الفصل الحادي و الثلاثون
قامت من مكانها بفزع و هي تتفقد متعلقات رباب التي اختفت هي الأخرى !!!!!
كادت تجن ، هي عندما استيقظت لأداء صلاة الفجر كانت نائمة مكانها ..
-رباب !! رباب ! ربااااب !
نظرت لساعة الهاتف وجدتها التاسعة صباحا ..
خرجت من الغرفة كالمجنونة تنادي عليها تبحث في كل أنش في الشاليه !
خرجت هنا من غرفة سالم ، فقد كانت مع سليم عند سالم بعد أن أحب كلاهما صحبته منذ الصباح الباكر !!
"هنا" : ما الأمر عمتي ؟
صرخت بها سمر :..
-اتركيني و شأني !!
خافت الصغيرة فهذه أول مرة تصرخ عليها عمتها ، فذهبت و اختبأت في أحضان سالم الذي خرج لتوه على أثر الصراخ !!
كانت سمر تمسك بالهاتف –بعد أن جمعت أجزائه المتناثرة - بعصبية لكن هاتف رباب مغلق ، فجأة وصلتها رسالة من وائل :..
"أنا لدي عمل هام ، لذلك غادرت منذ الصباح الباكر ، أريدك أن تخبري رباب أن تأتي باكر فحالما أنتهي سنخرج أنا وهي و أنتِ و الأطفال ، فهاتفها مغلق "
دققت النظر عدة مرات لتتأكد أن تلك الرسالة من أخيها ، و تعجبت كثيرا !! لكنها تذكرت أمر اختفاء رباب ، فأخذت تجوف الردهة ذهابا و إيابا و هي تحاول الاتصال برباب مرة أخرى !!
-ما الأمر ؟
قالها سالم و هو يضم الطفلين ، التفتت له سمر و قالت بحدة :..
-أمر لا يعنيك سيد سالم !
سليم : ..
-كيف لا يعنيه يا عمتي ! أنتِ تبحثين عن ماما صحيح ؟
-سليم ! أنت طفل لا تدخل فيما يخص الكبار !
"لكن الأمر يعنيني أنا يا سمر ، فرباب أختي ."
قالتها غنا التي دلفت لتوا مع مراد ..
سمر بضجر : رباب مختفيه منذ الصباح استرحتم !
ثم أعادت محاولاتها للاتصال بها و هي تتمتم :..
-أجيبِ بالله عليكِ !!
هتفت غنا :..
-ماذا تقولين ! كيف ؟
ثم أسرعت الخطى نحو الغرفة ، و تفقدت الحمام ثم عادت !
و أخيرا فُتح هاتف رباب و أجابت :..
-رباب ! أين أنتِ ؟
-في العمل .
-أي عمل ! أنتِ مجنونة .. صدق وائل عندما قال أنك جننتِ !
-سمر كفى !
-لا .. لن أكتفى ألم تلحظي يا دكتورة أنكِ كنتِ تتنفسين عبر الأجهزة أم ماذا ؟!
قالتها بصراخ حاد فهي لم تعد تحتمل تصرفات رباب الطائشة و كأنها ليست امرأة ناضجة !
-سمر !! لقد أجبت لأخبرك أني في عملي و ربما أتأخر .. اسبقيني أنتِ و الأولاد .... و أنا سأعود بعد العمل للشقة ... لدي الكثير من المشاكل ! مع السلامة ..
ثم أغلقت الهاتف ، تمتمت سمر بكلام غير مفهوم من حنقها !
غنا بتهكم : ..
-أليست أختي , لكنها مجنونة !
ابتسم مراد و سالم !
سمر بحزم :..
-أولاد ! استعدا سنغادر ..
"هنا" و سليم :..
-لا!
-أولاد !
سليم :
-أبي أخبرني أنه سيأتي ليصحبنا في نزهة .
-ستذهبون بدون ماما ! أمك ستتأخر في العمل .
-هي تخرج كثيرا مع أبي ! لكننا لا نخرج معه أبدا .
قالتها "هنا "
فابتسمت سمر بسخرية فهي لا تعرف شيئا و تابع سليم :..
-انتظريها أنتِ يا عمتي ! لأننا سنذهب لنلعب مع جدنا حتى يأتي أبي !!
هنا : هايييي .. أليس كذلك جدي !
أومأ لهم سالم برأسه فسبقوه للداخل ..
▪▪▪▪▪▪▪¤▪▪▪▪▪▪▪
في مصحى الأمل للأمراض النفسية و العصبية ،،،
أرجعت رباب رأسها للوراء و هي تزفر بضيق بعد أن أغلقت الهاتف مع سمر ثم أغلقته مجددا فهي لن يكون لديها وقت لتتنفس بأريحية حتى ، بعد تلك المصيبة ..
** فلاش بالك **
دخلت رباب إلي مكتبها و ارتدت البالطو الطبي الخاص بها ، جاءها خبر بأخذ عاصم و نهي إجازة ، و عندما التفتت وجدت قاسم يبتسم لها ابتسامة بلهاء ..
و فجأة سمعت صوت طرقات قوية على الباب الذي لم يكن مغلقا من الأساس و قبل أن تأذن كانت العاملة تدلف و هي تقول :..
-دكتورة رباب ! اسرعي المدير يريدك حالا !
-حسنا ! اذهبي و أنا سآتي خلفك .
-لا حالا .. إنه غاضب للغاية .
أسرعت رباب لغرفة المدير و قد أحست بالقلق بعد كلام العاملة !
دلفت إلي الغرفة بعد أن أذن لها ، ظلت واقفة ؛ لأنه لم يسمح لها بالجلوس – على غير عادته – إطلاقا ..
تأملت نظراته فوجدت تعابير الغضب واضحة على وجهه إلي جانب تعبير مبهم لم تميزه فهي غير معتادة على مثل تلك النظرات ، بعد دقائق من الانتظار كانت نبضات قلبها فيها تتسارع و تتصارع مع بعضها ! قال :..
-مرحبا بالدكتورة المنضبطة !
لاحظت نبرته المتهكمة فقالت :..
-سيدي ..
قاطعها بحدة :..
-أنا لم أذن لكِ بالحديث ، هل تلك هي الأمانة ! بعثتك لك بملفين ، إحداهما كانت الحالة خطيرة ... لكن فخامة الدكتورة العظيمة لم تكلف نفسها لتلقى نظرة على الحالة ... و ماذا كانت النتيجة ، لولا رحمة من الله لكانت ماتت الحالة بعد أن قطعت شريانها ..
اتسعت حدقتها ، ثم نظرت لأسفل تشعر بالخجل الشديد ، فهي حقا قد قصرت حقا !
ثم قالت بحرج :..
-سيدي أنا آسفة ! سأتصرف و أحل الوضع صدقني !
-من الأفضل لكِ أن تفعلي و إلا لن تسلمي من ردة فعلي ، فأنا لا أسمح بالتهاون مهما كان ... مفهوم !
-مفهوم !
-و حالة بلال التي وافقتِ على خروجها .
-لقد أوضحت كل شيء في ملف الحالة .
-و أنا أريدك أن تذكريه لي الآن .
خافت بالفعل من هتافه بها ، فكل شيء غريب بالفعل اليوم !
-آسفه ! لقد أبدى اتزان نفسي ملحوظ في أيام قلائل ، و عودته إلي حياته الطبيعية سيثمر كثيرا ... و من المفترض أن يمر عليّ في الغد سيدي !
-اذهبي الآن !
*** باك ***
قاطع قاسم شرودها بدخوله ، فوقفت و قالت :..
-ماذا فعلت في الحالة التي أوكلتها إليك !
ابتسم بثقة وقال :..
-استطعت أن أكسب ثقته .
أجابته بعملية وهي تشعر بحسرة لاذعة و هي تتذكر أن طبيب تحت التدريب قد بدأ ينجح في مهمته و هي انشغلت بحياتها و أهملت حالتها فقالت :..
-تابع عملك و أطلعني على أخر التطورات ..
قاسم بفضول :..
-ماذا بكِ يا دكتورة ، فيما كان يريدك المدير ؟!
-لا شيء يا دكتور قاسم !
-دكتورة رباب ! أنا لا أفهم تلك التقسيمة التي تقسم بها حالات المرضى !
-اسمعني جيدا يا دكتور ! يتم تقسيم الحالات حسب الخطورة تصاعديا من أ ، ب ، ج ..
-بمعني أن الحالات الخطرة ضمن القسم " ج " !
-نعم ! القسم أ ، ب في هذا المبنى و المبني المجاور للحالات ج .
-لكن ألا يوجد أقسام أخرى ؟
-لا !
-حسنا !
ثم غادرت رباب لتبدأ عملها مع الحالة التي كانت تعاني من اكتئاب حاد و تم نقلها للقسم جيم ، بسبب محاولاتها قتل نفسها عدة مرات و كانت على وشك النجاح في أحد المرات بسبب اهمال رباب !
ظلت رباب تعمل طوال اليوم ، و قد شعرت بالوحدة كثيرا ، و كلما سارت في اتجاه سمعت همز و لمز عليها و يبدو أن المشفى كلها سمعت أنه تم توبيخها من قبل المدير !
و قد طلبها دكتور هشام و قد علمت لماذا يريدها ليبدأ معها جلسة علاج لكنها رفضت و بعثت له برسالة تشكره على اهتمامه و ترفض طلبه بأدب معلله بأنها قادرة على حل مشاكلها بنفسها و ستفعل !
و أثناء استراحة الغداء ،،
دخلت المرحاض ، تتأمل نفسها بالمرأة بحسرة تتذكر وعدها لنفسها في ذلك الصباح أن تتحلى بالإيجابية ، هي قادرة على حل مشاكلها جميعها .. لن تنتظر السعادة فمن ينتظر السعادة لتدق بابه قد يموت قبل أن تصل إليه ، لكن من بحث عنها و تحلى بالصبر سيعش مرتاح البال !
تحمست ثانية ، و رسمت ابتسامة مشرقة على وجهها ، و خرجت تتناول غدائها و هي مستعدة تماما لإكمال ذلك العقاب !
=============
في شاليه مراد ،،،
حبست سمر نفسها داخل الغرفة تحاول الوصول لقرار !
....
لعب الأولاد كثيرا مع سالم و قد أحبوه كثيرا !!
....
أما مراد فقد كان قلق كثيرا بشأن روان و قد حاول مرارا و تكرارا الاتصال بوائل ليعرف إلي ما وصل إليه فقد غادر صباحا قبل أن يستيقظ مراد حتى ...
و جواره غنا تحاول التخفيف عنه قائلة :..
-مراد أعرف أنك قلق و متوتر لكني متأكدة أن هناك حل وتلك بالتأكيد كاذبة !
-غنا أنتِ لا تفهمين الوضع ! تلك الوضيعة تحاول تخريب حياتي منذ اليوم الأول من زواجي بك و هي تزعجني و الآن تقريبا نجحت .... و لو كان ما تدعيه صحيح فهي ستستغلني للأبد ، و أنا لا أقبل أن أكون تحت رحمة تلك الحقيرة ..
-هي بالتأكيد كاذبة ! كما قالت رباب بالتأكيد هي تدعي !
هتف مراد قائلا بعصبية غير مقصودة :..
-رباب ! رباب ! من تكون رباب هذه حتى أثق بها .. منجمة أم كُشف عنها الحجاب !
خافت غنا من نبرة صوته العالية ، فانكمشت على نفسها ، أدرك مراد خوفها ، فأمسك يدها و هي يقول :..
-غنا ! أنا لم أكن أقصد إخافتك .. لكني متوتر !
قدرت غنا موقفه ! فقالت :..
-أنا مقدرة موقفك ! لكنه خارج عن إرادتي ذلك الخوف .
-يوما ستصيرين قوية و تتخلصي من خوفك نهائيا لا تقلقي !
قالها و هو يضغط على يدها يبثها الأمان ، و شعرت به بالفعل و بدأ ذلك الخافق الصغير داخل ضلوعها يعلن عن وجوده !
أحست هي بمعاناته فتابعت بالثقة التي تود بثها بداخله و أتقنت رسمها بعينيها قائلة :..
-لكني أثق في رباب و فيما قالته ، و واثقة أكثر أن الله الذي يقف معنا دائما لن يتركك في محنتك ! لذا سندعوه معنا !! فالله يخجل من أن يرفع العبد يديه للسماء و لا يجيبه ..
و بالفعل تحقق لها هدفها فقد شعر هو بالثقة انتقلت منها إليه !!
فأخذها من يدها و توضأ و صلا ركعتين قضاء حاجة ، و ظلا يدعيان الله بخشوع !
كانت غنا تشعر بالخوف و القلق رغم ما تحاول ادعاءه من ثقة .
و لما انتهيا قالت بأمل تحاول أن تقنع نفسها به أولا :..
-و أنا متأكدة أن وائل سيأتي بخبر مفرح !
قال بحزم :..
-سيد وائل .
قطبت بين حاجبيها , فقال بحزم أكثر :..
-مفهوم !
أومأت برأسها وقد شعرت أنه يغار من أن تذكر اسمه مجردا رغم أنه زوج أختها ! فأخفت ابتسامتها و هي تشعر بحمرة خطبت خديها !
كل تلك المشاعر التي كانت تحكي عنها الفتيات من هم أصغر منها حتى ، تشعر بها الآن مع ذلك الرجل !
و مثلها كان هو متحير من تصرفاته ، لا يعرف لما شعر بذلك الشعور و هي تتحدث عن رجل أخر حتى و لو كان محرم لها ! تلك الفراشة الزرقاء أحيت كل المشاعر بداخله !
و لما شعر بفوضى تلك المشاعر بداخله تنحنح و قال :...
-لدي هاتف ! سأعود بعد قليلا ..
أومأت برأسها فذهب ...
.....
أمسك مراد هاتفه و اتصل بوالده ، كان يريد أن يخبره أنه يريد العودة ، فقال والده :..
-لا يا بني أنت لم تكمل أسبوع !
-أبي العمل ..
-لا يا مراد ! أنت تستطيع أن ترتاح أنا موجود و عمك و أيضا أحمد و هو يثبت أنه بحجم المسئولية التي توكل إليه .. و ما أخبرك به عن إحساسه عن صفقة القماش صحيح !
-ماذا ؟!! إذا أنا سأتي ..
-مراد ! هل تبحث عن سبب كي تقلق و تأتي .. أنا و عمك اهتمينا بالأمر .. و أحمد أعد خطة ذكية للتخلص منهم ....
-أحمد و الذكاء ! كيف ؟
قالها بمرح فقال والده :..
-حقا يا مراد اسمع الخطة أولا ....
.......................................
جلست غنا على الأريكة حيث تركها مراد تفكر في مشاعرها المضطربة ، حتى رأت سمر تخرج من الحبس الاختياري خاصتها و هي مستعدة للخروج و تحمل حقيبتة يديها و تنادي :...
-سليم ! "هنا" !
قامت غنا و قالت :..
-سمر ! ماذا الآن ؟
-سأغادر كما قالت رباب .
-رباب أختي ! و صديقتك ألا تعرفيها ؟!
-و لأني أعرفها فأنا متأكدة أنها إن عادت وجدت الشقة خالية ستغضب .. و أنا لم أعد أتحمل جنانها بعد الآن !
-اهدئي يا سمر قليلا و ارتاحي ..
-أنا لا أعرف كيف يا غنا .. لا أعرف كيف أرتاح حتى ، أنتِ لا تتخيلين كم المشاكل التي نزج فيها أنا و رباب بصفتنا فتاتين تعيشان وحدهما و مسئولتين عن طفلين !
-و والدهم !
ضحكت سمر ملء فمها بسخرية قاتلة :..
-هل تسمعين عن مقولة " أنت تضع يدك في الماء البارد "
أومأت غنا برأسها ، فتابعت سمر :...
-تلك المقولة خلقت من أجل أخي ! يبدو أنه فاتك الكثير من الأحداث ربما يعلمها جدك و زوجك الأستاذ مراد .... عندما أخبرني أنه سيأخذنا في نزهة .. اعتقدت أنه أصابه مس ما !
-سمر أنا ..
-لا تقولي شيئا ... أنا و رباب اعتدنا ذلك هي تقوم بدور الأب و أنا الأم .. هي الأمان و أنا الحنان ... هي الحزم و أنا اللين ، هكذا أقلمنا نفسنا ..
نظرت لها غنا بدهشة تحاول تخيل تلك الحياة ، و سمر تتابع :..
-رباب أختك القوية التي تشاهدينها تأتي و تذهب لا يهمها أحد و لا تخاف أحد أتقنت دور الأب لنا ، لكنها أضعف و أهش مما تتخيلين ! هل تتصورين شخص بقوتها يخاف الظلام ! هي تخافه حد الموت .
صمتت قليلا و تابعت :..
-رباب التي يبغضها جدك ، و لا يتحملها زوجك تعاني من مرضها منذ ٦ سنوات و لم تشتكي ! حتى أخي لا يعلم أنها مريضة !!!
فغرت غنا فاهها صدمة !! كيف يعقل هذا !!
تابعت سمر :..
-أنا أعرف الكثير عن حياة رباب .. هي هدية القدر لي ، ربما هي في حياتكم مجرد طبيبة جاءت للعمل ، لكنها بلسم جروحي ..
-سمر ! رباب ..
-اتركيني أكمل يا غنا ...
-تلك الطبية الماهرة التي تعمل في فرعين .. لم تستطع أن تشفى جرحها و لا جرحي أنا ... و لم تستطع أن تصل لسر كره جدها لها .. هل تعرفين لما أقول لك كل هذا الكلام ..
أشارت غنا برأسها بمعني لا ، فتابعت سمر و هي تمسح دموعها :..
-أنا لا أعرف مما عانيت يا غنا و أعلم أني لا يحق لي قول ذلك ، لكنك بمثابة أختي الصغيرة .. حياتك ليست مثلنا لا يوجد بها سوى المسئولية ، حياتك جميلة ، لديك جد يعتبرك كل دنياه ، و زوج يحبك و يهتم بكِ .. انسي الماضي بألآمه ، و لا تنتظري السعادة لتأتيكِ على طبق من فضة ... اصنعيها أنتِ بيدكِ ، ارسميها على شفتيكِ فقد آن الأوان ليحل ربيع أيامك !!
ثم وقفت سمر و مسحت دموعها التي كانت تنسكب بغزارة على وجنتيها ، كما أدمعت عيني غنا ! و تأثر مراد الذي أنهي هاتفه و سمع أغلب الحوار !!
و دمعت عيني سالم الذي جاء بعد أن سمع نداء سمر للأولاد فأتى هو و ترك الطفلين يلعبا في الداخل !!
حاولت سمر رسم ابتسامة على شفتيها و نجحت ثم قالت :..
-رددي معي ! أنا قوية .. لست ضعيفة ! و لو شعرت بالضعف يوما سأظل أصرخ حتى يخاف هو مني ! أنا قادرة على جلب سعادتي لنفسي !!
رددته غنا ورائها و هي تحاول إقناع نفسها بهذا الكلام ..
لم يكن الكلام لغنا فقط بل سمر نفسها كانت تدخله لثنايا عقلها ..
هي لن تخاف !
ستصرخ و تتمرد !
لن تهاب من المستقبل مادام اليوم لم ينتهي بعد !
لن تجعل وغد كأكرم يقيدها أو يضعفها !!
ستصرخ ، ستصرخ !!
بيدها ستدير محور حياتها !!
.....
دلف وائل إلي المنزل مبتسما ، فوجدهم على هذا الوضع ، فعقد بين حاجبيه و هتف :..
-ماذا بكم ؟
انتبهوا على صوته فالتفتوا له ، انتبهت سمر لوقوف الجميع في الردهة و خشت أن يكونوا سمعوا للحوار ..
رسم وائل نفس الابتسامة على وجهه و جلس على أريكة مريحة و قال :..
-ما هذا التجهم ؟! حسنا إذا كنتم هكذا لن أخبركم بما لدي من أخبار .
قال مراد :..
-إن كانت خيرا فقل سريعا و إن لم تكن كذلك فاصمت !
تجهم وائل و قال :..
-وائل الأنصاري لا يأتي إلا بالخير !
انتبه له مراد , فقال وائل بجدية اصطنعها و خبث :..
-و قد كان خبرا سعيدا لك مراد ، لكني قررت ألا أخبرك !
مراد بلهفة :..
-خبر عن روان ! هل وصلت لشيء حقا ...
-هل تعلم أني لم أنم البارحة سوى ٣ ساعات من أجلك أنتِ و روان خاصتك و أنت قابلتني ببرود أحبطتني ... لذلك ترجاني بحرارة حتى أفعل !
نظر له مراد بدهشة ! و ابتسم الكل على طريقة وائل ..
لم يستطع مراد أن يجد مخرجا ، و وائل يبدو مصرا ، لكن مراد لا يقدر أن يفعل ، فمراد شديد الكبرياء و الاعتزاز بنفسه ! كان في موقف يحسد عليه ، لكنه إن كان سيتنازل عن كبريائه قليلا ليتخلص من تلك الحرباء روان .. فسيضطر آسفا أن يفعل !
نهض وائل من مكانه و ربت على كتف مراد :..
-ما الأمر ؟! كل هذا الوقت كي تترجاني ..
ثم ابتسم بعبث وقال :...
-لكني أكرم منك ، و قد أشفقت عليك و سأخبرك !
أخرج وائل من جيبه كارت ذاكرة مسجل عليه الدليل الذي سيتخلص به من روان و أعطاه له و هو يقول :...
-هكذا ستتخلص منها تماما و إن ظهرت في اليوم من الأيام بعد أن تخرج من السجن ستعرف كيف تخرسها !
-السجن !
-نعم ! لقد كانت سيئة السمعة و معروفة ! و أنا استطعت تدبر أمرها ، لكن الحكاية طويلة و أنا متعب لن أقدر على السرد !
فجأة احتضنه مراد بسعادة حقيقية و هو يقول :..
-شكرا لك !
وائل بمرح :..
-أنا أعلم .. يا صحابي إن ظللت تحصي أفضالي عليك من هنا للغد لن تقدر ..
ضحك الكل بسعادة , و لقد انزاح من على كتف مراد هم كبير !
-لكن أين العبقرية التي حلت اللغز و كأنها من أبدعته ! أين زوجتي العزيزة صاحبة العقل الإجرامي !
-في العمل !
قالتها سمر ، فأردف وائل بسخرية :..
-و أين ستكون غير هناك !
حاول التحكم في أعصابه و قال: ...
-لكن سمر لم تخبريها ! إنه وقت الظهيرة لم ..
قاطعته قائلة :..
-لن تستطيع و قد تتأخر أيضا !
كز على أسنانه بغضب و قال :...
-لقد كنتِ تلوميني دائما أني غير متفرغ لكم، و الآن ماذا الذي تفعله ، هي تخرب كل ما أحاول فعله ...
زفر بضيق ، و بعدها أصر أن يأخذ سمر مع الأولاد ، فقد كانت رافضة تماما !
غادر سالم إلي عمل خاص به , بعد أن كان قرر أن يقضي يومه مع الأولاد و مع غنا !لكنه قرر أن يترك غنا و مراد بمفردهما قليلا !!
••••••••
كان مراد غير موجود أثناء مغادرة وائل و سالم ، فقد دخل غرفته ليستمع إلي التسجيل ، و دلفت غنا إليه بعد أن غادر الجميع ، رغبة و فضول عارمين اجتاحوها لتعرف سر روان تلك ، التي كانت يوما ما زوجة له !!
شاهد مراد شريط فيديو يصور روان تجلس مع رجل لا يعرفه – عماد صديق وائل الذي استخدمه وائل لتصوير المشهد ، فهو طعم لروان أفضل منه ، حيث أنه سريع التأثير على النساء ، كما أنه غير معروف لروان فهو يعيش في القاهرة !! حيث أنها رأت وائل في شاليه مراد ,و هو لم يمانع – كانا يتناولان ألوان من الخمور ، حتى أصبحت هي غير واعية تماما و كانوا في شقة ما ... بعدها استطاع عماد الذي كان يتعمد أن يبدو ثملا أمامها ليس إلا حتى استطاع أن يجعلها تعترف أن تلك خطة منها لتوقع بمراد و تستنزف أمواله ، فقد شعرت بالحنق الشديد منذ أن علمت أنه تزوج من امرأة غنية و جميلة و صغيرة السن .. و قررت أن تخرب حياته ! كما اعترفت أنها قامت بابتزاز العديد من الرجال التي عرفتهم .. ثم نامت و غادر عماد بسرعة قبل أن تصل الشرطة التي طلبها وائل ، و قد تم القبض عليها بالفعل بهذا الفيديو ، و بسبب وجودها في شقة سيئة السمعة ... هذا ما قاله وائل في نهاية الفيديو و هو يبتسم لمراد و يلوح بيده ، و ذيل المقطع بغمزه لمراد و هو يقول :..
-ضربة أستاذ !!
...
شعر مراد بسعادة عارمة ! هو لم يرزق بطفل من امرأة كروان .. لم يعد يربطه بها أي شيء !!
و جواره غنا كانت تقف على وجهها ابتسامة مشرقة ، و فجأة شعرت بأنها لم تعد تلامس الأرض ، و شعرت بنفسها تدوخ في الهواء.
نظرت لمراد بدهشة و هي ترى ضحكته تخترق أذنها و هو يدور بها و يقول بسعادة :..
-أنتِ تميمة حظي , غنا ! لقد خلق السعد ليكون رمز وجهك ! لقد بشرتني و صدقت بشراكِ ..
لقد أقسمت غنا أنها لم تشعر بالسعادة كما شعرت الآن ! و ها هو خافقها يهتف بجنون و هو يكاد يقسم أنه لا يخفق هكذا إلا جوار ذلك الرجل ! خاصة و هو يضحك و يبتسم , يهتف بسعادة ، و هو حزين تقل خفقاته و كأنه سيتوقف بسبب حزنه حتى يبتسم .. و كأن ابتسامته مراد قلبها ، بل مرادها هي !
نعم إنه مرادها !
و ها هو قلبها قد أعلن صك الملكية ! لن يخفق لسواه ، و لن يكون مرادها لامرأة أخرى سواها !
أغمضت عينيها بانتشاء و قلبها بخفقاته يؤكد لها ظنها !
الحب الآن سيد قلبها (عما قريب سأصرخ بقلمي أسماء علام)
•~~•
تأمل مراد وجهها و قد تناثرت خصلاته القصيرة على جانبي وجهها بفعل تدويره لها و قد شعر بها بين يديه و كأنها بالفعل فراشة زرقاء و يا لها من مفارقة هي ترتدي فستانا باللون الأزرق و تلك العينين العسلية ، لا ينقصها سوى جناحين لتحلق في الأفق لتكتمل اللوحة في عقله ! فلم يشعر بيده التي ترفعها أعلى فأعلى !!
و هو ينظر لها من أسفل و كأنها هدف سامي اقترب منه بعد عناء ، و لن يهنأ حتى يحصل عليه كاملا !
غنا !
كما أنه اسم يليق بها !
فهي غنته عن الدنيا و ما في فيها !!
و غناه عن عالمه بعد طول شقاء !
لم يفق إلا على صوت شهقتها عندما شعرت بارتفاعها أكثر ، و قد خافت أن تسقط !
-مراد ! أنزلني أرجوك ، سأسقط !
ابتسم و قال :..
-لا تخافي !
قالها بثقة ، لكنها هتفت بصوت أقرب للبكاء :..
-لا يا مراد ! أنا خائفة !
آه منك ! لو تدرين ما الذين تفعلينه بي و أنت تقولين اسمي هكذا من بين شفتيك !
أنت تهلكيني ! تقتليني ! تعذبيني !
-ألم تهتفي أنك قوية لست ضعيفة ! اثبتِ على موقفك !
-لا أنا جبانة .
قالتها و هي تبكي ، فابتسم بخفة و قال :..
-إن كنتِ غير واثقة في نفسك ، فثقي فيّ على الأقل .
نظرت في عينيه فقال هو بهمس شارد :..
-كما أضئتِ لي حياتي و كنتِ تميمة حظي أعدك أني سأنزع عنك كل مخاوفكِ .. و لن تجدي في نفسك سوى القوة و الأمان يا فراشتي الزرقاء !
ثم أنزلها و هي مضطربة ثم سألته بخفوت هامس :..
-أنا فراشة ؟ و لما زرقاء ؟
نظر إلي ملامحها الرقيقة ، و هو غارق فيها و قال بشرود حالم :..
-كل شيء فيكِ يخبرني بأنك فراشة زرقاء ، كالبحر عميقة كالسماء صافية ، فراشة تلمع و تعطي الضي ... ينقصك فقط الانطلاق ، الحرية ، القوة على المواجهة .. و أنا سأمنحك كل ذلك فأنتِ فراشتي أنا لا غير ..
كلمات كتلك كافية ليدق قلبها كالناقوس ، و لما شعرت بأنها لن تحتمل فوض مشاعرها ركضت فجأة من أمامه هي مرتبكة !
استغرب كثيرا هروبها منه ، فركض خلفها لا يعلم ما أصابها ! شعر أنه ربما تسرع أو ربما ضغط عليها ! نعت نفسه بالغباء على تسرعه .. عندما أخبرته رباب بأن يؤثر عليها و يكسبها حذرته من التسرع لكنه لم يكن يسير على النص أو على ما ينصه عقله حتى ، كل ما يخصها نابع من إرادة القلب .. القلب لا غير !
ظل يدق الباب باستمرار علها تفتح ، لكنه لم يجد إجابة !
-غنا! افتحي يا غنا ! ماذا حدث يا غنا ! اجعليني فقط اطمئن عليك !
و في الداخل كانت تحاول السيطرة على لهاثها و دقات قلبها المتسارعة بجنون .
كان صدد كلماته يتردد داخل عقلها مع ابتسامة مشعشعة تزين وجها الأبيض !
أنت فراشة زرقاء !
كالسماء !
كالبحر !
أنت فراشتي أنا لا غير !
و فجأة شعرت بصداع فظيع سيطر عليها و غيب أي شعور أخر !
و بدل من كلماته المعسولة ، تغيرت و تبدلت حروفه مرة أخرى سممت عقلها لتسمعها ..
أنت ملكي لا غير !
صوت أجش سمعته يتغلغل في ثنايا عقلها ، و الصداع يشتد ، منذر بعاصفة على وشك الاندلاع في سكون أيامها !
...
في الخارج كان سيموت قلقا عليها ... فحالتها غير مستقرة لكنه ثباتها النفسي في خلال هذان اليومين قد شجعه أكثر !! لكنه خائف جدا من أن تنتكس , فظل يطرق الباب أكثر و هو يقول :..
-غنا ! أرجوكِ افتحي ! أنا قلق ! أنا آسف ..
سمع صوت الباب يُفتح فاستبشر ، لكن ما لبث أن شعر بالصدمة تزلزله عندما وجدها تمسك رأسها و هي تقول :..
-مراااد !
ثم ارتمت عليه فاقدة للوعي !!!!!!!!!!!!
بقلمي أسماء علام موكااا
أنت تقرأ
عما قريب سأصرخ
General Fiction#عما_قريب_سأصرخ رواية درامية اجتماعية اقتباس - أسف لتطفلي بما أنك رتبت كل شيء مع عائلة الغندور ولم تلقى بالا بإخباري سوى الآن , فهل يحق لها أن ترى صورتي , وأنا لم أرها حتى .. - لا تقلق بذلك الشأن فستراها الآن , وتتمني ألا يراها أحدُ غيرك .. هتف مر...