13

806 33 1
                                    

عمة قرير سأصرخ
بقلم أسماء علام
الفصل الثالث عشر
سمع صوت صراخها يختلط ببكائها يأتي من داخل المرحاض , بدون تفكير وضع يده على مقبض باب المرحاض , ففتحه ليتفاجأ بها تصرخ و هي شبه مستلقيه في البانيو , جسدها العاري ينتفض و هي تمسك بالستار الذي ينسدل على البانيو , جسدها يرتجف و عرقها الغزير الذي يتقطر من جبينها يختلط بدموعها ليرسما لوحة بؤسها , هاله منظرها البائس هذا , و ألمه قلبه .
كانت ضائعة , خائفة , و كأنها تختنق , تبدو كطفلة صغيرة مذعورة , تلقت لتوها عقابًا قاسيًا .
التقط ملابس الحمام من حماله ملابس الحمام و لفها بها بسرعة , ظل يدفئها به بعد أن رفعها من المرحاض ,لتجلس جواره على طرفه , لكن تلك الارتجافة التي دبت بأوصالها لا تتوقف و هي تردد من أناتها : ...
-هو ... سيأتي ... سيقتلني ... سيفعلها ... حرقني ... هـ ..هـ ..هو ... سيأتي .. هو قادم .
كانت عيون غنا ضائعة , تنظر للأمام بذعر و تتمسك بقميص مراد و تتنفس بصعوبة و تشير لأذنها و هي تتابع : ..
-سيأتي , أنا أسمع خطواته .. ألا تسمع ..
كان صوت أنفاسها المذعورة تكاد تصم أذنه , دمعت عيناه حزنا على حالها , لم يفكر قبل أن يضمها إليه , يضمها أو بالأصح يدسها في أحضانه و لو بإمكانه أن يجعل ضلوعه سكنا لها لما تأخر أبدا ..
-أر.. أريد أن أهرب قبل أن يأتي , سيفعلها ... كان يأتي دائما بعد الاستحمام , يقتحم المرحاض و ... و .. و ..
فقدت و عيها و هو مازال يشدد على احتضانها , و لم يسعفه لسانه ليتكلم , لم يعلم عن من كانت تتحدث , و ماذا كان يفعل هذا .. لكنه أدرك أنها تتألم , ذلك الحقير الذي تتحدث عنه بالتأكيد هو سبب حالتها تلك .. لو تبين له من هو أو ماذا كان يفعل لقبض روحه في ثوانٍ و لن ينقذه أحد ..
ارتد رأسها للخلف ليعلم أنها غابت عن الوعي , مسح دموعها برقة , ثم حملها بين ذراعيه , عدل وضعية رأسها عللى الوسادة حتى تستطيع أن تتنفس , و دثرها جيدا في الفراش .
كانت تنتفض حتى وهي نائمة .
هيئتها كانت تظهر فيض حنانه المغمور في بحر تأثره بها ....
ظل يربط على كتفها , و يمسد شعرها , ثم تذكر أمر الأدوية التي كتبتها رباب و فبحث عنها حتى وجدها , و استخدم السائل الذي يستخدم لحالات إغماءها ..
بدأت تفيق , بدأت تستعيد إحساسها بالعالم الخارجي الذي أضاعته منذ عدة دقائق , أول ما رأته هو وجهه الذي ظهر عليه القلق , يديه التي تغلف يدها برقة و اليد الأخرى تمسد على شعرها التي شعرت به مبتلا ..
مراد بلهفة : غنا .. أنتِ بخير ؟ هل تشعرين بشيء ؟
ازاحت يديه من عليها , فنظر لها بتوجس , زاد خوفه وقلقه عند قولها : ..
-ما الذي أتي بك هنا .
-ألا تذكري أن...
-لا أتذكر أي شيء , أنا كانت على وشك الاغتسال ... أنت ماذا تفعل هنا ؟
قالتها ثم نهضت , لتجلس و تجد نفسها بملابس الاستحمام التي لا تتذكر كيف ارتدته , كيف ارتدته ؟!
كيف جاءت هي إلي الفراش ؟!
كيف و لما وصل هو إلي غرفتها ؟!
و السؤال الهام ماذا فعل هو بها ؟
على تلك الخاطرة هبت من على الفراش خائفة , مذعورة و قالت له حيث كان واقف هو ينظر لها بصدمة و قلق و توجس و مزيج من المشاعر : ..
-ماذا تفعل هنا .. ما الذي فعلته ؟
اقتربت منه و أمسكت بتلابيب قميصه قائلة : ..
-ما الذي فعلته ؟
تركت قميصه , و أخذت تبكي و هي تحتضن نفسها , انزعج هو كثيرا فأمسكها من كتفيها يهزها قائلا : ..
-ماذا بك يا غنا ؟ تذكري !! إنه ...
علت نبرة صوتها و هي تقاطعه : ..
-ما الذي سأتذكره بحق الله !! اخرج ..
بدأت تدفعه للخارج ...و هو يحاول التحدث معها و هي ترفض سمعه , إلي أن دفعته نحو الخارج و أغلقت الباب , ثم جلست على الأرض تبكي و تحتضن جسدها بيدها ..
ظل يدق الباب و هو يستمع لصوت نشيجها العالي : ....
-غنا افتحِ الباب .... صدقيني لم يحدث شيء ... أنتِ فقط تعبتِ و صرختِ و أنا أتيت لمساعدتك .
- و أنا لا أتذكر أي شيء من هذا .... ابتعد .
كان صوت نحيبها يصم الأذن ، فقال بنفاذ صبر : ..
-فقط قولي ماذا تريدين ... ماذا افعل كي تصدقي ؟
- أريد رباب .
- رباب !!!
- نعم رباب .. أريدها .
- لكن ...
توترت أكثر و على نحيبها و هي تقول : ....
-ما الأمر هل حدث لها شيء .. لقد رأيتها في كابوس اليوم ....
- اهدئي لم يحدث شيء لها .. لكنها ترفض ... حسنا سأجلبها لكي , هذا وعد شرف مني و مراد بن شرف الدين لا يخلف وعدا أبدا  ...
لم ترد بل أوقفت بكائها و ذهبت إلي الفراش بعدما أوصدت الباب , و ارتمت على الفراش .. دون دواء , دون راحة , دون أي شيء .. لم تثق في وعده , لن تثق في أي أحد , حتى ترى رباب بعينها ..
...............
دخل هو غرفته , و كان يشعر بالتعب و لكنه قاوم شعوره بالوهن , فأمامه العديد من التحديات التي أقحم نفسه فيها ,  و ليس مراد شرف الدين من يهرب من التحدي ..
كما أن قلقه عليها و جزعه على حالتها يزداد بمرور الوقت , و إيمانه بأنه فقط رباب من تستطيع مداوتها يترسخ أيضا ... فردد في نفسه : ..
"و ماذا بعد أيتها الفراشة "
أمسك هاتفه , ليتصل بمن يقرب للحل و لو بفرسخ ..
نعم إنه عاصم , فأجابه عاصم و كان صوته كمن يوشك على النوم : ..
مراد : السلام عليكم .
عاصم بتثاؤب : و عليكم ! خير سيد مراد , هل جد جديد ..
-أين أنت عاصم ؟ يبدو صوتك ..
- في السيارة لم أصل بعد .
- هل أتصل في وقت أخر ..
- لا .. تحدث على الأقل هكذا لن أنام و أنا أقود ... و على أيه حال لقد نامت نهى , و هذا يجعلني أكثر عرضه للنوم .
- تبدو متعب .. لم تتعب نفسك .
- لقد كان عقد قراني أمس فلم أستطع النوم البارحة و تزامن ذلك مع معاد سفرنا ..
- حسنا .. مبارك لك !
- و مبارك لك ايضا سيد مراد فأنا لم يسعفني الوقت لقولها .
- على ماذا ؟
تعجب عاصم من سؤاله , فضحك .. ثم قال : ..
-ما الأمر هل نسيت زواجك ... ههههه .
- لا ... الأمر و ما فيه ...
- معك حق أنا أيضا اريد أن أنسي زواجي من الآن .. ههههه  ... إن استمعت إلي نهي الآن سأكون في عداد الأموات .
- عاصم !
- آسف و بصراحة أستغلك لأني مللت و الطريق مازال طويلا .
- آآآه .. هكذا إذن فأنا سأستغلك بالمثل ...
بدأ مراد يتحدث بعملية : ..
-ماذا تعرف عن حالة السيدة غنا .
- أوه .. ليس بكثير , القليل من الرتوش كنت أسمعها عندما تتناقش رباب مع نهي .
-هل بإمكانك إخباري ما تلك الرتوش ..
- ليس بكلام يقال , هل يمكنك إخباري ما المشكلة , و إن شاء الله أستطيع مساعدتك ..
تردد مراد قليلا لكنه حسم أمره و قال : ..
-تنسى , تنفعل , و تنسى بعدها ما جرى .
أخد عاصم يفكر قليلا ثم قال : ..
-في الحقيقة بعض الحالات تفقد بعض الذكريات بفعل صدمة نفسية و هو ما يستدعي العلاج لأن بعضهم يجب أن ينسوا تلك الذكريات و البعض يلزم أن يستعيدوها , لكن لا أتذكر أن قالت رباب شيئا عما تقوله .
بدأ القلق يتسلل إلي مراد فسأله بتوجس : ..
-هل من الممكن أن يكون الزهايمر ..
-أغلب الظن لا .. فحالات فقدان الذاكرة غالبا عضوية نتيجة ضربة على مراكز الذاكرة في المخ , و الزهايمر غالبا مع تقدم العمر أيضا , لكن حالة السيدة غنا نفسية فلا تقلق , من الممكن أن يكون مرض اضطراب الذاكرة و الذي يكون أحيانا اختياري .
- وما الحل إذن ..
- لا أعتقد أن بيدي شيء الآن قبل أن أتعمق في الحالة .
- لا يا عاصم .. الدكتورة رباب لا غيرها من أريد ..
- لننتظر للغد إذن ..
-حسنا .
أغلقا الهاتف , مراد حائر فيما سيفعل ..
...
و عاصم لم يشغل باله كثيرا فهو كثير التعرض لمثل تلك الأمور , و مع كثرة الضغوط ثقل رأسه كثيرا و لم يعد يستطيع أن يستوعب أي شيء الآن , نظر بجانبه إلي نهي النائمة جواره , لا يعرف لما يرتسم على صفحة وجهها البيضاء  _ و كأنها القمر في بهائه _ الانزعاج !!
لما الانزعاج ؟
وجهه نهي حبيبته التي سرقت لبه منذ أول يوم شاهدها فيه بطفولتها و براءتها , و التي أصبحت اليوم – و أخيرا - زوجته لم تعرف سوى الابتسام الآن تعرف كيف السبيل إلي التجهم و الانزعاج !!
احتار كثرا فيها !! حتى أن كل تصرفاتها اليوم غريبة للغاية !! و تدفعه إلي التفكير ..
نظر إلي الطريق أمامه , و هو يشعر أن رأسه يكاد ينفجر .
=====================
شعر مراد و كأنه يختنق ... كيف السيل إلي الخلاص , هو وعدها و انتهي الأمر , يجب أن يوفي بوعده ...
غنا لا تثق سوى برباب , و رباب لا تريد العودة و لا تريد أن تعالج غنا ... و ما يبدو أن سالم الغندور هو السبب , وهو لا يستطيع أن يسئ إليه , فهو رجل فعل لعائلته الكثير ..
و كأن كل تلك الهموم لا تكفيه بجانب مرضه هذا ليأتيه ذلك الاتصال , نظر لشاشة الهاتف بصدمة , و يرمي برأسه على راحة يدها في عجز !!
نعم عجز !!
و لأول مرة مراد - من يهابه الرجال و يخشاه كبار رجال الأعمال و تجار السوق – يشعر الآن بالعجز ..
فمن المتصل يا سادة , إنهم والديه أرادوا الاطمئنان عليه , بما قد يجيبهم , لقد ضُيق الحصار عليه ... فأجاب بصوت جاهد ليرسم عليه ابتسامة زائفة .
-السلام عليكم يا أبي .
- مرحبا بني .. ما هذا تبدو مبتسم , يبدو أنني أجدت الاختيار .
أجابه بصوت يقطر تهكما : ..
-بالتأكيد ! كل ما أن فيه بسببك بالطبع .. و قل لأمي أن تتوقف عن الضحك .
أتاه صوت أمه المتعجبة : ..
-كيف علمت أنني أضحك .
-و هل تتركين فرصة ولا تضحكِ .
-هل تعلم كم قلقت عليك !  لكن الآن اطمئن قلبي .. لتسعد بني دائما .. و لأرى أحفادك حبيبي .
تأثر مراد بحديثها ! مر زمن طويل منذ سمعها تتحدث بتلك السعادة !! ماذا سيحدث إن علمت عن حقيقة الأمر !! بالتأكيد ستتدمر .. ستختفي تلك الفرحة و قد لا تعود , ليس أمه فقط , بل عائلته كلها .. أفاقه صوت والده يقول : ..
-مراد .. لما لا ترد ؟
-ماذا حدث أبي .. هل قلت شيء ؟
-ألم أقل لك أنت لست معي , كنت أقول أننا سنزورك اليوم و لنطمئن عليك و على زوجتك ..........

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن