١٤

833 33 1
                                    

الفصل الرابع عشر
-ألم أقل لك .. أنت لست معي , كنت أقول أننا سنزورك اليوم و لنطمئن عليك و على زوجتك ..........
فزع , و هتف بصوت يحمل صدمته على هذا الأمر الذي لم يكن يفكر فيه البته : ..
-ماذا !! لا ... لا .
-ما الامر مراد ؟ ألا تريدنا أن نأتي ؟! هل أعجبك الجلوس وحدك ..
قالها فريد بخبث , ثم ضحك هو و زوجته .. حاول مراد التفكير في حل سريع , أي حل .. أي حل ينقذه من تلك الورطة ..
فهو لا يضمن ردة فعل غنا و لا والديه إن علما بالحقيقة , خطرت في باله خاطرة فقال : ..
-بصراحة أبي , نحن نعد أنفسنا للسفر ... قضاء شـ .. شهر العسل .
ابتسم والده و قال : ..
-حسنا , و أنا و عمك سندبر الأمر .
- بإمكانك أن تجعل ذلك المهمل ( أحمد ) يتوقف عن أخذ الإجازات و يصب انتباهه إلي عمله قليلا !!
- لا تقلق .. أنا سأتصرف , لكن لا تظلمه .. فقد كان سيأتي معي فقط ليضحك عليك .. يمكن القول أنه أرد تصفية كل الحسابات القديمة .
- حسنا أبي .. وداعا .
- وداعا !
أغلق الهاتف , و هو يحمد الله سرا أن أنقذه من تلك الكارثة التي كانت ستحل على رأسه , لكنه فقط حل مؤقت ..
بدأ الخدر يسري في جسده , و العرق يتسرب من كل خلايا جسده , تحت تأثير مرضه و العقاقير الذي أخذها , شعر مراد بالفرح !!
لم أري أحدًا يفرح بالمرض سوى مراد !!
نعم فرح فهذا هو عذره الوحيد الآن كي ينام قليلا و بعدها ممكن أن يفكر  ..
ألقي نفسه على الفراش و شعر ببرودة أوصاله فتتدثر بالغطاء , و غرق في نومه ...
..................
دقت الساعة الآن الرابعة فجرا
أحدنا نائم يفكر في شهواته و الأخر يفكر في ابتلاءاته و همومه , و أخر نائم بدموع على خديه , و هناك من ينام يرتجف في سجن خوفه ,  و شخص يفكر في ما يحدث من حوله حائرا في أفعاله صوبا هي أم مجرد أخطاء سيحاسب عليها و يدفع ثمن كل واحد على حدة ..
....
في الفندق ,,,
استيقظت رباب فزعة , تنظر لساعة الحائط بذهول لا تصدق أنها نامت اثنتي عشر ساعة و قد فاتتها صلاتي المغرب و العشاء و ها هي تسمع صوت أذان الفجر .. نهضت مسرعة و وجدت أن ملابسها قد أتتها نظيفة و مكوية , قامت مسرعة تتوضأ و ارتدت ملابسها ؛ لأنها بسبب ظروف البارحة لم تتهيأ للسفر , صلت الفجر و ما فاتها من صلوات و حمدت الله أن حقيبتها لم يحدث لها شيء .. لكن هاتفها غير موجود .. تذكرت أنها كانت تتحدث فيه و تركته في سيارة عاصم ... و عند تلك النقطة تذكرت نهي ..
-آآآآآه منك يا نهي .
جلست تقرأ بعض من آيات الذكر الحكيم , و بعدها بدأت ترتب ما تنوي فعله فلقد قررت فعل الكثير اليوم .. نعم لقد قررت لهذا اليوم قرارات مصيرية وانتهى ...
.............................
كان المثل مع مراد
و قد اتخذ هو الأخر بعض من القرارات الهامة , ووجد حل مؤقت لتلك المشكلة بعد حديثه الخاص مع نفسه ..
-إذا تظاهرت أني سافرت و أنا في الشقة , فإن اكتشفوا هذا ستكون كارثة و سأفتح على نفسي بابًا لن يُغلق أبدًا و سيل من الأسئلة سينطلق في وجهي , و فرص اكتشافهم للأمر كثيرة , و ارتباطاتي كثيرة كذلك .. مثل سالم الغندور و تلك الرباب و غنا لا أظن أني سأقدر على لمّ كل هؤلاء و جمعهم في مكان واحد .. و الأدهى خارج الإسكندرية .. مستحييييل !! مهلا أنا لدي شاليه في منطقة نائية جديدة ..... نعم مكان هادئ جميل ... مناسب للراحة و إن اضطرني الأمر سأستعمل الشاليهات المجاورة و لن أستثمرها .. أظنها فكرة سديدة ...
تنهدت براحة بعد ما وصل إليه , و زفر و كأنه يخرج الهم من صدره و قال : ..
-و أخيرا .....و أنت رباب ستأتين معي لا نقاش في ذلك .. تبقى أمر واحد , كيف ستقنع فراشتك يا ابن شرف الدين بالسفر معك ؟!!
قالها و هو يحك ذقنه ثم زفر زفرة حارة , و قام من فراشه و قد شعر أنه أفضل حالا عن الأمس , لكن انتابه قلق فهو لم يسمع لها صوت منذ البارحة , فحسم أمره و قرر معرفة ما حالها .
بمجرد أن اقترب من باب الغرفة حتي سمع صوت رقيق مثلها بالداخل و كأن فراشته الزرقاء جلست على الفراش !!
مهلا زرقاء !!  لما فكر أنها فراشة زرقاء .. نعم فراشة هو منذ شاهدها تمسك يدي جدها في حفلة الزفاف شعر و كأنها فراشة برقتها و جمالها , لكن زرقاء !! لا يدري لما .. لكنه ربط كل ما فيها باللون الأزرق , لكنه شعر بها و كأنها في صفاء السماء .. و حنانها باتساع البحر .
نبهه عقله قائلا : ما الأمر مراد فكر قليلا بعقلانية ..
طرق على الباب بخفة عدة مرات بلا استجابة , و ظل يطرق : ..
-غنا .. غنا .. اعلم أنك مستيقظة ... غنا ! سأظل أطرق الباب حتى تفتحي ......من الأفضل أن تسرعِ ... غنا إن كنتِ تخططين للنوم فلا تفكرِ حتى فأنا لن أتوقف عن الطرق أبدًا ... إن كنتِ تفضلين الحديث خلف الباب فاعلمِ أني أتركك بمزاجي لأن غلق الباب ليس فكرة سديدة لأن هذا منزلي , لدي من المفتاح عوضا عن النسخة ... ثلاثة ... لكن احتراما لرغبتك , دواءك على المنضدة و يفضل أن تتناولِ الإفطار قبلها ... ملحوظة قبل أن تسألِ , رباب من كتبت لكِ هذا الدواء ... و مكافأتي على صبري عليكِ , حضرِ نفسك للسفر .. و لا نقاش في الأمر ..
قال ذلك ثم توقف عن الطرق و ذهب إلي المطبخ ..
تعجبت هي منه .. لما يتصرف هكذا ؟!!
لما يفعل كل هذا ... هي لا تفهمه و لا تصدقه و لا تستطيع أن تثق به !!
و هو أيضا غريب في تصرفاته , احتارت في سرد صفاته !
هل يكره النساء كما يدعي ؟!
أم هو رجل شهم يشفق عليها ؟!
أم هو رجل بداخله طفل مشاكس ؟!
أم هو عنيد !! أم ماذا ؟
أصحيح أنه لم يفعل لها شيء و هي فقط خائفة بلا دعي ؟ لكنها لا تستطيع الوثق به مهما حاولت ..
أفاقت من أفكارها على صوت طرقه الباب وقوله :..
-" لقد وضعت فطورك أمام الباب "
بعدها سمعت صوت خطواته فعلمت أنه غادر ..
فتجرأت و اقتربت من الباب لكنها كانت بالفعل جائعة ! بل تكاد تموت جوعا ..
فتحت الباب فتحة صغيرة و وجدت صينية عليها الفطور و هو قد غادر , امتدت يديها لتأخذ الصينية , قبل أن تصل أناملها للصينية و جدت يد خشنة تمسك بها ولا تريد تركها , ارتفعت ببصرها و لتجده هو و على وجهه ابتسامة ماكرة متسلية ..
نظرت له بحرج ، و حاولت نزع يدها من يده ، لكنه أطبق عليها ، تلعثمت و قالت : ..
-أنت .. مـ .. ماذا تريد ؟
- أريدكِ أن تخرجِ من محبسك  .. لنتحدث قليلا هل هذا ممكن .
نظرت له نظرة احتار في تفسيرها لكن كان أغلبها يبدو كخوف ، حاول تهدئة نفسه ..
لما تخاف منه ؟ هل تراه وحشًا بقرون مثلا !! أم شيطانًا سيقتلع روحها بيده ، فقال برزانة : ...
-لما أنت خائفة هكذا ؟ !! سنتحدث ...
تبتت أنظارها على الأرض و على يده التي تمسك يدها ، فتركها .. كادت لتهرب لولا أن أمسك ذراعها ليلفها إليه قائلا : ..
-قلت سنتحدث لن تهربِ للغرفة ... اسمعِ غنا أنا سأساعدكِ بدون مقابل .. و كما قلت لك ليس لي وفاق مع بنات حواء أجمع , فلا تقلقِ مني .. و الأمر برمته أني أجبرت على تلك الزيجة كمان أجبرت أنتِ عليها ... فأنا فوجئت بحفلة في بيت جدكِ زعم والدي أنها لعيد مولدي ، فاطمئني و اهدئي بالا .. فأنا لست طامع في أي شيء كل ما في الأمر أني أردت مساعدكِ فقط ..
سمع همسها الضعيف : ..
-لما ؟
ابتسم ثم قال و كأنه يحاول سحب الكلام منها عنوة : ...
-لما ماذا لا أفهم ؟
- لما تساعدني ؟
أسند رأسه للباب و قال الشرود : ..
-لأنكِ تشبهنها لحد كبير .. كان يجب عليّ مساعدتها لكني فشلت و ضاعت مني .. سأساعدك أنتِ تكفيرًا عن ذنبي في فشلي في حمايتها..
تاهت هي في عبارته .. و معناها و من هي التي تشبهها ؟
لكنه قاطع تفكيرها و أسئلتها الفضولية التي نهرها عقلها عليها : ..
-و كما وعدتك سأجلب لكِ رباب ... لكن يجب أن نسافر معا..
شارع هو بإتمام عبارته قبل أن يرتسم الذعر على ملامحها : .....
-و سيسافر معنا جدك و رباب ... فقد اضطررت إلي الكذب على والديّ حتى لا يأتيا إلي هنا .. فهل توافقين..
أومأت برأسها إيجابا .. و التفتت لتغادر لكنه لم يفلت ذراعها بعد ، و لما لاحظ محاولاتها للفكاك قال : ..
-سأتركك بعد أن تأخذِ طعامكِ و تعدينني بتناول دواكِ .
أومأت برأسها إيجابا فهز رأسه في عجز و قال : ..
-ألن تتحدثِ ..
يأس فتركها فما عاد له روح فقد فاض به الكيل فترك ذراعها فأخذت الصينية و ركضت إلي الغرفة ، فابتسم مراد لأنها على الأقل لم تنس وعدها بالطعام ، ثم قال بصوت عالٍ لتسمعه : ..
-أعدِ الحقائب ..
ثم غادر و انتظر حتى وقت مناسب و هاتف سالم الغندور و اتفقا ..
.....
لكن كان هناك أمرا يزعج سالم نفسه علاوة على موضوع غنا .. هو مسألة حساب المصرف الذي باسم غنا .. حيث أن المحامي لم يستطع الوصول لأي معلومات عن هوية صاحب الحساب .. و أمر المحامي بإعادة استئناف البحث..
=================
بدأت الحياة تدب في جميع أحياء الإسكندرية , لكنها نسيت أن تدب في جسد أحدهم  , و ليس أي جسد بل الجسد الذي طالما شع بالحياة و الإثارة و البرود أحيانا .. نسيت أن تدب الحياة فيكِ يا رباب تمشين و تركبين و تنزلين و تهيمين بآلية بروتينية لكن بلا حياة ...
دلفت إلي داخل المشفى بشموخ زائف و سط همهمات ما بين : ..
- أتت .... هششششششش
- نعم أتى هولاكو المخيف ..
- انتباه .. و إلا ستلاحظ و وقتها لا تلومن إلا أنفسكم .
- كيف يتحملونها في القاهرة طوال الشهر !!!
- أليس لديها حالات اليوم ؟
-لا لقد خرجت حالتيها الأخيرتين اليوم و لم يبقى سوى الحالة 404 , مما يعني أنها متفرغة لنا اليوم .
- لا يا الله ..... اليوم يوم عذاب .
تقدمت رباب لتعطي التعليمات عن حالة بلال و قد أمرت بعدم دخول أي أحد غرفته  و كذلك عدم ذهاب الطعام إليه .. و أمرت حارس الغرفة بالذهاب و استبدلته بحارس أنثي , لتكمل الفصل القادم من علاجه ..
كانت تعطي أوامرها بصرامة , حتى صار الكل يعملون بجدية و كأنها خلية نحل ..
.....
لاحظ الطبيب هشام  ذلك الأمر و قد بدأ يقلق فهو لا يفضل أسلوب الاستعباد هذا , فدلف غرفة دكتور ممتاز بعصبية قائلا : ...
-هل رأيت ما يحدث سيدي ...
توقف عن الحديث و هو يدقق النظر على هيئة المدير , على عكسه كان يبدو مسترخيا على كرسيه و كأنه يستمتع , و مغمض العينين , لما سمع بصوت هشام أفاق من وضعه و انتبه له قائلا : ..
-ما الأمر دكتور هشام ؟
- سيدي أنت مسترخي هكذا و تترك الطبيبة رباب تتصرف كيف تشاء , لقد حولت المشفى لخلية نحل ... ما هذا التي تفعله و هكذا نحن نضغط على الموظفين و الأطباء .. هذا لا يصيح .
قال المدير برزانة و هو يشير له كي يجلس : ..
-اهدأ يا هشام .. اعلم أنك الرجل الثاني هنا بعدي فيجب أن تتحلى بالتعقل و التميز بين الأمور .. بالنسبة لي أنا أتمني أن تأتي الطبيبة رباب كل يوم .. ما لاحظته أنا و عجزت أنت عن رؤيته –بسبب سخطك الغير مبرر على رباب- هو أن رباب لم تجبر أحد أو تتدخل في عملهم , هم من يفعلوا ذلك بمحض إرادتهم بفعل الرهبة منها , إن الشخص الذي يأتي بالتفاهم و المودة و الاحترام يعمل بمفرده و لا يحتاج لمن يرهبه حتى يعمل و ما عدا ذلك لا يليق بهم سوى هذا الأسلوب ..تحرر من حقدك و افهم الحقيقة و أنا لا أفهم لما أنت مصر على أن تتعامل معها هكذا يا دكتور هشام ..
- سيدي أنا لا أتعمل معها البته .. طريقتنا و أساليبنا مختلفة .
- أنت فقط تُحمل الأمر أكثر من اللازم ........ سأتركك تفكر و اعلم يا هشام إن من بعدك مباشرة رباب , يمكنكم الانسجام و تحقيق أكبر استفادة و إفادة لعملك ...
- حسنا .. أنا ذاهب لعملي سيدي .
-اذهب ! و فكر فيما قولت ..
..............................
خرج هشام و في ثنايا سيره لاحظ هذا الحديث عند مكتب الاستقبال ..
موظفة 1 : أوف .. تلك الهولاكو  لن تتوقف عن تصرفاتها , لقد ضقت ذرعا بها .
موظفة 2 : اصمتِ ألا تعلمين أنها لا تترك مكان لا تشرف عليه ..
موظفة 1 : و كأنها ترتدي طاقية الاخفاء .
موظفة 2: هههههه .
موظفة 1 : أريد أن أعلم كيف يحتملها زوجها .
-توقفِ و ما دخلك أنتِ ؟
- الأمر وكأنها تتدخل في عملي بدون وجه حق .. لما ذلك الارهاب .
" إن كنتِ تقومين بعملك بما يرضي الله , فلن تكوني بحاجة لمن يرهبك "
نظرا في اتجاه الصوت الذي انطلق كرصاصة المدفع من فم رباب في وجههم , أخذ يزدردن ريقهن ببطء و توتر .. لكنها تجاهلتهم و أكملت طريقها في حين صادفت الطبيب هشام , فنادت عليه : ..
-عذرا دكتور هشام .. هل لي أن أسالك ؟
- نعم !
- الحالة 99 ... المريضة (..)
قال هشام و كاد أن يفقد صبره من تدخلها في عمله : ..
-ماذا بها ؟
-لقد استأذنت و أخذت ملفها , و أود أن أستفسر لما تفضل استخدام المهدئ (...) بالذات .
- وهل سأخذ رأيك في ما سأستخدمه مع حالاتي !
-لا !!! أنت فسرت الأمر بشكل خاطئ , أنا أريد ان أتعلم منك , فلم أتعمل مع حالة مثل تلك في تاريخي المهني و أفكر بشكل جدي في التعامل مع حالة تعاني من انفصام الشخصية لأضمها لرسالتي , و قد علمت أنك أبرع طبيب تعامل مثل تلك الحالات .. فقط صدقني .
كان يبدو الصدق في حديثها : ..
-فقال ماذا تريدين أن تعرفي ..
بدأت تخبره بأسئلتها , و التي لاحظ دقتها و قوة كل سؤال , و هو يجيبها و هي تتناقش معها , و قد بدأ يتأكد من كلام المدير و من تفاهة وجه نظره السابقة عنها ,  ولما انتهوا سألها قائلا : .
-هل تريدين شيء أخر ..
دونت أخر معلومة في دفترها و قالت : ..
-لا شكرا .
-طبيبة رباب ! ماذا تنوين فعله مع حالة بلال .
-سأجعله حبيس الغرفة الآن حتى يمل , و بدلت الحارس بحارسة , و إن أراد الحصول على طعام سيضطر لان يطلبه منها ..
-خطة ذكية , لكن ماذا سيحدث إن فضل الهروب نوما .
أخذت تمعن التفكير في رأيه و قالت : ..
-وجهة نظر ... أوه .. هل بإمكانك أن تسدي لي خدمة و تطلب من غرفة التحكم أن تقوم بإعلان في غرفته فقط , لتزعجه و هكذا لن يستطيع النوم , و إن صبر على الطعام لن يصبر على الضوضاء ..
لم يستطع أن يقاوم ضحكة أن تفلت منه , فأرجع رأسه للخلف من كثرة الضحك , و هي لم تزد عن ابتسامة باهتة لا حياة فيها ثم قال : ..
-هل عملتِ في روضة أطفال من قبل ..
رمقته بنظرة باردة , و ابتسامة أخرى باهتة , كان من يمعن النظر يلاحظ أنها تختنق .. انتبها معا لصوت على المدخل , حيث كان عاصم و نهي قد أتوا لتو .. فأوقفهم الحارس ..
...
عاصم : ما الأمر ؟
-سيدي تأخرت عن موعدك 15 عشر دقيقة .. و قد أصدرت الطبيبة رباب أمرا أن من يتأخر على موعده .. سيقوم بعمل إضافي بالوقت الذي تأخره ...
نهي بانفعال : هل جننت ؟
-إنها الأوامر .. و إلا لن تدخلا ..
ابتسم عاصم و قال : ..
-إذن هذا قانونها الجديد ... حسنا
ثم نظر إلي الجانب فوجد العديد من الأطباء يقومون بأعمال مثل تنظيف الزجاج , الاعتناء بالنظافة .. إلخ .
عاصم : أرى أن المتأخرون كثر اليوم .... حسنا ما العمل المتبقي .
-قص اوراق الأشجار .
-هل هناك ما أرتديه على ملابسي ..
نهي بذهول : ماذا ؟ هل ستفعلها ..
عاصم بلا مبالاة : إنه القانون .. ههه .
انفعلت نهي , و أفلتت من الحارس و هي تتأهب لتتشاجر مع رباب .. لكن رباب ذهبت لعملها و تجاهلتها ... كلما حاولت نهي محدثاتها ، تتهرب رباب منها بذريعة العمل ، ليترسخ الغضب على ملامح نهي أكثر ، في حين أنهي عاصم عقابه و شرع في أداء عمله و كذلك نهي .. و رباب في انتظار أي ردة فعل من بلال ...
بعد ٣ ساعات من الضغط على بلال و أخير طلب من حارسة الغرفة مقابلة الرأس المدبر لكل تلك المصائب و الازعاج ، فتح الباب بعنف ، ففزعت الحارسة لتهب واقفة ، فقال بصوت غاضب :...
-أخبروا سيدة لعب الأطفال أني بانتظارها ....
قالت بصوت ضعيف مرتجف : ..
-م.. من تقصد ؟
لاحظت الحارسة تحول نظرات عينيه للقتامة و كأنه عينيه مثبتة تكاد تقتل من تصوب نظراتها عليه بسهام مشتعلة استمدت اشتغالها من نيران غضبه الهائل ، فالتفت الحارسة لترى إلي من يصوب نظراته ، فوجدتها رباب بذاتها تقف و تتحداه  بدرع عيونها الرمادية (قريبة من اللون الأسود ) لتكسر سهام نظراته الغاضبة بفعل صلابة درع ثقتها ... تقدمت منه بثبات و هي تضع يداها في جيبي البالطو الطبي .. أشارت للحارسة كي تنصرف , رمقها بلال بنظرة حارقة و هو يردف : ..
-هل انتهيتِ من لعب الأطفال خاصتك .. يكاد رأسي ينفلق نصفين من الصداع .
- عنادك سيودي يوما بحياتك ليس برأسك فقط , كنت تستطيع أن تدق الباب , و تطلب من الحارسة أن تنادي عليّ منذ 3 ساعات .. لكنك فقط تعاند و إن كنت أنت عنيد فأنا و العند إخوة أشقاء من أب شديد الكبرياء و أم قوية العزيمة و الاعتزاز , هل لك أن تتصور شكل الخليط ..
قال بانزعاج و هو يضع يديه على أذنيه : ..
-أوقفِ ذلك الازعاج ... آآه .
أمسكت جهاز إرسال صغير و قالت : ..
-كفى !!
فتحت باب غرفته و أشارت له بمعني " ادخل "
دلف وهو يزفر ضيقا و جلس على الأريكة فأمسكت الكرسي و جلست في قابلته , و قبل أن تبدأ بادرها هو بسؤال : ..
-هل لي أن أفهم لما تفعلين مثل تلك التصرفات الطائشة ..
- و هل لي أن أفهم لما تعاند بعدما حدث البارحة ..
قال لها بغضب غير عابئ ما تحمله جملته من معني : ..
-هل تظنين إن ما حدث يعني شيئا ... فقط أنا لا أريد أن أفقد حياتي و ما بقى من عمري في السجن من أجل واحدة مثلك لا تستحق التضحية ..
قالها ثم زفر زفرة حارة , ابتلعت رباب تلك الإهانة و ازدردت ريقها لتحافظ على هدوئها و قالت بصوت قوي , تزداد نبرته كلما تحدثت أكثر : ..
-إذن أنت تريد أن تسير الأمور على هذا النحو .. حسنا , سيد بلال أنا جمعت عنك معلومات أكدت لي أنك مستقبلك المهني باهر , لكن ما حدث معك و أدي إلي رقودك في مشفانا قد أفقدك الكثير , و إن لم تنهض و تلملم شتات نفسك فلن تقوم لك قائمة مرة أخرى .. أنت الآن في القسم " ب " بمعني أن حالتك ليست بالعادية , و ما حدث البارحة و الذي لا يعني لك شيئا , بسببه أنا منعت نقلك المحقق للقسم "ج" بمعني أنك وقتها لن تخرج من هنا أبدا ... ماذا تريد أن تظل أنت هنا بينما تظل من سببت لك تلك الحالة حرة طليقة تفعل ما تريد و تستمتع و تبقى أنت الضحية الوحيدة  , و لكن ضحية نفسك فقط لا أحد أخر .. إن اردت الخروج فأنا سبيلك الوحيد .. ما رأيك ؟
صمت صمتا طويلا .. طويلا جدًا حتى ملت هي فأعصابها أصبحت تالفة للغاية و بسبب الضغط المتزايد عليها أصبحت لا تحتمل  , فهتفت به قائلة بانفعال : ..
-ماذا ؟!!!! فيما تفكر .... سأقرر أنا عنك , لتظل هنا حتى تتعفن بين جدران المشفى , أو حل أخر .. اهرب و اقتل كل النساء , نعم و لتكن سفاح النساء .. هذا حل أفضل ... ما رأيك ان تبدأ بي .. هيا لما أنت واقف هكذا هيا اقتلني .
كان واقف كصخر لا يتزحزح , لا يرمش له جفن , متذبذب بين أفكاره , متضاربة هي مشاعره , لا يدري أهي فعلا تتحدث عنه , عن حياته , عن مستقبله ...
و كان بتقدمها تجاهه الآن تقول : ..
-تبا لك !! و ألف تبا لك !! و عمن - من المفترض – أني أتحدث .. عن مستقبلك الذي سيدفنه تحت أنقاض ماضيك المتهدم بسب فعلة امرأة فتحت لها باب قلبك فهشمته فوق رأسك و دمرت أحلام بنيتها من أجلها .
تقدمت منه حتى وقفت قباله , و عيناها تشع بتحدٍ و غضب لم يكن منه فقط .. لكنها بالفعل خرجت عن طورها .
جحظت عيني بلال بسبب مظهرها و عيناها تشع بالتصميم و هي تمسك يديه و ترفعهما من جنبه , ثم شدتهما إليها بعنف ..
كان يتسأل بداخله عما ستفعله تلك المجنونة بثياب طبيبة ؟!
لكن شعله التصميم بعينيها لم تنطفئ , جذب يديه من قبضتيها , جذبتهما أكثر ووضعتها على عنقها و أحكمت وضعهما و هتف بصوت أشبه بالصريخ : ..
-هيا افعلها .. اقتل من تجرأت على تحريرك من ماضيك الأسود لتنير مستقبلك بقنديل الأمل .. افعلها و بعثر آخر بذرة أمل في رجوعك إلي حياتك ... اقتل اليد الوحيدة التي مُدت لتنقذك من تلك البؤرة التي حبست أنفاسك فيها .... هيا افعلها ..قولت افعلها ماذا تنظر ؟؟
لم يخرجها من حالة الاهتياج تلك سوى صرخته بها : ...
-توقـــــــــــــــــــفِ

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن