١٦

1K 35 1
                                    

الفصل السادس عشر
أسرعت رباب إلي مكتبها و أغلقت الباب , حاولت كثيرا أن تنظم أنفاسها و التقط البخاخ من حقيبتها ليستنشق الدواء ... حمدت الله سرا أن حالتها لم تتطور أثر انفعالها ..
ما حيلتي معك يا وائل ؟ أنت وجعي المشبع بعذابي !! و قد أصبحت دائي و ذلي !! أصبحت بك أعاير !!
لقد حطمتني ! فعلتها أنت و قلبي !! تأمرتم عليّ جميعا !! أنت يا وائل و قلبي و عائلتي  - التي لم تعد عائلتي - و مرضي !! فلم تبقوا على أي حول مني و لا قوة !! يا الله !!
قالتها مع زفرة حارة تشرح قصيدة عذاب روحها ..
لكنها قالت بقوة و كأنها تقنع بها نفسها أولا !!
-يكفي رباب !! انفضِ عنك الضعف كما تفعلين دوما !! لقد خلقتِ لتكونِ قوية !! سأستأنف من جديد معركتي و سأربحها .. يجب أن أربح .
في دقائق لملمت أغراضها و غادرت المشفى !!
غادرت هي من هنا على دخول مراد المشفى , لمح عاصم و نهي فاقترب منهما بسرعة ..
نهي : عاصم أنت هنا .. كنت أريد أن ...
قاطعها صوت موظفة قادمة : ..
-لقد غادرت الطبيبة رباب ألن تغادرا ..
التفتوا على صوت حركة , و بعدها رأوا أحدهم يركض خارج المشفى , فقد جن جنون مراد ..
مراد : لا ... هذه المرة لا ... لن تهربِ ..
حمد الله عدة مرات عند شاهدها و هي تركب سيارة أجرة , بسرعة خارقة كان في سيارته يتتبعها .. نزلت أمام محل ملابس , كان ليتبعها للداخل لكنها وجد لافته كبيرة تشير أنه محل ملابس للسيدات فقط .. و كأنها تنوي تعذيبه فمن بين محلات الإسكندرية كلها لم تجد إلا محل للسيدات فقط !! حقا إنها متعبة !!
لما طال انتظاره , فضل المكوث في سيارته , و بعد أن انتهت و قبل أن يلحقها ركبت سيارة أخرة أخرى و ذهبت لمحل أخر .. توقفت أمام محل لتصفيف الشعر و كسابقه للسيدات فقط .. تكرر هذا المشهد عدة مرات حتى مل مراد بحق ..... أذن الظهر ذهبت لتصلي و دخل هو المسجد المجاور لها و بمجرد أن خرج وجدها تركب سيارة أجرة مرة ثانية بل قل عاشرة ...
ركب سيارته و ظل يخبط المقود بعصبية مفرطة : .
-لن أقع في فخك مرة أخرة سألحق بك و لو اضطررت أن أجرك من شعرك أمام الناس فسأفعلها ... و إن سرت ورائك العمر كله ... فمراد شرف الدين لا يخلف وعده ... أنتِ هنا تتسوقين و تتبخترين .. و وحدها غنا تعاني .
لاحظ مراد بعد فترة أن السيارة الأجرة كبيرة نسبيا , و توقفت أمام المشفى مرة أخرى , و في خلال ثانية ركب فيها عدة أطباء و طبيبات و غادر ... تعجب مراد في البداية لكن بدأ يفهم عندما تعدوا حدود الإسكندرية بخطوط سريعة إلي القاهرة , فتلك السيارة مجهزة لنقل بعض الأطباء المغتربين!
بعد عدة ساعات من السفر الطويل الشاق , شعر مراد بالتعب , لكن الأمل انتعش به عندما غادرت أخر طبيبة عند أحد الشوارع و لم يبقى سوى رباب , فقال بانتصار : ..
-و أخيرا سنصل إلي مخبأكِ السري .. إلي منتهي ستهربين , تعبت قليلا , لكن و أخيرا نلت ما أريد , فإلي أين ستهربين بعد ذلك ..
توقفت السيارة أمام إحدى الشوارع الهادئة بعيدا عن الزحام في العاصمة .. منطقة سكنية رائقة تحتوي على كل المتطلبات الأساسية , و لحسن الحظ ليست مكتظة بالسكان , ترجل من السيارة يتتبعها على مهل .. توقفت أمام مبني حديث من طابق واحد واسع و راقي – حمد لله كثيرا فلن يضطر أن يبحث عن شقتها في عدة أدور ..
....
تقدمت نحو منزلها بابتسامة هادئة مطمئنة فأخيرا وصلت إلي منزلها .. و قد اشترت كافة المستلزمات الأساسية لتنفيذ خطتها لتفرض سيطرتها على حياتها و تعود لها سعادتها الضائعة .. لقد اشترت ملابس جديدة جذابة بألوان وائل المفضلة – ليس غريبا أن تعرف ألوانه المفضلة فهي تحفظه ككف يدها – و أقدمت على تلك المخاطرة الكبيرة بالنسبة لأي فتاة لقد قصت شعرها في تصفيفة جديدة جعلتها فاتنة .
دخلت حديقة المنزل التي ليست فيها أي حارس – حسب رغبتها – و تعجبت من ان السلسال الحديدي قد أزيل من على البوابة .. مما يعني أن وائل قد أتى , دبت الأرض بقدمها و قالت بضجر : ..
-منذ متى و هو يعود باكرا هكذا , ألم يجد سوى هذا اليوم ليعود باكرا ... أوف .
لكنها ابتسمت و قالت حسنا هذا مناسب أيضا لخطتها , فلقد أعدت الكثير من الخطط , ليست لتجلب وائل الحبيب و الزوج , بل لتجلب رجلا و تهديه إلي الطريق المستقيم , و ستمحو الغشاوة عن عينه , ليعود لربه ... و بعدها تعيد وائل الأب أيضا .. يكفي ما يشعره أولادها من غربة تجاهه ..
أثناء سيرها إلي الداخل انتابها هاجس مزعج عن سبب تواجده في المنزل قبيل المغرب لكنها طردت ذلك الهاجس باقتدار ليعود محله ابتسامة مشرقة ما لبست إلي اختفت عند دخولها عندما سمعت أصوات كثيرة بالداخل , أغلقت الباب بهدوء , و سارت ببطء شديد , ازدرت ريقها بتوتر عندما وقع بصرها على حذاء أنثوى من اللون الاصفر ... تعلم هي جيدا أنه من المستحيل أن يكون لها , فهي تكره و بشدة اللون الأصفر !!
كما أنها لا تنتعي أبدا أحذية ذات كعب عالٍ ؛ لأنها تعلم جيدا أنها ستتعثر به و من الممكن أن يقع .. بعدها سمعت صوت ضحكات أنثوية رنانة مائعة تأتي من ... من .. - للأسف – تأتي من غرفة نومها .. و صوت وائل يغازلها بكلماته المعسولة ..
أقيم عزاء قلب رباب في ضلوعها و الدعوة عامة لمن أراد الحضور ليشهد سقوطها على ركبتيها بذهول , لا تصدق مستحيل أن تصدق .. ضحك عقلها بمرارة .. و بكت سائر الأعضاء بكاء مذبوح على موت ذلك القلب المسكين بخنجر الخيانة المسموم ..
وائل !!
وائل !! زوجي !! حبيبي !!
خانني !!
أين !! في منزلنا !! في غرفتنا !! على فراشنا !!
تدفقت الدموع أنهار من عينها بدون صوت .. و ظلت تلك الضحكات المقززة ترن في أذنيها ..
لم تحتمل !! لم تحتمل !!
فرت هاربة تبكي , من انفعالها لم تستطع التنفس , حاولت أن تسيطر علي انتظام تنفسها لكنها فشلت , حتى أخر حبة دواء في البخاخ لم تجدي ثمارها و هي تتخيل من يحدث , رمت البخاخ بعنف , و ركضت تجاه البوابة الخارجية و اصطدمت بمراد الذي كان يتأهب للدخول , لكنها لم تراه من فرط انفعالها وشهقاتها العنيفة و سعالها الذي لا يتوقف  , و انفاسها التي انقطعت و هي تجري لاهثة , و الدموع تغشي عينيها , لم تلتفت حتى له بل انطلقت نحو الصيدلية بسرعة  .
تعجب مراد جدا من هيئتها تلك !! تلك المرأة الحديدية تستطيع البكاء كالبشر , ملامحها الشاحبة حد الموت تبدو كمن التفي وحشا لتوه , و ما بال أنفاسها اللاهثة  تلك تبدو كأنها تلتقط أخر أنفاسها ..
تتبعها , وجدها دخلت الصيدلية وهي تستد بكفيها على الرف الزجاجي  , لم تفتح فمها بحرف , لكن الصيدلي  وضع دواء ما في بخاخ  , و أخد يحاول أن يجعلها تستنشق منه و هو يهتف فيها ..
-سيدة رباب .. اهدئِ .. ساعديني .. يا إلهي .
مراد : ما الذي يحدث ؟!!!
-من فضلك ساعدني .... هات ذلك الكرسي .
جلبه بسرعة , كانت أعصابها هلامية غير واعية لما يحدث , لم تستجب لأمر الصيدلي بالجلوس و قبل أن يفعلها الصيدلي سندها مراد لتجلس على الكرسي , رفعا رأسها لأعلى لتفتح الممرات التنفسية , لكن الكارثة أنها لا تهدأ , و حدة سعالها لا يخف ..
الصيدلي : أرجوكِ اهدئِ أنتِ تعلمين خطورة ذلك , تنفسي .
هتف بها مراد : اهدئِ ..
لا استجابة , كان تلهث بطريقة انفعالية , كانت تختنق ... الأفكار تتصارع إلي عقلها ..
أول لقاء بها بوائل !!
ملامح وجهه التي عشقتها !!
مغازلاته الرقيقة لها و نبرته و هو ينطق اسمها برومانسية !!
زواجهما !!
معرفتها بخبر حملها !! يومها علمت بخيانته لها فلم تستطع أن تتخلى عن حبه فوجوده لها إدمان , هي ليس لديها أهل حتى لتلجأ لهم فالتزمت الصمت , و اتخذت من العمل و دراستها ذريعة حتى تنشغل عنه و تعطيه سبب لخيانتها !!
فرحته عندما علم عن حملها صدفة , حتى ظنت أنه حقا مخلص لها ..
الذل التي عاشته !!
إصابتها بمرضها المزمن و عدم معرفته عن الأمر !!
احتفالها بتخرجها وحيدة , ثاني يوم بعثت لها سمر هدية رقيقة !! و برقية غنا المهنئة .....أما هو فعرف بعد شهر و لم يبدِ الاهتمام المطلوب  !
تألمها و نوبات مرضها التي كانت تصيبها و لم تجد من يمدها بكوب مياه حتى ... إلي جانب حملها الذي كان أشد ما يكون التعب !!
يوم وضعها لطفليها عندما كانت وحيدة فقط سمر بجانبها , فرحتهما عندما علما أنها توأم .. و مفاجأة وائل عندما لم يجدها بالمنزل و شاهدها تستند على سمر أخته , و والده و والدته و هم يحملون طفليه !!
غضب والديه عندما لم يشهد ولادة طفليه و ادعاؤها بأنها  هي من لم تخبره , فسكت والده رغم معرفة الجميع بكذبها , فعندما اشتدت بها نوبات الألم و شعرت بأنها ستضع ولدها اتصلت به مرارا و تكرارا لكنه لم يجب و هي تصرخ من الألم , فطلبت المساعدة من سمر ...
أول يوم عمل لها !! و أول راتب من عملها الحقيقي بالمشفى – فرباب قد عملت حتى تعول نفسها – و المثلجات التي اشترتها , أكلت نصيبها هي و ابنائها و تركت نصيبه بالثلاجة حتى عاد و أكله و لم يسأل عن سببه حتى ؟
أول مريض شفي على يديها و عودته ليزاول حياته بطبيعية , و فرحتها وقتها !!
وفاة والديه و احتضانها له !! وقوفها بجانب أخته بعد طلاقها !
استيقاظها فزعة من النوم على جانبه الخالي من الفراش !!
مكالماتها التي تأتيها من نساءه و أصواتهن و ضحكاتهن المائعة !! حتى تغلق الهاتف في وجههن , وتصم أذنيها !
انخراطها في العمل !! و أخباره التي تصل إليها في عقر دارها و نظرات الأخرين الشامتة و أخرى مشفقة !
و أخيرا المشهد الأخير !! خيانته لها في منزلها و في غرفتها و على فراشها !!
كل تلك كانت تأتي في ذهنها كوميض من الماضي ليسيطر عليهم جميعا المشهد الأخير ويسيطر على عقلها و بصرها و روحها ..
مع شهقاتها العنيفة التي تجعل صدرها يعلو و يهبط , و لا تستطيع التنفس و سعالها المخيف , لتغيب عن الوعي !!
و عن ذلك العالم الذي ظلمها !!
و يتحول ذلك كله إلي سواد مع تحول شفتيها للون الأزرق دلالة على الاختناق .. و سط هتاف مراد و الصيدلي لها كي تصمد ..
الصيدلي : يا إلهي !! إن هذا خطير !!
تأكد من أنه مازال هناك نبض لكنه ضعيف !!
-لم تمت , لكنها على وشك .. بسرعة , ساعدني من فضلك ..
لم يكد ينهي جملته حين  شاهد مراد يحملها و يسير بها ... أشار الصيدلي لأحدهم ليهتم بالصيدلية , و لحق بمراد و ركب جواره .. بعد أن مددها في الخلف ..
كان الصيدلي ينظر في ساعته , و يخطف نظرات إليها , و يدل مراد على المشفى القريب ..
كان يقود مراد بسرعة و فجأة سأله : ..
-ما بها ؟ بالتأكيد أنت تعلم فقد أعطيتها الدواء قبل أن تطلب .
-سيدي !! ما شانك ؟ أشكرك على المساعدة لكن السيدة جارتنا و لا يحق أنـ _____
قاطعه مراد قائلا بحدة : ..
-قلت ما بها ؟ إنها قريبتي .. أخت زوجتي , فأجب بسرعة .
ازدرد الصيدلي ريقه من لهجة مراد , لكن وصولهم إلي المشفى أسكتهما ..
حملها مراد بسرعة , و طلب الصيدلي سرير نقال لها , و نقلت لقسم الطوارئ سريعا , هتف الصيدلي بالممرضة : ..
-بسرعة !! قد تموت في أي لحظة .. إنها نوبة ضيق تنفس و فقدت الوعي من خمس دقائق .. بسرعة !!
وقف جوار مراد يشاهدونها و هي تدخل غرفة الطوارئ و قد وضع على أنفها و فمها جهاز التنفس الصناعي ..
قال الصيدلي بأسي : ..
-الربو ... إنها مريضة بمرض الربو المزمن !
حملق فيه مراد بذهول إ
لم يستوعب كيف رباب العنيدة مصابة بمثل هذا المرض ! فمثل تلك المرأة القوية لا يمكن أن يتخيلها أحد على فراش الضعف كهذا ...
تذكر كيفية تحول لون شفتيها للون الأزرق و أطرافها , و انهيارها الذي لا يُعرف له سبب .
خرجت الممرضة إليهم و قالت : ..
-أنتم مع المريضة التي أتت بنوبة مرض الربو .
مراد : نعم ! ما حالتها !!
الممرضة : أزمة ربو .. الطبيب يبذل جهده بالداخل .. لكن جيد أنك وصلتم في الوقت المناسب ... هل أنت زوجها ..
قالتها لمراد الذي نفي قائلا : ..
-لا أنا قريبها ..
شعرت الممرضة بإحراج فقالت : ..
-آسفة .. لكن نحن بحاجة إلي زوجها أو أحد أقربائها لملأ البيانات .
-أنا أكون زوج أختها .. هل ..
-سيدي نريد شخص أكثر قرابة لها زوجها أو أحد والديها.. عن إذنكما !
دلفت مرة أخرى للداخل  , فالتفت مراد للصيدلي , لا يعرف ماذا يجب أن يفعل , فوجد علامة الامتعاض على وجهه مالبثت أن تحولت لسخرية و هو يقول بعدم رضى : ..
-و من أين نأتي بزوجها ذلك ؟
نظر له مراد بعدم فهم , فوضع الصيدلي يده على كتف مراد و قال  : ..
-هيا لقد جف دمي .. لنشرب بعض المياه ..
نظر مراد تجاه تلك الغرفة التي اختفت خلفها رباب و قال : ..
-لكن ..
قاطعه قائلا : ..
-لا تقلق لن تموت بسهولة إنها مقاتلة , تجاهد حتى أخر نفس , شخص مثلها لم يكن مناسب لشخص مثل وائل الأنصاري لا أدري كيف تحملته طوال سنوات ...
انتبه مراد لكلماته فتابع الصيدلي : ..
-تعال معي حتى نفكر بمن نستعين حتى نملأ تلك الورقة ..
ذهبا معا ليرخيا أعصابهما بعد كانت مشدودة تماما فليس من السهل أن ترى شخص يختنق أمامك و هو على وشك الموت , أمسك كل منهما كوب مشروب بارد و جلسا قليلا فقال مراد : ..
-بمن سنستعين ؟
-أنا مثلك أفكر .. أنا مجرد جار لهما أعمل بصيدلتي في ذلك الحي .. و بحسب علمي بجميع سكانه لا أحد ... لكن ماذا عنك ..هل أنت حقا زوج أختها ام تدعي.
قال الأخيرة بشك , فقال مراد : ..
-لا أدعي .. أنا هكذا بالفعل لكن أهلها بالإسكندرية .. أظن أن زوجها أفضل .
ضحك الصيدلي ضحكة جانبية ساخرة : .
-لا أظن أن السيد وائل الأنصاري متفرغ لمثل تلك التفاهات.
مراد بذهول : هذه تفاهات !!
-لا أريد التدخل في حياة أحدهم , لكن أن يأتي أهلها من الإسكندرية أسهل من أن يأتي السيد وائل .
ابتسم مراد ابتسامة لم يستطع منعها عقب قوله الساخر , ثم  وقف و قال : ..
-سأحاول أن أملأها .
-هيا .
ذهبا إلي الغرفة التي كانت بها فقابلا الطبيب ...
مراد : مااااااااااااذا ؟!!!!!!!!!!!! غادرت .
الطبيب : غادرت منذ خمس دقائق .. اعذراني .
مراد : عنيدة .
هز الصيدلي كتفه و قال : ..
-لن تتغير .. اسألني أنا .
-أعتذر !
قالها مراد و هو يركض مسرعا , لن يفقدها سيعيدها لتعالج غنا مهما كلفه الأمر .
كلما رأي غنا تتألم .. كلما أحس بعمق الرابط بينهما و زاد تصميمه ليأتي برباب ..
و ككل المرات السابقة لحقها و هي تركب سيارة أجرة , في تلك اللحظة لعن كل سيارات الأجرة ..
لحق بالسيارة التي دخلت رقعة من القاهرة بالتحديد حي شعبي يختلف تماما عن الحي التي تسكن فيه رباب , تعجب مراد فهو حي عادي , بسيط , فيه بعض المباني المتهالكة , و بعض عمارات سكنية عادية من عدة أدوار بدون مصاعد .. لا حدائق و لا مكان واحد يستحق أن تنظر له بإعجاب حتى .. شوارع ضيقة بشدة ؛ لذلك توقفت السيارة الأجرة في بداية الحي , و كذلك مراد ..
ظل يتتبعها حتى تذهب لوجهتها فلا يجوز أن يتحدثا في قارعة الطريق لعدة أسباب , لأنه أمر غير لائق , كما ان الشارع صاخب جدا لا يصلح للحديث الذي بينهما ...
و السبب الأهم أنه يدرك كم تلك رباب مجنونة , قد تصرخ و تتهمه اتهامات لا تصلح و تشوه سمعته فلا منطق لديها البته ..
وجدها تتحرك بصعوبة و ابتاعت دواء لها و مشت بحركات بطيئة , حتى بدأت تصعد درجات سلم لإحدى البنايات القديمة , ظلت تصعد و تصعد و بالرغم من أن رباب هي المتعبة , إلا أن مراد هو من كان يتنفس بصعوبة , حاول التخفي حتى يرى إلي أين هي ذاهبة تلك ...
لعب الشيطان بعقله , عقل رجل متحامل على النساء ... لكن صوت حازم هتف داخله قائلا : ..
-لتفعل ما تريد ... خائنة , شريفة , صابرة , مجنونة ...  حتى إن كانت ذاهبة لرجل غير زوجها حتى .. لا تهتم كل ما يهمك هو غنا التي تنتظرك لتأتي بالحل ..
رغم من أنه صعب على نخوة رجل تحمل فكرة كالتي فكر بها حيث جانب من عقله يعرف أنه ليست بهذا السوء بعد حديث كل الناس عنها ..
لكن ماذا يفعل و هو قد أصدر الحكم الذي لا استئناف فيه ... كلهن واحد .. خائنات !!
و لا يدري مراد أن حكمه قد بطل عندما استثنى منهن واحدة ... غنا !!! نعم هي استثناء , هو حتى لم يفكر بوضع اسمها بين قائمة النساء ..
كم أنت ظالم يا ابن شرف الدين !
دقت جرس الباب , و فتح لها شخص لم يتبين هويته , دخلت رباب و أغُلق الباب .
....
في الداخل ,,
جلست على الأريكة تلتقط أنفاسها الضائعة  وسط نظرات قلقة من الطرق الأخر إلي أن قالت رباب : ..
-يفضل دخولك لأن لدينا ضيف غير مرغوب فيه ..
و لم تسمح طرقات الباب لنظرات دهشة ذلك الشخص بالاستمرار , حيث دخل بالفعل بعد إشارة من يد رباب التي تحاملت على حالة الوهن و الإنهاك ..
فشخص طبيعي بعد يوم سفر سيرقد على الفراش تعبا لا يتحرك , و إن كان مريض مثل مرضها فقد يفقد الوعي لن ينام فقط ..
و في ظل تلك الظروف النفسية التي لا توصف بأقل من أنها قاتلة ...
و مع ذلك تتحمل في جلد , و لا تظهر ألم ..
فتحت الباب , في حين تعجب هو لما لم تظهر أي مفاجأة على وجهها ..
هل من الجليد صنعت ؟!!!
-تفضل !
قالتها باقتضاب و هي تتيح له الدخول ..
جلست على الأريكة فجلس على الكرسي المجاور لها , لكنها قالت ببرود : ...
-لو كان في وقت أخر لكنت قدمت لك شيئا تشربه .. لكن كما ترى أنت ضيف غير مرحب بك .
-ألم تتفاجئي!! و تسألي كيف علمت عن مكانك !
- ستعلم بالتأكيد بما أنك تتبعني من الإسكندرية ..
- كنتِ تعلمين !
-لن يخفى عليّ شيئا كهذا .
-إذن لما أتيتِ إلي هنا إذن و أنتِ تعلمين ؟!! ألا تخشين أن أخبر زوجك !!
طأطأت رأسها محاولة تجاهل التعب , قطبت بين حاجبيها بعدم فهم عندما أتم جملته , فتابع هو باستحقار عندما أخطأ فهم حركتها : ...
-حقيرة ... أنتِ تعترفين أنك جئت إلي منزل شخص أخر , أين أخفيتِ ذلك الشخص , لهذا رفضتي علاج غنا و ذهبتِ باكرا من المشفى لأنك على موعد غرامي مـ....
نهضت من مكانها , حدقت به بغضب و بترت جملته صفعتها على وجهه !!
  حاولت التنفس , حملق هو بها بغضب فقالت هي : ..
-كيف تجرأت ؟! من تظن نفسك , تحكم عليّ بما تحمله أفكارك المريضة ... أنت.. أنت ..
صوت طرقات على الباب أسكتها و ليس هذا فحسب بل جعلها ترتجف , كاد ليرد عليها و يفرغ غضبه بها ...لكنها أشارت له كي يصمت , نظر لها بشك ..
توجهت بحذر نحو الباب , نظرت من العين السحرية , فجحظت عيناها بخوف , اختبأت خلف الباب و صدرها يعلو و يهبط من الذعر , بينما جن جنون مراد من تصرفها و عقله الباطن يصور له الكثير , كاد ليتجه نحو الباب بغضب فأشارت له بيدها ألا يفعل و عيونها تحمل ألف رجاء و رجاء ..
تحامل على نفسه و اقترب ببطء و نظر للطارق من العين السحرية , فقطب في حيرة !!!
من هذا الرجل ؟ و لما يدق الباب بعنف ؟
لقد تصور أنه وائل و بذلك فسر خوفها ... لكنه شخص لم يرَه من قبل .. مل الرجل بعد فترة و لذلك غادر .
عندما توقفت الطرقات و تأكدت رباب من مغادرته حتى تنفست الصعداء , حاولت جاهدة الهدوء و تنظيم تنفسها , و قبل حدوث ذلك قال مراد بتهكم : ..
- واضح بالفعل أنك فوق مستوى الشبهات !!
كادت لتجيب , لكن اقتحام أحدهم الغرفة أسكتهما ..
دخل صاحب ذلك المنزل من الغرفة .. بل لنقل صاحبة المنزل التي لم تزد عن كونه سمر ..
تلك الفتاة خمرية البشرة ذات الوجه الدائري و الشعر البني القصير , بعد أن ارتدت ملابس مناسبة أكملتها بحجابها .
كان حالها لا يختلف عن رباب , كانت تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة , و علامات الذعر مرسومة بحرفية على وجهها , الأمر الذي جعل مراد يتسمر مكانه ..
سمر : هل غادر ؟
وقفت رباب بثبات و قالت بهدوء مناقض لحالة الذعر التي أصابتها : ..
-من يا سمر ؟
-هو !! أليس كذلك ؟! أنا لن أتحمل هذا الوضع سأتصل بوائل ليتصرف ..
بمجرد أن سمعت رباب اسمه حتى شعرت بالغضب , و تفاقم ذلك الشعور عندما أمسكت سمر سماعة هاتف المنزل لتتصل به .....

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن