٤١

608 26 0
                                    

بيدج روايات بقلمي أسماء علام


الفصل الحادي و الأربعون
صدمت رباب عندما لم تجد سالم بمفرده بل كان مع ابنتها " هنا " ينظران من النافذة للسماء ..
التفتا على صوت فتح الباب ، خافت "هنا " من نظرات أمها فاختبأت خلف سالم .
تذكرت رباب من الشيء الذي نسيته الآن ، لقد نست أن تصطحب ابنتها من المدرسة .
همس سالم  لهنا ليطمئنها :..
-لا تخافي يا " هنا " لن تغضب منكِ .
-ماذا تفعلين هنا يا " هنا "
تشبثت " هنا " بسالم أكثر ..
انزعجت رباب ؛ فابنتها تحتمي منها بسالم الغندور .
-" هنا " جاءت لتزور جدها ! ما المشكلة في ذلك .
-و أخذت الإذن مني أم من والدها أم من عمتها أم نفسها .. هاه أجيبِ يا " هنا " ...
-أمي ! أنتِ التي نسيتِ أن تصحبيني من المدرسة و أنا لا أعرف عنوان منزلنا الجديد ، فأخبرت السائق عن اسم جدي و هو أوصلني إلي هنا .
-و ماذا إن فعل لك السائق شيئا سيئا .. قفِ أمامي !
امتثلت الطفلة لأمر والدتها ، لكن سالم أمسك يدها و قال لرباب :..
-لا تداري على خطأكِ .... أنتِ المذنبة هي طفلة .
وقفت رباب أمامه متحدية ، و انتزعت يد ابنته منه ، و قالت :..
-و هي ابنتي أنا !
-و هل هذه تربية أم إرهاب .
-هذا أسلوبي .. هذه نتيجة تربيتك لي فرضا أنك أنفقت وقتك الثمين لتربيني .
و نظرت له نظرة ذكرته بكل ذنوبه معها !
قالت " هنا " ببراءة :..
-أمي نحن كنا فقط نتذكر سليم ، فأنتِ لم تعودِ تذكريه أو تهتمين بي بعد أن صار عندك ذلك "  النونو " في بطنك .
حدق بها سالم و قال :...
-أنتِ حامل ثانية ! و من ذلك الوغد .
-و ما شأنك ؟!
ثم استدارت لتغادر ، فأمسك معصمها و هتف :..
-ستعدين مأساة أمك مرة أخرى .
هتفت به مرة أخرى :..
-أبي لم يكن وغدا ! أبي كان ...
انتبهت هي لتلك المذكرات التي على الأريكة و كانت هي مذكرات والدها و والدتها نفسها التي كانت تبحث عنها ، و كانت واحدة مفتوحة .
-ما الذي أتى بهؤلاء المذكرات لديك ...
لم يرد عليها فقالت :..
-من الجيد أنك قرأتهما لترى كم عانيا والديّ بسببك ، لكن أخر مذكرة لكلاهما معي .. هما الذين كان قادرين على جعلك تبغض نفسك ، لتعرف كم كنت ظالما ،  كم كنت أنت السبب في موتهما ، كما تستحق أن أكرهك ..
هتف فيها صارخا :..
-رباب ! توقفي .. هل تعلمين كم هي مؤلمة كلماتك تلك ! هل تعلمين أن والدتك ماتت عقب ولادتك ، فهل قلت لكِ يوما أنك السبب في موت ابنتي ..
-إذن أنت كنت تراني على أني السبب في موت أمي أيضا ، بالإضافة إلي كوني أشبه أبي ، هل هناك سبب أخر لتكرهني أخبرني يا جدي .....
قالتها بألم ثم تابعت :..
-تذكرت ! لقد جئت لأعطيك شيئا ..
بحثت في حقيبتها ، وجدت مذكرة والدتها الأخيرة ، جوارها بعض الأوراق فأخرجتها ، و أعطتها له ..
قطب بين حاجبيه و هو يسأل :..
-ما هذا ؟!
-هذه أوراق حساب المصرف الذي أقلق منامك لأيام كثيرة ، بإمكانك الآن أن تحتفظ بها ، تعطيها لغنا ، لتفعل ما تريد .
أمسك معصمها بقوة أكثر و هو يقول :..
-هل جننتِ !
فجأة شعر بألم في صدره ، فتركها يدها و وضعها بألم علي صدره ناحية اليسار و امتدت يده ناحية كتفها الأيسر أيضا .
فزعت رباب عندما رأت تعبير الألم عن وجهه بالإضافة إلي حركة يده على موضع الألم ، بدأت تحلل الموقف  وتفكر ماذا يجب أن تفعل .
تابع كلامه رغم شعوره بالألم المهلك :..
-هل ..... هل تعتقدِ أني كنت سأجردك من حـ.. حقك الشرعـ..
لم يكمل جملته فقد شعر أن قدمه لا تستجيب ، فسقطت على الأرض يتألم ، صرخت " هنا " ، و نزلت رباب على ركبتها و هي تشعر بارتجاف جسدها ، و هي تجده يأن بصوت خافت على الأرض ، فجأة وجدت نفسها تهتف : ..
-هنا ! اخرجي و اجعليهم ينادوا على الإسعاف بسرعة ..
ثم وضعت رأسه علي فخذها , و بدأت بتدليك صدره ليدها بهدوء و حلت رابطة العنق ، و فكت بعض أزرار قميصه العلوية حتى يتنفس بعد أن عدلت وضع رقبته , و قالت بخوف حقيقي :..
-ستكون بخير ، صدقني .. ستكون بخير ....
-آآآآه !
أراد أن يقول شيئا لكنه لم يستطع من الألم ، دلفت مديرة المنزل ، فهرعت و صرخت :....
-سيدي !
هتفت بها رباب :..
-قلت الإسعاف بسرعة !
-في الطريق ..
استمرت رباب في التدليك ، بينما أمرت السيدة التي تقف خائفة أن تبحث عن اسبرين في حقيبتها الملقاة علي الأرض ،  ثم أذابتها في ماء و جعلته يتناولها ...
و أكملت تدليك برفق ، بينما لمعت عيناها بالدموع و هي تتابعه بعينيها ..
==============
كان مراد على الأريكة ، يحاول أن يسترخي ، سمع رنين هاتف على المنضدة ، وجد أنه هاتف غنا ،  و بالطبع غنا لا تخرج من غرفتها ، ابتسم بسخرية عند تذكر الأمر ، نظر لاسم المتصل فكان " دادة مديحة " فأجاب :..
-نعم ! ماذا ؟! حاضر ... حاضر ......
ثم أسرع الخطى نحو غرفة غنا وطرقها بقوة  ..
استغرب أنها فتحت الباب بسرعة ، بينما هي ظنت أنه قرأ خطابها ، بل تحدث مباشرة و قال :...
-غنا ! جدك في المشفى !
-لاااااا
كانت لا ترى أمامها ، بل كانت تضع عليها أي ثياب لتراه !
هو ما بقى لها  ؟ هو عائلتها بأكملها ؟!
هل ممكن أن تفقده !
لا ! لا  يمكن التخيل حتى ..
كانت تبكي طوال القيادة و مراد لا يعلم كيف يواسيها و هي يقود بسرعة كبيرة جدا ، لا يقدر على فعل كلاهما .
لما وصلا كان كلاهما يسرع الخطى ...
==========
كاد وائل يجن هي لا تجيب أبدا على اتصالاته ،  و قد ذهب إلي عدة أماكن ...
حتى أجابت أخيرا ، كاد ليصرخ عليها فور أن يعرف أنها بخير ، لكن مهلا هي ليست بخير إنها تبكي .. هو يسمع صوت نشيجها ، و لا يعرف ما بها فأخذ يسألها عدة مرات حتى قالت :..
-وائل ! نحن في مشفي " .. " تعال بسرعة  ..
ثم أغلقت الهاتف ..شعر أن كل الخوف الذي في الدنيا تلبسه فهي هذه اللحظة ، و هي لم تريحه بل أخافته أكثر ..
فانطلق نحو المشفى بسرعة جنونية .
¿¿¿¿¿¿¿¿¿¿¿
وصلت غنا و معها مراد للغرفة فوجدت مدبرة المنزل تقف و هي تبكي و على المقعد جالسة رباب ترتجف ، و هي تستعيد الموقف مرات كثيرة ثانية أمامها ، بعد أن سيطرت على نحيبها لكن لم تتمكن من السيطرة على ارتجافها ، و جوارها تقف " هنا " التي ترتجف بخوف و  لا أحد يضمها يطمئنها .
كان الباب المغلق , و الصمت المطلق بمثابة هاجس أثار كل مشاعر الخوف في نفس غنا .
اندهشت عندما وجدت رباب ، و لما علمت من مدبرة المنزل ( مديحة ) أنها دخلت وجدت السيد ساقط على الأرض جوار رباب و يمسك بقلبه و رجحت أنه من الانفعال ، عندها لم تعد ترى غنا أي شيء سوى أن جدها بين الحياة و الموت الآن و بسبب شخص واحد " رباب "
لا تعلم من أين أتتها تلك القوة لتجذب رباب من مقعدها لتقف في مواجهتها قائلة بغضب :..
-هل ارتحت الآن ! أكملتِ انتقامك باقتدار ... مبارك  ، لما تقفين عندكِ غادرِ  الآن .. أم أنك تريدين أن تطمئني أنه لم يبقَ سوى جثته .... ارحلي ، ارحلي .
أمسكها مراد يحاول تهدئتها لما شاهد ازدياد ارتجاف رباب ، و كم أن انفعال غنا الآن ليس في صالحها و لا في صالح جدها .
في تلك اللحظة ، وصل وائل فهرول تجاه رباب يدسها بين ذراعيه ، و هو يحميها من ضعفها قبل أن يكون يحميها من غنا !
لما شعرت به أمسكت بقميصه و هي تبكي على صدره ، تخرج كل الخوف الذي بداخلها :...
-قولي يا وائل أنه لن يموت أليس كذلك ، لن يفعل صحيح ؟!!
بينما تكفل مراد بغنا ، لكنها قالت أيضا :..
-إن حدث له شيئا ، لن أسامحك أبدا .. أبدا !!
أجلس وائل رباب على المقعد و هو خائف عليها و على طفلهما ، وجدت " هنا " تموت خوفا ، فجذبها إليه يهدئها و يحاول أن يطمئنها .
بينما وجدت رباب يدها تمتد على حقيبتها تمسك مذكرة والدتها ، أخرجتها و ضمتها إلي صدرها و كأنها تستمد منها القليل من الثبات و القوة ، شعرت بارتجاف أصابعها فخافت أن تسقط ، جاءت لتضعها في الحقيبة ، فشاهدت ورقة تكاد تقع من المذكرة ، فتحت المذكرة على الصفحة التي كانت واقعة بينها الورقة  .
كانت أخر صفحة في المذكرة وجدت أن الورقة بخط والدتها الذي حفظته عن ظهر قلب من يومياتها ، و نقل نفس الكلمات بخط مختلف ... بدأت رباب تقرأ بعينيها ..
"أنجبت اليوم فتاة آية في جمال ... كنت أتمني أنا و راضي أن ترث الجمال مني و ترث القوة منه ، لذلك أردنا أنا نسميها رباب .. القوة و الجمال .. إن كبرتي يا حبيبتي تذكرينا و لا تهملينا .. و لا تحزني أننا لم نرافقك في أسعد أوقات حياتك أو أكثرها حزنا ، لن ندعمك حين تحتاجين القوة ، لن نحتفل معك بعيد مولدك كل عام ، قريبا سألحق بوالدكِ يا حبيبتي ، فقد افترقنا كثيرا و حان الوقت لنتحد الآن إلي اللانهاية ، أرجوك يا أخي ! أن تنفذ لي أمنيتي الأخيرة و هي أن تنقل رسالتي كما هي في أخر صفحة في مذكراتي ؛ لأني أريد أن أخبر ابنتي عندما تصبح راشدة أن الحياة كما عذبت أمها أسعدتها ، و الآن أن على وشك تركها ، لكني لم أتركِ وحيدة تماما يا ابنتي ! لديكِ خالك خالد و ابنته الجميلة رنا و أخيرا سند العائلة أبي ، الذي حاول أن يكون قاسيا لكنه لم يستطع .. أنا أسامحك يا أبي فلا تحزن ، كلنا سنموت فلا تبكي .... ابنتك ستلحق بحب عمرها !! في النهاية يا ابنتي كوني قوية ، محبة ، و قليلا مشاغبة ، لا تحملي في قلبك حقدا على أحد .. فالدنيا قصيرة لا تقضيها في الغضب و الحقد "
صدح في داخلها صوت يصرخ ، يتأوه ، يبكي ، يستنجد!
أشار وائل ل" هنا " كي تظل مكانها بعد أن هدأت ، و أمسك معصم رباب ، وجذبها إلي ركن بعيد و هو يشعر بما يعتري صدرها ..
ثم ضمها  إليه ، أمسكت هي بقميصه و بكت بصوت مرتفع صدح في الأرجاء ..
-أخرجي كل ما يعتري صدرك يا حبيبتي .
-أنا لا أريده أن يموت يا وائل ..  لا يمكن أن يتركني ! رغم كل ما فعله حاولت أن أكرهه ، لكني لم أستطع ! لم أستطع ، لما يتركني الجميع .. أبي و أمي و أنت و هو .. كفي .. لا أستطيع التحمل ، أنا لست قوية ، أنا فقط أدعي القوة .
-بل أنتِ قوية ، رباب القوة و الجمال ، و من قال إني سأتركك .
ابتعدت عنه و هي تتذكر مشهده الغرامي مع تلك المرأة فقالت بألم :..
-أنا لا أريد أن أتحدث عن الأمر ! لكن ما كان ينبغي عليك أن تقوم بتلك التمثيلية الطويلة لثبت ملكيتك لقلبي و تحرز انتصار جديد لسلسلة انتصارات الغرامية فأنت تعلم أني أحبك  ..
قالتها باندفاع، فابتسم ثم ضمها بقوة و هو يقول  :..
-و أخيرا قولتها يا رباب ! لكني أعيب عليكِ يا عبقرية من يستطيع أن يحيك تمثيلية طويلة و عليكِ أنتِ ..مستحيل !
-وائل ! توقف عن اقتراف الاكاذيب لقد رأيتك أنت و تلك المرأة في المطعم .
-أعلم أني من غرست بذرة الشك في نفسك من ناحيتي ، لكن لا يا رباب ! هذا المرة عينياكِ لم ترى الحقيقة ، تلك المرأة كنت أعرفها ، امرأة حقيرة أردت أن أعود كما كنت من قبل ، و لما رفضت سعت لتطردني من عملي ! لكني و الله لم أخنك ...
نظرت له محتارة هل تصدقه أم لا !
هل هذا هو وائل جديد أم أنه مجرد خدعة من وائل القديم !
لما أرهقها التفكير ، همست بتعب  :..
-أنا أريد أن أرجع مكاني يا وائل أرجوك !
رأي وائل أنها تبدو متعبة بحق ، فأومأ لها , و قال قبل أن يذهبا و هو يحتضن وجهها بكفيه :...
-من يملك القمر لا ينظر يوما للنجوم ، قسما بمن هو الحق الذي لا إله إلا هو , أني لم أخنك و لا حتى بفكري منذ أصبحت شخصا أخر .
  هو بالتأكيد صادق ! بالرغم من أن وائل فعل كل ما هو سيء لكنه لم يحلف يوما كذبا .
أجلسها وائل و هو يشفق عليها من ذلك اليوم القاسي ، رباب بشخصيتها القوية لم تتحمل أن تشعر أنه عاد  إلي سابق عهده لذلك أخبره زميله أنها كانت تهرول إلي الخارج !
بعد لحظات خرج الطبيب الذي التفوا حوله ، فقال :.
-أزمة و مرت على خير ، حمد لله .
تنفسوا الصعداء بعد قوله ، فتابع :..
-لقد قمنا بعمل أستره للقلب و هو الآن بخير ، لكن هل قام أحد بإعطاء المريض أسبرين قبل وصول الإسعاف ..
-أنا !
نظر الكل لرباب بعد قولها ، و كادت نظرات غنا أن تحرقها ، لكن رباب قالت :..
-أنا طبيبة ! و قمت أيضا بعمل تدليك بسيط لعضلة القلب .
-أحسنتِ يا دكتورة ، فالأسبرين قد سبب له سيولة للدم و منع تحول الذبحة الصدرية إلي جلطة كانت قد تودي بحياته ! شفاه الله .. لا يجب أن ينفعل أبدا ، و هو الآن يريدكم بالداخل أخبرته أن يدخل فقط شخص واحد لكنه أصر علي أن تدلفوا إليه جميعا ! فلا تطيلوا عليه .
دلفوا جميعا إليه ..
أسرعت غنا لتمسك يد جدها , و هي تهمس :..
-جدي ! أنت بخير أليس كذلك ؟! أنا ليس لدي أحد سواك ، أنت كل ما تبقى لدي . فكن بخير من أجلي .
قال سالم بصوت بدى عليه تعبه :..
-لا ! مازال مراد جوارك .. عدني يا مراد أنك لن تتخلى عن غنا .
أومأ له مراد فابتسم لها سالم ، عندها تقدمت " هنا " قائلة :..
-يجب أن تشفي بسرعة حتى نلعب معا .
-نعم سنلعب أنا و أنتِ و سليم الصغير ..
ثم ابتسم لها و أشار لمديرة المنزل (مديحة) أن تأخذها للخارج .
بعد أن خرجت " هنا "  ابتسم سالم لرباب و أشار إلي مكان جواره على الفراش لتجلس عليه قائلا :.
-اجلسي يا رباب ! اجلسي يا بنتي أريد أن أتحدث معك في أمر هام .
  قاطعته غنا قائلة :..
-أنا أسفة يا جدي ! لطالما أخبرتني أن أبتعد عنها ، لكني لم أستمع لكلامك  !  لكنك كنت على صواب يا جدي ... و رباب لن يكون لها مكان في حياتنا بعد الآن .
سالت دموع رباب بصمت ، لكنها وجدت يديّ وائل تضم قبضة يدها باحتواء و حنان ! نظرت له بنظرات فهم منها أنها لم تعد تحتمل , فامسك يدها ليخرجا لكنه توقف على صوت سالم :...
-قلت لكِ اجلسي يا رباب !
لم ترد رباب أن تتعبه و هو مريض ، فشجعها وائل , و هو يمنحها نظرات مطمئنه .
جلست فوضع يده على بطنها بحنان  ، ثم أمسك يدها !
و لأول مرة تشعر رباب بذلك الحنان الذي يغدقها به .
ثم قال سالم بحزن :..
-للأسف يا غنا ! جدك كان على خطأ .... طوال الوقت كان على خطأ .
نظر له الكل و قال و هو يتنهد بقوة و نبرة ألم عميقه تجتاحه ثم قال :..
-سأروي لكم قصة عمرها أكثر من ثلاثين سنة ... جميعا ترون أني و حفيدتي الكبرى كالقط و الفأر و اليوم ستعلمون السر ! والدة رباب " نادية " كانت ابنتي المدللة ، كانت أصغر من خالد بعام واحد .. لطالما كان خالد يشعر بالغيرة من حبي الزائد لها و كذلك والدتها كانت تشعر بأن نادية تحبني أكثر مما تحبها ، عندما بلغت نادية التاسعة عشر أخبرتني أن شاب حديث التخرج يحبها ، رفضت ، فثارت هي و اعترضت على قراري ، كان السبب الذي ترسخ في أذهان الكل هو فقر الشاب ، لكن كان هناك سبب أخر .... الغيرة ... نعم كنت أغار على ابنتي  ، لم أتخيل أن يخطفها مني رجل غريب و يذهب بها إلي القاهرة ... لكن نادية بجموحها لم تقبل أن أقيدها ، فهربت و تركتني و تزوجته ، لم أعلم وقتها كيف تجرأت و فعلتها ، كاد رأسي أن يطير ، و لم أكن أعلم وقتها أن خالد ابني سبق و تعرف إلي الشاب ، و بدون علمي كان هو وكيلها و ساعدها على الهرب ، و بالطبع لم أكن لأسكت ، و بدأت أشك في موقف خالد المتخاذل و كان موعد زفافه على والدتك يا غنا قد اقترب أيضا ،  و بدون أن يعلم أحد عن الأمر استعنت بالحامي الخاص بي أسعد الحمزاوي لأجمع المعلومات عنه ، عن راضي الشماع ، كان الغضب يعمي بصيرتي ، لم أثق يوما بدوافعه و نواياه ، و  تكفلت بمساعدة أسعد أن أقصيه من المشفى التي كان يعمل بها بالقاهرة ،  و لما ضيقنا عليهم الحصر ، عادا إلي الإسكندرية طمعا في فرصة عمل ،  لكنه لم يكن يعلم أن أتي في عقر داري ، كنت أنا بكامل قوتي و نفوذي  ، و أنا أستطيع أن أدير الأمر أفضل و هو في مدينة قوتي الكاملة ، كنت أظن أن شعلة حب نادية المزيف -من وجهة نظري –كافية لتطفأها ماء قوتي ، و أن افتتان نادية بزوجها مجرد رغبة في تجربة شيء جديد ، و ستمل مع الوقت ،  فلطالما كانت ابنتي مولعة بالمغامرات .
هتفت رباب باهتياج غير مصدقة :..
-و أبي كان ضحية في وسط كل هذا ، ذنبه الوحيد أنه أحب ابنة سالم الغندور !!!
بقلمي أسماء علام

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن