٢٥

740 32 1
                                    

الفصل الخامس و العشرون
قطع أفكارها نزع دكتور هشام للورقة من بين أصابعها فانتبهت له و وجدته يشق الورقة إلي نصفين و يلقيها في القمامة ، نظرت له مشدوهة : ..
-ماذا يحدث دكتور هشام ؟ لم أعد أفهم شيئا !!!
أطلق ضحكة و هو يقول :   ...
-لو رأيتي منظركِ ... مضحك .. منذ عملتي معنا هنا لم أرى وجهك و هو بذلك الشحوب ، لقد ...
كان ليكمل لولا أن رأي علامات الانزعاج واضحة على وجهها و كادت لتغادر إلا أن أوقفها بقوله : ..
-ما يحدث هو أنك لستي في حاجة لتلك الورقة بعد الآن ...
انتبهت له فتابع بابتسامة :  ..
-يبدو أن عملك مع حالة بلال لم ينتهٍ ، و إن كنتِ أنتِ اخترتني لحالته فهو لم يفعل ، وقال لي بوضوح " أنا لست بحاجة لطبيب جديد فأنا لدي طبيب بالفعل ... أخبروا سيدة لعب الأطفال أني بانتظارها لتساعدني " تهاني يا دكتورة رباب مشوارك الأصعب سيبدأ معه من الآن ... هذا ما كنت أود اخبارك به منذ الأمس  ..
بدت و كأنها مازالت تحت تأثير  الصدمة فقالت : ..
-ماذا علي أن أفعل ؟
ابتسم على هيئتها و قال : ...
-اذهبي و أتمي عملكِ ..
ابتسمت بإشراق و غادرت مسرعة و أغلقت الباب  عادت و فتحته و قالت  بارتباك : ..
-آسفه ..... شكرا دكتور هشام شكرا جزيلا ..
-على الرحب و السعة !
ثم أغلقت الباب و هي تشعر براحة كبيرة بداخلها .. لا تصدق ففي الدقائق الماضية شعرت و أن روحها قد انتزعت منها . إلي الآن لم تكن مدركة أن عملها مهم بالنسبة لها لتلك الدرجة .... و قت شعرت أنها ستفقده شعرت و كأنها سقطت من فوق ناطحة سحاب ..   و عندما عاد شعرت و كأنها ارتقت لغيمة مضيئة في السماء تتقافز النجوم من حولها سعيدة بسعادتها العارمة ... فهكذا هم البشر لا يدركون قيمة الشيء إلا بفقده ....
و في أثناء سعادتها تلك ورد في خاطرها فكرة أصرت أن تنفذها...
................................................................
انتهي الدوام و أعدت رباب نفسها كي تغادر ،  و قفت أمام باب المشفى لتركب سيارة أجرة ، و فجأة تقدم سائق سيارة خاصة قائلا : ..
-تفضلي سيدتي سيارة السيد مراد  في انتظارك ..
-السيد مراد لما ؟
-أمرني أن انتظرك .
فجأة وجدت سائق أخر خلفها يقول : ..
-تفضلي سيدتي !
نظرت للخلف فزعة ثم قالت : ..
-ومن أرسلك أنت الأخر !
-السيد وائل !
-ماذا يحدث اليوم ..
-سيدتي إن لم  أوصلك سيغضب السيد مراد !
-لا سيدتي إن لم تأتي معي لن يرحمني السيد وائل ..
ظل السائقان يتشاجران معا حتى ملت هي و قالت بصوت عالٍ أقرب للصراخ   : ..
-توقفا !
صمتا على أثر صوتها فتابعت : .
-انتظرا دقيقة ......... تاكسي !
توقفت سيارة أجرة فركضت إليها و ركبتها بسرعة ، ثم أعطته العنوان ، بمجرد أن انطلق  في طريقة حتى زفرت رباب براحة و أمسكت برأسها متألمة و قالت لنفسها :..
-أشعر بالصداع يكاد يفلق رأسي نصفين ... لم يكن يقصني سوى هذين ... و كأني لا أعلم لما بعث كل واحد منهم سيارة فالكل يغني على ليلاه ... أحدهما يؤدي لوازم خطته على قلبي المسكين ليحكم سيطرته عليه في لعبته التي يظن أنها مسلية ، و الأخر يريد أن ينجز عمله يظن البشر آلات ، و لولا الظروف لكان طردني شر طردة و اقتص مني بعنف على صفعتي له  و التي لن ينساها ....
لاحظت أنها اكتئبت هكذا ! لكنها اليوم تريد أن تكون سعيدة .. لا تريد أن تحزن و كأنها قررت في قرارة نفسها أن تبحث عن أي طاقة ايجابية حتى و لو كانت وهمية لا مشكلة .. ستبحث عن أي سبب لتكن سعيدة  ....
نعم .. بلال حالة بلال .. هذا خبر سار و أيضا عدم فقدانها لعملها ....... و ..... و نعم لقد عرفت و لو قدر يسير عن حياة والديها .. و على ذكر والديها قررت أن تكمل باقي الطريق في قراءة مذكرات والدها علها تجد في النهاية خيط يوصلها للمزيد من الأخبار عنهما ..
و أخيرا وصلت ، تقدمت نحو الشاليه الرئيسي ، وقتها كان مراد يتحدث  مع أحدهما على اللاب توب الخاص به و يبدو أنها محادثة خاصة بالعمل ....
مراد : نعم لقد قرأت بنود  الاتفاقية   ، أرى أنها جيدة يا أحمد ؟
-لست مرتاح لتلك الصفقة بالمرة ... و أشعر أن جودة الأقمشة ليست الجودة المطلوبة ..
-هل تفقدتها بنفسك .
- لا ... مدير قسم الجودة هو من تفقدها و هذا ما جعلني أشك في الأمر .. فهو لا يبدى انبهار بشيء أبدا حتى و لو كان ممتاز ... و اصراره الغريب على الجودة هو ما جعلني أشك .... كما أن مندوب تلك الشركة شخص لم أرتح له أبدا نظرات الشخص مرآة لقلبه .. و هذا الرجل ..
-أحمد توقف عن التحدث عن المشاعر .. في العمل لا مكان للحديث عن أمور تافهة كتلك .... لولا أني أثق بك لما كنت انتظرت لأسمع منك تلك الترهات كل ذلك الوقت ..
-مراد الأمر و ما فيه أني أخبرك بما أشعر به وحسب ليس هناك داعٍ  لتلك الحدة التي تكلمني بها .. و أنت تعلم أني أجيد قراءة البشر ... و بما أنك ترى أن تلك ترهات فآسف لإزعاجك و سأشرع في إتمام الصفقة ..
-أحمد لا تأخذ الأمور هكذا .. أنا منزعج قليلا و متوتر  ... أنا أثق بك اتصل بوالدي و عمي و اجتمع معهما اجتماع خاص لا أريد أن يعرف عنه أي أحد .. و تناولا دراسة الموضوع بشكل أوسع و ابعث لي بأخر ما توصلتم إليه و سأخبركم برأيي و إن ثبت أن مدير قسم الجودة له يد مع تلك الشركة فأنت تعلم جيدا ما عليك فعله .... لكن بشكل سري فمن الممكن أن يكون كل ذلك محض افتراضات لا نريد أن نخسر سمعتنا ..
-علم وينفذ .....لكن ألا تعتقد أن تكون معنا أفضل ...
قالها أحمد بخبث فهمه مراد فقال : ...
-يبدو أن والدي كان محق عندما أخبرني أنك تريد الثأر مني ...
أحمد ببراءة مصطنعة : ...
-أنا يا مراد أشمت بك يا صديقي   ... مستحيل  ..
-اغرب عن وجهي .
-ولما ... آه فهمت أنت مشغول ..... ههههههه لقد وقع عدو النساء أخيرا في الحب لا أصدق ....
انزعج مراد فأغلق  المحادثة في وجهه و نظر أمامه فانتبه لتلك الواقفة أمامه فقال :...
-منذ متى و أنت هنا ..
-ليس بالأمر الجلل ف.....
-اصمتي قليلا .. هل تعلمين لقد أخبروني أنك رفضتي القدوم معهم وقتها فكرت إن كنت هربت وقتها كانت العواقب ستكون وخيمة عليكِ ..
-أتهددني؟!!
-اعتبريها ما شئتِ ..
-تتحدث وكأنك نجحت سيد مراد ... فأول مهمة أوكلها لك لم تتمكن من إنجازها ..
فهم ما تلمح إليه فقال : ..
-من الجيد انكِ علمتي عن الأمر حتى لا تفاجئ ... فالطيور على أشكالها تقع زوجك ليس أقل منك عندا ...
نظرت له شزرا و التفتت لتغادر فقال لها بعدم اهتمام: ..
-إقامتكما ستكون بالشاليه الأخر فالمشكلة التقنية بالشاليه الأول لم تعالج بعد ..
لم تلتفت له حتى بل ذهبت مباشرة لهناك .. و قررت أن ترتاح قليلا و بداخلها تسب و تلعن وائل و مراد فقد خربا مزاجها بالكامل و هي التي حاولت أن تكون سعيدة ، لكن ....
============================
في منزل نهي ،،،
بعد عدة ساعات و أخيرا و صلت نهي إلي منزلها في القاهرة لأول مرة وحدها دون عاصم و دون رباب ... كم كان السفر طويلا و مملا ، لم تشعر بملل كهذا الذي شعرت به اليوم في حياتها ..... كان الطريق ممتع كثيرا عندما كانوا معا بأغاني عاصم غريبة الطراز و التي كنت تدفعهما للضحك ، و تعليقات رباب الساخرة ... و كان أحيانا يركب معهم زميل حافظ للقرآن و منشد ديني و كان صوته عذب للغاية ...
فكان من المستحيل أن يصيبها الضجر .. لكن الآن هي بعيدة عن كل هذا ... و للأسف هي من أبعدت نفسها بنفسها ...
استقبلتها والدتها بالعناق و هي تقول : ..
-قلقت عليك كثيرا يا نهي ..
-لما ؟
-تسألين لما ؟ !! هاتفكِ كان مغلق لولا أني اتصلت برباب لكنت مت من القلق ..
-اتصلتِ برباب !
-نعم و ما المشكلة ألم تخبرك !!!!! لكن أتعلمين شعرت بشعور غريب للغاية و أنا أحدثها .. هذه ليست رباب التي أعرفها  أسلوبها كان حاد جامد ... كما لو أن شيء بها تغير ... هل تشاجرتما يا نهي ..
التفتت نهي للجهة الأخرى و قالت : ..
-هي دائما حادة الطباع و ما الجديد في الأمر.
-ماذا؟! أنتِ التي تقولين   هذا يا نهي ! لن أكن والدتك إن لم تكوني متشاجرة معها ...
صمتت نهي و لم تجب .. كما يقال تماما الصمت علامة الرضا !!! لقد رضيت نهي بافتراض والدتها الذي لم يزد عن كونه الحقيقة .. فلم يعد هناك ما يقال ..
-لما يا نهي ؟! تشاجرتِ مع رباب .... من  التي كنتِ تسهرين معي بالليالي لتتكلمي عنها عن أسلوبها و رقتها و جدارتها و حسن رفقتها  ... يمكنني تفهم شجارك مع عاصم فأنتم مازلتم في بداية حياتكم و لم تعتادوا على طباع بعضكما ... لكن مع رباب العاقلة مؤكد أنتِ المخطئة ...
أصمت نهي أذنيها و قالت بانهيار : ..
-توقفي ! توقفي يا أمي ! لقد تعبت لما يعتقد الكل أني المخطئة و هي الملاك ... ذلك الملاك الذي تصعدين بها السماء أنتِ و عاصم  لا أعلم ماذا فعلت لزوجها حتى يخونها ... و من عقدة النقص تلك أصبحت تحب أن تستميل كل الرجال ، و عاصم مستمتع بالوقوع في شباكها و مرحب  .....
ثم أخذت تسرد على والدتها ما حدث بالتفصيل و هي تبكي بانهيار ...
أنهت الحكاية و ذيلتها بقولها ...
-و في النهاية يخبرني أنه هكذا عاصم صاحب المبادئ و الانسانية و  يقرر أننا بحاجة لإعادة التفكير في أمر علاقتنا ... ما رأيك فيما سمعتي ...
-غبية ... لا تنظري لي هكذا  .. انتِ غبية كما نعتتك رباب و كما أفهمك عاصم ... كيف هداكِ تفكيرك لمثل هذا الاعتقاد الرخيص ... أنا لم أربيكِ هكذا ماذا جرى لعقلك يا دكتورة .. لقد أكلت الكتب رأسك و محت عقلك .. فلم تعودي تفكري فيما تفعلين و فيما تقولين ..
-أمي أنا ...
-لقد أفسدتِ حياتك بتصرفاتك الغبية و تفكيرك الخاطئ ... العلم ليس بالكتب يا ابنتي فخبرة الحياة مهمة أيضا .. لطالما كنت منطوية يا نهي و أنا و والدك دائما كنا نخاف عليكِ لذلك كنا نمنع عنكِ الرفقة .... لكن منذ تعرفت على رباب و اطمئن قلبي عليكِ ....... و أما عن عاصم فهو شاب رائع ، ناضج الفكر ، من أسرة بسيطة ليس بالفقير المعدم و لا بالغني المطرف ... لديه سيارته المتواضعة ،عصامي ليس بالمدلل .... الزوج المثلي لك يكفي أنه من نفس مهنتك و سيتفهمكِ ... و من كل ما ذكرتيه ثبت لدي أنه طيب الخلق ... كل ما ركزتي عليه في ذلك الموقف يا نهي هو لهفة عاصم عليها ... كان من الأحرى بك أن تري أن صديقتكِ على شفا الموت كان يجب أن تكوني أنت أكثر لهفة .. ماذا كان يفعل وقتها هو إن لم تبدري أيتركها تموت .. الإنسان الغريب في موقف كهذا سيقف عقله و لن يفكر فيما سيفعل فما بالك بكم و أنتم فريق واحد  ، عملتم معا ،  أكلتم معا ، و تسامرتم معا ..... و كيف تلقين التهم على رفيقتك يا ابنة بطني ؟!! زوجها يخونها ،   مخلص لها ، سواء هذا أو ذاك ما دخلك هذا بينهما و مشاكلهم الخاصة حتى  و إن كنتِ علمتي بالصدفة  كان يجب أن تصمتِ و لا تعقبِ بعدها ... هذا هو التحليل المنطقي لكل افتراضاتك .. يا من أطلقوا عليكِ لقب طبيبة نفسية ... تحلل و تتعمق و تقرأ البشر  ..
التفتت والدة نهي  للجانب الأخر  و  هي غاضبة بحق من ابنتها ،فهي لم تربها هكذا أبدا .. بعد لحظات من الصمت سمعت رانيا صوت بكاء مرير فالتفتت لتجد نهي تبكي بانهيار ، فاقتربت منها ،فارتمت نهي في حضنها تبكي و تمتم بين شهقاتها :....
-أنا آسفة يا أمي فقد أخطأت .. آسفة ... أنا حقا غبية ..
اعترف بعد ذنبك و اعتذر  تب و اصلح تنل المغفرة و العفو ... لا تكابر و تستمر فالذنب بعد الذنب قيد فوق القيد .....
==========================
في الإسكندرية ،،،
على شاطئ البحر المتوسط انتهت استراحة رباب فقامت من فراشها و ارتدت ملابسها و تهيأت لتبدأ عملها المتمثل في بدأ خطة العلاج .. دخلت الشاليه المجاور -  حيث كان مراد و سالم جالسين معا – ألقت التحية و دخلت الغرفة التي خصصتها لها دون كلمة إضافية ... تتبعها إلي الداخل لكنهما وجداها أغلقت الباب فاحمر وجههما غضبا .. لكنهما للأسف مضطرين لتحملها فانصرف كل واحد إلي غرفته ليباشرا أعمالهما ...
و في الداخل نظرت رباب إلي السبورة التي علقت على الحائط ، ثم أمسكت بورقة عريضة و فردتها على الطاولة و أمسكت بالأقلام و بدأت برسم خطة العلاج ..... خطوط هنا و دوائر هنا و أشخاص هناك ، فسدت ورقة فأخرجت أخرى و بدأت من البداية ... أعادت ترتيب أفكار و رسمت دائرة عناصرها مرة أخرى ... و بنت سلسلة الأشخاص ... توقفت عند اسم مراد ... قبل أن تضم اسمه  إلي قائمتها يجب أن تتأكد من نوياه و دوافعه ..
خرجت من الغرفة لذلك السبب و أثناء بحثها عن مراد سمعت صوت يأتي من غرفة غنا فاقتربت ، و وجدت مراد جالس جوار فراش تلك الجميلة النائمة يناجيها و هي لا تسمعه حتى ، فلم تقترب أو ترهف السمع احتراما لخلوتهما لكنها تمتمت :...
-بانت نيتك يا ابن شرف الدين ..
ثم ابتسمت و غادرت ، أمضت ساعتين في رسم الخطة كاملة .، مسحت العرق عن جبهتها و ابتسمت برضا و علقتها في احدي زوايا الغرفة ، و قامت بكتابة أول عنصر على السبورة ... و تركت القلم من يدها وهي تشعر بالجوع الشديد ...
=================
طلب مراد من الخادمة إعداد طاولة الغداء و جلسا عليها هو و سالم في انتظار رباب و قد طلب من الممرضة أن تأتي إليهم أولا قبل أن تشرع في تناول العشاء مع الخادمة ..
و أثناء انتظارهم لرباب تقدم منهم  ضيف غير مرحب به بالمرة ... وائل ....
-واو .. جيد ذلك الغداء في معاد العشاء .
كز سالم على أسنانه و غرز الشوكة في مفرش السفرة و قال :....
-ما الذي أتي به إلي  هنا ...
مراد :  و  ماذا أفعل ؟ ! !
أمسك وائل بالجريدة التي أخفت وجهه غير عابئ لهذين الذين يشطانان ضيقا ...
خرجت رباب من الغرفة و جدت التجمع فاقتربت و لم تنتبه لوجود وائل ، قابلتها الممرضة فوقفا يتحدثان ..
رباب : أين السيدة ؟
الممرضة :لم تستيقظ !
رفعت حاجبيها و قالت : ..
-إلي الآن   ... كم جرعة من المهدئ أعطيتها ..
-المرة التي أمرتي بها .
-فهمت ... اتركيها لا أحد يوقظها ، و في الصباح أعطيها الجرعة ...
-تمام !
-اذهبي !
جلست بابتسامة مشرقة لكن سرعان ما اختفت عندما أطل لها وجهه من أسفل الجريدة بابتسامته المستفزة و حركاته التي تحفظها ( لعبه في خصلات شعره ، و   لعبه بتلابيب قميصه ) ألقت الملعقة على المائدة و ألقت نظرة نحو مراد فقال بصوت خفيض : ..
-إما أن يتناول معنا أو  تتناولين طعامكِ معه وحدكما !
-هل يهددنا !
-إنه زوجكِ له كامل الحقوق عليكِ .. كما قلت الزوج كزوجته تماما ....
امتعض وجهها وفقدت شهيتها ، أما وائل فقد تضايق من تهامسهما معا ..
-رباب عزيزتي لما لا تتناولين طعامكِ ...  أوه فهمت لا تجدين شهية للطعام و أنتِ بعيدة عني ..
ثم قام وائل و جذبها من مكانها ، و أجلسها جواره و بدأ بإطعامها ، لم تعد تحتمل كل هذا الضغط ،شعرت و كأنها ستتقيأ فورا ، فأبعدت يده و فرت راكضة للخارج ...
انتبه الكل لما حدث ، ثواني و كان وائل يهرول خلفها ..
أما سالم فقد قام من مكانه بجمود و قال بشيء من الضيق : ..
-مهزلة ... إلي متي ستستمر تلك المسرحيات و الدراما الفارغة ...
و غادر إلي غرفته، أما مراد فألقى بملعقة في ضجر و قال : ..
-أوف ... إن استمر هذا الوضع هكذا فأعتقد أني سأجن بالفعل ....
......................
في الخارج ،،،
لم يستطع وائل اللحاق برباب فأسرع من خطاه قليلا ، فاستطاع أن يمسك يدها قبل أن تدخل غرفة النوم
وائل :انتظري يا رباب ..
-اتركني يا وائل لم أعد أتحمل هذا الوضع ... أنت هكذا و ستظل هكذا , الحياة بالنسبة لك لعبة و أنا لك عبدة لكن كفى .... تعبت في محاولاتي لإرضائك ، من أجلك تغيرت و تخليت عن كل شيء لكن أنت لم تتغير بل عدت أسوء من سابق عهدك ... لقد تحملت ما يفوق طاقة البشر ، إلي متي تظنني سأتحمل تقلب مزاجك في البداية تحبني و بعدها تزهدني و عندما شعرت أن لعبتك لن تكون لك ... أبيت إلا أن تعود ملك يمينك من جديد .... و أين أنا من كل هذا ... لكن كفى ، نعم لقد اكتفيت ...
-رباب أنا ....
صاحت فيه قائلة بصوت طغى فيه ألمه على حدته مطلقة العنان لقليل من الدموع لم تستطع السيطرة عليها فسقطت : ...
-أنت ماذا .. بما ستبرر  لما يبق لك أي عذر يا وائل .... طوال سنوات زواجنا و أنت فقط من تتحدث و أنا أسمع فقط لتقول أنا و أنا  .... لكن الآن سأقولها لك وائل و اسمعها جيدا .... أنا .. أكرهك ...
أنا أكرهك
أكرهك
أكره ..
ظل صدد تلك الكلمة يتردد في رأسها و لم ينته لنزعها يدها قسرا من أسر يده و لا إغلاقها باب غرفتها عليها .. ظل رأسه يرددها و كأنه لا يستطيع التصديق و بقايا ضميره استيقظت أخيرا  لتتأمر مع قلبه عليه و يعنفه بلا رحمة ..
-سمعتها يا وائل ... أسيرتك تحررت أخيرا من سجنك .... لقد قالتها يا وائل رباب حبيبتك صارت تكرهك الآن .. لقد أفنيت سنوات عمرك الأربعة و الثلاثون كلها عبثا و عدت الآن مفلسا لا تملك شيئا لا زوجتك و لا أولادك و لا أهلك حتى والدك مات و لم  يكن راضيا عنك .. و أختك لم تعد تعتبرك موجودا .. فماذا حققت الآن ... لقد أصبحت بحق مفلسا ..
كانت تلك الكلمات تتردد في عقلها و كلمتها التي أطلقتها و بقايا كلماتها في حواراتهم السابقة ... شعر و كأن صدره أصبح ضيقا حرجا  و كأنما يصعد في السماء ... فلم يطق المكوث أكثر فخرج ليسر قليلا على الشاطئ لعل الهواء يعيد له صفاء مزاجه الذي تعكر ...
===============================
في القاهرة ،،،
-عاصم ! عاصم ! أين أنت ؟
ظلت والدة عاصم تناديه فلما ملت دخلت عليه الغرفة رأته جالس على فراشه ينظر للسقف بشرود ، انتبه على صوت فتح الباب ، فرأي والدته وهي تقول  :  ...
-ألم تجهز بعض يا عاصم ...
-لما؟
-ألم أخبرك أن لدينا زفاف سنحضره أنا و أنت فوالدك لديه دوام ليلي و سيعود متأخرا ..
-أمي ليس لدي مزاج مناسب ل....
-عاصم لقد وعدتهم أني سأحضر و لا أستطيع أن أخلف  وعدي ... و لا أستطيع أن أذهب وحدي ..
تحت إلحاح والدته وافق عاصم على الذهاب ، توجه إلي خزنة ملابسه و أخرج بنطال جينز و قميص بدون إمعان  ..
-عاصم ما هذا ؟ !! لقد أخبرتك أنه زفاف وليس عزاء ... قميص أسود و بنطال أسود يا إلهي  ....
انتقت له والدته قميص أبيض لائق و بنطال أزرق من الجينز ، كما اختارت له عطرا مميزا و أعدت له ساعته و حذاء أسود ... نفذ عاصم الأوامر لم يعترض و لم يعقب   ....
=======================
على شاطئ عروس البحر المتوسط ،،،
مرت مدة طويلة و وائل مازال على حاله لم يلطف الهواء من سوء مزاجه الحاد و مازال صدى  كلماتها كالسم ينتشر في خلاياه فيصيبه رويدا  رويدا بالشلل ، فأحس بثقل جاثم يطبق على صدره لم يعد قادر على التنفس ..
أحس فجأة بيد توضع على كتفه ففزع فالتفتت بسرعة ............................
بقلمي أسماء علام

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن