الفصل الثاني عشر ج٢

5.2K 114 2
                                    

الفصل الثاني عشر
"الجزء الثاني"

على الطاولة الخشبيّة المهترئة جلست بتول تقرأ عبثا من كتاب أمامها متخّذة إيّاه ذريعة لها تمنع من خلاله أيّ تواصل مباشر معه، وبذات الوقت تستطيع عبره مراقبته كما يحلو لها أن تفعل دون أن تضبط بالجرم المشهود

تنظر إليه ولا تزال تنبهر في كلّ مرّة من جديد وتتساءل، هل هو حقّا هو في بيتها، يشرح لأختها أمرا ما في اللغة الإنجليزيّة و تنظر إليه مفتونة بحمق، يمازح أخاها بمزح رجوليّ خشن فينظر إليه بانبهار وإعجاب، ويأكل من صنيع يدي والدتها كلّ ما تضعه أمامه فترنوا إليه بمحبّة وإجلال

يتكلّم مع الجميع ببساطة، يضاحكهم ويمازحهم، يتعامل معهم بتلقائية محبّبة صادقة فتستشعرها قلوبهم فيتعاملون معه بذات العفويّة والحب... إلّا هي، تتفاداه و يتجنّبها، وكلّ ذلك بسبب الذي جرى بينهما أمس، ليس صراخه عليها وجرحها بكلماته عندما أيقظته، ليس غضبه منها لإيقاظه بطريقة يدّعي بأنّها مهينة، لكنّه أمر أعمق من ذلك، أمر تغيّر بينهما، لغى عفويّة تعامله معها، وأنهى جرأة تخاطبها معه، بل هي لحظة فقط، تلك اللحظة بينما تتطلّع إليه ويحدّق بها، لحظة فارقة غيّرت بداخل كلّ منهما شيء ما، تشعره بأنوثتها، تأمله بحلمها، وترفضه بمنطقها، وتعلم أنّه مستحيل

ومع ذلك، ها هو ورغم كلّ شيء، يصرّ منذ الأمس قضاء كثير من الوقت في بيتهم بحجّة أنّه يطمئنّ على والدتها، يصرّ على إيصالها بنفسه، يحضر معه العشاء بالأمس يودّ إراحة والدتها ويتحدّاها أن تكون أنانيّة فترفض، وتمتدّ ساعة الغداء لسهرة تطول، يستمتعون ويضحكون وكيف لا يفعلون وهو ملكها، بمزاحه وضحكه وحديثه المشوّق الذي لا يملّ، وفي نهاية السّهرة ببساطتها وطيب أصلها تصرّ والدتها على ردّ عزومته، فتستقبله ببيتها من جديد وتتكرّر التفاصيل وإن كانت اليوم أكثر دفئا وصدقا وعفويّة، فعائلتها اليوم يتعاملون معه وكأنّه حقّا... واحدا منهم، فتارة أخواها يشكوان له من بعضهما، وأخرى تحكي له مريم عن مدرّستها التي لا تشرح لهم الدروس بل تكتفي بالقراءة من الكتاب وحلّ الأسئلة بنفسها، أمّا شقيقها فيخبره عن بعض المزحات السمجة التي يتبادلها هو وأصدقاءه في المدرسة فيصدمه هو بتفاعله معه وقهقهته باستمتاع عجيب، ومن بين كلّ هذا تأتي والدته فتتذمّر شاكية له عن مياه "المجاري" التي تملأ الحيّ والتي لم تتحرّك البلدية حتّى الآن بإنهاء أمرها رغم العريضة الموقّعة الطويلة التي قدّمها لهم أهل الحارة!

الغريب بالنّسبة لها لم يكن تلك التلقائية التي تآلفت فيها عائلتها مع حسين فهم بقلوبهم النقيّة ونفوسهم الخيّرة ستغلبهم عفويّتهم اتّجاه أيّ شخص يتعامل معهم بلطف، ولكن ما أثار عجبها هو ذلك التآلف الطبيعي الذي اندمج به حسين معهم، ذلك الاستمتاع الذي تقرأه في مقلتيه، وذلك الاسترخاء الذي تراه في تصرّفاته

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن