الفصل التاسع والعشرون
تعود السيّارة لتطوي الطريق ما بين مدينة طنطا والقاهرة من جديد، من يلحظ الصمت الشديد فيها من غير الممكن له أن يخمّن أنّها تحمل بداخلها شخصين لا شخصا واحدا
ينظر كلاهما لبعضهما بالخفاء، كلّ منهما ينتظر شريكه أن يبدأ الحديث، عاجز عن إيجاد البداية المناسبة، فحبل الوصل حاليا بينهما أدق من الشعرة أحدّ من السيف والخطأ في حالتهما بعشرة
كلمات قليلة تلك التي كانا قد تبادلاها منذ بداية الرحلة سألها بها عن سبب عدم حضور والدتها للعرس لتجيبه انّ العلاقات ما بينها وبين بيت عمّها لم تكن يوما بتلك القوّة بسبب مشاكل كثيرة حدثت معهم بعد وفاة والدها حول ارض وورث وغيرة "سليفات" ولكنّ والدتها بذات الوقت عملت جاهدة ان لا تقطع علاقات اولادها بهم فعلى حدّ قولها "الدم عمره ما يبقى ميّه" لذلك فقد كانت مرحبة بل وسعيدة وابنتها للمرة الأولى تستجيب لدعوة ابنة عمها بالذهاب لزيارتهم
أخيرا وعلى مشارف القاهرة قرّر حسين انهاء هذا الصمت الثقيل بينهما فتنحنح لافتا نظرها قبل أن يسألها قائلا: جعانة؟ تحبي نروح نشوفلنا مكان نتعشى فيه؟
بتعب ونعاس كان قد ابتدأ يسيطر عليها بعد تعب الزفاف وليالي طويلة قضتها ساهرة مع ابنة عمها المشاكسة تتعرفان على بعضهما البعض عن قرب، أجابته: لا والله ما هقدر ده انا خلاص حاسه اني هنام على روحي من كتر التعب
تأمّلها حسين للحظات ملاحظا ذبول عينيها وارتخاء جسدها فبدت لعينيه طيّعة جذّابة شهيّة فهمس بصوت خرج أجشّا قائلا: طيب ايه بقى نروح على بيتنا على طول
عندها تشنج جسدها وتصلبت بجلستها ونظرت إليه وقد توقّد ذهنها وأجابته وهي تنفض عنها أيّ أثر للنعس: ها بيتنا؟
انقبض قلبه من لهجتها النافرة فأجابها ببعض التوجّس: آه بيتنا يا بتول مالك بتقوليها كده كإنّي بقولّك تعالي اخدك على شقّة مفروشه
اضطربت ملامحها وقرّرت أخيرا إفراغ ما بجعبتها إليه، فنظرت إليه وطلبت منه التوقّف قليلا على جانب الطريق ليتحدّثا معا بهدوء، وفعلا وبعد دقائق وجد له مكانا آمنا أوقف فيه السيّارة قبل أن ينظر لها ويقول لها بتصلّب: وادينا وقفنا، ها.. عايزه تقولي إيه؟ بسّ اديني بقولّك من دلوقت لو الموضوع اللي انت عايزه تتكلّمي فيه في كلمة طلاق قولي علشان ادوّر العربيّه حالا ونسكّ عالموضوع
أسبلت أهدابها للحظات ثمّ سألته بصوت متهدّج: قولّي يا حسين انت رافض طلاقنا ليه؟
اضطربت ملامحه للحظات صدمة بسؤالها فعجز عن إيجاد جواب مقنع شافٍ يقوله لها وكمحامي محنّك قلب عليها الطاولة وهو يسألها بالمقابل: طب ما تقوليلي انت يا بتول عايزه تتطلّقي ليه؟ منين بتحبّيني زيّ ما "ادّعيتي" من كم يوم فاتوا ومنين عايزه تسيبيني؟
أنت تقرأ
بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المتألقة نيفين أبو غنيم.. الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..