٤٦

654 27 0
                                    

الفصل السادس و الاربعون
في صباح اليوم التالي ,,,
كان فريد يمتطى الطائرة الخاصة التابعة لسالم الغندور يصحبه شخصيا لخارج البلاد ؛ ليقوموا له بعملية جراحية دقيقة , بعدما ساءت حالته الصحية !
لم يستطع أن يتركه وحده , أو حتى يبعث معه أخاه رأفت , فقد خاف على سالم , و هو لم يستطع التواصل مع مراد حتى الآن !!
هو بالكامل مختفٌ ! 
============
جنى عليها الليل ، وهي جالسة نفس الجلسة علي الأريكة ضامة ركبتيها الى صدرها و تميل عليهم برأسها وتتطلع من النافذة الى ضوء القمر انجلى  في مثل ذلك الوقت نهاية كل شهر هجري !!
نعم اختفى الضوء من الافق سامحا للظلام أن يعم الاجواء كما اختفى الضوء من حياتها هاربا واخذ معه الامل !!
الامل الذي فر منها كطائر وضعته على يدك فطار ولم يعد !!
ابتسمت بسخرية على تلك المفارقة وكان الكون كله اجمع ان حياة سمر الانصاري ستظل في الظلام بلا امل !
لم تعد تحسب عدد الساعات التي قضتها على تلك الوضعية فلم يعد هناك قيمه لحساب الدقائق و الساعات ، فلا  رباب عادت ولا وائل !
و بقت هي فقط
لكن مهلا من هذا الذي يطرق الباب مقاطع صومعتي السوداء !
- وائل
قالتها بسخرية !
لما قد يعود باكرا هكذا الليلة ، ولكن فرضا قرر ان يعود من الملاهي الليلية باكرا ، و كأنه نسى ان لديه اخت في المنزل !
و لما يطرق الباب أليس لديه نسخة من المفاتيح ام أنه عاد ثملا فما عاد قادرا على التذكر !!
طرق الباب كثيرا ولكنها لم ترد وكأنها ستفعل ولو ظل طوال الليل خارج المنزل فلن تفتح له !
انقطع بعد قليل صوت طرقات الباب لكنها لم تأبه كثيرا بل شردت ثانية في تأملاتها  !!
بعدها سمعت صوتا وكان احدهم يفتح الباب بالمفتاح بعدها سمعت صوت خطوات تقترب منها وبعدها صوت تعثر وسقوط شيء لم تحول بصرها حتى لتنظر ما الامر فهي متوقعه انه هو وائل عاد كعادته بعد رحيل رباب ثملا يترنح وهي لم تعد قادرة على رؤيته  يكفي صدمه اول الامر اه خساره يا وائل و الف خساره و كأن التي اختفت لم تكن يوما حبيبتك وزوجتك!!
و أنا وقفت معك وايدك في كل شيء
و اليوم الذي انتظرنا فيه ايمانك وثقتك كان هذا صفرا كبيرا في خانه اليسار !!
نعم كان هباءً !!
مرت دقيقة , اثنان , ثلاثة و الصمت والسكون فقط ما يملأ المكان لم تحول سمر بصرها حتى يطرى من جلس جواره على الاريكة ، الى ان سمعت صوته الرخيم الذي قال:...
-إلى متى يا ترى تلك الحالة ؟
لم تبدو سمر متفاجئة كثيرا بل قالت :..
-و ماذا افعل غير ذلك يا بلال ..
نعم حدثها قبل صوته أنبأها بأنه هو !!
تابعت بيأس :..
رباب لم تعد ، و وائل عاد كسابق عهده لا يعود قبل منتصف الليل ، و صدق كل الشائعات  و فقط يبقى الحال  كما هو عليه !!
ثم ضحكت باستهزاء ... بينما هب بلال وافقا يهتف :..
-ماذا هل تعلمين أنه لو وضعت جائزة للخثة و النذالة  لفاز أخوك بالمرتبة الاولى  !
- وهل تظن أني سأنزعج من حديثك .. هههههه
ضحكت مستهزئة ، ثم تابعت :....
-و أنت كيف دخلت ؟! و لما ؟!
استنكر حدثيها الذي لا يعني شيئا !
هل تخيلت انه يتخلى عنها ؟!!
مستحيل
لكنه متفاجأ من أنها تتحدث و كأنها لا تعنى له شيئا !!  أو أنه يوما سيتركها !
كيف يتخلى عن روحه !
كيف بعدما تشبثت به كتشبث طفلة بوالدها البارحة !
و رفضت أن يتركها إلي أن نامت !!
قال بثقة :..
-و هل أترك زوجتي في موقف كهذا !!
ضحكت باستهزاء و قالت :..
-تتحدث و كأني لست المخادعة التي كذبت عليك و ....
==============
في شاليه مراد ,,
جالس وسط ذكرياته معه , يتذكر كل لحظاته معها .
تأفف مراد و هو يرى هاتفه يرن للمرة المائة , تنهد بضيق , ثم أمسك هاتفه و نظر لشاشة الهاتف فرأي اسم والده , فأجاب بفتور ...
-أين قد أكون , أحاول أنا أجد حلا لمصيبة جديدة , أشعر و كأني جاذب للكوارث !
-........ 
-ماذا !!
قالها هاتفا و هو يهرول نحو سيارته , ركب سيارته و هو يقول : ..
-متي حدث كل هذا ؟ لقد كان بخير أول أمس ! أين أنتم يا أبي ؟
-في انجلترا ! و قبل أن نسافر أوصاني أن أخبرك أنه يسلمك كل شيء و طلب منك أن تعتني بغنا , و أن تحمي حفيدته الأخرى من زوجها , فهو لا يأمن أحد غيرك , و لا يثق في سواك ! اعتني بالجميع عندك يا مراد و أنا معه لا تقلق !
أغلق الهاتف , و رماه على تابلوه السيارة , و ضع عليه كلا كفيه و هو يهتف بضيق : ..
-يبدو أنني بالفعل مغناطيس للكوارث !!
جاء ليضم يده إلي جنبه , فشعر بشيء أسفل يده اليمنى , أمسكها بيده , فوجدها ورقة !
كان على وشك أن يرميها , عندها تذكر أنها نفس الورقة التي كانت في جيبه و رماها في السيارة !
ابتسم و هو يقول : ..
-لن أظلمك مرتين و أرميك دون أقرئك , لنرى أي حظ عثر رماكِ في طريقي !  
فتحها ببطء مترقب ليقرأ ... 
==============
في شقة والدي رباب القديمة ,,,
-تتحدث و كأني لست المخادعة التي كذبت عليك و ....
قطعها ضمته لها لصدره ، شهقة صغيرة هي ما استطاعت فعلة قبل أن يعتصرها بين أحضانها ، و ظل يمسد شعرها بحنان جلب الدموع لعينيها و كأنها استعادت ادراكها بحجم الكارثة التي لحقت بها !!
فكأنه هو الداء ، و هو فقط من يملك الدواء .
أخذت تبكي و تبكي ..
-بلال !!! هـ... هل ..  رأيت ما حدث ؟! رب... رباب .... يا بلال ...
ظل يحاول أن يهدئها ثم قال بهدوء :..
-بالتأكيد هناك كذبة خدعة ... أنتِ لا تعلمين كيف كان بلال الهواري قبل عام ، عندما تركتني تلك **** كنت بقايا انسان اشتركت هي  و أمي في تحويله لمسخ مشوه .. اصعب شيء على كرامة الرجل هي فعلته بكل بساطة .. و بعدها رأت والدتي العظيمة أني تصرفاتي و كرهي للسيدات لا يليق بعائلة الهواري فأرسلتني لمشفى الأمراض النفسية و العقلية دون أن يغمض لها جفن و أبي كالمتفرج لمسرحية تراجيدية  حتى قابلتها تلك المرأة التي قالوا عنها خائنة في نظري لها مكانة أعلى من أمي ، يقولون أن الأم ترشد ابنها لصواب أمره لكن أمي لم تفعل ،  الام تختار لابنها العروس المناسبة .... هل تعلمين من فعل .. رباب فعلت , هي من جعلتني أراكِ عزيزتي  انا أسف يا سمر عندما رأيتك أولا رأيتك كملاك جاء يعطر أيامي , لا أعلم كيف صدقت أنا ذاك الوغد , لكن عذري أنه سمم أفكار عدو النساء و لعب على وتر كرامة الرجل داخلي .. لكني انتقمت , نفذت وعدي لكِ يوم طلبت يدك , انتقمت منه لكل دمعة ذرفتيها بسببه !
ابتعدت عنه و نظرت له مستفهمة , امتدت يده لجيبه ليخرج الهاتف , و يريها القصاص الذي وعدها به ..
ها هو أكرم مقيد تمام و الدماء تغطيه من رأسه حتى أخمص قدميه !
بمجرد أن رأته هكذا حتى صرخت من المنظر و اختبأت في أحضان بلال !
أبعدها قائلا بقوة : ..
-لا يا سمر !! شاهدِ يا سمر ! لم يضع حقك .. اشهدي القصاص العادل من ذلك الحقير !!
    في الفيديو كان بلال واقفا أمام ذلك الوغد و يقول : ..
-ها ..
قال أكرم خائفًا : ..
-سأبتعد عن سمر نهائيا .
ضربة قوية من قدم بلال لبطن أكرم و هو يصيح بقوة مزمجرا : ..
-لا تجرأ حتى على أن تتفوه باسم سمر على شفتيك القذرتين يا حقير .
-من ؟ أنا لا أعرف عن من تتحدث حتى ! أنا لن أخطو قدم هذه البلدة نهائيا !!
ركله بلال مرة أخرى في معدته و هو يردف :
-ولا تقترب حتى من أي مدينة  فكرت هي يوما أن تخطوها مفهوم .
-مفهوم ! لكن اتركني فقط .. لقد عذبتني ما يكفي .
-أمممممممم , قد أفكر في الأمر ، لكن بعد أسبوع ...
و قبل أن يغادر بلال ، التفتت إليه هاتفا بخبث : ..
-و قد لا أفعل ، و أمرهم بقتلك .. فاحذر !
ثم انتهى المقطع ، فأعاد بلال الهاتف لجيبه و هو يصيح : ..
-سأجعله يخشى من وقع الأقدام على الأرض ، يرتجف من طرق الباب ، تماما كما فعل معكِ .. سأعذبه بالخوف كما عذبك يا حبيبتي سا....
لم يكمل ؛ لأن عناق سمر منعه ، أحاطت عنقه بيدها ، و  تدس نفسها في أحضانه ، و ترمي علي كتفه كل لحظة ألم عاشتها ، كل لحظة خوف عاصرتها !!
تحاول أن تنسى كل الدقائق و الساعات ، الأيام ، الشهور و السنوات التي قضتها ترتعش بين جدران الخوف بدونه  !!
شدد على أحضانها يسمع كل آهاتها التي لم تقلها لكنه هو يسمعها ، كما هي تمحى كل جروح قلبه و هي لا يدرى !!
كلاهما بلسم لجروح الأخر !!
فلا صوت يعلو على الأخر !
لا صوت الأنوثة و لا الرجولة !
لقد حتمت نتيجة الصراع !
فلا أحدهم يُفضل على الأخر ! لا ظالم و لا مظلوم !
بل عاشق و معشوق !
كلاهما بشر خلقا ليكمل بعضهما البعض ، لا ليجرح بعضهم بعضا !
حواء خلقت من ضلع آدم لتكون الأقرب لقلبه !!
و تكون الأسرع في حمايته !
لتشفي جروح هذا القلب و تنسيه هموه !!
خلقت لتؤنس آدم في وحشته ، حتى و لو كان في جنة !
" جنة بدون ناس ما تدنس "
حواء خلقت من ضلع آدم ليحتويها !
لتكون مكانها بين أحضانه يحميها !
خلقت من ضلع أعوج لو استقام ابتعد !
و لو أقمته أنت كسرته ، و أن اهتممت به برقة أقام لك حياتك !!
فهنيئا لكلاكما بهذا الاعوجاج !!
اعوجاج يحمي القلب و يزيد القرب .
اعوجاج العاطفة !!
بعد قليل ابتعدت و هي تشعر بالحرج ، بينما هو ابتسم !!
حاولت ابعاد الخجل عنها فقالت أول ما خطر على بالها : ..
-لم تقل لي كيف دخلت الشقة هكذا .
-بالمفتاح !
-وكيف أتيت به !
-وقع من يدك البارحة عندما حدث ما حدث ، و فقدِ الادراك ، هل نسيتِ ؟
" وقع من يدك ..... فقدت الادراك "
هبت واقفة و قالت بصوت مرتفع: ..
-مهلا
-ما الأمر ؟
-هذا هو الأمر كله يا بلال ؟!
-أي أمر ؟
-إن فقدت رباب الوعي يمكنهم أخذ المفتاح !
أعقل كلامها , لكنه سمعها تتابع : ..
-هذا حل نصف اللغز و النصف الأخر لا حل له ..
-ممكن ! و بالنسبة للحرس هناك ألف طريقة تجبرهم على الكذب , الرشوة أو التهديد ..
-صعب ! لكنه ليس مستحيل أليس كذلك ؟
ابتسم لها مشجا ثم قال : ..  
-لكن يجب أن نجد من يساعدنا , شخص يعرف الكثير عن رباب , شخص يمكن أن يخبرنا و يبرر لنا لما ذهبت للمشفى في ذلك الوقت ... و بالطبع أخوكِ ليس الشخص المناسب لذلك ..
ابتسمت بألم , و أخذت تفكر فيمن يمكن أن يساعدهم !
ثم هتفت بضيق : ..
-ماذا استفدتِ الآن عندما أغلقتِ ألف باب و قفل على حياتك و قلبك , ما الإفادة من كتابك المقفول الآن !!
علم بلال أنها تحدث صديقتها رباب من شدة يأسها !!
بعد ربع ساعة من التفكير هتفت سمر : ..
-وجدته !! و أخيرا وجدته ...           
==============
-لا تقلق مازالت على قيد الحياة !
قالتها كات  " قطة " و على وجهها تعبير جامد , بعد أن استطاعت اسعاف رباب ! أجبروها بعد أن أفاقت على تناول بضع لقيمات تجعلها على قيد الحياة و تناول القليل من المياه و أخذت دوائها !
قالت كات بجمود :..
-نحن لا نفعل ذلك لحسنك و لكن لم يصدر أمر الرئيس بقتلك بعد ، ثم اقتربت و قالت بهمس كفيح الأفعى :..
-إنه يحب تعذيب ضحاياه أولا .
وقتها سمعوا صوت صرخات يأتي من غرفة مجاورة ، فانطلقت ضحكات من كات مخيفة حد الموت !
لم تكن رباب قادرة على فعل شيء ، فقط تستند بظهرها على الحائط في إجهاد واضح ..
بول : ما أخبار موضوع الهرب  .
جوست : أعتقد أن الموضوع قد أغلق !
كات : نعم , لقد كان أمر وجود تلك الطبيبة معنا هو الورقة الرابحة … سأذهب أنا لأرتاح , لكي أذهب إلي عملي فالواجهة الحسنة أمر هام !!
تركتهم و غادرت ، فارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه المدعو (بول) و هو يرمق رباب بنظرات ذات مغزى  !!
كانت رباب تشعر أن أصواتهم مألوفة لكن من شدة إرهاقها لم تستطع تذكر أين استمعت إليه !!
===========
غادر بلال و هو يعد سمر أنه لن يهدأ حتى يكشف الحقيقة و يعيد لها روحها الهاربة (رباب)
انتعش في قلبها الأمل من كلمات بلال , فاتجهت إلي النافذة و هي تهتف بأمل : ...
-آسفة يا رب ! نسيت أن القمر ما غاب إلا ليظهر بنور أقوى .. رضيت بقضائك يا الله مطمئنة , فارضني بكرمك و فضلك , و ارفع بلاءك عنا سريعا !
***************
أشرقت الشمس ، لكنا ربما قلوب بعضنا لم تشرق بعد !
كان مراد يفتش في العديد من الملفات في مكتب سالم الغندور بعصبية شديدة , يبحث عن أي معلومة و لو قيد أنملة حتى ..
دخلت مربية المنزل (مديحة) : ..
-سيد مراد ! إن ما تفعل ...
قاطعها بحدة :..
-اخرجــــــــي , و لا تدخلي مرة أخرى ..
جسار الجاسر
منذ قرأ اسمه في خطابها شعر بالاشتعال , يريد فقط أن يراه و يقتله بين يديه ...
يعرف فقط أي معلومة عنه و هو سينتقم منه أشر انتقام !!
جاء منذ الصباح يفتش في كل أنش من مكتب سالم الغندور ..
"""فلاش باك """
بدأ مراد يقرأ تلك الورقة التي لم تكن إلا خطاب منها ، خطاب من غناه !!
"السلام عليكم ، مرحبا يا مراد .. أنا غنا ...  أنا آسفة يا مراد .. أشياء كثيرة أريد أن أعتذر عليها ، أولها أني لم أستطع أن أقف أمامك و أوجهك و أنا أقولك هذا الكلام .... آسفة على تلك الشهور الصعبة التي قضيتها معي ... آسفة أني لم أخفف عنك ألمك , بل ضاعفت آلامك و مشاكلك ، آسفة لأنك بذلت كل جهدك كي تزرع في قلبي الشجاعة ، لكني فقط اختبأت خلف جدران خوفي حتى منك أنت .. لم أكن مستعدة لأتقبلك ، فتهربت منك ... كنت خائفة منك و عليك .. خائفة من نفسي و مشفقة عليها .. أنت ضحية امرأة ، و أنا ضحية رجل ، رجل قضي على كل جميل فيّ , قطف ورود عمري قبل أن تتفتح أزهارها ... لم أعد أثق في كوني أنثى بل أشك حتى في كوني من الأحياء ... لم أخبرك أني تذكرت كل شيء عن زواجي الأول لأني لم أرد أن أتذكر , لم أستطع مواجهة كل تلك الذكريات .. تذكرت يوم صرحت لي بأني غناك وحدك ، تذكرت معها كلماته السادية أنتِ ملكي وحدي ، طوع يميني ...  "
شعر مراد بأثر على الورق , فعلم أنها كانت تبكي ، شدّ على قبضة يده و تابع القراءة " جسار الجاسر .. اسما على مسمى , هو كذلك جاسر القلب ، أخشى أنا ألقبه برجل فتغضب مني الرجولة .. هو من جعل مني أجبن مخلوقة على وجه الأرض ، أخاف الحشرات و الفئران لأنه كان يحبسني معهم وحدي ، أخاف الظلام لأن أيامي كانت معه أظلم من الظلام ذاته ، أخشى الضوء لأني يوم فكرت أنا أراه كان مصيري أن ألقى من النافذة التي فتحتها ، كنت أخاف أن أستحم لأنه كان يأتيني قبل أن أنتهي يوشم جسمي باسمه ، و كلما قاومته يكن عقابي أقسي ، معه دعيت في كل صلاة أن يأخذ الله أمانته و يرحمني ، كنت أقبل يديه و قدميه فيزداد في ضحكه و يعذبني أكثر يا مراد .... هل تعلم ما سبب الكدمة التي كانت في وجهي ْ يومها كان فارض عليّ عقاب ألا أشرب و لا أكل و لا أتحرك ، كنت سأقع فاستدنت على الحائط ، فغضب ظل يضرب فيّ ْ حتى كسر إحدى عظام وجهي .. فسامحني لأني يوما لم أثق بك .. تمنيت و لم كانت الثقة تشترى لاشتريتها من أجلك بكل ما أملك يا مراد .. لكني حقا كنت أشفق عليك حتى لا ترى يوما جسدًا لا تُميز ملامحه من كثرة الجروح و الحروق .. هذه حقيقة جسد صاحب السوط فلم يكونا يفترقان ، صوت رنة السوط على جسدي كانت اللحن الوحيد الذي أحظى به في حياتي ... كان يكره المطفآت فكان جسدي أقرب لسيجارته من السجاد ... عذرا فقد تمنيت أن أمنحك السعادة لكني لم أسمع عنها لأمنحها لك ، لكن انتظر يا مراد فقط حتى تلتئم جراحي وقتها أعدك أن ألملم جراحك ... اصطبر عليّ لكن لا ترحل .. أنت البسمة الوحيدة التي تراقصت على شفاهي ، أنت البلسم الذي وضع على جراحي .. معك شعرت حقا أني فراشة زرقاء ، و أنت كل مرادي ،أرجوك فقط أن تصطبر علي .. و أنا أعدك ... أعلم أنك مللت الوعود ، لكني لا أملك إلا أن أعدك .. لأني حقا أحبك  "
***************
في المساء ،،،
عاد بلال إلي منزل سمر و  هو ناكس الرأس ، لم يستطع أن يصل إلي أي شيء !
قابلته سمر بابتسامة أمل ، قُتلت قبل أن ترى النور بعد أن رأت تعبير وجهه !
قال بلال مفسرا :...
-و كأن اسمها أصبح من المحظورات ! لم يعد أحد يطيق سماعه ! حتى ذلك المدعو عبد الحميد الذي ظنناه الحل لمشكلتنا .
جلسوا قليلا بأسي ، قطعه طرقات على الباب ، فتحه بلال فإذا به يرى شخص لا يعرفه .
تعرفت إليه سمر سريعا :..
-أستاذ مراد ! تفضل !
جلس بالداخل ثم قال بوجل :..
-أريد أن أقابل دكتورة رباب !
نعم يريدها ! هي الوحيدة التي قد تعرف ماذا حدث ؟ هي الوحيدة التي قد تنفي هرب غنا أو تثبته ! هي التي تعرف زمرة دمها لتفييده بأمر قطرات الدماء في الغرفة ! يجب أن يتأكد قبل أن يظلمها أو يظلم نفسه , هل يتابع بحثه عن ذاك الحقير جسار الجاسر أم لا ؟! 
لم يحصل على إجابة فهتف :....
-الأمر جدي و خطير ..
"-لا أحد يعرف  "
قالها وائل الذي دلف في هذه اللحظة و هو يترنح و قد بدا في حالة غير طبيعية .
تألمت سمر فور رؤيته و عينها تحمل ألف لوم و لوم !!
رمقه بلال باحتقار .....
و قف مراد متعجبا من حالة وائل و اقترب منه و هو يقول مستنكرا : ..
-ماذا تقول !! و لما أنت بهذه الحالة !
قال وائل : ..
-اذهب من حيث أتيت .. لم يعد لها مكانا بيننا , لقد اختارت طريقها و ذهبت صوبه !
ثم أخذ يسير بخطوات مترنحة إلي غرفته بالأصل غرفتهما , فصدح صوت سمر قائلا بمرارة :...
-حقا يا أخي لقد أثبت أن الكل شريف حتى تأتي العاهرة و الكل ملحد حتى تسقط الطائرة ! 
نعم فأنت شريف ، متمسك بمبادئك ما لم تختبر مبادئك أم شهواتك و أهوائك !!
التفت وائل لسمر و تواجهت نظراتهما في عتاب طويـــــــــل ..
في حين أخذ بلال مراد على جنب و سرد له رتوش عن الموضوع ، بحيث فغر مراد فاهه غير مصدق !
-ما بال النساء هذا اليوم !!
-سيد مراد ! من فضلك !
قالها بلال بعصبية ، فسأل مراد :...
-و من أنت إذن ؟
مد بلال يده مصافحا برزانة :.
-بلال الهواري !! زوج مدام سمر .
صافحة مراد قائلا  :.
-تشرفنا !!! أنا مراد شرف الدين .
انتبها بعدة للمشادة التي ازدادت بين وائل و سمر ..
سمر : هل تعلم ! اليوم الذي ستعود فيه رباب ، سأكون أول من يقف معها لتنفصل عنك ! سأقويها حين تضعف ، سأكسر حبك ، سأجبرها على عدم سماع اسمك حتى .. لعن الله عشقا أذل صاحبه يا وائل .. لكنه للأسف دوما كان من جانبها فقط !
-لن تقسي عليّ كثيرا .... إذا عادت .
قالها متهكما ، فتابعت بغيظ :..
-إلي من أتحدث أنا ...
بلال : كفى يا سمر ! هو لا يستحق حتى عناء الحديث !
وضع وائل يده أعلى رأسه كعلامة للتحية و تركهم ..
قبل أن يغادر إلي غرفته نادته سمر كارهة :..
-لقد أرسلوا حاجيات رباب التي كانت في خزانتها من المشفى ظهر اليوم ، وجدوها فيها مظروف يحمل اسمك .. ستأخذه أم لا ....
ناولته إياه بعصبية فأخذه منها و غادرهم إلي غرفته !!
كان مراد على وشك أن يغادرهم لكن أوقفه أيضا صوت سمر :..
-سيد مراد ! هذا المظروف يحمل اسم زوجتك ! تفضل .
أخذه منها و تركها و هو يزفر من الضيق !
جلست سمر على الأريكة ، جلس بلال جوارها و قال :..
- ألن تفتحيه ؟
ثم أشار إلي المظروف الذي يحمل اسمها ، فتحته سمر بوجل و بدأت بقراءته :..
" التاريخ ****** "
-هذا تاريخ الأمس .. لما يحمل تاريخ الأمس ؟
ثم نظرت لبلال متسائلة ، فهز كتفته بمعني لا أعلم ، فتابعت القراءة ..
"صديقتي العزيزة ، اعتذر لأني سأترك لك دوري في التنظيف اليوم أيضا ... أعلم أنك ستغتاظين كثيرا عند سماع هذا الخبر و ستقولين أني دوما أفعل نفس الشيء ، لكن اليوم يوم مميز اليوم عيد مولد وائل و أريد أن نحتفل به معنا وحدنا بالخارج .. يكفي أني جعلتك و زوجك المستفز يشاركونا احتفالية أمس .. مع قبلاتي رباب "
-أنا المستفز أم هي ؟!
قالها بلال بغيظ ..
فهتفت سمر : ...
-هل هذا كل ما لفت نظرك للأمر !!!
ابتسم ببلاهة ليحتوي غضبها ، فطبت حاجبيها :.....
-أنا لا أفهم شيء .. التاريخ فعلا عيد مولد أخي و الذي كان أمس .. لكن أي احتفالية هذه .. هي مختفية قبل هذا التاريخ بيومين .
-ربما هذه أشياء كانت تفكر بفعلها جديا ..
قالها بلال بجدية  ، فأكملت سمر :..
-لو كانت تخطط لعيد مولد أخي فمستحيل أن تكون هربت .. مستحيل .. الحمد لله .. هذا دليل قوي !
-بالنسبة لنا فقط !!
==========
في غرفة وائل  ،،،
متكئا على السرير لكنه لم يغفل قط ، قرر فتح المظروف ، فوجده يحتوى على خطاب و معه دبوس رابطة العنق  فضي رائع مزين باسمه و اسمها .. نظر له بانبهار من جماله لكن ما لبث أن اختفى ذلك الانبهار و هو يضمه بين قبضة يده بعنف .. فتح الخطاب و بدأ يقرأه ، الذي كان مدون عليه تاريخ الأمس أيضا !
" عيد ميلاد سعيد !! أطال الله عمرك !! و دمت وحدك مالك قلبي الأوحد  "
شعر أنه يختنق ، فألقى بهما على الكومود جواره ، و أشاح للجهة الأخرى ، فلاحظ على الجدار صورة له و لها جوار صورة والديها ، تذكر على الفور اليوم الذي التقطت فيه و الذي أصرت أن يكون بنفس وضعية والديها !!
لثوانٍ شرد في ذكراها ، و عذب ابتسامتها !!
زفر بصوت مسموع للغاية و أغمض عينيه ، شعر و كأنه يسمع صوتها تناغشه كالعادة !!
تأفف أكثر و وضع الوسادة على رأسه ليمنع صوتها العذب من أن يتخلل ثناياه فيسكر عقله و قلبه الذي بالفعل ملك يمينها !!!
لكنه لم يرتاح أبدا ، ذكريات الثلاث الشهور الماضية تنغص عليه نومه !
تذكر كيف أحبها كما لم يحب أحد مثلها قط !
كيف كان يصر عليها ألوانا من الطعام و كانت ترفضها فيحذرها و يخبرها بجملته الشهيرة " من أخصائي التغذية هنا " كانت تتذمر كالأطفال ، و عندما يشيح بصره كانت تضعها لهنا أو سمر في طبقهما مدعية انهائها !
و كانت تبتكر ألف خدعة لتتهرب من تناول اللبن ، فيمسكها بالجرم المشهود فتلوى فمها كالأطفال .... و يضحك هو عليها بانطلاق !!!!
كيف كانت تحتضه بدون وعي و هي نائمة و كأنها تخشى أن يهرب !!
ألقى الوسادة بعنف على الأرض و هتف صارخا : ..
-اخرجـــــــــــي من رأسي ... اخرجي !
قام و خرج من الغرفة ليدلف إلي المرحاض يغسل وجهه بعنف !
فجأة سمع رنين الهاتف ....
============
في سيارة مراد ،،،
لم يذهب مراد بعد  ، فهو تشعر بتنميل و تخدر  في أطرافه , و لا يقدر على القيادة !!
حاول الاتصال على عاصم مرارا و تكرارا لعله يساعده  ، لكنه لا يجب !
شعر مراد أنه على وشك الانفجار حقا !!!
-أين أنتِ يا غنا .. أين أنتِ !
***********
متكورة على نفسها في وضع الجنين تبكي و ترتجف ، وسط ذلك الظلام الذي يجعلها ترتجف أكثر !! صوت سقوط المياه في ذلك المكان المخيف يزيدها رعبا ، مع صوت شرارات الكهرباء المنبعث من الجوار كان يميتها ذعرا !!!
وصت ضحكاته الذي يملأ الأركان و كأنه يشاهد لعبة مسلية يزيد من نحينها !
قال بصوته المرعب :..
-أوووه لقد انتهت من السيجارة .. ترى أين سأطفئها ..
ثم ضحك ابتسامته الصفراء و سقط بالسيجارة بقوة على جسدها المنكمش من الخوف ، الأمر الذي جعل غنا تصرخ من الألم ..
-آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
لتزداد ابتسامته اتساعا !!
===============
اجاب وائل على الهاتف :..
- تريدِ أن تقابلني ثانية !
-......
-حسنا ! لا .. لا أحد يعرف شيئا !! و لا حتى سمر أختي .. أنا قادم !!
ثم جفف وجهه و استعد ليغادر ، استمعت سمر لحديثه بعد أن  تركها بلال على وعد بأن يتقابلا في الغد ليعيدا نقاشهم علهم يصلو لنتيجة !!
-وائل ! إلي أين يا وائل ؟!
-ليس لكِ شأنا في الأمر .. أنا حر فيما أفعل !
-وائل ! أجب عليّ !! لا تتركني هكذا ... هل ستعود للملهي من جديد !
غادر و لم يرد عليها .. فتابعت بنحيب :..
-لما عدت يا وائل أسوء من ذي قبل .
ثم أمسكت الهاتف و قالت :..
-سيخرج الآن ! أرجوك انقذه يا بلال ! انقذه من نفسه ..
***********
سمح مراد لنفسه أن يقرأ خطاب رباب بما أن غنا ليست موجودة ..
كلها دعايات بالشفاء و اعتذارات لاب لاب لاب لا شيء مفيد ! 
فتركه و كاد أن يغادر لكنه سمع أحدهم يطرق على الزجاج الخاص بسيارته !!
************
-دكتور هشام لقد تعبت ! لقد بدأت أشعر و كننا في أحد أفلام الرعب ....
-اصمت يا عاصم !! ماذا بك .. أنت تعلم أن في المشفى خائن و لا يجب أن يعلم أننا على وفاق و الآن اسبقني للخارج و أنا سألحقك .
-أعلم كل هذا ! و من أجل الطبيبة رباب و كشف الحقيقة أنت أجلت سفرك و نقلك للفرع القاهرة .
-هذا ليس وقتا للحديث .. الدكتورة رباب زميلتنا و يجب أن نعرف من دبر كل هذا !
-لا تقلق حتى أن الجميع صدق أننا لا نصدق براءتها ، لكننا عاملنا السيد بلال بشكل سيء للغاية ..
-الغاية تبرر الوسيلة ! عما قريب سينتهي كل هذا لذا نفذ الأمر و اسبقني للخارج ..
نفذ عاصم الأمر و خرج " لأن هذا الشخص سيخرج و عليهم تتبعه "
============
كانت رباب مستندة على الجدار في اعياء واضح و هي  تناجي نفسها ..
-كل عام و أنت بخير يا وائل .. لقد أتممت عامك الرابع و الثلاثون .. مبارك يا حبيبي ! ترى ماذا تفعل يا وائل .. هل تبحث عني ... لقد فسدت الأمسيتين التي خططت لهم يا وائل .. أعلم أنك غاضب مني .. لولم أعاند و أذهب للمشفى تلك الليلة لما حدث كل هذا ... لكن حتى بدون هذا الاتصال كان يجب أن أذهب حتى آتي بهدية عيد مولدك فقد نسيت أن أحضرها من المشفى صباحا "
نعم كان اليوم التالي هو الجمعة يوم إجازة و كان يجب أن تحضر الجوابات التي كانت أعدتها سابقا لتلك المناسبة !!
"استغفر الله العظيم .. لا يا رب إن لو تفتح عمل الشيطان .. رضيت بقضاء الله "
قالتها رباب لنفسها مشجعة ، قطع خلوتها الدخول الهمجي لشخص لم تره بسبب عصبة عينها ، لكنها سمعت :..
-بول ! ماذا تفعل ؟!
-اتركني يا جوست لقد حان وقت تصفية الحساب !
-لاااا يا بول لا تفعل ..
اقترب بول منها و في عينيه يكمن كل الشر ..
*******
كان عاصم و هشام يتبعونها أينما ذهبت !
عاصم : يجب أن تنتهي  المهزلة الليلة ! لن تفلتِ الليلة يا شيماء !
كانت تدخل من شارع و تخرج من الأخر  ، في شوارع مظلمة و هذا ما ذرع الشك في قلبهما أكثر ، و كأنها تقصد الهرب منهم !
عندما وصلوا لنقطة مسدودة ابتسم هشام و قال :..
-وقعت في شر أعمالها !
وقفت هي تهتف بشجاعة خائفة :..
-من هناك ! من ....
في ثوان كان هناك سكين في رقبتها و عاصم يهتف بغيظ :..
-الآن ستعترفين بكل شيء ! لا خيار أخر لكِ .....
▪▪▪▪▪▪▪▪¤▪▪▪▪▪▪▪
اقترب وائل من المكان المنشود و قال :..
-ما الأمر ..
-هناك أوامر جديدة و معلومات أجد ..
-من جاسر !!
ابتسمت هي و هو أيضا و قال :..
-علا !......
بقلمي أسماء علام
................

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن