الفصل السادس عشر
تجلس على سريرها ترضع صغيرتها بينما تتأمّل فيها بعدم تصديق لم يفارقها حتّى الآن، وقد مرّ على إنجابها أسبوع كامل
تكاد لا تصدّق أنّها هي زاكية التي لم تكن تطيق الأطفال ولا تقدر على التعامل معهم قد اصبحت أمّا لهاته الحلوى اللذيذة، أنّ غزل البنات الهشّة الرقيقة هذه قد كانت جزء فعلا من جسدها، تنظر إليها كيف تحيط صدرها بفمها الورديّ المزموم دائما فتوشك على قضمها لشدّة ما تبدو شهيّة
"زاكية"
هكذا يناكفها زوجها طوال الوقت كلّما قبّل ابنته، بينما ينظر إليها بمكر ملاعبا حاجبيه قائلا: شكلها راح تطلع أزكى منّك وراح تاخد منّك اللقب اللي طول عمرك مش عاجبك ويتتكبري عليه... يمي يمييي
فتردّ عليه مخفية غيرتها وتدّعي عدم الاهتمام قائلة: بكرة بخلّص الأربعين وبس تيجي تدوّر على اليميي راح أحكيلك بح خلّصنا "بح بمعنى انتهى بلغة الاطفال"
أخرجت زاكية صدرها من فم ابنتها التي غفت كما العادة ما إن بدأت بإرضاعها ورفعتها بعد أن وضّبت ملابسها لتقوم بتجشئتها مربّتة على ظهرها بحنوّ شديد
دقائق وخرجت زاكية من الغرفة مغلقة إيّاها بهدوء بعد أن وضعت الصغيرة في مهدها لتدخل غرفة الجلوس حيث تجلس حماتها منتظرة إيّاها ريثما تنتهي من إرضاع الصغيرة
ما إن رأت أم أحمد زاكية تطلّ عليها حتّى سألتها: نامت؟
مبتسمة براحة أجابتها زاكية: الحمد لله
بنبرة نصح حنونة أكّدت عليها قائلة: ضلّي اقرأي عليها ماما، البنت اسم الله حولها بتنعشق مو بس بتنحب اقري عليها لإنه العين حقّ!
وافقتها زاكية قائلة: بقرأ والله خالتو طول ما أنا برضّعها، ولميس كل يوم بس تيجي الصبح بتقرأ عليها الرقية كاملة
ما ان أنهت كلامها حتّى دخل يوسف يحمل بيده أكياسا كثيرة وضعها في المطبخ مستبقيا واحدا فقط في يده، ثمّ اقترب من والدته مقبّلا رأسها فيدها فرأسها من جديد وقال: بتعرفي ماما؟ يعني قدّيش كنت بحبّك زمان؟ من يوم ما ولدت زاكية صرت بحبّك يمكن أكتر بمية مرّة! ومن يومها أبوي الله يرحمه ما بيروح من بالي بالمرة، يا الله شو مشتاقله، نفسي لو يرجع لو لحظة بس عشان احضنه لغاية ما اشبع منّه، وابوس راسه وايديه وحتّى رجليه ، وأحكيله شكرا على كلّ تعبك معانا، شكرا لكل جهد عملته عشانّا، يا الله شو ندمان... ندمان انّي ما استغلّيت وجوده بينّا وقضيت وقتي كلّه تحت رجليه اطلب رضاه!
ترقرقت الدموع في عينيّ والدته حنينا وشوقا لذكرى ذلك الزوج والحبيب والشريك والسند وقالت: رضيان يا يوسف والله إنّه رضيان، طول ما إنتوا إيد وحده راح يضل رضيان، بس المهم يا ابني اوعوا الزمن ينسّيكم ايّاه وتلهيكم عنّه، اتذكّروا دائما بالدّعاء والصدقات، انتو الولد الصالح اللي أجره ما بينقطع
أمّا زاكية التي كانت تتابع ذلك الحوار فغامت عيناها فخرا لروعة زوجها وجمال روحه وقلبه، وغبطته لقدرته على البوح والتعبير، فيما غصّ قلبها حزنا وألما على حالها وحال أخوتها، فهي مثله ومنذ أنجبت لا يغيب والديها عن عقلها وتتساءل كلّما نظرت لابنتها، كيف استطاعت والدتها أن تترك طفليها وحيدين وتخلّفهما وراءها في بلد مختلف دون أن تفكّر لو لمرّة بأن تتفقّدهما أو تسأل عن أحوالهما، كيف استطاعت أن تظلّ كما هي غير متأثّرة بأنّها قد أصبحت أمّا لابنتين عليها أن تكون قدوة لهما
غير غافل عنها، يشعر بها كما لو أنّ روحها في قلبه ساكنه، اقترب منها وقبّل جبينها قائلا: وإم الغلا كيفها شو عامله اليوم؟
ابتسمت زاكية ولامست عضده برأسها بخفّة وهمست تقول بصوت مختنق: بخير طول ما إنت بخير
فابتسم لها بخبث قاصدا أن يناكفها ليزيل عن وجهها لمسة الكآبة التي عكّرت صفو جماله قال: احكيلي... هيّ غلا كم صار عمرها اليوم؟ شو أسبوعين؟ لااا أوعي تحكيلي تلات؟ والله أربعة؟ ما شاء الله صرتي مخلصة الأربعين! طب خلّيني ألغي زيارة أخواني إذا، ماما معلش بدنا نغلبك غلا راح تضلّ بضيافتك الليلة
جاحظة بعينيها ضربته بخفة على صدره بينما تقهقه بلا مقاومة رغم إحراجها من حماتها التي كانت تضحك عليه بدورها قبل أن تمسك بقارورة فارغة بجانبها وترميه بها قائلة: ولك من يوم يومك فاسخ برقع الحيا "أي بلا حياء" ومجنون وهلأ بعد ما ولدت مرتك انهبلت بالمرّة
حينها ابتسم يوسف بعشق قائلا: آآآه من الغلا!
أنت تقرأ
بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المتألقة نيفين أبو غنيم.. الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..