٤٠

748 27 0
                                    

الفصل الأربعون
-كان من المفترض أن تأخذ الأم مصل عقب الولادة في زمن أقصاه ٣ أيام ليدمر تلك الأجسام المضادة المتكونة .. و بما أن زوجتك لم تأخذها فستتعرض للإجهاض .. القرار بين أيديكما !
ران الصمت لبرهة قصيرة قطعها وائل هاتفا :..
-نعم ! لا نريد الطفل , الأهم أن تكون رباب بخير .
قالت رباب مندفعة :..
-لا ! أنا أريد ذلك الطفل ! هناك حل ........ أن يتم تغير دم الجنين!
الطبيبة : لكن تلك عملية دورية مكلفة بالإضافة لكونها شاقة على الأم .
رباب :و أنا موافقة !
هتف وائل قائلا : ..
-لا ! أنا غير موافق ..
=سأترككما تقرران و أخبراني بقراركما .
و لما غادرت الطبيبة ، جلس وائل أمامها ، حاولت التحدث فوضع يده على شفتيها و قال :..
-لا !
رفعت يده و قالت :..
-لما يا وائل ؟ أنا أريد هذا الطفل ... و كأنه الله أراد أن يعوضني عن فقدان سليم .. أنا أحتاج هذا الطفل بشدة أرجوك .
-لا يا رباب ! أنا لن أتحمل .. لن أتحمل ...
هتفت هي بانفعال : ..
-لن تتحمل ماذا  ؟ لن تتحمل مسئولية طفل أخر  ..
-بل لن أتحمل أن أراكِ تتألمين و تتوجعين و بسببي ثانية ، كل يوم سأتذكر تلك الليلة ؟ سأتذكر ما فعلته بكِ ... و أنا متأكد أنك لم تأخذِ تلك الحقنة عمدا لأنك لم ترغبيّ بطفل مني بعدها .. أنا أعلم و معك حق .. حتى أنا بت أشمئز من نفسي ،  لكني بالفعل كنت أرغب بطفل منك مرة أخرى ، كنت منغمسا في ملذاتي فلم أشعر حلاوة شعور الأب ذاك ، لم أكن أول من يتلقف ولديّ بين ذراعي ، لم أمسك يدهما لأعلمهم أولى خطواتهم ، لم أستمتع معهما قط ، لذلك كنت أطير فرحا و عندما علمت أنك تحملين ابني .... لكني لن أتحمل أكثر ، لن أتحمل رؤيتك بتلك الحالة ..
و لأول مرة ترى دموعه تبلل خديه ، و هو يبكي من أجلها هي !
أمسكت يده بضعف و هي تهمس بتأثر من كلماته التي شعرت بصدقها و حرارتها :..
-إن وعدتني أن تكون بجانبي ، تقوي عزيمتي .. فسأتحمل ! أرجوك يا وائل أن أريد هذا الطفل و الله سيحفظه و يحفظني أنا متأكدة .
ضمها بقوة حتى كاد أن يدسها بين ضلوعها و هي يدعي بقلبه أن يحفظها الله .
كان يأبي أن يتركها ، خائف أن تضيع من بين يديه  ، فتمتم باكيا :..
-يا رب .. يا رب !
=================
بعد مرور 4 أشهر ،،،
جلس مراد في شقته في غرفته شاردا بعض الشيء .
مر 3 أشهر أخرى و غنا على نفس الحال ، و العلاج عن بعد الذي يتبعه هو و رباب لا ينفع على الإطلاق .
و غنا لم تعد ترحب بوجود رباب أبدا ، و كأنها تبدلت لواحدة أخرى منذ تذكرت بعض ذكريات الماضي على حد قول رباب ..  إذا ماذا سيحدث إذا تذكرت جميع ذكريات الماضي ؟!
مازال يتذكر جيدا حفل زفاف عاصم و نهي حيث دعاه عاصم إلي الحفل ،  و بالطبع كانت رباب و وائل من أوائل المدعوين .
*****فلاش باك *****
أصر مراد على حضور غنا حفل زفاف عاصم معه ، سعد عندما وافقت على الأقل ستخرج من صومعتها ..
سافروا منذ الصباح الباكر إلي القاهرة حيث حفل الزفاف ، أقاما هناك في فندق ..
-ماذا ستردين في الحفل ؟!
كانت شاردة ، أفاقت على ربته على كتفها ، فارتدت إلي الخلف بسرعة ، زفر هو بضيق فلا داعي لكل هذا الخوف منه ، حاول أن يخفي ضيقه و قال :..
-ماذا سترتدين الليلة !
-هاه .. أي شيء لم أخطط لشيء معين .
-أوف !!
قالها لنفسه ثم توجه للخارج و قد لاحظ بالفعل أنها لم تجلب معها ثياب أخرى ، فقرر أن يفاجئها و ينتزع منها أي ردة فعل ..
انتقى لها فستانا باللون الأزرق الزهري يليق بفراشته الزرقاء و حجاب رقيق من اللوب الأبيض ..
و لما حضر المساء وضع لها الفستان بطريقة رائعة على الفراش و وضع لها ورقة خط فيها " أريدك أن تكوني أميرة الليلة " ثم وضع وردة زرقاء على الورقة أعلى الفراش ..
و دخل هو إلي المرحاض ليبدل ثيابه و تعمد أن يصدر صوتا من الداخل لتتصرف بحرية ..
كانت هي في الشرفة و لما خرجت وجدت ذلك الفستان البسيط  الرائع فضمته إليها بقوة و دارت به قليلا و هي تستعيد القليل من روح غنا السابقة اللطيفة المبتسمة و المنطلقة .
و لما رأت الوردة و الورقة ابتسمت بإشراق , و كان هو واقف يراقبها بأريحية كبيرة .
لما وجدته واقفا يراقبها توقعت عما تفعل و قد شعرت بغبائها و تهورها .. و لما رفعت بصرها إليه و جدته يرتدي حلة سوداء و قميصا أبيضا و رابطة عنق باللون الأزرق و بها خطوط بيضاء بسيطة و يضع منديلا أزرقا في الجيب أعلى السترة .
شعرت و كأنه أراد بالفعل أن يرتديا نفس الألوان فأخفت ابتسامتها لكن قلبها أعلن استسلامه تماما و بات صوت دقاته مسموعا ..
و لما رأت العبث و التسلي في عينيه برؤيتها مضطرة ، و مرتبكة .. ثم قال :..
-أنا أعرف تماما أني وسيم فلا داعي لتطيلي التحديق فيّ .
دفعته من أمام باب المرحاض لتدلف و هي في قمة خجلها و ارتباكها ....
ابتسم في نفسه و هو يقول " و أخيرا يا غنا "
بعد لحظات خرجت غنا ، كانت تشع جمالا .. كأن يقف مبهوتا بذلك الجمال الرباني بدون أي مستحضرات تجميل ، كانت طلتها بالفعل كما يطلق عليها دائما " الفراشة الزرقاء "
ثنى ذراعه الأيمن لتتأبط ذراعاه و قد شعر كلاهما بشعور  رائع و قدد قرر كلاهما أن ينسيا كل مشاكلهما لليلة ، ليلة واحدة فقط ...
.........
استقلا السيارة نحو الحفل .
دلفا إلي الحفل متأبطين ، فالتفت أغلب الحاضرين ليشاهدوا ذلك الثنائي المميز !
كانا بالفعل متألقين و مميزين ، لم تكن غنا تعرف العريس أو العروس فهي لم ترهم قبل ذلك في المشفى ، و قد شعرت بالرهبة قليلا من تحديق الناس بهما ، فتشبثت بمراد ، التقط أحدهما صورة لذلك الثنائي في غفلة منهما .
بينما اتسعت ابتسامة مراد عند تشبثها به ، و تقدم بثقة نحو منصة الزفاف ليهنئ العروسين .
رحبا عاصم و نهي اللذان كان في قمة سعادتهما بمراد و غنا ، ثم قالت نهي بحماس :..
-لكن أين دكتورتنا الهاربة .
عاصم : نعم ! أين قائدة الفريق .. هي أخت العروس كان من المفترض أن تكون أول الحاضرين و إلا ..
ثم همس لهما كي لا تسمع نهي :..
-و إلا لن تسلم من زوجتي المجنونة !
-عااااصم ! هل تقول شيئا ..
قالتها نهي بتهديد ، فوضع يده على كتفها و قال :..
-هل تعرفين عني ذلك يا نهي ..
-أنت ذلك عينه ..
انفجر كلاهما في الضحك ، رغم انزعاج غنا من معرفتها بقدوم رباب .. لكنها ضحكت بالفعل على مرحهم ، بينما قال مراد :...
-أين الرجولة ؟!!!
فضحكوا ثانية .
"اشتروها من المحل القريب ، فهذا زمن النساء "
قالها وائل الذي كانت رباب تتأبط ذراعه ،  فقالت رباب بغضب مصطنع :..
-هل لديك اعتراض ؟
-بالطبع لا !
فضحكوا جميعا بينما هم مجتمعون تم التقاط صورة فوتوغرافية لهم .
بينما نظرت غنا للجهة الأخرى ، و رباب باركت لزميلي العمل و احتضنت نهي كثيرا .
كانت رباب تحاول النزول من على المنصة بفستانها الباذنجاني الطويل بتلك الدرجة اللامعة و حجاب باللون الموف ، فتعثرت و كادت تقع لولا أن يد وائل كانت الأسرع فأسندها ..
-احترسي  !
-خيرا ! خيرا  .
-قلت لك فوق المليون مرة أن تحذري ، ألا تستطيعين السير دون تعثر  ..
وضع يده على بطنها هاتفا برقة :..
-أنت بخير يا حبيبي ! أنا أسف والدتك مهملة أنا أعرف .
كادت لتضحك لكنها انتبهت أن عاصم و نهي و مراد و غنا حدقن بهما ، ثم قالت نهي :..
-رباب أنتِ حامل !
احمر وجهها خجلا ، ثم نزعت يده من على بطنها و وضعت يدها عوضا عنه ، ثم هربت من أمامهم بسرعة ..
-رباب ! انتظري .. انتظري .
ثم تتبعها حتى الطاولة التي كانت تجلس عليها سمر مع "هنا " .
حاول وائل أن يسترضيها لكنه كانت متضايقة من أنه أخبر الجميع ... و بعد فترة استطاع أن يجعلها تضحك ، و بعد برهة هتف وائل لسمر :..
-لكنه زفاف رائع ، العقبي إن شاء الله للأستاذة .
سمعوا من خلفهم صوت يقول بصوت مرتفع " آميييين "
-بلال !!
قالتها سمر متفاجئة من قدومه فجأة ، خطفت نظرة نحو رباب فوجدتها مبتسمة فعلت أنه تخطيطها و قد لاحظت سمر اهتمام رباب بزي سمر ، و قد انتاقته بنفسها !
ألقي بلال السلام و صافح وائل الذي عانقه مبتسما .
ثم أمسك ذراع سمر و جذبها لتقف جواره فهتف وائل بغضب مصطنع :....
-إلي أين تظن نفسك ذاهبا ؟!
قال بلال و هو يبتسم له بسماجة ليغيظه : ..
-و ما دخلك,  هي الآن زوجتي و يمكنني أن أمنع عنها حتى رؤيتك إن أردت .
و الجدير بالذكر أن سمر و بلال قد تم عقد قرانهما ، و في انتظار حفلة الزفاف .
ثم جذبها لتسير معه نحو الخارج و هي تكاد تتعثر بفستانها السكري الطويل .
همس وائل لرباب :..
-جيد أنكِ تركونا وحدنا قليلا .
-ليس تماما ! " هنا " مازالت هنا .
قالتها بمشاكسة ، بينما جاءه هاتف ، فتركها ليجيب و قد أحبت "هنا " أن تذهب معه ، فاضطر أن يأخذها معه .
•••••
شعرت رباب أنها بحاجة للهواء المنعش فنفسها بدأ يضيق بالفعل بسبب كثرة المدعوين .
خرجت إلي الحديقة و لم تنتبه إلي من أتت خلفها مدعية أنها ذاهبة للمرحاض !!!
-مبارك حملك !!
انتبهت لها رباب و قالت :..
-غنا ! لقد اعتقدت أنك لن تحدثيني بعد ذلك ، على العموم العقبي لك .
-أرى أنك قد سامحتِه أيضا عل كل ما فعله بكِ ، شخص مثله لا يستحق ..
-و أنا قررت أن أسامحه ، حبي له غلب حقدي عليه ... القوي فقط من يملك القوة كي يسامح ، و أنا لست ذلك الشخص الذي يعزل نفسه في صومعته و يترك الدنيا خلفه ، و لا يري ما حوله من النعم .
كانت رباب تقصد غنا بكلامها ، و غنا فهمت و أبت إلا أن ترد :..
-و لما إذن لم تسامحي جدك الذي وقف جوارك في أصعب موافق حياتك ، و هو الذي استطع أن يقف أمام زوجك هذا لما فعله لكِ ..
-كنت أقول دائما يا غنا أنك مدللة جدك و لكنك لم تصدقيني يوما .... عندما لا تعرفين شيئا من الأفضل أن تصمتِ .... أم أنك لم تصدقي ما قولته لجدك ليلتها .. كل كلمة قلتها كانت صحيحة ، و أنتِ تريدين مني أن أنسى دموع أمي و آهات أبي ، و معاناتي أنا طوال تلك السنوات في ثوان ، الأمر لا يخصني وحدي بل يخصني أنا و أمي و أبي !! حتى أن والدك ليس مبرئا أيضا ...
-أبي ! و ماذا فعل لكِ ... لقد كان يعاملك مثلي لم يفرق بيننا !
-قلت لك الأمر لا يخصني ، ألم يكن موجودا لما لم يرفع الظلم عن أمي .
-رباب أخرجي أبي من رأسك !!!
-أردتكِ فقط أن تعرفي أنك لست وحدك من يملك الهموم ، الجميع يتألم لكن الجبان فقط من يقف هناك و لا يعيد التجربة ، فلا تتصرفي كالنعام و تدفني رأسك في التراب !
وجدت مراد خلفها يربت على كتفها ، فاقشعر بدنها أسفل لمسته ، لكنها وجدته يقول :..
-نعم يا غنا .. أنت قوية كفاية كي تكسري حاجز الخوف هذا , و تمضي في طريقك .
=و هل كنت مشترك معها في التمثيلية و جلبتني إلي هنا قصدا يا مراد ! أنا أريد أن أذهب الآن .. الآن و إلا سأرحل وحدي .
أشارت له رباب كي يفعل ما تقول فحالتها الآن غير مناسبة لأي جدال .
قادها نحو السيارة فذهبت دون أن تبس بكلمة .
.....
أما عند بلال و سمر ،
كان بلال يغازلها بكلماته و بعد برهة قال :..
-سمر هل تعلمين أنك جميلة جدا الليلة .
ابتسمت بخجل ..
-سمر ألن تتحدثي ؟! أنت الآن زوجتي ..
قالت هي بهمس : ..
-و أنت ..
-ماذا ؟!
قالت بخجل كبير :..
-و أنت أيضا وسيم الليلة .
هتف قائلا : الله أكبر و أخيرا .
.............
أنهي وائل هاتفه و قد سمع خبر أحزنه و هو أن منزل والديه الذي كان يعيش فيه سيعرض للبيع في المزاد العلني ، فأخبر عماد هو أن يتم الأمر و يسلمهما الأوراق و هو سيبعثها له ، فهو لن يستطيع أن يرى منزل عائلته يباع في المزاد ..
بحثت رباب عن وائل حتى وجدته ، رأته واجما رغم ما حاول ادعاءه من ثبات ..
-وائل ! ما الأمر ؟!
-لا شيء ! هل نذهب .. لدينا طريق سفر طويل !
-وائل لا تكذب عليّ .. تستطيع أن تشاركني مشاكلك .
-رباب !  كفى .. نادي سمر !
-لن نذهب إن لم تقل  ...
قالت " هنا " :..
-سيباع منزلنا يا أمي .
قال وائل زاجرا :..
-"هنااا"
-إن كان هذا ما يزعجك يا وائل ، فأرجوك لا تحزن ..
ثم وضعت يدها على يده ، و قالت :....
-وائل لقد تعاهدنا على أن نساند بعضنا ، سنعيد بناء حياتنا كما كان يجب أن تكون ، لا مشكلة يا وائل سنعمل معا يدا بيد ، و سنستعيد منزلنا من جديد أنا متأكدة .
ثم أعطته أجمل ابتسامتها ، احترت لما طال سكوته لكنه فجأة قبل يدها ، ثم قبل رأسها و قال :..
-بارك الله لي فيكِ يا أجمل هدية أهداها لي القدر .
•••••••••••••••••
وصل مراد و غنا إلي الشقة بمجرد أن أقفل مراد باب الشقة ، حتى انفجرت فيه غنا قائلة :..
-إذن كنتما تخططان معا أليس كذلك ؟!!!!!!!
-أليست هذه رباب ، أختك و ابنة عمتك و طبيبتك التي كانت الوسيط الوحيد بيننا و بينكِ ....
-إذن أن تراني مجنونة ، طلق هذه المجنونة و ارح نفسك .
فجأة وجدت نفسها مكبلة بيديه و هو يهتف :..
-توقفي عما تفعلِ يا غنا .. هل هذا جزائي أنني أقف بجانبك ، ليس معنى صبري هذا أنني لا أستطيع التحكم في زمام الأمور .... لا !! أنت لا تعرفين مراد شرف الدين يا غنا .
كانت مقيدة تماما لا تستطيع التحرك قيد أنملة ، فقالت باكية :..
-و مراد شرف الدين لا يريد مساعدة غنا خالد الغندور بل يعوض ما فشل عن فعله مع فتاة تشبهها ....
هتف فيها قائلا :..
-هل مازال هذا الأمر في رأسك .. أنتِ مجنونة هذه الفتاة لم تكن موجدة قط ، فعلت ذلك فقط لأجعلك تقبلين المساعدة ...
-إذن كنت تكذب عليّ ، لست وحدي إذن من يكذب يا مراد .. كم مرة كذبت عليّ إذن ....
زفرة حارة انطلقت منه و هو يترك يدها و قال في ضيق :..
--افعلي ما تريدين يا غنا ! أنا استسلم , لقد فاز الضعف فيكِ على أي شعور أخر .
لم يكد يتم جملته حتى وجدها تصفع الباب خلفها .. مغلقة الستار على تلك الأمسية .
****** عودة *****
في شقة والديّ رباب ،،،
كانت سمر أول المستيقظين كالعادة ، أيقظت " هنا " لتعد نفسها للمدرسة ، و وقفت هي في المطبخ تعد الإفطار ، فهي تريد أن تجعل رباب ترتاح فقد كانت بالأمس في المشفى مع وائل حيث قاموا بتغير دم الجنين و قد عادت رباب منهكة تماما ، تركها وائل تنام و ذهب هو إلي عمله المسائي كنادل ..
تململت رباب في نومها ، و كعادتها بدأت تتحس مكانه من الفراش ، فزعت عندما وجدته خالي .. و جلست بسرعة تنادي على وائل .....
و كأن الوقت لم يمر و عادت ذكرياتها و مخاوفها التي لازمتها فترة طويلة ، شعرت بشرخ نفسي هائل ..
فوجدته فجأة جالس أمامها يربت على كتفها و يقول بلهفة :..
-ماذا حدث أنا هنا ! هل تشعرين بشيء ..
-أين كنت ؟ أجبني أين كنت يا وائل ؟
-كنت هنا ..
أشار إلي ركن في الغرفة كان يفترش فيه بسجادة الصلاة ، فوضعت يدها على صدرها فوق قلبها مباشرة لتطمئنه .
فهم هو من صمتها ما عجزت عن البوح به فضمها إليه قائلا :..
-أنا أعلم أنك لم تستطيعِ أن تثقي بي بعد ..
-لا يا وائل ! أنا ..
مسد علي شعرها بلطف و هو يقول :..
-رباب ! أنا بدأت أتفهم .. الخوف الذي دام سنوات لن تمحه بضعة أسابيع ، و لكِ الحق ، لكني أعدك أني سأغرس بداخلك الثقة بي غرسا ، مثلما كنت بداية لطريقي الذي استقام بك ..
-صدقني هي مجرد عادة أن أتحسس مكانك من الفراش .
قالتها بعفوية و لم تدرك ما يترتب عليها ..
فقال وائل بعبث :..
-هكذا إذن ، إذن لا مانع لديكِ من أتخذ لنفسي عادة أنا أيضا .
نظرت له بعدم فهم ، فأصر على أن يجعلها تفهم فعلا لا قولا ..
فقبل وجنتها اليمني و هو يهمس بصوت أذابها :..
-صباح ..
ثم قبل وجنتها اليسرى و هو يتابع همسه :..
-الخير .. يا حبيبتي
كاد ليكمل و هو يعرف وجهته القدمة لكنها دفعته بيدها ، فضحك كثيرا على مظهرها و تلك الحمرة التي اجتاحت وجهها ثم هتفت :..
-تحشم يا أبا سليم  ..
-لكل واحد منا ما اعتد , يا أم سليم .
ابتعد بعينيه عن عينيها و هو يعي تماما نظرة النفور في عينيها إلي جانب خجلها , نعم صعب عليها أن تنسى , رغم ما تدعيه من مسامحة , حتى و إن كانت لا تقصدها لكنه شعر بها , فقبل بطنها الذي برز قليلا , حتى قال لها ذات مرة أنه يشك أنها ليست حامل و قال :..
-صباح الخير يا سليم .
التفتت رباب لتجد أن النور قد شق الأفق فقالت متبرمة :..
-لم نصلي الفجر .
-أنا عن نفسي فعلت و أيقظت سمر ..
-ولما لم توقظني يا وائل .
-لقد كنت متعبة كثيرا يا حبيبتي .
-أرجوك يا وائل في المرة القادمة أيقظني .. كما أن سمر بالتأكيد بدأت في اعداد الإفطار ، و يجب أن أذهب و أساعدها ..
-رباب أنتِ هكذا ترهقين نفسك .
-لا تقلق زوجتك مقاتلة ... سأذهب لأساعدها في إعداد الفطور .
ثم ابتسمت له و قبل أن تغادر أوقفها قائلا :..
-رباب أريد فطورا مميزا .
-هل تريد شيئا بعينه .
فقال بعبث و هو يغمز لها :..
-أريد أن أكلك أنتِ ..
فرت من أمامه هاربة بسرعة و صفقت الباب خلفها ، و بعدها ابتسمت ابتسامة خجولة .
حمدت الله كثيرا على نعمه ، برغم من أنهم فقدا ولدهما الحبيب ، و فقدوا منزلهم ، كما أنها افتقدت دكتور عبد الحميد و زوجته حنان و فرغ القاهرة فحيث أن أعمالها في فرع الإسكندرية كثيرة لا تستطيع تركها ، و هم جميعا استقروا هنا ، و لم يعد يملكون في القاهرة سوى المشاكل فقط ...
أعدوا الفطور و ذهبت هنا في سيارة أجرة إلي المدرسة حيث أن سمر ليس لديها عمل في المدرسة و لديها الكثير من الأعمال في المنزل ، و ذهب وائل إلي عملها الصباحي في المصنع ، و أما رباب فأخذت تلملم أوراقها لتذهب إلي المشفى و كانت تتحدث مع سمر في أمر يؤرقها :..
-سمر ! أنا أريد أن أسلم سالم الغندور كل شيء يتعلق بحساب المصرف الذي فتحته باسم غنا ... أريد أن أنهي كل شيء ، و أنتبه إلي حياتي و أطوى صفحته من كتابي .
-فكرة أن تنهي تلك الصفحة فكرة راجحة ،رغم أني لم أكن موافقة على فكرة حساب المصرف من الأساس ، لا أحد يعيد لأهله المال الذي أنفقه عليه أبدا ..
-هذا إن كانوا حقا أهله ، الأهل يفعلون بدافع الحب لا الواجب ، هل لكِ أن تتخيلِ مرارة الشعور عندما تجدي أنك طوال حياتك كنت عبء على أشخاص لم يحبوكِ قط ، أني كنت أعيش تحت سقف واحد مع من كان السبب في موت والديّ ..
-رباب ! افعلي ما يريحك .
-بالتأكيد سأفعل ، عندما ينتهي دوامي سأذهب إليه .
كادت لتغادر ، لكنها عادت لتسأل :..
-سمر  ! أخر ليلة لنا في الشاليه كان معي حقيبة بلاستيكية بها أجندات ، هل تعرفين أين هي فأنا أبحث عنها منذ مدة.
-لا لم أرها .
-أين ذهبت يا ترى .
-رباب ! تولي أنت اصطحاب " هنا " من المدرسة ، لأني سأذهب بعد الظهر لأساعد بلال في تحضير حفلة افتتاح المصنع من جديد ، لا أدري ما أهمية تلك المظاهر الفارغة .. لقد أخذ عدة قروض من البنك حتى يضيعها على الحفلات .
-تلك الحفلات ليست للمظاهر فقط ، بلال يريد أن يبدأ بقوة و يعيد إرساء قواعده ليثبت أنه عاد أقوى بكثير ، بالإضافة إلي دورها في الدعاية .
-أدعو من الله أن يوفقه .
-بإذن الله .
ثم توجهت إلي عملها .
==============
في شقة مراد ،،،
تسللت غنا بهدوء إلي غرفة مراد ، كان في المرحاض يستحم قبل الذهاب لعمله ، رأت سترته الموضوعة على الفراش فبالتأكيد هذه التي سيرتديها اليوم ، دست فيها ورقة ،  و حاولت أن تسلل عائدة إلي غرفتها ، و لما فتحت الباب وجدته أمامه و قد كان يخفف شعره بالمنشفة ، عقد بين حاجبيه لما رآها أمامه ، فقد شعر و كأنها نست أنه تقيم معه في شقته فهي لم تعد تخرج من غرفتها إلا عندما تتأكد من مغادرته منذ ما يزيد عن شهر و نصف تقريبا ، حتى كاد ينسى قسمات وجهها ، لاحظ احمرار خديها و ارتباكها ، فيبدو أنها لم تكن تخطط لتجده أمامه ، لكنه سيستغل فرصة خروجها من غرفتها ، فعكس وضع المنشفة لتحاصر رقبتها من الخلف و يمسكها هو بيديه ، قرب وجهها من وجه و قال :..
-ماذا أتي بك إلي غرفتي .
ازدردت لعابها بارتباك من تقاربهما هكذا ، و بردة فعل سريعة ، قلصت طولها و طأطأت رأسها لتهرب من حصر المنشفة ، ثم ركضت  إلي غرفتها و أوصدت الباب خلفها !
حك رأسه بعصبية و طرق على بابها بعنف و هو يقول :..
-غنا ! افتحي .. يا غنا .. هل ستستمرين في الهروب إلي اللانهاية يا ترى ... غنا ! هل أنتِ مرحبة بذلك الوضع ، لماذا أردتِ أن تأتي معي إذن .. هل سنظل كالغرباء في منزل واحد ، أنتِ لا تبوحين بأي شيء و لا أحد يستطيع أن يساعدك طالما أنتِ هكذا ! و   أنا مللت .... مللت !
================
مر اليوم بسرعة ،،،
أنهت رباب دوامها متأخرا ، حوالي الخامسة مساءً و قد اقترب أذان المغرب .
ركبت سيارة أجرة و قد أعطته عنوان فيلا سالم الغندور ، في البداية كانت تفكر في أحداث اليوم ، كلما اقتربت من مكان باب القسم " د "  شعرت و كأن أحدا ما يراقبها ، بداية شعرت أنها تتوهم لكن الأمر تكرر كثيرا ليس مرة واحدة و لا اثنتان بل في كل مرة تخرج إلي الجنينة الخلفية ! مَن يمكن أن يكون هذا الشخص ! كما لم يفوتها تعليقات شيماء على فترات غيابها أثناء العمل !
هل يمكن أن تكون شيماء أو أحد جواسيسها ..
ثانيا هي تشعر أنها نسيت شيئا هاما يجب أن تفعله ، و شخصا ما يجب أن تقابله ! حاولت أكثر من مرة أن تتذكر لكن بلا فائدة ..
فكرت أيضا في وائل ، شعرت بتأنيب الضمير لأنها لم تخبر وائل بأمر حساب المصرف و ما تنوي أن تفعله ... نعم كما لا يجب أن تذهب إلي منزل سالم بدون أن تخبره !
وصلتها و قتها رسالة من وائل :..
" مرحبا يا حبيبتي ! كيف حالك ؟ و كيف حال سليم ؟ هل أنهيتِ عملكِ ؟! أمل أنكِ لم ترهقِ نفسك .. تناولي طعامكِ و لا تنتظريني و إلا ...... وداعا  "
ابتسمت على رسالته ، و عقد العزم على أن تذهب له في عمله المسائي لتستأذنه !
فبما أن وائل قد تغير هي أيضا ستتغير و لن تكون كلمتها من رأسها فقط .
جعلت السائق يحيد عن طريقه و أعطته عنوان المطعم الذي يعمل به ..
ترجلت من السيارة و تقدمت نحو الداخل ، لم تجده ، فسألت عنه بعض من زملائه في العمل فدلوها إلي مكانه و عندما سألوها عن هويتها أخبرتهم أنها زوجته .
لم تكن تخجل من عمل وائل أبدا ، يكفيها أن تستند رأسها ليلا إلي كتفه و هي مطمئنه أن لديها رجلا سيحميها ، رجلا ينحت في الصخر كي يأويها .
لكن لم يلبس أن تدمرت كل تلك الأحلام ، و توقفت كل حواسها عن العمل عندما رأت امرأة ترتدي ملابس غير لائقة  , و تقترب من وائل كثيرة بطريقة مشبوهة .
شعرت بأن على وشك الانهيار ، لم تحتمل أكثر ، فهرولت إلي الخارج و هي تكاد تبكي..
نادها الشخص الذي دلها على مكان وائل و قال :....
-يا مدام ! ما الأمر ؟! ألم تجديه ...
تعجب منها و من اسراعها هكذا .. لكن لفت انتباهه أن أحد الزبائن قد استدعاه فذهب إليه ..
و قرر بعدها الذهاب لوائل ليعرف أين هو ؟!
============
لا تعلم رباب كيف أوقفت سيارة أجرة و ركبتها و أخبرته بعنوان فيلا جدها دون أن تقع على الأرض دوك حراك ، أو حتى تصرخ بعلو صوتها . كان جسدها يرتجف بالكامل من انفعالها و شعرت بنفسها يضيق ، أسرعت و تناولت دوائها قبل أن تفاقم الوضع !
وجدت بعض الدموع أن تتجمع في عينيها ، لكنها كبحتها و ظلت تردد لنفسها ..
-اللعنة على الضعف ! اللعنة على الحب ! اللعنة على كل شيء ! كل شيء  ..
ترجلت رباب من السيارة  ، و هي في نفسها عازمة على الانتهاء من كل شيء ، ستنهي كل العلاقات التي بلا معني تلك .. يجب أن تبتعد عن كل هؤلاء .
و قريبا سمر ستتزوج ! لما يبقى إلا أن تأخذ أولادها و تبتعد عن كل هؤلاء الكذابين المنافقين ..
......
استقبل الحرس قائلين :..
-سيدة رباب تفضلي ، و دلفت إلي الداخل ، قابلتها مديرة المنزل ، سألتها عن مكان سالم الغندور بجفاء ، أشارت لها أنه في غرفة المكتب فتوجهت إلي الداخل دون كلمة إضافية ، تعجبت مديرة المنزل من تصرفها لكنها لم تعلق و ذهبت إلي عملها ..
فتحت الباب دون أن تستأذن حتى   ، فوجدته ينظر من الشرفة لكنه ليس وحيدا ..
جحظت عيناها و هي ترى أن معه ....
=============
كان مراد يجلس في سيارته على شاطئ البحر ، و كان الشمس أوشكت على الغروب ، لعل هذا المشهد يريح أعصابه ، بعد برهة قرر العودة إلي منزله ، بعد مدة قصيرة وصل إلي المنزل ، و استلقي على الأريكة بتعب ...
سمعت غنا صوت غلق باب الشقة فعلمت أنه عاد ، تعجبت لأنه لم يأتي إلي غرفتها !
هل من الممكن أن يكون يأس مني ! لا ! يجب أن يحاول مرة أخرى !
ظلت تجوب الغرفة ذهابا و إيابا و هي تحاول التفكير ..
هل لم يعد يهتم لأمري ؟! هل مل بالفعل ؟!
أم أنه لم يقرأ خطابها .
و إن كان قرأه لما يبدي أي ردة فعل ، ثم جلست على الفراش متكورة على نفسها ، انتبهت فجأة لذراعيها و قد لمعت عيناها و هي متفاجئة .. و أخير شفيت كل الحروق و الجروح في جسدها التي كانت تشوهه و كانت تخجل منها كثيرا ، ثم بدأت تتفحص باقي أماكن الجروح !
===========
ذهب زميل وائل إليه ، فوجده يستغفر الله بصوت مسموع  و يخلع زي المطعم بعنف ...
-ما الأمر يا وائل ؟!
-سيدة عديمة الحياء ، رخيصة و عندما ابعدتها عني ، ادعت عليّ كذبا لأستاذ مصطفى .. و عندما أوضحت له الأمر لم يصدقني و أهانني و أن لم أعد أتحمل هذا .. أن لست مستعد لتقبل الإهانة ...
-اهدأ يا وائل .. أنت تعرف شعار أستاذ مصطفى ..
تابع وائل متهكما : ..
-" الزبون دائما على حق "
-لا تقلق ، انتظر قليلا و سأجعل أمير يحدثه ، فهو شديد التأثير عليّ .. أوبس تذكرت هل قابلت زوجتك ؟
-زوجتي !!!
-نعم لقد أتت من ربع ساعة ، و دليتها على مكانك و بعد هنية رأيتها تهرول نحو الخارج ..
هاجمت العديد من الأفكار رأسه و خاف من أن يكون أصابها مكروه و ألقي بالزي و ركض للخارج ..
ثم أمسك هاتفه حاول الاتصال بها لكنها لا تجب ، ركب سيارته بعد أن ركض مسافة طويلة فهو يركنها بعيدا عن متناول الأعين حتى لا تصيبه انتقادات الأخرين من أنه نادل و يركب سيارة حديثة ، و في النهاية هو لا يستطيع أن يفرط فيها فهي أخر ذكرى من أبيه !
==============
روايات بقلمي أسماء علام موكا

عما قريب سأصرخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن