الفصل السابع عشر
بمجرد أن سمعت رباب اسمه حتى شعرت بالغضب , و تفاقم ذلك الشعور عندما أمسكت سمر سماعة هاتف المنزل لتتصل به ....عندها قذفت رباب السماعة بعيدا ... و هتفت : ..
-وهل تظنين أنه سيهتم ؟!! سيد وائل الأنصاري مشغول كثيرا ... أنتِ تعلمين لن يهتم لأمر تافه كهذا ..
قالت جملتها الأخير ة بتهكم واضح , أما مراد فزادت تقطيبة جبينه !! ما أمره وائل ؟!! لما الكل يتحدث عنه بتلك الطريقة !! و أي أمر تافه هذا , كانتا ستموتان رعبا من ذلك الطارق المجهول !!
كما أنه أصبح لا يفهم شيئا ..
من تلك الفتاة ؟ و ما علاقتها برباب و وائل ؟!! بل لما أتت لها رباب عوضا عن منزلها و التي كانت قريبة منه جدا ؟!!!!
زادت علامات الاستفهام أمامه بشكل مخيف ؟!!!
لكنه أدرك أنه مخطأ !! أخطأ عندما جعل تفكيره المريض يسيطر عليه , و ألقي كل تلك الاتهامات البشعة في وجه رباب !!!
بينما أحست سمر أن هناك خلاف جديد بين رباب و وائل , لكن حالت الخوف التي سيطرت على حياتها جعلتها تقول :..
-عن أي أمر تافه تتحدثين ؟ أنا أموت كل يوم , كل ساعة و كل دقيقة من الذعر ..
- و أنا أرى أن لا داعي لذلك إطلاقا .. الطارق كان سائق السيد مراد و جاء ليبلغه بأمر ما و انصرف ..
- رباب !! أتكذبين ؟!!
قالتها باتهام , فانفعلت رباب الأمر الذي جعل تنفسها يضيق أكثر و هتفت رباب : ..
-ماذا بكِ سمر أنتِ تريدين أي سبب لتخافِ و تتصلِ بوائل و أنتِ تعرفين أنه لن يهتم سواء لكِ أو لي .. فاسترخي قليلا ... و لما سأكذب عليكِ ؟!
بدأت سمر تشعر بالقلق على رباب فقد شعرت أن إحدى نوبات مرضها ستصيبها من انفعالها , فرباب على حق منذ متي و وائل يهتم ... و بسبب تصرفها الأحمق انفعلت رباب و تألمت كثيرا , كما اتهمت رباب بالكذب , فقالت : ..
-حسنا !!
هتفت رباب و هي تحاول التنفس و تضع يدها على صدرها : ..
-أخبرها سيد مراد حتى تهدأ !! ألم يكن سائقك .
نظر لها مراد و لاحظ نظرة التوسل بعينيها و كأنها كادت تضم يديها معًا لتترجاه , فأطرق برأسه موافقًا , فقالت سمر : ..
-أنا أصدقك !! لأدعي لأسأل أحد لكن رجاءً اهدأي .. لا تنفعلي .. أنت هكذا ...
كانت رباب تتنفس بصعوبة , و كادت تقع على الأرض من الخوف و الانفعال , فأسندها مراد بعدما لاحظ ذلك , بينما ركضت سمر تجاه حقيبة رباب و أخرجت البخاخ و أدوية رباب .. جعلتها تستنشق بعدما هدأت .. بعد دقائق استعادت رباب حالتها الطبيعية و وقفت باعتدال و قالت بمزاح لتخفف حدة الموقف : ..
-أيجب أن أموت حتى تصدقِ ..أنتِ عليّ أنتِ و أخيكِ ..
ابتسمت سمر , أما مراد فقد زادت لديه علامات الاستفهام واحدة ....... من أخوها هذا !!!
قالت رباب : ..
-هيا يا سمر ..... اذهبِ للداخل كما قلت , ألم أخبرك ألا تخرجِ .. لكن كيف تكون الأستاذة مطيعة .
و كأن سمر انتبهت لوجوده الآن , و قالت : ..
-من هو ؟
-ماذا جرى لعقلكِ ؟ اذهبِ للداخل ..
امتثلت لأوامرها بعد أن أدركت أن مراد بالتأكيد شخص له علاقة بعملها و دخلت الغرفة فسمعت رباب تقول بصوت عالٍ : ..
-والأستاذة تعرف أن التنصت محرم !! أليس كذلك ؟!
ابتسمت سمر و دخلت لتسترخي جوار الطفلين النائمين ..
......
جلست رباب بعد أن أشارت لمراد أن يجلس و قالت بامتنان : ..
-أشكرك كثيرا!!
-هل تعلمين أنها أول مرة أكذب فيها ..و بـــــسـبــك .
ضغطت على أحرف كلمته الأخيرة , فقالت : ..
-آسفة ! و أنا مثلك .
-و لا تظنين أن هذا بدون مقابل !
تنهدت و قالت : ..
-وما المقابل إذن ؟
-أنتِ تعرفين !! حالة غنا أصبحت سيئة !
-بشرط ..
-نعم !
قالها بامتعاض , فتابعت بهدوء : ..
-وشرطي أنا يأتي سالم الغندور بنفسه يطلب مني ذلك ..
-أنتِ هل تنوين ذلنا .. أي أخت أنتِ ؟!
-هذا شرطي !! و هذا شخصي !! و قل ما تريده فلم يعد يهمني رأيك فيّ .. فأنت قلته بوضوح ..... و إن كنت تظن أن ما فعلته من جميل سيحكمني !! بإمكاني أن أخبر سمر بالأمر بنفسي ... و الآن الزيارة انتهت , و أنت كما ترى هذا حي شعبي و نحن سيدتان بمفردنا و الوضع غير لطيف إطلاقا .. و أنت فهمت ماذا أقصد ؟
أيقن مراد ما الذي تقصده , فلم يخطأ ظنه بها !! ها هي تهدده بالصراخ و عمل فضيحة !! اتجهت هي إلي الباب لتفتحه له , فغادر و هو يتوعد لها ..........
أغلقت الباب و استلقت على الأريكة ..
بعدما شعرت سمر بغلق الباب خرجت لتحدث رباب , فوجدتها قد غطت في سبــــــــــات عميق على الأريكة , جلبت غطاء و دثرتها به بحنان فتبدو متعبة حقا ..
==================
ركب مراد سيارته و هو يكاد يموت ضيقا !! من تظن نفسها حتى تفعل كل ذلك بمراد شرف الدين !!!
يوما سيرد لها الصاع صاعين ... فكر ما الذي يجب أن يفعله , حالة غنا في سوء مستمر , و سالم الغندور سيأبي غروره الرضوخ لرباب , و هي تبدو عنيدة بطريقة غير معقولة ...... و في تلك الدوامة ستضيع غنا ... سيفعلها فقد أقسم ألا يعود بدون رباب ..
حجز غرفة في فندق ..
و بعد صراع دام قرابة الساعتين من سالم على الهاتف وافق الأخير على القدوم غدًا إلي القاهرة ..
شعر مراد بالتعب الشديد كاد رأسه أن ينفجر , دبر أمر خادمة و ممرضة تجلس مع غنا حتى يأتيا برباب في الغد , ثم أرخي جسده المنهك على الفراش و نام بعمق ..
...........................................
صباح يوم جديد ,,,
ارتدت رباب ملابسها و ذهبت لعملها بعد أن ودعت سمر التي ألحت عليها لتفطر و مع ذلك رفضت , قبلت أولادها بحنان بعد أن لعبت معهما قليلا فقد افتقدتهما بحق .. و قبل أن تغادر قالت سمر :..
-رباب سأذهب إلي المدرسة قليلا و أخذ الأولاد معي و بعدها سنتنزه .
ابتسمت رباب و قالت : ..
-حسنا !! لقد جهزت الأوراق لتقدمي للأولاد معك في المدرسة ..
ثم تقدمت من طفليهما و قالت : ..
-لن تتعبا عمتكما ........ و أعلم أنكما غاضبين , لكني أعدكما أننا سنخرج معا في العطلة , اتفقنا ..
و مدت لهما يدها فصفقا لها و قبلاها , فقبلتهما بحب و قالت : ..
-سأشتاق لكما حبيباي ..
ثم غادرت , ذهبت لعملها بشموخ كالعادة , مارست عملها بشرود غريب على طبعها بسبب رؤيتها لعاصم و نهي ...
و شعرت بالضيق و الغضب ..
لما الكل يسئ الظن بها ؟!! ماذا فعلت ؟!! هل أصبحت تصرفاتها في مستوى الشبهة !!
يظنوها خائنة و رخيصة و لعوب !!
أوف !! لكل تلك الاتهامات .......
و قبل نهاية اليوم جاءها استدعاء من المدير (دكتور عبد الحميد) , يخبرها بخبر سار - لكن و هل هناك خبر ممكن أن يسعد قلب مات بالأصل – كان الخبر الذي طالما تمنته لكن لم تفرح به !!
فقد أخبرها أنها ستصير نائبة له بالمشفى , انتظر أن يرى الفرحة في عينيها الذابلتين لكنه جاءه الرد : ..
-عذرا سيدي لا أستطيع ..
نظر لها بذهول و هتف : .
-هل أنتِ بعقلك , أما جلوسك الكثير مع المجانين أفقدك البقية الباقية من تعقلك .. أن تضيعين فرصة عمرك , منذ عملتِ هنا و أنت تنتظرين ذلك المنصب .. و لم يكن لشخص في مثل عمرك أن يصل لهذا المنصب .
-سيدي أنا .......
قاطعها بصرامة : ..
-ولا حرف ! أنتِ اليوم في الثلاثين من عمرك و بلغتِ ما لم يبلغه أصحاب الأربعين , إن رفضتِ الآن لن تأتيك فرصة مثلها و لو وصلتِ للخمسين ... بخبرتي أرى أنك تهذين .
-أنا ..
- قلت اصمتِ .. أسبوع , سأعطيك أسبوع لا غير , و تعطيني ردكِ مفهوم !
-حسنا !
قالتها بدون رضى .
فبماذا ستفيد المناصب و قد ضاع كل شيء !!
لكنها ستحاول استعادة عقلها و تفكر ..
و ماذا تستطيع أن تفعل غير ذلك !!
كانت لتغادر ! لكن أتاها صوت المدير الأجش قائلا : .
-انتظرِ ......
نظرت له فقال بهدوء : ..
-اجلسي يا رباب , لنترك الآن دور الطبيب عبد الحميد المدير و نرى عبد الحميد الأب , ماذا بك يا ابنتي ؟
تعجبت رباب من كلماته و قالت بحرج : ..
-لا شيء .. لا شيء !
-رباب أنا بعمر والدك ... ماذا بك يا ابنة راضي ؟
تعجبت رباب أكثر لم يناديها يوما سوى بالطبيبة رباب , فتابع هو : ...
-أعرف أنك متعجبة من الأمر .. لم أعملك يوما سوى برسمية لأنه العمل , لم أرد أن أشعرك بحرج أو أن تقديري لك بسبب شيء سوى قدراتك ..
استمرت على ذهولها و اتساع فمها يزداد , فقال : ..
-ماذا بك يا فتاة ؟ فمك كاد يقابل الأرض ..
انتبهت , و تنحنحت قليلا , و مازالت على حالة من الصدمة ..
-ماذا بك رباب ؟ لا تقولِ لي أنك لا تعلمين أني صديق طفولة والدك ..
-والدي !!
قالتها بـتأثر واضح , ثم تابعت باشتياق : ..
-حقا !! هل تعرف والدي !!
قالتها بلهفة , تعجب بعض الشيء من أنها لا تعرف لكنه قال : ..
-بالطبع .. كنا رفقاء و عملنا معا في هذا المشفى إلا أنا تزوج والدتك و سافر , بعد سنوات عديدة علمت عن موته ..
قالها بحزن واضح و تابع : ..
-و بعد أن أصبحت أنا مدير للمشفى حرصت على أن يكون مكتبنا معا كما هو لم يمس ..
-أبي كان يعمل هنا ... هنا .
ثم تلفتت و هي تتأمل المكان بحب ..
و أخيرا عرفت شيء عن والدها !! كم شعرت بالاشتياق له !! لقد كان مثلها !! طبيب ... طبيب أمراض نفسية مثلها !! عمل في نفس المشفى .. تجول في نفس الممرات .. تنفس نفس الهواء ..
ثم خطر في رأسها سؤال , ترى ماذا كان عمل والدتها ؟
بكت , بكت كثيرا !! بكاء مرير , بكاء بكل النكهات ... الغربة , الحنين , الاشتياق , الحزن , الأمل , الاحتياج ..
تشعر بالغربة بدونهما , الحنين و الاشتياق لأي شيء يحمل رائحتهما ... الحزن على كل لحظة من عمرها مرت بدونهما .. الأمل في أن تروى ظمأ جهلها بسلسبيل ذكرياتهما .. الاحتياج لاحتضانهما ... فلكم عانت وحدها ..
قام عبد الحميد من مجلسه , و ربت على رأسها المستند على المكتب وقال : ..
-رباب ! أنتِ..
نظرت له و دموعها على وجهها و قالت بخفوت متألم : ..
-أين مكتبه ؟ أرجوك قول لي أين هو ..
مد ذراعيه و قال : ..
-هذا هو !!
نهضت من مكانها , و أخذت تتحسس كل أنش في غرفة المكتب التي لم تكن تجرأ أن تتأملها حتى , مهابة و احتراما للمدير , فتابع هو عندما رأى حالتها الغريبة : ..
-كل شيء كما كان منذ ثلاثة و ثلاثون عاما , لم أجعلهم يغيروا شيئا فيها .. حتى بعد عمل الإصلاحات جعلتهم يعيدون لها لونها , لكن كل شيء كما هو ... حتى أني أشعر بأنفاس راضي و ضحكاته و مداعباته تملأ كل شبر في ذلك المكان .
اتجهت له و قالت بألم : ..
-تابع لا تصمت .. قل ما تعرفه عن أبي , و أيضا كل ما تعرفه عن والدتي أي شيء .
نظر لها بتعجب , فترجته قائلة : ..
-أرجوك !! أي شيء أي شيء ... أريد أن ألتمس ذكرياتهما , أخبرني أرجوك ..
رفعها لتقف و أجلسها على الأريكة , و أجبرها على ارتشاف بعض قطرات من الماء , و قال بإشفاق : ..
-لا تقولِ أنك لا تعرفين عنهما أي شيء !
أومأت برأسها في حزن , فهي لا تعرف عن عنهما أي شيء لا تعرف سوى اسم والديها ( نادية سالم الغندور & راضي الشماع )
-تعالِ معي !!
جذبها معه لتسير خلفه , سارت معه بخطوات بطيئة حائرة ضائعة ...
خرج بها من المشفى تحت نظرات نهي و عاصم المتعجبة ..
نهي بضيق : حتى الطبيب عبد الحميد المهيب لم ينجو منها ... ماذا تفعل للرجال ؟
فجأة وجدت عاصم يجرها من يدها لحديقة المشفى الخلفية بعد أن تأكد من أنها خالية ..
تأملت ملامح وجهه فرأته غاضب , غاضب بشكل لم تره يوما , أفلت يدها عندما وصل , همت أن تقول شيء لكنها صمتت , صمتت من ذهولها بسبب تلك الصفعة المدوية التي سقطت على وجهها من عاصم الذي هتف : ..
-اصمتِ !! ما الذي حل بك !! فقدت عقلك , لقد سمعت حديثكِ أنتِ و رباب البارحة ..... لم أصدق أن التي كانت تتحدث هي نهي من أحببتها و تزوجتها .. كيف أصبحتِ بكل تلك الأنانية ..
وضعت يدها على وجهها كرد فعل طبيعي بعد تلك الصفعة و قالت غير مصدقة : ..
-عاصم!!! لقد صفعتني من أ .. أ .. أجلها هي .
ثم اندفعت قائلة : ..
-إذن أنا على حق ... أنت و هي .
-اخرسي يا نهي ! لقد كنت أتباهي برجاحة عقلكِ ... لكن الآن أشك أنه تبقى لك عقل ... غبية .
رددت غير مصدقة أذنها : غبية !
تابع بحدة و قسوة : ..
-نعم غبية ! و جاهلة ... هل تعلمين عقوبة قذف المحصنات أظن أنك تعرفين و لكن لا تقدرين ما يحمله تفكيرك من معاني .. أحب أن أخبرك سيدتي أن هذا يسمى قذف محصنة عقوبتها 100 جلدة , لا تقبل لك شهادة , يوشمين بالفسق ... هل تتحملين ....
صمت هنية , فطأطأت رأسها خجلا , فتابع : ..
-هل تعلمين عندما فكرت في الزوج ذهبت لرباب ..
قاطعته مندفعة , و قد عمتها غيرتها عن أي شيء أخر فهتفت : ..
-لماذا ؟ و هل رفضتك وقتها فجئت تطلب يدي !!
وضع يده على رأسها من الجانب و حركه بخفة , نزرت له متعجبة مما يفعل , فقال بجمود و برود : ..
-كنت أتأكد هل مخك مازال برأسك أم ذهب إلي محل أخر ... حسب ما أعرف أنه لا يجوز أن أصرح لفتاة برغبتي بالزواج لها مباشرة , بل يجب الذهاب لأهلها أولا .. يجب أن أدخل الباب من بابه كما يقولون ... و هل كنت أعرف عنكِ أي شيء وقتها .. من بذكائكِ الخارق من الذي من الممكن أن أعرف منه عنوان منزلك ... هل تأكدتِ من غبائك و سوء ظنك .
صمتت و لم تجب فتابع هو : ..
-هل تذكرين منذ يومين عندما كنا فريق واحد اسما و فعلا .. كنا في غاية السعادة , في ذلك اليوم تجرأت و قولت للطبيبة رباب باسمها و ما كان السبب , السبب كان أنتِ , أننا تزوجنا ..
-لكن يبدو أنك أنت نسيت أني أنا زوجتك و لست هي .. بماذا تفسر خوفك الغير مبرر عليها .. في ذلك اليوم نظراتك تغيرت .. و كأنك تزوجتها هي , كدت تقوم لها بتنفس صناعي يا عاصم .. و بالطوك الطبي الذي غطيتها به , كل هذا كان يجب أن أفعله أنا .. لكنك لم تصطبر و لم تقدر .. بماذا أفسر كل هذا ؟!!!
بكت و هي تتم كلامها التي كانت تلقيه كقذائف في وجهه , لا يمكنه أن يصدق من تقوله .. و لا بأي شكل من الأشكال .. هذه ليست حبيبته .. مستحيل !!
فقال بحسرة : ..
-يسمى إنسانية .. تسمى رجولة .. تسمى مروءة .. تسمى إخوة .. يسمى شرف المهنة .. يفسر على أنني عاصم , الذي لا يضع أهمية للظروف و لا للوضع عندما تصبح حياة شخص على المحك .. أي شخص .. ادخلِ كلماتي في عقلك هذا علك تفهمين شيء , أي شيء .. و عمن أنتِ تتبجحين .... الطبيبة رباب .. من اعتبرتكِ أختها , لم تبخل علينا بأي شيء .. لم تدخر معلومة أو نصيحة إلا و قالتها لنا .. لم أرَ أخت تعامل أختها كهذا , كما رأيت رباب تفعل معك ... خسارة يا نهى ألف خسارة ... من الأفضل أن نعيد التفكير في شأن علاقتنا ... وداعنا .
ثم غادر و خطواته أقرب للعدو منها إلي المشي , لم يتحمل كيفية تشوه أفكارها حتى صار يغيم على جملها ... سوء ظنها و سواد أفكارها حولها في نظره كمسخ مشوه , لا حب , و لا جمال و لا براءة و لا أي شيء بعد الآن يشكل فارقا ..
...
أما هي كانت واقفة في مكانها متيبسة , لا حراك و لا صوت و لا حركة و لا أحد ... فقط صوت الرياح تحرك أوراق الأشجار حولها , و كأنها تلومها هي الأخرة على تصرفاتها الخرقاء و على كلماتها الجارحة ...
بقدر ما كانت كلمات عاصم جارحة ...
إنه نادم على ارتباطهم , يفكر في الانفصال ... أهي النهاية الحتمية لقصتنا التي لم تبدء بعد يا ... يا ... يا ... حبيبي , لم أتجرأ على قولها في حضورك و ها هنا أقولها بكاءً على أطلالك يا عاصم ...
هنا سقطت على ركبتها ترثى نهاية قصة حبهما ... لتندفع بعدها إلي الخارج .. إلي أي مكان بعيدًا عن الناس , و أين هم الناس , لم يبقَ أحد ... لا عاصم و لا رباب و لا رفيق ... و داعًا .. لك أنتِ أيضا يا نهي ..
================
في شقة الدكتور عبد الحميد ,,
دلفت رباب خلفه بخطوات خجلة , لا تدري كيف طاوعتها قدميها لتطأ منزله , لكنه حتى لم يدع لها فرصة لتعترض حتى ...
و بعد ترحاب زوجته به .. انتبهت أخيرا لتلك الضيفة معه , فنظرت لزوجها بنظرة فهمها , فبادر قائلا : ..
-رحبي معي بضيفتنا العزيزة ... لن تصدقيِ هذه رباب راضي الشماع ..
-لا تقول لي أن تلك الجميلة ابنة راضي و ابنة نادية .. لا أصدق ... و كيف لا و هي نسخة عنه ..
و ثم أمطرتها بالقبلات الدافئة و احتضنتها , تشنجت رباب مكانها , لا تعرف ما تفعل لكنها استسلمت بسرعة للدفء المناسب من تلك المرأة التي لا يختلف اسمها كثيرا عما شعرته معها .. حنان ... كم يليق بها اسمها حقا ..
دقائق و كانت رباب جالسة على السفرة معهم .. و حنان تضع في طبقها كل أصناف الطعام , بل و تطعمها قسرا و تقول : ..
-كلي يا حبيبتي .. يا غالية يا ابنة الغالي و الغالية ..
ادمعت عيني رباب بالتأثر الواضح و هي تكاد تجزم أنها لم تلق اهتماما كهذا في حياتها ... بل لم يهتم أحد لا لطعامها و لا لشكلها و لا لصحتها أبدًا ..
لكن كثرة الطعام في فمها أعاقت ترف المشاعر هذا و قالت لحنان و هي تطعمها أكثر : ..
-كفى أرجوكِ .. لو وضعت لقمة أخرى سأغص بها .
لوت حنان فمها و قالت بغير رضى : ..
-ما الذى تقولينه .. انظرِ لنفسك تبدين شاحبة كثيرا .
عبد الحميد بابتسامة : حنان ! زيارة أخرى و ستجعلينها كالبرميل , و أنا طلباتي في المشفى كثيرة و لا أحب الكسلى أبدًا .
لوت حنان فمها بطفولة و قالت لرباب هامسة : ..
-هل يزعجك كثيرا في المشفى ... أفشيك سرا ذلك الرجل المتسلط الذي تهابونه ـــــ
-سمعتكِ يا حنان ... و لا تكملِ و أنتِ تعلمين أني سـ ...
-ماذا ستفعل ؟! مثل ذلك الكلام تخيف به أطباءك , لكن أنا لا أخاف ..
قال لها بنص عين : ..
-حقا !!!!
قالت حنان بابتسامة مرتبكة : ..
-أحيانا كثيرة لا أخاف ..
لم تملك رباب إلا أن تضحك ضحكة رائقة متألقة تماما مثل روحها التي طارت عنان السماء من السعادة و هي تتخيل نفسها هكذا وسط عائلتها الحقيقية ..
صمت كلاهما أمام ابتسامتها و قد هدأ حوارهما قليلا و انخرطا معهما في الضحك , إلي أن قالت رباب : ..
-لم أضحك هكذا منذ زمن ..
حنان : و لما حبيبتي ! لا تلقى بالا بأي شيء .. فقط ابتسمي , هل تعلمين ضحكتك تشبه كثيرا ضحكة والدتك كثيرا ..
رباب بدموع زينت مقلتيها : ..
-هل تعرفيها ..
-كانت تزورنا هي و راضي إلي أن أصبحنا صديقتين مقربتين .
-هل تملكين لها أي صور ..
ابتسمت حنان و قالت : ..
-نعم ! لدي الكثير سأريكِ إياهم على شرط ..
نظرت لها رباب بترقب شرطها , إلي أن أمسكت بملعقة طعام تدسها في فمها و قالت : ..
-أن تنهي طعامك ..
تناولت رباب تلك اللقمة , و هي تنظر لعبد الحميد لتستغيث به , لكنها وجدت ابتسامة على وجهه و هو يشرب العصير , إلي أن قال : ..
-في نقطة الطعام خاصة ... لا حكم لي , لها الحكم المطلق .
رباب بشرود و كأنها تحدث نفسها : ..
-مضى زمن طويــــــــــــل , طويل جدًا لم يهتم أحد بطعامي , دائما يجب أنا أهتم بنفسي و بالجميع ...
غمرتها حنان بحنانها الفطري , و هي تشعر و كأنها ابنتها بحق , مضى الحديث بكلام ودي لطيف , مضحك , و مفعم بالحنان ... استأذنت فيها رباب حنان بالاحتفاظ ببعض الصور و ودعتهم على وعد بزيارة أخرى ... بعدها بكت رباب بكاء هستيري في سيارة الأجرة و هي تحضن صورة والديها ..
================
في شقة سمر في الحي الشعبي ,,,
دلفت للداخل من الصغيرين بعد قضاء و قت ممتع ... بعدها اغتسلوا , و جعلتهم ينامون قليلا .. حتى تعد الغداء ... و كانت تدندن بعض الألحان في انتظار شخص هام ... دق جرس الباب , فشعرت بالراحة , و أسرعت نحو الباب , لتفتحه دون تفكير و اندفعت قائلة :..
-و أخيرا أتيت يا سعادة الباشا ... هل .... ؟!!
عقدت حاجبيها بشدة و هي تتأمل الزائرين الغريبين و تمتمت ببعض الكلمات غير المفهومة .. إلي أن قال أحدهم بضيق : ..
-هل سنتحدث على الباب ؟!!
تذكرت سمر شيئا , و شهرت سبابتها و أشارت تجاه شخص غير الذي تحدث و قالت : ..
-أنت .. أظن أننا التقينا ... أنت ..
قال مراد برزانة : نعم أنا من أتيت البارحة في طلب رباب .. و الآن أريدها .
-لكن رباب ليست هنا الآن .
تمتم مراد بضيق قائلا بصوت غير مسموع : ..
-عادت إلي ألاعيبها الصبيانية مرة أخرى ..
قال سالم بنفاذ صبر : ..
-ألم أقل لك مراد .. إنها تتلعب بنا ابنة راضي أتت بنا لتذلنا و ها هي من تخلف اتفاقها ... هل تظن أننا تحت أمرها .. قسما بالله لولا حالة غنا لكنت ..
مراد : اهدأ سيد سالم ..
-و لما أهدأ هي هكذا منذ زمن لن تتغير أبدًا .. انتهازية و لقد سنحت لها الفرصة لتدّلل علينا و تملي شروطها و هي تظن أن علينا السمع و الطاعة .. من تظن نفسها أنا سالم الغندور و أ..
-اهدأ ..
سمر بحدة : هاي أنتما .. نحن في حي شعبي دبة النملة كصهيل الجواد هنا .... كما أنني لا أسمع لأحد أن يقول كلمة عن رباب ..
نظر لها مراد يحول تبين العلاقة بينهما التي تجعلها يدافع عنها بقوة بعيد عن حالة الضعف التي شهدها عليها أمس , أما سالم الغندور فرمقها بنظرة قوية و قال : ..
-ومن ...
قطعه صوت من خلفهم يقول : ..
-ماذا يحدث هنا ؟!!!!!!!!!!
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...