الفصل الثامن و الثلاثون
توقف المطر بعد أن ابتل وائل تماما ، و ابتعد عن السيارة كثيرا ، نظر حوله ، فتفاجأ أنه ابتعد كثيرا !
لم يدرك كيف أتى إلي هنا ، شعر و كأن قوى عظمى هي التي قادته إلي ذلك المكان ...
صدح صوت الأذان عاليا ، فوجد نفسه لاإراديا يدلف إلي المسجد الذي أمامه ..
دخل وائل و في داخله رهبة كبيرة لكنه دلف ..
فقابل إمام المسجد الذي انتهى لتوه من التأذين لصلاة الفجر ، قابله بابتسامة عذبة و هو يقول :..
-لقد اعتقدت أني سأصلى وحيدا اليوم ، لم أعتقد أني أحد سيأتي في مثل ذلك الجو .. أهلا بعودتك يا ابني ..
يا لها من كلمة !
عودتك .. نعم عد يا ابن أدم إلي فطرتك التي فطرك الله عليها ..
كان وائل يشعر بارتباك ..
بينما قام الشيخ بجلب منشفة يجفف شعره و وجهه كي لا يصاب بالبرد !
شعر عندها وائل و كأن والده تجسد أمامه ، فابتسم لاإراديا ففال الرجل بطيبة : ..
-أدام عليك الله الابتسامة يا ولدي .. ما رأيك يا بني أن أجلب لك شيء ترتديه كي لا تصاب للبرد .
لم يعلق وائل بل انساق خلفه ، شعر الشيخ من نظرات وائل كأنه كالغريق الذي وجد قشة ..
لما ارتدى وائل ذلك الجلباب الذي أعطاه الشيخ كان مظهره مضحك ، فضحك كلاهما كثيرا ..
-هل أنت متوضأ يا ولدي ..
-أنا .... أن..
شعر الشيخ بأن وائل ليس ممن يداومون على الصلاة ، بل من الممكن أنه لم يصلى ركعة واحدة في حياته .
فابتسم و قال مراعيا :...
-لا مشكلة .. لنتوضأ معا مرة أخرى .
تتبع وائل حركات الشيخ و هو يشعر و كأن خطياه تجرى مع الماء و كأن عاد طفل صغير ....
أقم الشيخ هو الصلاة ، و صلى هو و وائل .. وائل الذي لم تصمد دموعه أكثر فهطلت بغزارة حتى بللت موضع سجوده ..
لما فرغا من الصلاة ، استند يا وائل إلي أحد أعمدة المسجد و دموعه تبلل وجهه ..
-هل كان ذلك إحساسك يا حازم يا أخي ، لما جلبتي يا أخي في طريق الفساد و تركتني هناك و ذهبت أنت في طريق الهداية .
لاح لوائل من خلف دموعه يد الشيخ الذي مدها و هو مبتسما قائلا :..
-مازال أمامك فرصة يا بني .. فاثبت !
نظر وائل ليد الشيخ و كأن تلك طوق النجاة الوحيد ، نظر لها مطولا ، ارتسمت على محياه ابتسامة و هو يمد يده له هو أيضا ....
°°°°°°°°°
عندما اقتربت غنا من غرفتها رأت مراد يلج منها و هو يجر حقيبته خلفه ، حدقت و قالت :..
-إلي أين يا مراد ؟
نظر لها بدون اهتمام و قالت : ...
-برأيك إلي أين ؟! إلي حيث أنتمي ، بدون كذب بدون خداع .
دون إرادة أمسكت غنا يده و أدمعت عيناها دون أن تجد ما يقال ..
نظر لعينيها و هو يقول :...
-غنا ! هل تريدين أن تأتي معي ..
لم تجب ، فنزع يده من يدها و أستمر في السير .
أسرعت و أمسكت يده مجددا و تشبثت يدها به أكثر !
تنهد و قال :..
-أمامك دقيقة واحدة لتعدِ حقائبك !!
ابتسمت ابتسامة مشرقة و ركضت إلي غرفتها ..
•••••••••••••
في الصباح الباكر
وجد سالم نفسه وحيدا تماما !
غادرت غنا مع مراد .. و كذلك سمر و رباب و هنا .
شعر بشعور الوحدة القاتل ، و كأنه لم يكن حوله يوما أحد !
لكنه وجد حقيبة بلاستيكية وضعه الخادم في غرفته عندما أعاد الأغراض التي كانت في الشاليه ظننا منه أنها تخص السيد سالم !!
استغرب منها و فتحها فوجد فيها العديد من الأجندات .
فتحها بحذر و بدأ يقرأ ما خط فيها !
••••••••••••••••••••
دلفت رباب مع ابنتها و رفيقة عمرها إلي شقة والديها القديمة ، تفاجأت سمر من ذلك المنزل الذي يعج بالأتربة ..
قابلت سمر ابتسامة رباب و هي تقول :..
-إنه منزل والديّ ..
اشتاقت سمر لمنزل والديها ، كما أنها افتقدت أخيها !
بدء حملة تنظيف جعلتهم ممتلئين بالأتربة ، لما اقترب موعد العمل أخبرتها أنها يجب أن تذهب !
نعم لقد قررت أن تعود إلي سابق عهدها و يبقى ابنها في قلبها الذي يردد " اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خير منها "
سمر : و أنا سأكمل تنظيف ..
-لا ! أنت ستأخدِ "هنا " و تقابلي بلال لتضعا النقاط على الحروف ...
-رباب ! هذا ليس وقت مناسب لذلك .
قالت رباب بتأثر :..
-و هل سيعيد الحزن سليم مرة أخرى .. سليم هنا !
و أشارت إلي قلبها ، فدمعت عيناهما بتأثر ....
•••••••••••••••
في مصحى الأمل ،،،
كان دكتور ممتاز يتحدث مع دكتور عبد الحميد في أمر القسم "د"
-لم يعد هناك أي أطباء يريدون حتى النزول هناك و كذلك الممرضين .
-لا أعلم .. لكن يجب أن نتصرف .
-ماذا سنفعل هل نطرح تلك المشكلة في اجتماع مجلس الإدارة القادم .
-تلك ليست مشكلتهم .. ما رأيك أن نطلع بعض من الأطباء تحت التدريب و نستغل حماس الشباب ..
-يفتقدون للخبرة ، أعلم أن فكرة تعيين الشباب حديثي التغير كان الهدف منه استغلال طاقة الشباب لكن لا أعتقد أنه قادرين على حل الوضع ..
تحدثا و لم يصلا إلي حل ..
بعد هنية ، طلبت رباب الأذن بالدخول فسمح لها ، تعجب لفترة ، فعلم أنها تحاول أن تعود لحياتها بقوتها المعهودة لكن لن تستطيع أن تخفي لمعة الحزن في عينيها ..
-مرحبا بدكتورتنا العنيدة !! ستعودين إلي العمل و ما حدث في المرة السابقة لن يتكرر ثانية ..مفهوم
-مفهوم سيدي ! لكني أرجو منك شيئا سيدي .. أريد أن أعمل قليلا في القسم "د"
•••••••••••••••
تقابلت سمر مع بلال الذي أخبرها أنه مصمم أن يكتبا كتابهما .. العقبة الوحيدة هي اختفاء وائل ..
كما راعي بلال حالتها السيئة بسبب موت سليم ! فقرر الانتظار حتى يعود وائل إلي الساحة ..
••••••••••••••
تعجب الكل من مقدرة رباب على العودة ، لكنها لم تكن تستمع لهم ! و لا تتحدث مع أحد .
و لما تختلي بنفسها تدمع عيناها قليلا ثم تحاول السيطرة على نفسها .
..
و عندما شعرت أن الكل انشغل عنها ، أخذت المفتاح من دكتور ممتاز ، و ذهبت إلي الباب الخلفي و أسدلت عليه ستارة حتى لا يراها أحد و هي تدلف باب القسم "د" .
التفتت عدة مرات حولها و قد شعرت أن أحد يتتبعها ، و في كل مرة لا أحد ..
استطعت أن تمر عبر الزنازين عندما وصلت لزنزانة تلك المرأة التي نغصت عليها حياتها .
أمرتهم بإخراجها ، و تركوها في غرفة مغلقة مع رباب .
نظرت المرأة لها نظرات مخيفة ، من يراها يخاف و بشدة لكن رباب سبق و أن خافت منها حتى أنها ظنت بالفعل أنها أطلقت عليها لعنة .
كانت المرأة تمد يدها و كأنها ستخنق رباب ، لكنها سريعا أمسكت بكلتا يديها و كبلتها للخلف ..
و ظلت تضغط عليها حتى تألمت المرأة فقالت رباب :..
-هل هذا مؤلم .
صرخت فيها المرأة :..
-ستندمين .. اللعنة ستسحقك !!
-اللعنة ! سترين الآن ما هي اللعنة ..
ثم دفعتها رباب لتصدم بالحائط ، ثم أمسكتها من شعرها و قالت بنبرة تهديد واضحة :..
-أنا سأمحي تلك الكلمة من قاموسك ..
قالتها و غادرت الغرفة ، و قد أوصت الحراس بعدم تركها تخرج من تلك الغرفة و لا يجعلوها تلتقي بأحد .. فهي يحب إرهاب الناس !
ثم قابلت هناك رجلا غريبا يجلس في هدوء على عكس الباقي ، و على وجهه ابتسامة ساخرة باردة ، و يثني يده و كأنها سلاحا و يشير بها على الخارج و كأنه يوجهها نحو هدف ما ..
طلبت رباب ملف تلك الحالات و قبعت في غرفة وحيدة تقرأها بتركيز ..
================
بعد مرور شهر ،،،
وقفت رباب أمام صورة ابنها و على وجهها ابتسامة حزينة رافقت بعض الدمعات
-مر شهر كامل على فراقك يا بني ! و مازال قلبي يأن في بعادك , إنا العين لتدمع , و القلب ليحزن لكننا لا نقول إلا ما يرضى الله و إنا بفراقك يا حبيبي لمحزونون ... إنا لله و إنا إليه راجعون .
شعرت ببعض الدوار فوجدت يد تربت على كتفها و تهمس :..
-في ذمة الله ! ادعِ له يا رباب .. ادعي له !
-سيبقى دائما في قلبي !! ستبقى ذكراه في عقلي , و سيظل لساني يذكره ما حييت !!
قالتها رباب ثم كففت دمعاتها ، و قالت :..
-هل وجدتِ عمل .
أجابتها بابتسامة :....
-نعم في المدرسة القريبة و سأقدم أوراق "هنا " هناك .
-جيد !
صمتت رباب قليلا ثم قالت :
-و هل هناك أخبار عن بلال ..
-مازال يحاول و يكافح ليعيد مصنعه من جديد .. و قد سألني إن كنت أوافق على الإقامة معه في شقة والديه فقد باع شقته ليوفر بعض الأموال ..
-و أنتِ طبعا وافقتِ ..
أومأت لها سمر مع ابتسامة مشرقة ، فقالت رباب بابتسامة :..
-جمع الله بينكما في خير ... ماذا تنتظران إذن لتكتبا كتابكما .
أظلمت ابتسامة سمر و قالت باضطراب :...
-ننتظر وكيلي ..
أغمضت رباب عينيها بألم و قالت بسخرية متألمة و قد كانت الدموع أقرب لعينها :..
-إذن ستنتظران كثيرا ..
-هو بالتأكيد سيعود .
-لقد مر شهر كامل على أخر لقاء و لم يظهر .. لو كان يريد لكان جاء .. يبدو أنه مل مني و من مسئولياتي و أحزاني .. و أخيرا عرف عن مرضي فقرر أن يبتعد نهائيا و يكمل انغماسه في ملذاته .. و كأن الذي مات كان ابني وحدي .
صمتت سمر و لم تجد ما يقال ! لكنها لا تستطيع أن تصدق هذه الافتراضات .. فهي كانت شاهدة على تغير وائل في الفترة قبيل موت سليم !!
الله وحده يعلم أين هو و ماذا يفعل ؟!
يجب أن يظهر و يعتذر أو حتى يبرر !
كانت رباب تموت داخليا !
هي فقط تريد أن تطمئن عليه !
تتأكد من أنه بخير و ليكن ما يكون بعدها !
••••••••••••••••
قاد مراد سيارته في الصباح البكر في اتجاه شركته و هو يشعر بالضيق ؛ مر شهر كامل و غنا على حالتها لم يحدث أي تقدم ، لا تتحدث معه أو مع أحد دائما شاردة أو جالسة في غرفتها مغلقة الباب على نفسها !
و هو بدأ يضيق ذرعا ، ليتها تتحدث أو تشكو أو حتى تصرخ لكن هي في تلك الحالة من اللامبالاة و هو قد بذل معها أقصى ما يستطيع من جهد ، و مع تواصل مع رباب كل ذلك الوقت و لا نتيجة .
و هو يحاول عدم خلق جلسات معها و مع أهله الذين ألحوا عليه كثيرا ليتعرفوا عليها ، فهم لم يلتقوا بها سوى في الزفاف و في عزاء سليم ، فكان مراد يتخذ من موت سليم ذريعة ، فيخبرهم أن نفسيتها سيئة منذ تلك الحادثة .
لكن الأمر لن يطول ، يجب أن يكون هناك حل جذري لتلك المشكلة و ليس مجرد حلول مؤقتة !
لما وصل أخبرته السكرتيرة أن هناك شخص في انتظاره و لكن ليس لديه موعد سابق ..
-اجعليه يدخل لدي متسع من الوقت .....
لما دلف ..
مراد : أنت ....
.............
مراد: أنت لقد رأيتك من قبل .
قالها مراد و هو يطلع عليه و قد كان يبدو عليه التوتر ، فقال معرفا نفسه :..
-أنا عماد حماد صديق وائل الذي ساعدته في أمر زوجتك السابقة سيد مراد ..
استطاع مراد أن يتذكره فقد رآه في ذلك الفيديو الذي قدمه إليه وائل ..
أشار إليه ليتخذ مقعد قريب منه و مراد يحاول أن يستشف نية تلك الزيارة .
من بعثه و لما ؟! و هل يحاول أن يبتزه ؟!
قال عماد :...
-سيد مراد أريد أن أسألك عن .. عن وائل ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!
-وائل ! لما و كيف لي أن أعرف ؟!
-سيد مراد وائل مختفي منذ شهر تقريبا و ترك المشروع الذي كان يخطط لإقامته هنا .
-و ماذا يعني هذا ؟!
-و الأسوأ من هذا أن حريق هائل نشب في مصنع الأغذية الذي يملكه وائل في القاهرة و الشرطة تحقق في الأمر لأنها أغلب الظن فعلة فاعل و أنا لا أستطيع الوصول إليه أبدا ..
-ماذا ؟!!!!!!!
روايات بقلمي أسماء علام موكا
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...