الفصل الثالث

4.8K 111 6
                                    

الفصل الثالث

تجلس على سريرها، حاسوبها في حضنها، تبتسم بذوبان والتماعة شغف تتألّق في مقلتيها، تبدو في تلك اللحظة بالذات كمراهقة صغيرة لا سيّما وهي ترتدي بيجاما منزلية كلحت ألوانها البنفسجيّة المتنافرة مع بشرة وجهها وضاقت عليها لشدّة القدم، لكنّها رغم ذلك لا تزال المفضّلة لديها من بين كلّ ثيابها فهي من اختيار والدتها وقد اشترتها لها خصّيصا قبل حوالي عشرة سنوات عندما كانت في السابعة عشر من عمرها، وهي تقريبا آخر هداياها لها، وحسب ما تذكر أوّلها أيضا!

أغلقت إيمان شاشة الحاسوب ووضعته بحذر على الطاولة الصغيرة بجانبها واستلقت تنظر من النّافذة الجانبيّة تتأمّل أشعّة الشّمس التي تنازع السّماء ستارها الليلي، تشقّه عنها قبل أن تسربلها بثوبٍ برتقاليّ محمرّ فتزداد به فتنة وغواية تدبّ الحياة لها في قلب القاهرة فتحيي ساكنيها ... الأكثر حظّا... أمّا هي وبعضٌ مثلها.. فتكحّل عينيها بها، تقدّر جمالها، لكنّها كرجلٍ عاجز مهما انبهر بجمال أنثاه، لا يملك إلّا أن يرتمي بجانبها... مخذولا.. غافيا، وهكذا وخلال دقائق كانت إيمان تسقط نائمة، تدفن وجهها في جوف وسادتها تحت شلّال شعرها الليليّ الحالك وبعدها وبأقلّ من ساعة، كانت الحياة تدبّ في ذات المنزل كلٌّ يستعدّ... يجري... يذهب إلى ما ينتظره، أبوها.. أمّها.. أختها و.. ابن عمّها، حتّى الخادمة كان لديها ما تستيقظ من أجله إلّا هي، من فقدت ذاتها هناك قبل سنوات طويلة... فوق مقاعد الدراسة!

.................................................. .................................................. ......................

أنهت لميس لملمة أغراضها ووضّبتها جميعها بالحقيبة ليكون آخرهم وفوق الجميع ومن بعد قُبلة... المصحف الكريم

ابتسامة رضا كانت ترتسم على وجهها، فاليوم قد أتمّت حفظ ثلثي القرآن بحمد الله حفظا واتقانا، وكلّ ما عليها القيام به مراجعة حفظه حتّى تقرأه على لجنة المقرئين قريبا فيجيزونها به، وممّا يسعد قلبها أكثر أنّها وبعد أكثر من عامين من التدريب قد أتقنت بتلاوتها إخراج الحروف بشكلها الصحيح عموما، وحرف الراء مرقّقا كما مفخّما بالخصوص، وهي التي ظنّت أنّها لن تفلح به يوما بسبب نعومة صوتها ورخاوة مخارجها الفطرية، وكم جعلت من معلّمتها فخورة اليوم وهي التي لم تيأس من اتقانها يوما

في اللحظة التي صفّقت فيها معلّمتها اليوم لها فخرا وجدت نفسها تعود بذاكرتها ليومها الأوّل هنا حين أخبرتهم بفخر أنّها أتمّت حفظ عدد لا بأس به من أجزاء القرآن فالحفظ السريع ومن نعم الله عليها مَلَكَةٌ لطالما امتلكتها، طلبت منها المعلّمة أن تقرأ عليها بعضا ممّا تحفظ، فابتدأت تتلو غيبا بثقة، وحينها كانت الصدمة حين بدأت المعلّمة تردّها بكلّ آية مرّة ومرّتين مصحّحة لها قراءتها، فما كان منها إلّا أن توقّفت و... بكت

يومها شعرت بأنّ الله يردّ لها ما حفظته وظنّته سيكون لها شفيعا، وكم ذهلت المعلّمة وذهلن الزميلات فقمن لها مسترضيات، شرحت لها المعلّمة أنّها أحسنت الحفظ وأنّ هذا من نعم الله عليها ولكنّها أفهمتها أيضا أنّ اتقان القراءة هو أمرٌ واجب على كلّ مسلم قادر على التعلّم، وأنّ كلّ صعوبة ستواجهها بتعلّم التجويد والتلاوة وتبذل لها مجهودا لن تكون إلّا أجرا عظيما لها بأمر الله إن أخلصت النيّة، ومنذ حينها بدأت جهادها، والرحلة لم تكن أبدا هيّنة ولكنّها جميلة وتستحقّ أن تستمرّ بها حتّى النهاية بل وإنّها عاهدت الله أنّها ستساعد غيرها بما فضّله لله عليها علّها تنال الشفاعة بتعلّمه وتعليمه يوما، ألم يقل رسول الله صلّى لله عليه وسلّم صادق الوعد الأمين "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"؟

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن