الفصل الرابع (جزء أول)
يراقبها منذ أن دخلت غرفة نومهم باستمتاع شديد، يكتم قهقهته بشقّ الأنفس، فمظهرها هذا رغم أنّه تقريبا لا يتغير بالبيت منذ أكثر من شهر لا يزال يضحكه ويسلّيه، فزوجته الغريبة والمختلفة حتّى بحملها قرّرت أنّ ملابس نومه هي ما يريحها أكثر من أيّ شيء آخر من ملابس الحمل، وها هي ترتدي إحداها الآن بينما تقف أمام المرآة تتأمّل شكلها بغير رضا، فحلّت شعرها المكوّم فوق رأسها بعقدة مجهولة الملامح، وتناولت علبة كريم مرطّب وبدأت تفرد منها على وجهها ببعض العنف والسخط
بتركيز لاحظ يوسف توتّر نظراتها ووقفتها المتململة بينما تراقبه من خلال المرآة ، فأشاح بعينه ينظر لهاتفه يدّعي اللامبالاة ليلمحها من طرف عينه تمرّ بقلم كحل داخل عيونها ثمّ ملمّع شفاه ورديّ خفيف قبل أن تمسك زجاجة عطر محظوظة لم تُرمى خارج غرفة النوم كزجاجاته هو، وتقرّبها منها تشتمّها من بعيد ببعض القرف فتعيد وضعها على طاولة الزينة على أمل استخدامها يوما ما بعد ولادتها من جديد
كعادته لم يمتلك يوسف إلّا أن يشاغبها فقال بينما يضع هاتفه على الطاولة الصغيرة بجانبه: شو شايفك عم تتزبّطي الليلة ليكون "البيبي" مشتاق لأبوه وجاي عباله يروح عالملاهي؟ أووو يمكن هرموناتك عم تلعب معك!!
تجمّدت زاكية للحظات مكانها وتخصّرت بشكل بدا له مضحكا فقد ازدادت بلوزته الزرقاء ضيقا على بطنها فتقلّص حجمها ورُفعت للأعلى أيضا على فخديها قليلا ثمّ قالت بثقة لا تتناسب مع مظهرها: لأ... لا هاي ولا هاي... البيبي تعبان ونايم وهرموناتي مستقرّة تماما وتنيناتهم مو طالبين ازعاج... شو ما بصير الوحدة تتزبّط لنفسها
عضّ يوسف على شفتيه يكتم ضحكاته ويقول: حقّك حبيبتي طبعا واطمّني بشكلك هاد اللي بشبه أبو عبده الجزّار بيّاع اللحمة اللي بآخر الشارع مش راح أفهمك غلط أبدا!
قدحت عيناها في جنون وكزّت على أسنانها غيظا قبل أن تنظر له بتحدّ وترفع البلوزة قليلا وتبدأ بخلع بنطاله القطنيّ من تحتها عن جسدها، حينها فقط تغيّرت نظراته وعدّل من جلسته وعرّض من ابتسامته وقال: بس بتعرفي حبيبتي... أحيانا في مشاعر غريبة بتنتابني ناحية أبو عبده بتخوّفني من حالي، هرموناتي بتتخربط قدّامه.. بتحسّيه هيك... زاكي.... بينأكل أكل
رغما عنها أطلقت زاكية ضحكاتها واقتربت منه بتثاقل تقول: أبدا ما إلك حلّ إنت، ما بتعجز، جوابك دايما حاضر!
جلست على السرير بجانبه بتمهّل ورفعت رجليها بثقل فابتسم لها بمؤازرة قبل أن يقترب منها فيأخذ رأسها ليضعها على كتفه باحتواء
أمسكت زاكية يده واحتضنتها قريبا من قلبها وتنهّدت بهمّ قبل أن تقول: أحيانا بقول لحالي يا ريتني ما أجّلت حملي كلّ هالسنين يمكن ما كان تعبت لهالدرجة!
أمسك يوسف يدها وقبّلها قائلا: مش مزبوط انت حتّى التلاتين سنة لسّة ما كمّلتيها وفي بعمرك بعدهم ما تزوجوا بعدين انتي كنتي مجبورة دراسة ومناوبات
ابتسمت زاكية هانئة دوما لتفهّم زوجها لظروف دراستها الصعبة وطموحها دوما للتميّز، أحيانا تشعر أنّها قد تحسد نفسها عليه فتفقده لا سمح الله، فأيّ زوج غيره قد يحتوي زوجته ويقف معها لتكون كما تريد محترما طموحها وظروفها بكلّ ذلك التفهّم والصّبر... الجواب لا أحد
دغدغة أنفه بباطن كفّها أفاقتها من شرودها فيه وابتسمت بينما تشعر بقوّة استنشاقه لها بينما يتمتم : امممممم يممممييي... اشتقتلك... مطوّلة لحتّى تولدي؟
ابتسمت زاكية وقالت: عأساس حارم حالك من إشي... عامّة مفروض خلال أسبوع أخلّص الشهر التامن وأدخل بالتّاسع
لامس يوسف بطنها بشوق لذلك الكائن الصغير الذي ينمو داخل أحشاءها والذي ينتظره منذ أكثر من أربع سنوات والذي لا يعرف ما هو حتّى الآن فطفله يبدو عنيدا كوالدته يرفض أن يظهر لهم نفسه ويصرّ على مفاجأتهم حتّى اللحظة الأخيرة، لكن ذلك لا يهم فسواء كان الطفل "أبو العزّ" أو "أمّ العزّ" فهو طفله هو ومنها هي!
أحسّت زاكية بجسدها بتراخى اثر لمسات يوسف الرتيبة لبطنها وأوشكت على إطباق أهدابها عندما سمعته يسأل: حكيتي مع لميس بموضوع جيّتها "قدومها" على موعد ولادتك حتّى تكون معك؟
قطّبت زاكية وقالت: بتعرف ذكّرتني اليوم رنّيت عليها مرتين كان موبايلها مغلق... ما بعرف بالي مشغول عليها الفترة الأخيرة كنت لمّا أحكي معها أحسّها متدايقة ومو على بعضها وبس أسألها تقوللي ما في شي وأنا ما كنت ألحّ عليها بتعرف هيّي من وقت الحادث تغيّرت كتير وصارت منطوية وما عدت أفهم عليها!
نظر لها يوسف وقال بتعاطف وتأثّر: الله يكون بعونها اللي صار مو سهل أبدا، والحمد لله إنّه تغييرها كان لمصلحتها وللأفضل ولّا شو رأيك؟
قطّبت زاكية حاجبيها وقالت بصدق: بتصدّق لو قولتلّك ما بعرف! يعني هي وينها لميس أصلا... هاي الإنسانة ما بتشبهها بإشي وهاد مو رفض لتديّنها والتزامها أستغفر الله، كتير ناس بيلتزموا بس ما بيفقدوا نفسهم، بيتحسّنوا بس ما بينصهروا ولميس... أنا حاسّة إنها حتّى ما انصهرت لأ هيّي... مش موجودة... متخبية... مو قادرة ألاقيها، كل مرة بحكي معها بلاقي حالي بتساءل لميس أختي وين
ربّت يوسف على رأسها بصمت فهو لا يعلم من هي لميس أصلا ليحكم مثلها ولكنّه طمأنها قائلا: بكرة بس تيجي عنّا عشان ولِادتك و وتقعد معك فترة بترجعي بتتعرفي عليها وبتفهميها بشكل أفضل ما تنسي إنّه إنتي من يوم الحادث غير بزيارات سريعة لمصر ما شفتيها، ومن قبلهم سبع سنوات كانت متزوجة وشبه منقطعة عنّك، يعني إنتي فعليا ما بتعرفيها منيح لإنّه قبلها إنتو التنتين ما كنتوا أكثر من مراهقات ما عندكم نظرة عميقة للأمور
تنهّدت زاكية وأغمضت عينيها بهمّ فسألها يوسف باستغراب: صحيح ليش اليوم ما اتصلتي على اخوانك واطمنتي عليها
أجابته بينما تعتدل بجلستها: ما حبّيت أحكي معهم بهداك الوقت لإنّه بيكونوا بشغلهم وقلت برنّلهم بالليل ومن تعبي نسيت الموضوع
حثّها يوسف قائلا: طيّب يلّا اتّصلي هلّأ الوقت ما تأخّر كتير
هزّت زاكية رأسها موافقة ولكنّها ما إن أدخلت رقم أختها حتّى وصلها ذات الردّ بغلق الهاتف فأدخلت رقما آخر وانتظرت ردّه بلهفة
راقب يوسف إشراقة وجهها ما إن فُتح الخط وشاهد كيف التمعت عيناها بشقاوة قبل أن تبدأ الحديث وتنطلق بالضحكات فجزم أنّ محدّثها ليس إلّا أخاها حسين فهي معه تكون منطلقة مشاكسة كما لم يرها يوما على عكس ما تكونه مع أخيها الأكبر محمّد فتستكين حينها كقطّة وديعة مطيعة، وينخفض صوتها تلقائيا، وتبتسم على استحياء، فيما طمأنينة كسولة تتمطّى على صفحة وجهها كطفلة في حضرة أبيها
سعيد هو لأجلها رغم ما يعتري نفسه أحيانا من غيرة أنانية، فحبيبته لم تعد حكرا عليه وحده، لم تعد منقطعة عن كلّ ما عداه، ولكن سعادتها.. ثقتها والشعور الراسخ بالانتماء الذي زادها رضا وقوّة حقيقية ليست كتلك التي كانت تدّعيها، بل قوّة راسخة في ذاتها كونها ليست في هذا العالم وحدها، ثابتة في الأرض راسخة الجذور، وهذا ممّا يشفع لها في قلبه فينبض لأجلها برضا وسعادة
أنت تقرأ
بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المتألقة نيفين أبو غنيم.. الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..