٤٤

579 29 2
                                    


الفصل الرابع و الأربعون
ظلام
ظلام
ربما هو نابع من أعماقي أنا و ليس من نظري ..
صوت قطرات مياه أيقظها من غفلة العقل لتتنبه إلي عدة أشياء يحتمها الواقع !!
ماذا يحدث ؟!
أنا لا أعرف ، فقط الظلمة محيطة بي من كل جانب !
ما الأمر يا رباب افتحي عينيك فقط لتنقشع هذه الظلمة !!
لكني أفتحها بالفعل و مازال الظلام دامسا !!
كما أني أشعر بالألم الشديد يكاد ينخر عظامي .
و تلك البرودة التي تكاد تجمد أطرافي .
مهلا !
أين أنا !!
حاولت أن تحرك يدها فلم تستطع ، فعلت المثل مع قدميها لكن بلا نتيجة !
و هي تشعر بجسدها ممدا لكن ليس على فراشها الوثير ، ليس في ذلك الدفء الذي اعتادت عليه بعدما عاد إليها وائل ، تلك الصلابة التي تشعر بها ناتجة بالتأكيد عن الأرضية !!!
سمعت صوت أقدام حولها ..
قال شخص ما :..
-هل أفاقت !
نظر أخر في ساعته و قال :...
-في غضون دقائق !
تأفف الأول و قال :..
-لا أعلم ما تلك المصيبة التي جلبوها ألا يكفي مصائب حتى الآن .
-تلك الأوامر ! قالوا أنها رأت وجه أحد رجالنا و بالتأكيد ستعلم من رئيسنا و تلك مصيبة .
ثم سمعوا صوت أنثوى يقول :..
-أفاقت ؟
-لم تبدي استجابة بعد ..
سألها الأخر مستفهما  :..
-ماذا سيكون مصيرها ...
قالت المرأة باستخفاف :..
-و ماذا تعتقد ؟!
ثم أشار الرجل الأخر بيده كعلامة لسلاح و ابتسم على سذاجة زميله :..
-معروف ! النهاية المحتومة لكل من يعترض طريقنا .
جاءتها الإجابة في مقتل !  قاتلة إياها مكانها تجمدًا !
أحقا هذه نهايتي ؟!!! نهايتك يا رباب !
×××××××××
في مشفى الأمل ،،،
كان قاسم و عاصم يسيران معا في إحدى أروقة المشفى يتكلمون بشكل ودي بعد أن تعمقت بينهم الصداقة ..
قاسم :عاصم ! هل ترى أن هناك أمر مريب في المشفى اليوم .
-نعم ! عدد كبير من الأطباء اليوم متأخرون عن الموعد .
-يبدو أن عدد المعاقبين اليوم سيكون أكبر من أي يوم يا عاصم .
-لكن أين صاحبة القانون نفسها يا قاسم .
-غريب ! هذا ليس من عاداتها ..
-لقد خرجت الكثير من الأشياء عن المألوف في الفترة الماضية .
-تبدو منزعج يا عاصم ! هل هناك خطب ما ..
لم يجب عاصم ، بل زفر بتعب ....
ربت قاسم على كتفه و قال :..
-ماذا بك يا عريس ! مازال الوقت مبكرا على حالتك هذه .
ابتسم عاصم على مداعبة قاسم ثم قال :..
-ألن نعود للعمل في فرع القاهرة أم ماذا !
-لا أعلم .. من المفترض أنك تعلم أكثر بما أنك أكثر تقربا من الدكتورة رباب   ..
زفر عاصم مرة أخرى و لم يجب فقال قاسم :..
-عاصم ! حالتك ليست طبيعية أبدا .. كما أن دكتورة نهي أيضا شاردة جدا اليوم ..
ثم ربت قاسم على كتفه مرة أخرى و قال بلين :..
-يجب أن تعرف ماذا بها .
-حسنا بعد أن أنهي الجلسة مع حالة ميسرة .. منذ أن ولتني الطبيبة رباب حالتها لم تبدِ أي استجابة , لكن أخيرا بدأت تستجيب ..
-مبارك ! بينما أكاد أجن من الحالة التي معي .
ابتسم له عاصم بتحفيز وغادر كل منهما إلي عمله !
*****
أطلق دكتور عبد الحميد ضحكة منطلقة وصلت لدكتور ممتاز لتثير حنقه فقال :..
-أتضحك يا دكتور عبد الحميد ، أنا المخطئ أني اعتبرتك صديقي الوحيد و أتيت أشكيك همي .
-و هل فقدت رباب سحرها .
-و هل أتت بالأصل ، حتى دكتور هشام سيأتيك في فرعك ، هنئا لك به ..
-أتحسدني !  لا تنسى أن لديك أفضل فريق من فرعي وانا تركتهم لك و لم اتفوه بشيء .
- حسنا يا دكتور عبد الحميد لديك الحق هذه المرة .
-أريد ان أخبرك عن أمر أفكر فيه منذ فتره .. ما رايك في إجراء تعديل بسيط على نظام الإدارة ، شيء جديد نجربه ربما يروق لنا  ..
-أبهرني بأفكارك يا دكتور عبد الحميد .
.......
بعد برهة من الزمن قرر دكتور ممتاز عقد اجتماع شمل الجميع ..
عدا من تخلفوا عنه نظرا لتغيبهم ، لظروف تباينت من شخص لأخر ..
و كان للرجال الغلبة في أمر الالتزام هذه المرة !!
دكتورة شيماء لم تحضر لسبب غير معروف ..
و رباب أيضا لسبب ليس لها دخل فيه و لا حتى تعرفه .
و بعض من الأطباء و العمال كذلك ..
كما تأخر دكتور هشام عن الاجتماع لأنه يعد أوراقه لأنه سيكون ضم الطقم الطبي في فرع القاهرة تبعا لظروف اجتماعية طرأت على حياته جعلته يغير محل اقامته كذلك !
أبدى دكتور ممتاز انزعاجه من عدم الالتزام الذي طرأ فجأة على الصرح الذي طالما كان كخلية نحل بفضل تعب و مجهود استغرق منه سنوات  !!
و ملامحه كانت توحى أنه لن يمرر هذا الأمر على خير .
ثم بعدها أخبرهم دكتور ممتاز بقرار اتخذه هو و دكتور عبد الحميد و وافق عليه مجلس الإدارة ..
و هو تبادل إداري !
مؤتمر سيكون دكتور عبد الحميد من المشاركين في فعالياته سيضطره ليمكث بالإسكندرية فترة و بالطبع لن يتوقف عن العمل هذه المدة ...
فاتفق مع ممتاز على إجراء هذا التعديل : سيتولى هو إدارة هذا الفرع و يتولى ممتاز مسئولية فرع القاهرة إلي أجل غير مسمى !!
صدمة للجميع !
و ربما بعضا من الذهول و الاستنكار !
و الخوف من القادم مسيطر على الوجوه لكن لا أحد يملك حق الاعتراض !!
اقتحام غير مسبوق لاجتماع .
دلفت ممرضة إلي قاعة الاجتماع تلهث بشدة و ذات جبين يشوبه الدماء و ثيابها المهترئة توحي بوجود كارثة ..
-النجدة يا دكتور ممتاز !
قالتها بتعب و إجهاد وشت به أنفاسها الضائعة قبل أن تنهار أرضا !
=============
صرخة مكتومة مشبعة بالألم اطلقت من فم مراد !
"ااااااااااااااااااااااااه"
و هو يشعر بالعجز التام هذه المرة ..
لقد ثقل الحمل هذه المرة ..
و قد استنزفت الشهور الماضية محزون طاقته وصبره !
شعر بالضياع يجتاحه ..
كلما واجهته مشكلة ، كان يتصداه بصبر و يجد لها حل ، و يجبرها أن تسير وفقا لقرارته !
لكن القدر لقد أصدر حكمه سابقا أن الأمر بيد صاحب الأمر !!!!! 
بينما هو لا يملك من الحول و القوة ما يعينه على فعل أي شيء .
فوجد ركبتاه تستجيب لضعفه .
ليقع جالسا عليها ، و قد مد يده لصاحب كل الحول و القوة .
دموعه التي وشت بخوفه عليها و حبه لها , لقد اطلق لها العنان في مؤازرة خالصة لذلك القلب الذي يبكى دما و يتضرع لله أن يحفظ ملكة القلب من أي سوء دون أن يتجرأ اللسان على البوح !
و ماذا يقول ؟! و بماذا سيبرر ؟!!
سيقول أن مراد عدو النساء قد قلبت حياته امرأة أضعف من الضعف ذاته !
سيقول أن كل خليه من خلاياه تخشى فقدها !!
أنه كذب على كل من يعرفهم من أجلها هي فقط ..
حتى أنه كذب عليها هي عندما أوهمها بوجود امرأة - من نسج خياله - تشبهها ، أراد أن يساعدها في صورتها هي ، حتى تقبل بمساعدته لها !!!
و هل هناك من النساء من تشبه غناه ...
تنازل و قبل على كرامته أن يمد يده لرباب رغم لسانها السليط .
لعن غباءه مئة مرة و هو يتهم نفسه أنه السبب !
كان يجب ألا يتركها ، ألا يجعلها تغيب عن نظره و لو ثانية واحدة حتى و لو غصبا عنها و حتى لو كان غاضبا منها .
و ماذا فاد الندم على اللبن المسكوب لكنه لا يستطيع فعل أي شيء ..
بلا يستطيع ..
سأنفعل أي شيء حتى أستعيدك ...
ركض للخارج متوجها نحو سيارته ليبدأ رحلة بحثه المستحيلة عن حبيبة القلب و الروح .
لن يصيبها مكروه مادامت أنفاسه ترتاب في صدره !
**************
كانت تسير برتابة و هي متشبثة بيد الصغيرة .
مِشيتها توشى بخدعة تدعيها على كل البشر " أنها حيه ترزق " لكنها لا تجد من روحها أي بقايا تخبرها بذلك .
أوصلت سمر " هنا " إلي مدرستها كالعادة ، لكنها اليوم بالذات لا تشعر بالرغبة في العمل ، حتى أنها لا تشعر بالرغبة في التنفس حتى !
لذلك طلبت إجازة لليوم !
و هي تسير في الشارع استمعت لصوت مألوف ربما سمعته من قبل ، ينادي باسمها ...
----------------
وصل وائل أخيرا للمشفى ،،،
ليجد أن هناك حالة من الهرج و المرج سيطرت على المكان ، دقق النظر ليجد طبيب يبدو عليها الهيبة و الكبر في السن يهرول ناحية الحديقة الخلفية للمشفى ، يتبعه العديد من الأصباء ، دقق النظر ليجد بعض الطبيبات يسندن امرأة يسيل من رأسها الدماء .
تفاجأ الجميع عندما وجودوا دكتور ممتاز يقترب من المستطيل المحظور يزيل بعض من أوراق الشجر ليظهر لهم أخيرا ذلك الباب الذي كان سببا في العديد من المصائب ، و كأنه باب للجحيم ..
بعد فنية جاءه العامل الذي بعثه دكتور ممتاز بسرعة ليجلب نسخة المفتاح الخاصة من مكتبه .
اتسعت عيناه على قمة اتساعها و هو يراقب ما يحدث في الداخل من أعلى دركات ذلك المنحدر الذي يقود للهاوية ، للظلام !
الحراس الأشداء المكلفين بالحراسة مدرجين بالدماء ..
بعدما فارق بعضهم الحياة وبعضهم يترنح و الدماء تسيل منه و هو يحاول السيطرة على حالة الهرج و المرج التي أصابت المساجين !
و القضبان الذي كان يحوى أكثر المجرمين شرا و أكثرهما هدوءًا ، فارغ تماما !!!
**************
وقفت سمر أمام البحر مديرة ظهرها للناس بل للعالم بالكامل !!
بالضبط عند هذا المكان الذي عرفته عن طريق الشخص الوحيد الذي دق القلب بملكيته لها .
هو الصورة المثالية التي رسمتها لفارس الأحلام قبل و بعد صدمتها الكبرى في أكرم !
تلك الصورة التي طالما تشدقت رباب أنها لن تجدها يوما ..
الآن هل حقا بلال هو نفس تلك الصورة ، أم تشوهت الصورة بسواد ملأته العيوب !
أم هل هي نفسها سمر بصورتها القديمة الحالمة !
أم هي شخص فقد قدرته على التميز بين الصواب و الخطأ !
أصبحت الظالم أم المظلوم !
الخير أم الشر !
لقد باتت تظن نفسها الآن مسخ مشوه ظالم في كل تصرفاته !
يرمى الذنب على كل الناس عدا نفسه و كأنه ليس بشر يخطأ و يصيب !!
و في النهاية ،،،
هل سترضي بتلك الحياة بعد لقاءها الأخير مع والديّ بلال أمام المدرسة ، الذي حطم كل أمالها بحياة هادئة !!
عرفت حقيقة حماتها المتسلطة و التي ستعيش معها تحت سقف واحد ، و حماها الذي يبدو ضعيف الشخصية !!
تتجبر عليها و تتعالي و هي لم تصر في بيتها حتى ، إذن ماذا سيحدث عندما تكون لديهم تحت رحمتهم !
و هل حقا ستذهبين هناك يا سمر !
لا تنسى أن اللقاء الأخير مع بلال كان كارثيا !
كلاكما ضغط بكل قوته على جرح الأخر و انتهي ..
هو داس بقسوة على جرح أكرم الذي لم يبرأ و لن يبرأ أبدا !
قد كان أكبر درس ، و أقوى صفعة من القدر لتعلمي أن الحياة ليست وردية !
ليست طوع يميننا بل نحو نسير فيها بطرق نصنعها بأيدينا تتوقف على حسن اختيارنا !
لا وجود لظروف أو مواقف لنختبئ خلاف قلاعها ممنين أنفسنا بأننا مغلوبين على أمرنا ..
هي اختارت و كفي !!
اختارت خطأ و كفي !!
و ليس لمرة واحدة بل ربما للمرتين و لكن يجب أن تكون الأخيرة ...
كفى !
ألف كفى و كفى !!
الحياة لن تعطي المزيد من الفرص و أنا ضيعتهم جميعا أو ربما هم ضيعوني أم أن طرقنا لم تتقاطع يوما !!
رغما عنها فكرت أيضا كم جرحته ، و هو من قبل جريح مثلها !!
إن كان أكرم دمرها فلابد أن ميرنا فعلت المثل ، و والدته بدورها عززت كره للنساء بتسلطها لينتهي به الأمر في حلقة سوداء يدور فيها بلا توقف  !!
لا !!! بلال ليس مجنون بل هي التي ربما فقدت عقلها عندما نعتته بتلك الصفة !!
و كأن جرج وراء جرح أفقدها عقلها و ثباتها !
تعاقبت النصال على النصال على قلب جريح منذ زمن ، فلم يزدّ إلا نزفا  ..
إلي هنا و شعرت بالانهيار ، بالفناء  ..
سنوات عمرها الثلاثون كالرماء ، ضاعت هباءً منثورا ...
تفحصت المكان بتلصص ،  فلم تجد أحدا بالجوار و كيف تجد أحدا و هذا المكان مخبئ بلال السري الذي كان يهرب فيه بمستقبله من الماضي و الحاضر و شاركها هي إياها !!!
عندها فعلت شيئا لم تستطع مقاومته أكثر !!
لم تعد تقدر على كتم شكوتها أكثر !!
فأخذت تصرخ بقوة هيجان أعماقها الثائرة بصخب !
لم تعد قادرة على كتمان الأمر أكثر !
دوت صرختها في الأفق لتندمج مع صرخات أخرى فاضحة ألم عميق مؤلم !!
(آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه)
•••••••••••••••••••••••
تلك البرودة أصبحت تحتل خلاياها كلها ليرتجف جسدها رغما عنها و هي عاجزة عن فعل أي شيء !!
تشعر بالألم الشديد بسبب يدها التي شدّت بوحشية لتُرتبط مع قدمها بقيد واحد خلف ظهرها  !!
و هي لا ترى أي من ذلك بسبب ذاك الوشاح اللعين الذي يغطى عينيها .. فقط تشعر!!
و يا له من شعور !!
و فوق هذا لا تستطيع التنفس بشكل جديد بسبب تلك اللاصقة على فمها ، فكان صوت تنفسها عاليا بشكل مخيف و كأنها على شفا جرف الموت ينتظرها لتزل قدمها فيه ..
علاوة على ذلك الألم النفسي و هي تنتظر مصير مدجج بالموت بل الموت نفسه ..
نعم لقد قالوها أمامها ، مصير من يتعدى على عملها هو الموت !!
لكن من هم بالأصل ؟!
و ما عملهم ؟!
و من هو زعيمهم هذا ؟!
و من هو رجلهم الذي رأته ؟!
كل ما رأته هذه الليلة هو باب القسم "د" و بعدها فقدت كل حواسها !!
ما هذا يا الله !!
سأجن !!
ارؤف بي يا ربي فلا أحد يسمع صوت شكوتي سواك !!
فإن لم يكن من أجلي فمن أجل هذا الطفل الذي لم يرى النور بعد !
دمعت عيناها بتأثر و هي تشعر بالقهر و الخوف !
نعم الخوف ..
رباب التي لطالما تشدقت بأنها لا تهاب شيئا و لا أحدا سوى الخالق !
دق قلبها فزعا !!
فعدما يتعلق الأمر بطفلك فإن غريزة الأمومة تفوز دون منازع  !!
في هذه اللحظة تمنت لو أنها تستطيع أن تمس بطنها لتتأكد أنه جوارها ، يشعر بها ، يقول لها :..
" أنا معكِ يا أمي أشعر بكِ ، لا تخافي و لا تحزني فإن الله معنا "
أرادت أن يضمها وائل ليخبرها أنه جوارها سيحميها ، سيفديها  ، سيمنحها الأمان كما وعدها عندما عاد لنفسه الحقيقية ....
نعم نفسه الحقيقية !! تلك النفس التي كانت تخطط أن تكافأها على صبرها و كفاحها ضد شيطانها ..
أرادت أن تكون الليلة ليلة مميزة للجميع بحفلة عائلية تضمها هي و حبيبها و ابنتها و سمر و بلال !
في محاولة لخلق ذكريات تظل خالدة للأبد في الذاكرة بعيد عن جو الخوف و التوتر الذي كان يسود حياتهم الفترة السابقة !!
ابتسمت ابتسامة ساخرة – أخفتها اللاصقة – على حالها فهي الآن ليست في أحضان زوجها كما تمنت بل في أحضان الأرضية الباردة و الصلبة و ربما ينتظرها الموت فاتحا ذراعيه !
صدق رب العزة عندما قال " و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله "
عندما جاش صدرها بكل ما فيه ، شعرت برغبة قوية في الصراخ ..
صرخت بقوة لكن الصرخة لم تغادر جوفها بسبب تلك اللاصقة اللعينة ..
لكن كان هناك صوت هائل !
صوت صارخ بدوي هائل يحكي قصائد من وجع !!! و كأنه يعزف على جروح القلب بحرافية شديدة عكست تقطع نياط القلب بحسرته !!
"عااااااااااااااااااااااا"
================
تأكد وائل من إحكام باب سيارته عليه حتى لا يُسمع أثر لصوته الذي فاض بألمه في تلك اللحظة .
أصوات صراخه كانت ترن في أذنه كدوي القنابل و هو عاجز تماما عن تصديق ما قيل ..
ماذا يقولون هؤلاء الحمقى ..
رباب ، حبيبته ، زوجته ، مرشدته ..... خائنة !
لعبت دور الطبيبة المخلصة حتى تنقذ حبيبها من ذلك السجن في القسم " د"
هي الرأس المدبر لتلك الجريمة الشنعاء في المشفى .
بشهادة الحرس هي من فتحت الباب بمفتاحها الخاص ليدلف مجرمين يقتلوا الحرس و يصيبوا بعضهم فلم ينجوا سوى واحد أو اثنان  !!
ليتحرر مجرم  قاتل محترف ادعى الجنون ، و ارتمت أمامهم في أحضانه !!
كذب !!
لا و ألف لا ..
لا يمكن أن يكون خُدع بملائكيتها لتلك الدرجة ..
أي كذبة كان سيصدق إلا هذه ..
انكر و ادعي ألف سبب و ألف ألف خطأ ممكن أن يكونوا وقعوا فيه ففهموا الوضع بشكل خاطئ ..
لكن ألف دليل و دليل قُدم إليه ..
نسختان من المفتاح لا ثالث لهم إحداهما مع رباب و الأخر في يد دكتور ممتاز لم يغادر خزينة مكتبه ..
شهادة الحرس ..
اجتمعت البراهين و الشهود مع الأدلة و تبقى هي المذنبة و المجرمة الوحيدة !!
و يسقط قناع الطبيبة المثالية أمام الجميع !!
و للأسف صدق الجميع  ..
و خرج هو يرفرف كذبيح بعدما عجز عن إيجاد أي دليل !!
و يغلق الستار على صرخة مدوية و صوت ذبيح فقد الحياة و فقد حتى حق النواح عن حب ضاع بدون دليل !!!
"آآآ آآآ آآآ آآآ آآآ آآآ آآآ ه "
"و الف آه "
===============
كان سالم راقدا على الفراش و قد تأملت عيناه اللون الرمادي القابض للروح لجدران المشفى ، تتابع عيناه شمسا قد  قاربت على الغروب !
شعر بانقباض قلبه و هو يستشعر بأن نهاية العمر بالتأكيد مشابهة و قريبة !!
شعر بالهوان و قد مر اليوم دون أن يزوره أحد !!
لا غنا التي أحببتها بعمق الحياة !
و لا رباب التي اعتذرت لها و بكيت حتى جفت دموعي !
مد كفه للهواء و كأنه يحتضن خيالا بعينه هو فقط !!
أم 
هو فقط يحسب سنوات عمره التي اقتربت من الثمانين !
و أعماله التي كانت كرماد , اشتدت به الريح في يوم عاصف .
أو
هي كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده  شيئا و وجد الله عنده فوفاه حسابه و الله سريع الحساب .
..
ماذا أفاد كل هذا و هو يجلس كرجل بائس قد خط الزمن ألف خط على وجهه !!
انطلقت منه صرخة متألمة و أمسك بصدره عندما عاوده الشعور بالألم لتهرع إليه الممرضة و هي تنظر إلي جهاز قياس نبض القلب بقلق .....
**********************
بقلمي أسماء علام موكا

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن