١١

881 41 1
                                    

الفصل الحادي عشر ,,,
في سيارة عاصم ,,,
أفاق بلال من نوبته الجنونية عندما انزاحت يد رباب التي كانت تحاول ابعاد يده من على رقبتها ... فأزاح يده بسرعة من على رقبتها ..
استطاع أن يصف السيارة بأعجوبة .. نظر بذعر إلي وجهها الذي شحب لونه كالأموات .. و تلونت شفتاه باللون الأزرق بدل الوردي دلالة على الاختناق . ارتعشت يداه لم يصدق ما اقترفت يداه , فنظر ليده بذهول ...
-قتلتها !! أأصبحت قاتل !
فكر بسرعة , و فتح نوافذ السيارة كلها , ظل يضرب خدها برقة حتى تفق لكن لا استجابة , أصدر هاتف رباب رنينًا جعله يفزع فأخرجه من جيبها ليرى أن المتصل فتاة تدعي سمر , بالطبع لم يجب , بل وضع يداه على وجهه و هو شاعر بالندم  ... لكن ماذا يفيد الندم بعد فوات الأوان ..
لكن مهلا لم يفت الأوان , إن الله يعطيه شارة البدء في حياة جديدة ... محظوظون هم من يحصلون عليها , و قليلون من يحافظوا عليها ...
تلك الشارة كانت عودة لون شفتي رباب للونها الطبيعي , و سعال شديد كان دليل على أنها تحاول استعادة قدرتها على التنفس , لقد نجت .. حمد الله سرا , و ساعدها على أن تستنشق الهواء , إلي أن استطاعت أن تفق .
كانت تهذي في البداية لأنها لم تستعد وعيها بشكل كامل : ..
-أين أنا ؟ هل مت ؟
سمعت صوت يناديها ففتحت عيناها ببطء , تطلعت إليه لم تكن الصورة واضحة لكنها قالت : ..
-وائل !!
سمعت أصوات عديدة , كأنها تأتيها من أعماقها السحيقة لتزحف روحها نحو الخارج ليعود نبضها طبيعيًا تدريجيًا و هي تتسأل لما لا أموت فحسب ؟ لماذا و لمن أعود ؟ أريد أنا أرى أمي و أبي ؟ لما تجذبونني إلي عذابي ؟ أريد الذهاب إلي خلاصي .
لكنها كانت محض أماني .. لم تتحقق , و كأن الصوت الذي ينادي عليها يخبرها أن دورها لم ينتهي إلي الآن ..
مازال لها دور تؤديه ... كما أنها لم تنل حصتها للآن من السعادة .. ببساطة لم تعش , لم تعش لتموت هكذا !! و لا يجب أن تقابل ربها مهزومة .. لم تنفذ دورها في الحياة .
و أخيرا ,,,
أخيرا أفاقت لترى في النهاية الوجه التي تخيلته وائل لم يزد في الحقيقة عن كونه بلال .
بلال بقلق : أنتِ بخير ؟
أصاب رباب نوبة من السعال ذهبت بعد برهة عندما استطاعت أن تهدأ و تتنفس , ثم قالت له بابتسامة باهتة :...
- أنت فاشل .. لم تسطع أن تقتلني حتى , أنت ...
انكمش وجهه بشدة و انزوي حاجبيه , دلالة على غضبه فقاطعها هاتفا : ..
-أنتِ مستفزة .. أنا مخطأ أني لم أكمل عليكِ حتى النهاية و أخلص الناس من برودك .
ابتسمت ابتسامة من داخلها لكنها ابتسامة متعبة بصوت , فقال هو بحنق : ..
-أتضحكين ؟!!
أخذت تسعل قليلا , و بعدها صدح رنين هاتفها , لكن لم تجد هاتفها في جيبها , فأخذت تلتفت لتبحث عنها , فأعطه لها قائلا : ..
-اتصلت بك فتاة تدعى سمر .
أخذت رباب الهاتف  منه بلهفة و أجابت بنبرة صوت حاولت جعلها طبيعية لكن لم تكن كلهجتها الطبيعية فأجابت بتعب : ..
-السلام عليكم !
-و عليكم .. ما الأمر رباب ؟ صوتك لا يبدو طبيعيا .
-هل كل شيء على ما يرام يا سمر .
-نعم لكن الأولاد يريدون الاطمئنان عليكم .
-حسنا !
أتاها صوت صغيرها سليم قائلا : ..
-أمي ! لقد افتقدك كثييييرا .
- و أنا أيضا أحبك كثيرا يا حبيبي يا سليم .
لوى بلال فمه بتهكم و نظر للجهة الأخرى و قد اؤكد ظنه إنهن جميعا واحد ... خائنات .
بينما هي كانت تقبل من على الهاتف بحب , كان على وشك أن ينقض عليها مهاجمًا لكنه وجدها تقول : ..
-طفلي العزير .. أريد أن أحدث "هنا " .
-حسنا أمي !
أجابتها " هنا " : ..
-أمي .
-حبيبة والدتك ! هل تتعبون عمتكم .
لام نفسه .. إنها فقط تحدث أطفالها !! لما أصبح الشك أسلوب حياتي الوحيد ...
أما هي فحدثت ولديها برهة صغيرة من الزمن و أغلقت الهاتف بحجة العمل .
نظرت حولها متأملة المنظر الذي صف فيه بلال السيارة فكان بالقرب من شاطئ هادئ للغاية , فاشتهت الجلوس هناك فهتفت قائلة : ..
-لقد اخترت المكان المناسب لقتلي , كم كنت أتمنى أن أموت في مثل هذا المكان ..
اغتاظ منها !! لما تقول هكذا دائما ؟ لما تشتهي الموت هكذا !! أي إنسانة تلك لا تريد أن تعيش ؟!!
بلال بامتعاض : ألن تتوقفي عن ثرثرتك تلك !! كان الوقت أفضل عندما كنتِ فاقدة للوعي ..
و قبل أن ينتهي كانت تفتح الباب لتخرج .. أحست بدوار بسيط , فأحس هو بها فقال : ..
-انتظري !
خرج بلال و وقف أمام الباب الأخر , ليساعدها و هو يمد يده إليها , فرفضت بأدب , و استطاعت استعادة اتزانها .
.........................
كان مراد يتابع من بعيد , لم يرَ ما حدث في السيارة , فتعجب كثيرا من تغير بلال معها في الأسلوب ! كيف بادر في مساعدتها ! لما وقفا هنا !! ما الذي يحدث ؟ لما يبدو على وجهها الشحوب ؟
لكنه كان يتمني شيئا واحدًا أن تنتهي بسرعة حتى تعالج تلك المسكينة في منزله .
ترجل من سيارته , و تتبعهما بحذر .
وقفا على شاطئ البحر , يبدو عليها البهجة , وهو مازال على امتعاضة وجهه .
لاحظ مراد شيئا أخر غريب , إن من كانوا على الشاطئ يرحلون فجأة بعدما يتحدث معهم شخصا ما ! و على ملامح بعضهم بعض من الذعر , لكنه لم يقترب من رباب أو بلال .
تخفى مراد , و تتبع ذلك الشخص بعينه , كان ذلك الشخص يخرج من الشاطئ .. فتتبعه بحذر , فوجده يختفى في شارع جانبي و يركب سيارة إسعاف .. دقق ببصره ليرى شعار المشفى المرسوم على السيارة , و كان " مصحى الأمل للأمراض العصبية و العقلية "
ابتسم بسخرية على نفسه !!! نعم ! إن رباب ليست وحدها .
  ربط الأحداث معا منذ موافقة المدير على تولي رباب تلك الحالة رغم المخاطر , تحججه بالحديث معها في العمل حتى يدس شيئا في ملابسها و ليس ليمسها .. نعم جهاز تنصت و تتبع .
أراد معرفة ما الذي يجرى في الداخل فالأمر يروق له , لكنه فضل رؤية ما تفعله رباب .. فالمراقبة الميدانية ممتعة أكثر .
...............................
وقفت رباب ناظرة للبحر بابتسامة عريضة و كلما مرت دقيقة اقتربت هي من البحر أكثر ... و كأنها أرادت أن تمتزج به , أن تشعر شعور التمرد كالأمواج الهائجة التي تتلاطم في تناغم محبب , شعور التمرد الذي كبحته للسنوات , أرادت أن تغسل روحها بمياهه , لكن ليس هذا وقتها هي بل وقت مريض اؤتمنت عليه , و هي ليست من تخون الأمانة , و هو سهل المهمة عندما سألها ببرود :..
-لما تبتسمين كالبلهاء ؟ ما الممتع في الأمر ؟ ليس مكان مناسب للتمتع ! فهو لا يداوي الجرح بل يلهبه !! لا يطفأ النيران طيب الهواءِ ..
قالت هي بثقة :..
-و لما لا أبتسم ؟!! هل تعد على ابتساماتي ... أنا يمكنني أن أعد عليك ! لكن ليس الابتسامة لأنك لم تبتسم قط .. بينما انزوى حاجبيك مرتين .. و لم يختفِ وضع التجهم من وجهك منذ ساعة كاملة .. كما أن ....
-كفى ......  يا الله .. إنني أشفق على زوجك , لو كنت زوجك لم أكن لأتحملك عام واحد .
قالت لنفسها بابتسامة باهتة اختفت منها ملامح البهجة : ..
-لو كنت أنت زوجي لأشفقت علىَ .. لما هذا العذاب يا ربي ! حرام عليك يا وائل !! هل حرمت السعادة عليّ !! لما أتذكرك ... هل لتظلم ابتسامتي ؟!
بعدما قتل ابتسامتها على وجهها , جاء ليسأل : ..
-ما الأمر ؟
لم تجبه فسأل مرة أخرى :..
-أنتِ ما بكِ ؟
لكنها أجابت هذه المرة برسمية  و حدة : ..
-الفصل الحادي عشر و الفصل الثاني عشر و الثالث عشر حتى الفصل العشرون من رسالتي في الدكتوراه تتكلم عن لغة الجسد .... و الأشخاص مثلك الذين لا يتغير تعابير وجههم مرضى نفسيين .
نظر للهجتها الحادة فقال بتهكم : ..
-إذن هل تريدين مني أن أصدق أنك سليمة ولست مريضة .
-وهل من تجلس معك ساعة كاملة تكون عاقلة بالتأكيد أنا مجنونة .. يا لك من رجل ممل !!

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن