٢١

755 34 1
                                    

الفصل الحادي و العشرون
بدأت ترفرف برموشها و تحرك جفونها لتفتح عينيها فجأة و تزدرد ريقها برعب ..
-من يمكن أن يكون ؟!! من الذي ينام جواري !!
لم تجرأ على رفع عينيها من أسفل الغطاء من الخوف .. فامتدت يدها تتلمس ذلك الشخص الغريب , تحاول تبين ماهيته أو هويته ... عاد قلبها يخفق بجنون , عندما أمسك ذلك المجهول ذراعها , فارتعش جسدها , ثم بدأت تزحف إلي أسفل , حتى وجدت فجأة الغطاء يُنزع من على وجهها , تجمدت مكانها و هي تنظر لمن فعلها ...
تجمدت مكانها ....
هو ...
هو .....
هو ....
نعم هو وائل !! كيف وصل لهنا !! إنه حلم بل كابوس !!
أغمضت عينيها و حكتها بقوة , على أمل خائب أن يختفي ذلك الكابوس .. لكن هيهات .... فتحت عينيها فوجدت نظرات سخرية من وائل و هو يحرك يديه أمامها ثم قام بضربها بخفة على كتفها ..
-تأكدتِ أني حقيقة أيتها الجميلة ..
انتفضت من نومتها و هبت واقفة أمامه , و نظرت له باستغراب شديد و عدم فهم ...
كيف يمكن أن يتواجد هنا ؟! كيف علم عن مكانها ؟! و لما أتي خلفها؟!!!
دارت العديد من الأسئلة من نفس القبيل في ذهنها , بينما كان هو يتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها ...
اشتمت رائحة كريهة استنكرنها عن الفور , و علمت ماهيتها , فقد جاءها كعادته ثملا ..
"لن تتغير أبدا يا وائل ... ستظل كما أنت لن ينفع معك كلام أو أفعال .. حمقاء أنا عندما ظننت أن بإمكاني تغيرك "
قالتها في سرها و هي تنظر له بازدراء ..
اقترب منها فابتعدت عنه و عن شباك نظراته , لكنه لم يفلتها بل احجز جسدها بين جسده و بين الحائط ..
-وائل ماذا تفعل ؟
قالتها بفزع و هو يحتجزها بذراعيها و أطبق عليها فلم تستطع الفرار .. لم تعد تفهمه أبدا ...
أمسك بعض خصلات شعرها بين أصبعه و لفها عليه بطريقة مثيرة , و اقترب منها بوجهه .. و قال باستخفاف بنبرة ثملة : ..
-ماذا تظنين أني سأفعل برأيك ..
لحظات و توقف عما يفعل و ارتد للخلف أثر صدمته من فعلتها , حتي هي لم تعلم كيف امتدت يدها خفية لتمسك بكوب المياه الذي على الكومود لتقذفه في وجهه ليفق من تلك الحالة !!!
فماذا يظنها جارية لتتحمله ... أم إحدى فتيات الليل خاصته !! فبعد أن دخل عليها فجأة و لا تعلم كيف فعلها !!
لكنها لن تسمح له بالتمادي أكثر ... و حتى بعد مواجهتهم السابقة كيف يتعامل معها هكذا ؟!!! كيف يتعامل معها بطريقته تلك مع علمه أنها تعرف حقيقته الدنيئة ..
وقوع الماء على وجهه أفاقه من حالة السكر تلك ..
نظر أمامه فكانت بين ذراعيه فقال بدهشة : ..
-رباب كيف أنتِ !!!
قالت بعصبية : ..
-جيد أنك أفقت .. لتعلم مع من تتحدث , أنا رباب و لست إحدى فتياتك رواد الملاهي الليلية ..
كز على أسنانه من كلامها و لهجتها المستفزة , لكن من يلومها بعدما عرفته عنه , و استطع لسانها أخيرا التحرر من سجن صمته ليخبره بحقيقته و مظهره في عينيها , و كيف سقط من عينيها بطريقة لن يستطع بعدها الصعود !!
و ما أقسى على الرجل من أن يعلم أنه سقط من عين امرأته ؟!!
قاطعت أفكاره قائلة :..
-ما الذي أتي بك يا وائل ؟ كيف علمت عن مكاني ؟ أتراقبني ؟!
-أراقبك أنا !! رباب رغم تهديدك الأحمق أعلم أنك إن كنتي محاطة بالرجال من المستحيل أن تنظر عينيك لرجل سوى وائل .... حبيبك الوحيد ..
قالها بثقة , فزاغت عينيها من مواجهة عينيه و قالت كاذبة : ..
-قلت لك الليلة يا وائل كل ما عندي .... إن لم تطلقني سأخونـ...
قاطعها بحدة : ..
-اخرسي ... يا رباب وإلا قتلتك .
-ألم تقتلني بعد ... ألم تكن السبع سنوات كافية لتقتص مني و تريد أن تقتلني أكثر ..
نظر لعينيها بعمق فرأي نظرة لم يستطع أن يفسرها , لكنه تاه في عينيها اللائمة اللامعة ببريق مهلك , مع خصلات شعرها الرائعة المنسدلة , و ذلك الفستان الرائع الذي جعل كل شيء فيها يخطف بصره و كأنه يراها لأول مرة .... و لم ينتبه لا لكلماتها و لا للكسرة في صوتها ...
تاه كليا فيها , ثم أفاق على صوتها الذي يقول : ..
-ما الذي أتي بك إلي هنا ؟
-أنا من يحق لي السؤال ..
كانت لترد عليه رد لاذع حاد لكن تبدل الوضع تماما لتتشبث به بسبب انقطاع التيار الكهربائي , ذلك الانقطاع الذي قلب حالهم من حال إلي حال , قال وائل : ..
-ما الذي حدث ؟
فكر أن يرى ماذا حدث , و قبل أن يخطو خطواته مغادرا أعاقه تشبثها بقميصه , فقال : ..
-رباب ما الأمر ؟
لم تجبه لكنه لاحظ ارتجافها فقلق و قال بلهفة : ..
-رباب !!
كان يريد أن يحتضن وجنتيها بكفيه فلاحظ ذلك العرق الغزير المريب , مسح ذلك العرق بيده , و احتضنها , احتضنها بشكل لا إرادي كانت تبدو خائفة بشكل مريب .. هو لم يرها هكذا من قبل بهذا الشكل فبشكل غريزي أراد أن يمنحها الأمان كي تهدأ ..
و يا للعجب استكانت في أحضانه .. شعرت بالأمان بعد طوال خوف , خوف لم يستمر يوم أو يومان و لا أسبوع , بل سبع سنوات .. سبع سنوات من الخوف .. فلم تشعر بالأمان إلي الآن ..
يا الله يا وائل لقد نسيت أمان أحضانك بعد طول بعاد !!
تشبثت به أكثر و لم تشعر بنفسها إلا و هي تدمع , شعر بها هو فاندهش بشدة , لما تبكي ؟!!
وجدها أيضا تدفن وجهها في صدره , فجأة عاد الضوء للشاليه بعد أن عمل المحول الاحتياطي للكهرباء , و كأنه يخبرها أنها يجب ألا تضعف ... و هي للأسف استجابت لذلك الصوت الذي يخبرها أنها لا تحتاجه .. هو خانها .. هو فعل الكثير و الكثير ... و لا يمكنها أن تسامح .
وفجأة وجدها تدفعه بعيدا عنها و تقول بحدة و هي مشهرة سبابته في وجهه قائلة : ..
-اخرج يا وائل من هنا , اخرج ..
تعجب من تبدل حالها , و لكنه اغتاظ من طريقتها فقال ببرود : ..
-لن أخرج لأني استأجرت ذلك الشاليه و هو ملكي الآن ..
نظرت له بدهشة و قالت باندفاع : ..
-كيف من الممكن ذلك !ذلك الشاليه ملك للسيد مراد و هو أعطاه لي ..
شعر بشعور غريب ينتابه لم يجرأ على تفسيره على أنه غيرة لكنه أراح جسده على الأريكة و قال ببرود : ..
-إذن اجعلي السيد مراد ينفعك .
نظرت له بغيظ و اندفعت نحو باب الغرفة لتفتحه لكنه كان مغلق بالمفتاح , فعلمت أنه معه , فقالت بحدة : ..
-هات المفتاح يا وائل ..
-لا أريد ..
-وائل ..
-لا تتحديني يا رباب فلا ينفع معي ذلك الأسلوب يا حلوة ... لكن إن قلتي لي أرجوك من الممكن أن أفكر أن أعطيه لكِ .
نظرت له بغيظ , و فجأة وقع المفتاح من جيبه , فقفز كلاهما ليمسكا به , فتلامست أيديهما برقة فقاوم كلامها اشتياقه للأخر و ركز على التحدي بينهما .. كانت يد وائل هي الأسبق فوقها يد رباب .. فقام سريعا و رفع يده إلي فوق , و هي حاولت أخذ المفتاح منه , لكنها لم تستطع لطول وائل بالمقارنة بها .. و تراقص حاجباه ليستفزها ... عقدت يديها أمام صدرها بضيق , ثم قالت بنبرة حاولت إخفاء الضيق منها :..
-لا أريده يا وائل .
-على راحتك , و أنا لم أكن لأعطيه لك حتى تتأدبي .
قالها و أراح جسده على الفراش و هو يتلاعب بمفتاح الغرفة , أما هي فجلست على الأريكة و ضمت قدميها إلي صدرها و أراحت رأسها عليهما .. ثم غفا كلاهما مكانه من تعبه ..
..................................
أشرقت شمس الإسكندرية أخيرا على شاطئ البحر , كان أول المستيقظين مراد ... الذي تناول أخر جرعة من دواء البرد بعدما تناول إفطارا سريعا  و قد بدأ يشعر بأنه شفى تماما ... و كان يشعر بالراحة لأنه الآن على وشك حل مشكلة غنا ... فجأة جاءه ذلك الهاتف الذي سرق منه تلك الراحة .....
................
داعبت أشعة الشمس الذهبية وجه رباب لتفيق من نومتها , شعرت بالألم الشديد يجتاح جسدها ؛ بسبب نومها على الأريكة , دلكت رقبتها برقة ليخفف تشنجها , ثم وقعت أنظارها على وائل النائم بعمق على الفراش ..
لم تقاوم تلك الرغبة التي انتابتها فجأة في أن تتأمل ملامح وجهه الحبيبة التي اشتاقت إليها , و بدون شعور دمعت عينها دون أن يمنعها عقلها , بل ظل ينظر لها و لذلك القلب الأحمق - الذي وقف في مؤازرة خالصة لها – بسخرية شديدة   ..
العقل : قسما بالله أنتما أحمقين كبيرين ..
القلب : و للأسف نتفق معك .
العين : أيها القلب انساه و أرحمني من ذلك العذاب .. أبكي عليه ليلا و نهارا , فلا أنت تتألم وحدك و ترحمني و لا تنساه و ترتاح ..
العقل : أيتها العين يقولون أن " البعيد عن العين , بعيد عن القلب " ابتعدي عنه و انقذينا ..
العين : كلما ابتعد عنه , يقترب هو مني ... و ما بالك أيها العقل , أتعتقد أنك الحكيم هنا , لا يا سيد هذا الجسد , لا تحاول اقناعي أنك لا تفكر فيه ... إذن كيف تأتي صورته أمامي دائما إن لم يكن بأمر منك ...
هنا سكت العقل , فلم يجد ما يقول , و عندها نظر الباقي له باستخفاف ... لينتهي ذلك الحوار بلا حل لمعضلة معذبهم الأوحد ...    
زادت تلك الدموع أثناء تذكر رباب لما حدث الليلة الماضية , كيف وثقت به و احتمت به , كيف فعلتها بل كيف جرؤت على فعلها !!
-لما تخاذلتِ يا رباب !! أنسيتِ ما فعله بك و بقلبك !! فاشلة و ضعيفة ... و لم تكوني كذلك لاستطعتِ التغلب على حبه الأحمق الذي احتل خلاياكِ !!
أوقف كل تلك الأفكار , استيقاظ وائل من نومه فجأة لتتأمل عيناه البنية تلك العيون الرمادية اللامعة التي تحدق به , فزعت رباب و تراجعت للخلف و ابتعدت بنظراتها محاولة تجنب الحرج من ذلك الموقف السخيف , الأمر الذي لم يفوته أبدًا , فقام من مكانه و اقترب منها , و هو يتأمل تلك الفاتنة و هو يقترب و هي تتراجع حتى اصطدمت بالحائط , فقال هو لها : ..
-إلي أين ستهربين أيتها الجميلة ..
-وائل ابتعد .
-لما .. ألم تكونِ تحدقِ فيّ منذ قليل ..
قالت كاذبة بنبرة مرتبكة حاولت جعلها ثابتة : ...
-لا ... أنا لم أفعل .. كـ .. كـ ..كنت أبحث عن المفتاح .
نظر لعينيها بعمق و قال بثقة : ..
-كاذبة ... أنتِ تحبيني يا رباب و اشتقتِ لي و هذا واضح .
لمعت عينيها فهو للأسف أصاب , لكن لمعان التحدي طغى على أي أثر أخر ..
-لا يا وائل .. أنت قتلت حبي لك ... بيدك ..
ضغطت على حروف كلمتها الأخيرة ..
-أنتِ تقصـ ..
قاطعته قائلة : ..
-أنا لا أقول أبدا كلامًا مرسلا .. كل كلمة لحاجة في نفس يعقوب ... صفعاتك لم تكن تؤلم بقدر ما كانت تقتل يا وائل ... كنا سننتهي أكيد .. لكن أنت أنهيتها بإهانة , و الإهانة لما تكن بيننا بل أمام الغريب و القريب .. أمام الرجل الغريب , و أمام أختك التي تعتبرني قدوة , و أمام الرجل الذي يتمني لحظة يراني فيها مكسورة و أنت حققت له مراده الذي لم يكن ليناله أبدًا لولاك ... حمد لله أن أولادنا لم يروا إهانة والدهم لوالدتهم بعدما واجهته بخيانته ........ انتهي كل ما كان بيننا يا وائل , لن تكون أبدًا سوى والد "سليم" و " هنا " ... حتى تلك أشك أنك ستتحمل عبء الوالد ...... فيكفى إلي هنا لتبقى على أي ذكرى حلوة كانت بيننا لتأمن لأولادنا حياة مستقرة .. تلك الحياة التي أرجو أن تتحقق و لا أظنها ستفعل إن بقينا معنا , فبعد أن علم كلانا عن الحقيقة لم يعد يبقى أي شيء ... لا حب , و لا مودة و لا رحمة و لا أمان و لا ثقة .. و لا حتى احترام ..
-رباب !!
قالها بخفوت و هو يرجوها أن تتوقف , أن توقف تلك الكلمات التي في قوة السكين , و مؤلمة أكثر من صفعات تلقها على وجهه توا .
كانت على قدر ما تؤلمه تؤلمها .. فالتقت عيناهما المتألمتان بصمت فعاد بهما الزمان للقاء الأول ... سحر القاء الأول , حب اللقاء الأول ............
قطع سحر تلك اللحظة سماعهما لصوت جلبة كثيرة , و صوت تكسير , تلاها صوت فتح الباب الخارجي للشاليه بقوة .........................................

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن