١٩

836 33 1
                                    

الفصل التاسع عشر
خائن !!
خائن !!
فجرتها أخيرا قاهرة ذلها من نطقها و قاهرة ضعف قلبها من تحملها ..
بينما بُهت الجميع و أولهم وائل الذي ما كان يصدق أنها تعلم , و نظروا لها في صدمة , لتقول في استخفاف : ..
-ماذا بكم ؟ لا تقلقوا لم أفقد عقلي بعد , أعي تماما ما أقول .. انظروا لوجهه لتعلموا أنه فعلها .. و كان يفعلها لسبع سنوات , بعد سنة واحدة من زواجنا .. عاد ذيله للعب , كل ليله كان يفعلها و أنا أعلم , و أمس فعلها أيضا و أين .......... في بيتي ؟!! في غرفتي !! على فراشي !! عندما ظنني في الإسكندرية .. أليس كذلك .. صاحبة الحذاء الأصفر ضحكتها قذرة مثلها ... و مثلك ..
نظر لها و هو لا يكاد يصدق .. كانت تعلم !! كيف تحملت !! كيف سكتت !! كيف و ألف كيف .. و لماذا صبرت و .. و.. و .... و ألف سؤال بلا إجابة لديها هي فقط الإجابة ..
بينما شهقت سمر ووضعت يدها على فمها ...
-افعلها و طلقني و إلا سأخونك كما فعلت أنت و سأمرغ وجهك في التراب ...
بعد قولها جن جنونه و قد اقسم لو طالتها يداه لسحقها , لكن مراد كان له بالمرصاد , فانفعل وائل أكثر و ألقي بكل ما تطوله يداه في الأرض ليتهشم بدوي هائل قبل أن يخرج صافقا الباب بقوة حتى كاد ينكسر , أما هي اندفعت نحو الحقيبة التي ألقاها , و أمسكتها لتجده قد حطم الإطار التي صنعته لتوها لصورة والديها في زفافهما . ثم ضمتها لصدرها لكنها لم تسمح لدموعها المتحجرة أن تسقط أمامهم , يكفي ذلك الذل الذي أودى بكرامتها عندما علما عن حقيقة علاقتها بوائل , لكنها سمحت للسانها أن يتمتم بقهر : ..
-حتى فرحة رؤيا والديّ لأول مرة حرمتني منها يا ابن الأنصاري , يا لقسوة قلبك .. هذا إن فرض أن لديك قلب .
و لما استشعرت الحرج من تحديقهم بها قالت : ..
-لما تحدقوا بي هكذا , هل أنا دمية عرض , أم أن المشهد الدرامي نال إعجابكم .
مراد بضيق هامس : سليطة اللسان .
بينما قال سالم :..
- ابنة راضي , كالقطط ناكرة للجميل مثلـ ..
و قبل أن يذم في والدها أكثر , قالت بجمود :..
-لا تقلق لست ناكرة الجميل للنهاية , سأرد لك صنيعك الذي تتفاخر به عليّ , و سآتي معكما ..
بتلك العبارة أفاقت سمر من تيبسها و عيونها التي امتلأت بالدموع , و هي تنظر لرباب بإشفاق .. فاندفعت قائلة : ..
-إلي أين رباب في حالتك تلك ..
-وماذا بي ؟ هل تظنين أني سأجلس هنا أبكي أطلال أخيك .. قلت لك إن أخاكِ لعنة ... أنتظر الفكاك منها بفارغ الصبر , و إذا لم يبقَ عليّ يومًا فهل تظنيني باقية عليه ... واهمة إن ظننتِ هذا , و بالطبع لا أطلب منك أن تقفي في صفي , لك حرية الاختيار , لكن لي رجاء أن تبقي على الأولاد عندك حتى ..
كانت كلماتها تشع قوة مشبعة بالضعف و الاستسلام  الذي بدى واضحا من صوت لهاثها السريع و أنفاسها التي تجاهد لالتقاطها , فقاطعتها سمر : ..
-رباب .. أنا لا أقصد ..الأولاد أولادي كما هم أولادك ..
لم تستمع لباقي عبارتها , بل دست الصورة في حقيبتها و تناولت حقيبة صغيرة بلاستيكية و اندفعت نحو المرحاض , فلو انتظرت ثانية واحدة لانهارت أسوار قوتها الزائفة ..
تبادل ثلاثتهم نظرات الغرابة و التي خصت بعض من الشفقة نحوها , رغم صلابتها فهي الآن بأشد ما تكون بحاجة إلي العون .. أن يمد لها أحدهم يده قائلا أنه لا يستغنى عنها , لن يتركها أبدًا ... أن يضمها أحدهم و يدس وجهها في صدره , أن تشعر فقط بالأمان ...
كانت سمر تعلم تماما أن رباب لن تبكي .. لن تفعلها أمامهم أبدًا ,  رغم أنها متأكدة أنها تموت قهرا من داخلها , لكنها لن تستطيع ..
و مراد يعلم تماما أنها ذهبت حتى تأخذ دوائها , فواضح تماما أن إحدى نوبات مرضها تداهمها الآن ..
و سالم في شأنها محتار , يعلم تماما أنها قوية جدا و للأسف صدق صورة صلابتها و فظاظتها تلك ..
....
و في الداخل أغلقت الباب , و انهارت على ركبتها باكية و هي تتشبث بطرف حوض غسيل الوجه تشبثها بالحياة , كانت دموعها تنهمر على وجنتيها و أنفاسها تختنق , مرت عدة دقائق من البكاء الهستيري على عمرها التي لا تعلم فيما قضته , فإذا سُئلت عنه لا تعلم بما ستجيب , كم تمنت في تلك اللحظة " أما " تحتضنها و تبكي بين ضلوعها تخبرها أنها لن تخذلها أبدًا , و " أبا "  يحميها حتى من نفسها إذا قبلت الضعف حلا فيكون هو مورد قوتها الدائم , أن يقتص لدموعها بقوة , و يعيد لها كرامتها المسلوبة في تلك العلاقة , لكنها محض أمنيات ... فجلست تهدأ نفسها بنفسها و تحتض جسدها بذراعيها , و هي تعلم أن عونها الوحيد نفسها , هدأت قليلا و تناولت البخاخ إلي أن هدأ شعورها بالاختناق ..
..
و لما استشعرت سمر غيابها , بدأ القلق ينهش قلبها , فاندفعت نحو باب المرحاض  تدقه بعنف : ..
-رباب !! أنتِ بخير .... لما أغلقتِ الباب ... بالله عليكِ قولي ماذا بك ؟ رباب !! لا تتركيني هنا أموت قلقا ... رباب سأجعلهم يكسرون الباب .
عندها اقترب مراد - الذي يعلم عن مرضها – عقبه سالم .
مراد : ما الأمر؟
سمر بصوت باكٍ : لا أعلم لا ترد عليّ ..
عندها اندفعت رباب للخارج بمظهر يبدو طبيعي , أخفت ألمها بمهارة كعادتها , طاوعت كرامتها و قوتها لتبدو في حالتها الطبيعية , فهتفت : ..
-ماذا بكِ يا سمر .. هل تظنيني سأنتحر مثلا ... لا تقلقي أخوك المبجل لا يستحق تلك تضحية مني , بل إني أنتظر اليوم الذي سيبعث لي بورقة حريتي بفارغ الصبر .....
بينما عيني سمر تحمل الكثير من الشفقة , من عبارات المواساة , لكنها لم تجرأ على البوح أبدا , كانت عيناها تقول بصراحة : ..
-أعلم أنكِ أضعف و أرق من النسيم , أضعف من ذلك القناع الزائف من القوة و البرود التي وضعتيه على وجهك رباب .. لا أعلم أهي ظروف نشأتكِ أم أخي أم عملك , أم تكاثروا عليكِ ثلاثتهما فصرتِ هكذا .. و لا أملك إلا أبكي عليكِ يا رفيقة العمر  .
وجهت رباب أنظارها لمراد و سالم قائلة ببرود : ..
-من غير اللائق أن يظل شخصين غريبين هنا لمدة أطول , بإمكانكما انتظاري بالخارج ..
بالرغم من أن عبارتها أثارت جنونهما , لكن سالم تجاهل استفزازها ..بينما قال مراد : ..
- هل سنعود للمراوغة و حيلك ..
قاطعته رباب بقوة عملية  : ..
- لا تقلق سيد مراد أنا سآتي معكما , فأنا أرد ديوني كاملة ,  دقائق عشر و سألحق بكما في الأسفل ..
سالم : حسنا ! فقط عشرة دقائق و إلا ..
مراد : لا مشكلة , دكتورة رباب ستأتي معنا بالتأكيد , ليس لديها خيار أخر ..
خرجا من الشقة ينتظرانها عند السيارة .. بينما دخلت هي تودع ولديها النائمين , و قد خانتها دموعها لتسقط على وجنيها و هي تودعها ..
ثم أبدلت ثيابها , و أعدت حقيبة سفر صغيرة و غادرت قبل أن تسمح لسمر أن تتفوه بكلمة ... أخذت حقيبة يدها و نزلت , ثم سارت لأول الحي حيث وقفا بسيارتهما ..
سالم مع زفرة  : و أخيرا !
مراد : لم أكن لأضمن ردة فعلي لو لم تأتي حالا ..
نظرت لهم بعدم اكتراث و قالت : ..
-بداية لن أركب مع السيد سالم الغندور في سيارة واحدة ..
نظر لها سالم بحدة و قال باحتقار : ..
-وأنا لا يشرفني أنا أركب معكِ في سيارة واحدة , أفضل أن يضمني الكفن و لا تضمني سيارة واحدة معك ..
-يكون أفضل ..
قالتها ثم أشاحت بوجهها للجهة الأخرى , فقال مراد : ..
-لا مشكلة اركبي معي في سيارتي ..
ركب سالم سيارته و هو يشعر بالضيق ...
فتح لها مراد الباب الأمامي بعد أن وضع حقيبتها في صندوق السيارة .. فتجاهلته تماما لتركب في الخلف بهدوء , كز على أسنانه بضيق و قد أدرك أنها تستفزه فهدأ نفسه قائلا : ..
-إنها تتلاعب بأعصابك مراد .. لا بأس , إصبعك الآن أسفل ضرسها , تحمل قليلا , مراد شرف الدين لن تهزه امرأة مثلها أبدا .
دار حول السيارة و ركب في مقعده و قبل أن يدير المقود وجد الباب الأمامي جواره يفتح ليدخل سالم الغندور , التفت له الكل و هما بالرد : ..
-ولا كلمة واحدة ... سيارتي تعطلت من ذلك الحي القذر , سأبعث من يأتي بها لاحقا .. هل انطلقت مراد من ذلك المكان ..
التفت مراد أمامه , بينما تأففت رباب ...
بعد أن مرت عدة دقائق قطعت رباب ذلك الصمت قائلة بنبرة جامدة لا تظهر أي تعبير : ..
-في أخر زيارة أخبرتني سيد مراد أن حالة غنا تدهورت , هل لي أن أعلم كيف ...
مراد بحزن : في بعض الأوقات تصرخ بهستيريا شديدة .. و بعدها لا تتذكر أي شيء ..و تتحدث عن شخص بخوف و رعب غير طبيعي لا أعلم من هو ..
رباب : ستخبره من هو سيد سالم أم أفعل أنا ..
سالم بضيق : إنه زوجها السابق ..
شعر مراد بضيق أشد , بينما تمتمت رباب بضيق سمعه كلاهما : ..
-ها نحن ندفع ثمن قرارتك المتسرعة !
سالم بحدة : قراراتي أنا .. إذا ما بال قرارتك تبدو لك صائبة تماما ؟!! ها أخبريني .. ألم ننقذك لتوك من اختيارك الموفق !!!
كادت لترد عليه برد لاذع إلا أن أوقفهما مراد هاتفا بحده : ..
-ألن تتوقفا عن تصرفاتكما الصبيانية تلك .. أراشدان أنتما أم ماذا .. يا الله ؟!! نحن  نتحدث عن غنا .. غنـــــــــــا .
رباب : أخبرني بتفاصيل أكثر ...
ثم بدأ يسرد لها بعض المواقف , في أثناء حديثه غامت أعينهم بحزن عن حالة غنا , و بعد أن انتهي , وضعت هي يدها أسفل ذقنها وصمتت دقيقة , اثنتان , ثلاثة , فقال مراد : ..
-هاه ..
لم ترد
-هاه ..
ظل يرددها , فهتف بحده :..
-ألا أقول لك "هاه" انطقي ..
رباب ببرود : ما عملك ؟
نظر لها كلاهما ببلاهة , فتابعت : ..
-أعتقد أن الطبيبة هنا هي أنا .. فلا داعي لإخباركما بشيء لا أنت و لا المتغطرس الذي يجلس بجانبك ..
نظر لها سالم بحدة , ثم أشاح كلاهما بوجهه في الجهة الأخرى ... و تنهد مراد بينهما في ضيق .. كم هي باردة و متسلطة , لا سيما تلك الصفعة التي أقسم أن ينتقم منها بسببها و يقتص منها على كل تلك الإهانات و المشقة التي احتملها حتى يصحبها معه !!
أمسكت هي هاتفها و اتصلت بدكتور عبد الحميد ...
-السلام عليكم ................. نعم سيدي سأذهب .... لكن لعدة أسباب غير ذلك !! أرجوك سيدي تفهم , هذا الشعور .................... إن شاء الله ! ........... لا سيدي أرجو أن تمهلني بعض الوقت ... هذا أول طلب أطلبه أرجوك ....  شكرا كثيرا سأحول الوصول لقرار قبل نهاية الشهر ... أعدك ..... دكتور هشام حاول مهاتفتي , ألم يقل السبب ... إذا هكذا زادت أسبابي سبب إضافي ... قبل أن أغلق , أريد أن أشكرك سيبقى جميلك يطوق عنقي .. الحمد لله الذي وضعك في طريقي ... في رعاية الله يا دكتور ...
ثم ابتسمت بسعادة كبيرة فقد بدأت تصل لقرارها في حياتها القادمة , وسط تعجب مراد و سالم ... و لما طال الصمت انزعج مراد قليلا فقرر الاستفادة من ذلك الوضع ليتلاعب بأعصاب هذين المستفزين , فقال بخبث : ..
-ما كان شعورك سيد سالم عندما رأيت أولاد حفيدتك ... إحساس رائع أليس كذلك ؟ من الصعب جدا أن ..
قاطعه ضحكة رباب الساخرة ... نظرا لها بتعجب فقالت : ..
-لقد اخترت الشخص الخطأ للتحدث معه عن المشاعر , المشاعر لمن يملكون القلوب , لكن صدقني إن بحثت داخل ذلك الرجل فلن تجد سوى عجرفته و غروره و سطوته و نفوذة ... إن لم يسعد لا بأولاده و لا بأحفاده فلن يسعد بشيء آخر و  هي دعوتي بالأساس ألا يسعد و لا يفرح ... كما أني أحذرك سيد مراد من محاولاتك الفاشلة في خلق حديث في ذلك المجلس البائس لأنه وقتها لن يندم سواك ... فلا علاقة تربطني بكم سوى العمل ... سمعتني العمل !!
أنهت جملتها بحزم , لكن مراد قال بعند : ..
-أعتقد أني حر تماما فيما افكر و في أقول و فيما أعتقد و فيما أفعل , إذا كان الأمر لا يهمك لم قاطعتني , فأنا كنت أتحدث إلي السيد سالم .. مثلا أنا مقتنع كليا أنك كاذبة ... و أعتقد أنا هناك علاقة بين اسم سليم و سالم ... أليس معي حق ..
أشاحت بوجهها بعيدا , هي تعلم أنه يحاول رد الصاع لها صاعين لكنها لن تسمح له , فتوجهت ببصرها لخارج السيارة تراقب المناظر الطبيعية حتى شعرت بالخدر يسري في جسدها ... في من ذلك النوع من الأشخاص الذي يفضلون النوم أثناء السفر , حيث ورثت تلك الصفة , من ذلك الشخص الذي يجلس أمامها , فكلاهما بدأ ينام بالفعل, حتى غفى كلاهما في غضون ربع ساعة ..
.....................................
في منزل نهي ,,,
دخلت نهي منزلها - بعد أن حاولت بشتى الطرق الهدوء حتي لا تلاحظ والدتها و تنزعج – ما إن رأتها والدتها ( رقية ) حتى هبت واقفة من هيئتها و اقتربت منها قائلة :..
-ماذا بك يا نهي ؟!
نهى كاذبة : لا شيء ..
-نهي !! أنتِ غير طبيعية بالمرة .. أول مرة تتأخري هكذا عن موعدك و عندما هاتفتك هاتفك كان مغلق , كدت أموت قلقلا ... و الدك أيضا غضب كثيرا ... و حالتك تلك تبدين باكية ..ما الأمر ؟
-أمي قلت لا شيء !!
ثم اندفعت إلي غرفتها و أوصدت الباب خلفها بالمفتاح , حتى تتجنب والديها و أخواتها ... و انهرت على سريره باكية , ترثي حالها ....
فقد هانت على عاصم .. كم هان عليها صديقتها و أختها رباب !!
فكر في الانفصال عنها !!
دبت النيران في داخلها ... جزء منها يقرعها و يجلدها بسياط الندم على تلوث روحها بالحقد و الغيظ و الكثير من الصفات التي لم تكن تملكها بتاتا ... و جزء أخر تملكه الشيطان يشجعها على ما فعلت .. فكيف يفعل بها هذا كيف ينصر أخرى عليها !! كيف يلومها على غيرتها ... هي لا تتحمل تصرفاته و اهتمامه بأخرى !!
و هي بينهما وفقت بينهما عاجزة خلف أسوار التردد .. إما تتخلى عن كبريائها و تعترف بأنها مذنبة ... و إما تعزز غرورها و تروي ظمأه ليسيطر على ما تبقي من روحها و يقضي عليها ...
سمعت صوت جرس الباب , فلم تهتم بل وضعت الوسادة على رأسها ليمنع صوت , لم يكن صوت الجرس فحسب ما تريد منعه من الوصول لأذنها , بل أصوات متداخلة , متشابكة ..
أصوات ضحكات !! مداعبات !! مشاحنات !! تذمر !!
أصوات كثيرة متداخلة تشابكت داخل عقلها ..
رباب و ابتسامتها التي جذبت نهي للحديث معها !! عملهم معها في المشفى !! فريقهم الثلاثي .. حبها لذلك الفريق .. طلب عاصم ليدها و سعادة ثلاثتهم بالخبر .. حب عاصم لها الذي قراءته بعينه .. العديد و العديد من المواقف التي جمعتهم .. حبها لرباب و صداقتهم .. مشاركتهم العمل في كل شيء معا , حتى أنهم لم يتذكروا يوما أن رباب كانت القائد عليهم !!!! مواقفهم الأخيرة و المشاحنات .. قرار عاصم بالتفكير في الانفصال ...
ولما ملت كل تلك الأفكار رأسها كادت تجن لا تستطيع أن تفكر !! وقتها كانت ستصرخ  دون شعور لكن صوت الطرقات على باب غرفتها أيقظتها من ذلك اللاوعي , قررت ألا ترد مدعيه النوم .. لكنه صوت والدتها الذي أخبرها بقدوم زائر .. أنعش الأمل بصدها , فقفزت لتفتح أملا منها أنه عاصم جاء يسترضيها , فهتفت و هي تقفز من على الفراش : ..
-كنت أعلم أني لن أهون عليك يا عاصم .. كما لا تهون عليّ أنتِ أيضا ..
ثم فتحت الباب لوالدتها بوجه مشرق ما لبث أن عاد لجموده و هي ترى أن الزائر لم يكن سوى والدة عاصم – و هي تعلم تماما أنها لا تحبها إطلاقا – لاعب الشيطان بعقل نهي كثيرا ..
ما الذي أتي بها ؟!!
أي أخبار أتت بها ؟!!
هل أخبرها عاصم بما حدث معنا !!
هل من الممكن أن .. أن يكون بعثها لتتفق معهم في الانفصال !!
شهقت عند تلك الفكرة , لكنها والدتها أجلستها و تناول السيدتان أطراف الحديث الذي بدى وديا , و هي لم تكن معهم سوى بجسدها و لكن عقلها ليس معهم أبدا .. بل معه سلبها عقلها كما فعل مع قلبها من قبل !!
بدأت نوال في إدخال نهي قصرا في الحديث , و عندما لمحت عن الشجار بينهما حتى اجهشت نهي باكية , لم تحتمل فكرة أن والدته قد أتت لأجل ذلك السبب .. و أن "عاصمها" يفكر في الانفصال عنها .. و عندما حاولت رقية أو نوال تهدئتها و فهم ما حدث , ركضت لغرفتها و أغلقت الباب , و أكملت بكائها و هي مدثرة بالفراش ...
نوال : كنت متأكدة من وجود بعض المشاحنات بينهما , قلبي لا يكذب فيما يخص عاصم أبدًا ..
بدى على رقية القلق ... القلق على ابنتها و القلق من سبب زيارة نوال لهما , فهي تعلم جيدًا – بحدث أمومتها – أن تلك السيدة لا تحب ابنتها من البداية , فقالت بارتباك حاولت اخفائه لكنها فشلت : ..
-سيدة نوال .. الأمر طبيعي .... إنهما لم يتعرفا على بعض بشكل كافٍ ... لكن ... أن .. أأأ ..
علمت نوال بالفعل أنها كانت – سابقا- معلومة النوايا , و هذا سبب ارتباك رقية , فقالت بود : ..
-لا تقلقي يا رقية .. سأتحدث معك بدون رسمية ..
فغرت رقيه فاها , و نظرت ببلاهة قليلا , ثم تنحنحت و قالت : ..
-بالطبع لا مشكلة ..
ابتسمت نوال بود و تابعت : ..
- أنا لم آتِ إلي هنا لإيساع الفجوة بينهما , بل لحل الشجار .
-أنا بالأصل لا أعرف السبب ..
-ولا أنا .. عاصم كتوم إلي حد كبير .
-إذا ماذا سنفعل ..
-سنضطر أن نقيم بعد الخطط لنشن عليهم الحرب و بعدها ..
ثم ابتسمت بخبث و هي تقترب من أذن رقية , دقائق و اتسعت ابتسامة رقية هي الأخرى ..
نوال : ما رأيك ؟
-رائعة .. لكن ماذا إذا فشلنا ..
-لا تقلقي فلدي الكثير من الخطط هههه ..
-ههههههه
ابتسمت كلتاهما و اتفقا على تنفيذ الخطة بأسرع وقت بعدما تبادلا أرقام الهواتف النقالة , ثم شيعت رقية نوال بابتسامة , و على معاد لتنفيذ الخطة ...
=================
في سيارة مراد ,,,
شعر مراد بالغيظ , و لدرجة كبيرة حد الانفجار , فهو هو مجبر على القيادة من القاهرة إلي الإسكندرية بينما هذان الطفلان الراشدان - كما أطلق عليهما- نائمان , مل كثيرا و كثيرا و فكر في فكرة ليسرق منهما راحتهما ...
-تنامان بأريحية بينما أنا مجبر على القيادة لتلك المسافة , و أنا أشعر أن أطرافي ستتخشب بعد قليلا , لن أكون مراد ابن شرف الدين إلا إذا سرقت منكما النوم  ..
أشعل مراد راديو السيارة على موسيقى هادئة مطمئنة , حتى شعر بتجاوب سمعهما معها و لاحظ ابتسامتهما أثناء النوم ... ثم فجأة أدار القناة فجأة على صوت صراخ .. صراخ شديد , و  صوت يقول بفزع : ..
-حادثــــــــــــــــــــــــــة
سالم صارخا : أأأأأأأأأأأأ
كما حدث مع رباب التي فزعت صارخة كسالم :
-عااااااااااااا
انتبها بعد فترة أنهم بأمان لم يحدث شيء و أن هذا لم يكن سوى صوت المذياع و دعاب مراد السخيف , انفجر بعدها مراد ضاحكا بشدة على هيئتهما , ثم قال بصوت متقطع من بين ضحكاته : ..
-هههههههههههههه .. لا أستطيع التوقف عن الضحك , لو رأيتما هيئتكما .. ههههههههههههه سأقع على الأرض من كثرة الضحك ... ههههههه .
لحظات و استعاد مراد رابطة جأشه عندما هتف سالم بحدة : ..
-ما هذا المزاح الثقيل ..
بينما اكتفت رباب بإشاحة وجهها .
قال مراد ببرود :..
-آسف , لقد شعرت بالممل و أنتما تغطان في نوم عميق , بينما أنا أقود تلك المسافة الطويلة بمفردي ..
تمتمت رباب : سخيف !!
مراد بتحذير : ماذا قولتِ ؟!!
أعادت عليه رباب قولها بقوة : ..
-قولت سخيف , هل سأخاف مثلا !! أوف ..
نظر لها مراد شزرا , بينما قال سالم بلهجة تهديدية : ..
-استعد للموت حالما نصل ..
مراد ببرود : لا يهم , المهم أني لن أظل مستيقظ وحــــــدي.
و ظل الوضع مشحون هكذا حتى وصلوا في النهاية إلي غايتهم المنشودة عند السادسة مساءً ...
..
تفحصت رباب المكان بعينيها .. كان هادئ جدا , حوالي10 شاليهات متباعدة أو أكثر , لكن ثلاثة منهم متقاربين نسبيا على شكل مثلث و يعتبروا شبه منعزلين عن البقية ... يبتعدوا مسافة 3 دقائق عن البحر , بحيث يخطف النظر بصرك من جماله الساحر , حيث تتناغم الأمواج مع الحدائق المنتشرة بشكل جذاب يجعلها تعزف أجمل السنفونيات , و كأنها جنة ساحرة على الأرض ...
كان التعب وقتها قد أنهكهم , دلفوا إلي الشاليه الذي خصصه مراد لهم و هو الشاليه الذي يقع في منتصف الشاليهات الثلاثة , قابلوا الممرضة التي حدثتها رباب و علمت منها عن حالة غنا ...
  علمت أن غنا بدأت تستسلم , فقد بدأت تتخذ النوم ذريعة كي تهرب من واقعها ... لكن كل ما فعلته رباب كان الصمت , و سط كل التساؤلات التي وجهت لها , لم تجب عليهم بل بحثت عن إحدى الغرف الصغيرة و دخلتها و أمسكت بورقة و قلم و كتبت بعض الأشياء ثم أعطتها لمراد و قالت : ..
-أريد كل تلك الأشياء عندي في الصباح الباكر , و تلك الغرفة الصغيرة لا أريد أن يدخلها أحد بعد الآن ..
انزعج مراد من أسلوبها المتعجرف و لكنها أمسك الورقة و بدأ يقرأها بصوت مسموح و أمارات الدهشة مرسومة على وجهه ..
-سبورة .. أقلام سبورة بألوانها ..ألواح !
نظر لها مبهوتا و قال بتهكم: ..
-لقد أخطئتِ أنا لم أطلب أن تعلميها القراءة ..
لم تجب , بل وضعت يدها في الجيب الخاص بتنورتها الطويلة و أخرجت الكارنيه الخاص بها و أبرزته في وجهه و قالت ببرود : ..
-هل بإمكانك قراءة المهنة
لم يرد , فأدارت الكارنيه تجاهها , و قالت : ..
-رباب راضي الشماع أخصائية الأمراض النفسية و العصبية ....يبدو مقصدي واضح , كما قلت أريد كل الطلبات من فضلك ..
كانت عبارتها تتسم بالسخرية في أولها , بالأمر في وسطها و الطلب في نهايتها فقال مراد متهكما : ..
-ما فائدة من فضلك بعد فظاظتك تلك ..
ثم غادر و تركهما ..
كانت الخادمة غادرت ، فلم يتبقى سوى ممرضة غنا ، لم ترد رباب أن تسأل سالم أو مراد فتوجهت بالسؤال إلي الممرضة لتعرف غرفة غنا .. توجهت إليها كانت نائمة كعادتها تلك الايام ، جلست جوارها على الفراش و تأملتها أثناء نومها   .
يا الله لكم اشتاقت لها تلك الصغيرة الهشة !! كم هي رقيقة في صحوها و منامها !!
مسدت على شعرها و ملست على وجنتيها بحنان ..
...............................
أما سالم فأبدل ثيابه و جلس في غرفته في الشاليه و اتصل بالمحامي ، و غضب عليه كثيرا عندما علم أنه لم يتوصل لشيء بخصوص صاحبة حساب المصرف .. ثم قرر أن يهدى من روعة قليلا ثم يذهب ليطمئن علي غنا  ..
............................
أما مراد فذهب مباشرة إلي خارج الشاليه , اتصل بمساعده الشخصي ليأمن له تلك الأشياء التي طلبتها رباب , و بعدها توجه إلي وكيله الذي وكل إليه إدارة هذا المنتجع الخاص بمراد ..
الوكيل : سيد مراد ما الأخبار ؟
مراد : أنت صاحب الأخبار .. هل كل شيء على ما يرام بشأن إقامتنا هنا ..لا أريد أن يعلم أحد عن أمر تواجدي هنا مفهوم ..
-كما تحب .
-و أريد أيضا أن يكون الشاليهان المجاوران فارغين ..
-للأسف , لقد تم حجز أحدهما بالفعل و المستأجر في الطريق .
تأفف مراد و قال بضجر : ..
-بئسا .. لكن أريد أن يكون الأخر فارغ حسنا ..
-حسنا سيد مراد اعتذر لم أكن على علم بالأمر ... و هذه نسخة عن مفاتيح الشاليهات جميعا .
أخذهم منه مراد و قال : ..
-أي شاليه هو الذي سيقيم فيه المستأجر ..
وضح له الوكيل الشاليه المقصود , و غادر مراد ليعود إلي الشاليه الخاص به ..
.....................
ظلت رباب جالسة فترة طويلة على وضعها , إلي أن سمعت صوت الباب , فالتفتت فوجدته سالم ..
سالم بحدة : أنتِ .. ما الذي أتى بك في تلك الساعة .. ما الذي تخططين لفعله .. أنتِ ...
أشارت له كي يصمت ,  ثم وقفت و قالت : ..
-ستستيقظ هكذا .. ماذا تظنني سأفعل ..
-الكثير يا ابنة راضي .
-أنا لن أتحمل هذا الوضع ..........

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن