأن تجعلك تنهارين تماما ...
صمتت غنا و لم تتحدث ، بينما انسحب سالم من بينه و دخل مكتبه ..
جلست غنا على الأريكة ، و جلس مراد أمامها ، و   ضم كفيها إلي كفه يربت عليهما بحنان و  قال بصوت رخيم :....
-غنا لا تقلقي !   هو فقط متوتر ..
=صدقني يا مراد ! رباب لا تفعل ذلك .. أختي لا تفعل ذلك .
صمت مراد و لا يجب ، فالأدلة واضحة و لا مجال للشك , فقال :..
-غنا ! دعي جدك يتصرف بذلك الشأن ، هو أكثر خبرة عنكِ ، لا تقلقي هو لن يظلم حفيدته ... و نحن سنضطر للمغادرة و نترك الشاليه ، فلدي أعمال و يجب عليّ العودة ..
لم ترد فتابع هو قائلا :..
-يجب أن تخبريني رأيك ! هل ستعودين معي !
نظرت و لم تعرف ماذا تجيبه ؟!
لا أستطيع أن أترك الأمور كما هي .. فيكفي هروبا حتى الآن !
أم
نعم ؛ لأني لا أريد أن أتركك بعدما وجدت أماني معك !
أم أخبرك أن ..
الأمور ليست كما تبدو أمامك .
==============
كانت تسير وحيدة هائمة ، كانت تريد أن تصرخ الآن  ، لكنها ستنظر قليلا ، و تحاول السيطرة على ذاتها ، لكن قلبها يردد " عما قريب سأصرخ " و  هي تؤيده لكن يجب عليها أن تنهي بعض الأمور أولا ..
دلفت إلي مبنى المستشفى ،  و نظرات الأخرين لم تعد تزعجها على الإطلاق !
•••~•••
داخل  مكتب دكتور ممتاز ،،،
كان يتحدث في الهاتف مع دكتور عبد الحميد ..
-لا يا دكتور عبد الحميد ! لا تضغط عليّ ، أنا لم يتعامل معي أحد بهذا الأسلوب من قبل .
=اهدأ يا دكتور ممتاز ! أنا اعتذر نيابة عنها .
-دكتور عبد الحميد ! أنا أعرف أنها تلميذتك النجيبة ، لكن هذا لا يبرر لها ما فعلت معي .
=أنت تعرف أن رباب هكذا منذ عملت معنا ، و هي غير معتادة أبدا على العقاب خصوصا أن الوضع كان من ترتيبنا نحن ..
-بل من ترتيبك أنت يا دكتور ، أنت من طلبت مني أن أشغلها اليوم كله و لا أجعله متفرغة لأن تنظر لكف يدها حتى , و إن استطعت أن أجعله تبات في المشفى فافعل , لذلك أوهمتها بالأمر برمته ..
=لهذا أنا اعتذر لك ،  فكان يجب عليّ أن أكون أكثر وعيا ، أنا أعرف ذكاء رباب ... كما أعرف عصبيتها ..
-دكتور ! لا يهمني كل هذا ..و لن أخسر شيء إن قبلت استقالتها ، ففي المشفى عدد زائد عن الحاجة من الأطباء ...
=دكتور ممتاز ! فضلا ليس أمرا انتظرني فأنا سأتي إليك و أتصرف و أجعلها تعتذر لك ..
-إن لم يصدر  التصرف من الشخص نفسه فلم يعد الفعل هاما .. و أنا ..
سمع صوت طرق على الباب فأذن للطارق ، نظر أمامه فوجدها رباب ..
=دكتور  ممتاز ! صدقني أنا سأحل الوضع ..
-صاحبة الحل أمامي ..
=رباب !
-مع السلامة يا دكتور  ..
ثم أغلق الهاتف ، نظر لها فوجدها منكسةً الرأس فقال بصوته الأجش :..
-نعم يا دكتورة !  لا أعتقد أن ..
-سيدي ! إذا سمحت سأقول لك كلمتين فقط ..
نظر لها بتفحص ، تمالكت نفسها و قالت :..
-أنا آسفة يا دكتور ممتاز !
رفع حاجبيه فتابعت هي :..
-لم يكن يحق لي أن أفعل ما فعلت .. مهما حدث كان يجب أن أستفسر منك عن السبب .. لا أن أعلي صوتي عليكِ .
-و هل من المفترض لي أن أصفح عنك ، و أغض الطرف عن الاستقالة أليس كذلك يا دكتورة ؟!
-لا يا سيدي ! لقد جئت الآن كي أعتذر لأني أخطئت ، و أنا أعلم شخصك أكثر من أي شخص ، أنت لا تسامح و لن تسامح ... و أنا أطلب منك ألا تسامح ... فقط اعفو ، و ليعفوا الذي في يده الأمر .. فربما لن يسعني الوقت بعد الآن للاعتذار ، استأذنك للرحيل .
لم يعجبه تلك النغمة و لو أصاب ظنه و تفسيره للوضع ، فهناك مصيبة على وشك الحدوث ، عندما أعاد بصره لها لم يجدها ..
ضميره المهني على الأقل يمنعه من تركها تذهب ، ذلك الرتم المنخفض مع نبرة يائسة واضحة جدا ، لا تصدر إلا من شخص فقد القدرة على احتمال حياته !!
بعث في طلب عامل الأمن و طلب منه بسرعة أن يمنعها من المغادرة ، فأخبره أنها غادرت ...
زفر  بضيق و أمسك الهاتف و أخبر دكتور عبد الحميد بما حدث و أخبره باستنتاجه ..
هتف عبد الحميد معترضا :..
-مستحيل ! رباب ابنة راضي ، تلميذتي مستحيل أن تفكر بتلك الطريقة .
=لقد أخبرتك بما حدث ،  و قد حاولت أن أمنعها فضميري لم يسمح لي بتركها لكنها كانت سريعة ، و تلك السرعة تدل على ما آل إليه تفكيري .
  =لا تقلقني يا دكتور ! أنا قادم الآن إلي الإسكندرية .
-------------
-أنتِ أيتها الطبيبة المجنونة ، هل لي أن أفهم لما لم تركبي معي .
=سابقا كنت مجنونا ، و ليس على المريض حرجا ..
-سليطة اللسان ! هذا بعدما جعلتِني أنتظركِ ساعتين ، و عندما عودت لكِ فاجأتني بذلك الموقف ، و هل سنتحدث هكذا في الهاتف ، و سنقيم الجلسة عن بعد .
=بلال إذا كنت ستسمر في الحديث فسألغي جلسة اليوم ، فأنا لا أملك رأسا متفرغا صدقني أرجوك ارحمني ..
-هل أنتِ بخير !
-تقريبا ! كنت تخبرني أنك تريد أن تريني شيئا ! فقد الطريق بسيارتك و أنا سأتبعك بسيارة الأجرة ..
....
وصل إلي مكان و ترجل كل منهما ، تأملت رباب المكان بأعين متفحصة فوجدته مكان كبير و ضخم ، يبدو كمصنع لكنه يبدو متوقفا عن العمل فلا يُسمع صوت و لا يوجد حركة ..
أفكار كثيرة انتابتها عن نيته في جلبها لذلك المكان المهجور !!
أبعدت كل الأفكار السوداء عن رأسها ، فبلال ليس من ذلك النوع بالتأكيد ، فقالت :..
-ما هذا المكان ؟
-من المفترض أنه مصنع عائلتنا لكنه متوقف الآن عن العمل بسبب الديوان ، بعد خروجي من المشفى تفاجأت بالأمر .. و إن لم أحصل على إذن الخروج من المشفى فكان من الممكن أن يطردوني ؛ لأن والدي لم يعودوا قادرين على دفع المزيد .. كل ما فعلته أني بعت شقتي الخاصة و أعيش مع والديّ الآن ، كنت أفكر  أن أبيع سيارتي لكني أعدلت عن الفكرة ، لأني سأدفع ثمنها في الواصلات فالمصنع بعيد عن المدينة ! رتبت لأخذ قرض لأعيد كل هذا و أعمل الآن على دراسة كافة الأوراق و الصفقات التي تمت أثناء مكوثي بالمشفى !
=و لما تخبرني بكل هذا ؟! أعتقد أنك بحاجة لتستقر و تتزوج لتجد أخرى تشكي لها ، فأنا طبيبتك ليس إلا , و قد مللت حقا ...
نظر لها بحنق !
أصدر هاتف رباب رنين فقد فتحته أخيرا بعدما خرجت من المشفى ، ابتسمت عندما وجدت عدد هائل من مكالمات سالم لها ، لكن هذه المرة كانت سمر .
  أجابت رباب و مازالت تصرفاتها تحمل شيئا من البرود ، شيئا من الجليد !
لكن سماع صوت تلك الصرخات غبر الهاتف كان كفيلا لجعل ذلك الجليد يذوب ، صوت صرخات و بكاء ! تكسير و ركض  !
-سمر  !  سمر !
=ما  الأمر ؟!
سمع هو الأخر صوت الصرخات ، فهرول تجاه سيارته و هتف فيها :..
-هيا !
ركضت لتركب جواره ... و مازالت تحاول فهم ما يحدث .
كان يقود سيارته جنونية ، و عقله يصور له الكثير ..
إلي أن سمعت صوت بكاء سمر الحار و هي تصرخ باسمه  !
اتسعت حدقتي رباب و هي لا تصدق .. مستحيل ! كيف علم طريقهم ؟ ذلك الحقير ! أكرم ..
بقلمي أسماء علام
••••••••••••••••••••
-لا يا أكرم !
صرخت بها سمر باكية و هي تركض و تغلق باب غرفتها ..
كان كالطور الثائر ، حاول كسر هذا الباب بقوته و هو يهتف بصوته الذي كان أشبه بفحيح أفعى :..
-ظننتِ أني سأتركك !! أنت غبية لقد اخترتِ مكان هادئ ، فسهلتِ عملي .. كنت أنتظر الوقت المناسب لأنفذ خطتي يا حقيرة ! تظنين أن ذلك الوغد سينقذكِ مني !
كانت تبكي بانهيار في الداخل و هي تضم الأولاد الذين يبكون بذعر ، و هي تتحمل آلام قدمها أيضا  !
سليم ببكاء : لقد رمي الهاتف ، لم أستطع أن أكلم أمي ..
-إن الله معنا ! سينقذنا ..
استطاع كسر ذلك الباب بعد فترة ليست بالقصيرة ، بكى الأولاد بصوت عالٍ ، و سمر تزداد في نحيبها أمام نظراته المخيفة و ابتسامته الخبيثة ..
ركض الأولاد في جهة الباب ..
ارتبك لأنه لم يستطع أن يمسك بالطفلين الذين ركضا باتجاهين مختلفين ، فاستغلت سمر الوضع و ركضت تجاه باب الغرفة و هربت منه ،  ركض خلفها  و أمسكها من شعرها بقوة ، فأعاق تقدمها فأخذت تبكى و هي تترجاه ، لكنه لم يأبه لبكائها و لا لصراخها و هي تترجاه و امتدت يداه لتمزق ثيابها ، فصرخت أكثر ، و استجمعت شجاعتها و دفعته بكل قوتها ، و استطعت التحرر من قبضته و هي تحاول لملمة ثيابها و ركضت مسرعة ..
استطاع الطفلان فتح الباب و الاستنجاد بالجيران ..
أما سمر وسط ركضها ، شعرت بتقلص قدمها فجأة ، ففقدت قدرتها على التوازن و سقطت على الأرض ..  فابتسم هو بانتصار !
و اقترب منها ، لكنه ارتد للخلف على أثر تلك اللكمة التي تلقها في وجهه ..
تجمهر بعض الجيران و أتوا مع الطفلين ، اللذان ركضا تجاه والدتهم حالما رأوها ..
أخذت رباب سمر في أحضانها ، بينما تولى بلال مهمة تلقين أكرم درسا لن ينساه ...
جزعت رباب لما رأت حالة سمر ، من البكاء و الانهيار و ثيابها الممزقة و شعرها الذي تشعث و انتبهت إلي وجود الناس .. فأسرعت تجاه الغرفة و أحضرت ملاءة لتغطي صديقتها و هي تكاد تبكي على حالها !
ركل أكرم بلال و هرب منه ، فتبعه بلال مسرعا ، و ترك رباب و سمر فريسة لكلام الناس ! كلام الناس الذي كان كالسم لا يرحم و بدون أي مراعاة لحالتهم النفسية ، ألقوا عليهم كلاما باطلا يعيب فيهم و في أخلاقهم و هم لا يعرفونهم حتى  !
كانت سمر التي تسمع ذلك الكلام و تبكي و تزداد في النحيب و جوارها رباب على الأرض تضمها و لا تعرف ماذا تقول ؟!
زمن هذا صعود بلال على الدرج بعدما هرب منه أكرم .
شعر بلال بالغضب ، الغضب البالغ بمجرد ما سمع ذلك الكلام و هتف في الناس بحدة :..
-توقفوا ! لا تجرؤا على التفوه بكلمة واحدة ضد زوجتي و عائلتي ، نحن لم نطلب المساعدة  .. اذهبوا !
و أغلق الباب بعنف ، التفت إليهما فوجدهما يحدقان به ، فأدرك السبب .. تنحنح بحرج لما رأي مظهر سمر الذي يدمي القلب ، و قال بأدب :..
-سأنتظركم في الخارج ، فيجب أن تبتعدا عن هنا ..
ثم وقف ينتظرهم في الخارج و أخذ معه "سليم و هنا "
أسندت رباب سمر حتى الغرفة حتى تبدل ثيابها ، فبلال على حق لا يجب أن يبقوا هنا أكثر من هذا .
ثم تركتها ، و أمسكت رباب هاتفها و اتصلت بهاتف غنا التي أجابت بعد هنية قائلة :..
-رباب ! أين  أنتِ .. أنت غادرت تاركة بركان خلفك .
=غنا ! ليفعل جدك ما يريده ! ما أنا فيه يكفيني .
-ما الأمر ؟ ماذا حدث ؟
=مصيبة .. سأروي لك فيما بعد ، لكني أترجاكِ يا غنا أن تسدي لي معروفا ..
-بالطبع !
=سأبعث لك بعد قليل سمر و الأولاد ، اعتني بهم ريثما أتدبر أمرنا و سآتي  لأصفي كل الحسابات عندك .. اعتني بسمر من أجلي فهي في ضائقة رهيبة .. ابعدي الأولاد عنها أرجوكِ لن أتأخر ..
بعثت سمر مع بلال هي و الأولاد و انتظرت هي حتى تحزم الحقائب و تنهي أمر تلك الشقة ، في البداية رفضت سمر تركها وحيدة خوفا من ذلك النذل ، لكن بلال طمئنها أنه مستحيل أن يعود ...
ركب الأولاد في الأمام و هي في الخلف ، أغمضت عينيها و قد سمحت لدموعها بالانهمار .
حاول طوال الطريق أن يخفف عنها لكنه وجد أن يجعلها ترتاح قليلا ..
بعد فترة طويلة من الصمت قالت بصوت متهدج :..
-لما قلت ذلك ؟
-وماذا قولت ؟
صمتت قليلا و قالت :..
-أني ... أني ... أني ...
-زوجتي ! و ما المشكلة في ذلك ؟
حدقت فيه , فتابع ببساطة :..
-فهذا ما سيحدث مستقبلا .
فغرت فاهها ، و نظرت له ببلاهة ، فقال :..
-ما الأمر ؟ ألا تقبلين بي زوجا لكِ ..
-سيد بلال ! أرجوك أنا لا أقبل أن تتزوجني بدافع الشفقة .
-أريدكِ أن تعرفِ أنه لا رجل في العالم يتزوج امرأة بدافع الشفقة ، لقد قررت طلب يدك قبل أن أعرف صلتك بدكتورة رباب .. منذ رأيتك رأيت أشياء لم أعرفها ! لم أعرف يوما امرأة يلجم الحياء لسانها و يلون خديها كما رأيتك .. فهل تقبلين بي زوجا !
صمتت و احمرت وجنتيها مرة أخرى ، فقال مداعبا :..
-هل أعتبر أن السكوت علامة الرضا ..
ابتسمت بخجل ، أوقف السيارة ؛ بسبب وصولهم للمكان المطلوب ..
ترجلت سمر  من السيارة و أخرجت الأولاد ، و قبل أن  ترحل قال :..
-رغم أن ذلك الوغد هرب ، لكني لن أتركه حتى يختفى من حياتك للأبد ، و هذا وعد بلال لك ! و لا يجب أن يخلف زوجكِ المستقبلي وعده ..
ثم ابتسم و غادر ، دون شعور ارتسمت ابتسامة خجولة على وجهها ! 
لكن سرعان ما ارتسم الأسى على وجهها ، فور تذكرها لتلك الحادثة ، فأدمعت لاإراديا ! 
قابلتها غنا ، و قد تركا لسليم و هنا حرية الحركة في الشاليه و قد اتجهوا بحثا عن جدهم !
أمسكت غنا يدا سمر لما وجدتها متعبة ، و أدخلتها إلي الشاليه الثالث الذي تم إصلاح عيبه التقني أخيرا بعد أن أخذت إذن مراد ..
===============
أنهت رباب كل ما له علاقة بالشقة و أعدت الحقائب ...
قابلها عند السلام بلال ، أخذ منها الحقائب و وضعها في السيارة و أعطى المفتاح لبواب العمارة و غادر ليوصل رباب ..
لم يكن في الحسبان أبدا أن يراهم الآن من قد يسيء الظن ، حاول اللحاق بهم لكنه بلال اختفى فجأة وسط الزحام ...
عاد وائل إلي البواب ليسأله عنهما فأخبره ..
-أنه يقول أنها زوجته و قد غادروا الشقة بعد أن حدثت فضيحة !!!!!!!!!!!!!!!!
بيدج روايات  بقلمي أسماء علام

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن