الفصل الثالث والأربعون ج2
تحت بناية ضخمة تعدّ من أكبر التجمّعات الطبيّة كانت جيهان مصطفّة بسيّارتها منذ بعض الوقت، تجلس بداخلها متيبّسة أمام المقود دون أن تجرؤ على النزول، تخشى إن خطت الخطوة البديهيّة التي كان عليها أن تخطوها منذ تلك الليلة التي اختطفها بها منير أن تفقد ذلك الخيط الرفيع الواهي الذي لا تزال تتشبّث به ، فماذا إن أكّدت لها الطبيبة مخاوفها؟ ماذا إن أخبرتها بأنّه بالفعل قد انتهكها، بأنّها ما عادت تمتلك صكّ عفّتها؟ أتذهب إليه لتواجهه بفعلته من جديد؟ ولكن... ماذا إن أنكر؟ أتخبر والدها؟
نعم عليها أن تفعل فهو من أكبر محامي البلد ولم يخسر قضيّة في حياته فكيف بها وهي قضيّة ابنته بل... شرفه!
ولكن ماذا بعد؟ ماذا بعد؟ ماذا إن استطاع والدها إثبات التّهمة عليه؟ بل ماذا لو ذهبت إليه الآن فأقرّ واعترف؟ ما الذي ستستطيع أن تفعله هي أو أبيها سوى أن يجبرونه على أن يصلح معها غلطته، فتقبل بالنهاية صاغرة مذلولة منكسرة ما رفضته في الأصل وكزوجة ثانية ومع "ضرّة"!
فجأة فقدت جيهان كلّ السيطرة التي كانت تتحكّم بها في الأسابيع الماضية، وأنفجر كلّ الضغط والكبت الذي كانت تشعر به فتنفجر في بكاء جنائزيّ حادّ بينهما تضرب مقود سيّارتها بقوّة وعنف مفرغة فيه وفي يديها كلّ الخوف والقهر اللذان تشعر بهما، وبينما هي كذلك وإذا بصوت انفتاح الباب الجانبيّ وانغلاقه يوقف بكاءها فتنظر بجانبها بهلع لترى من ذا الذي دخل سيّارتها وجلس بجانبها فتفاجأ بأنّه ليس إلّا ابن عمّها الذي كان يهتف بها صارخا: إنت اتجنّنت يا جيجي؟ واقفة منهارة وبتعيّطي ومش حاسّة بالدنيا حواليك وسايبة العربيّة مفتوحة ممكن أيّ حرامي ولّا قتّال قتلة يدخل عليك يقلّبك ويسرقك ده لو ما خطفكيش وقتلك ولّا حتّى اغتصبك كمان!!
وبينما كانت هي لا تزال مصدومة بوجوده بجانبها، غارقة بمخاوفها، لم تفهم من كلّ تأنيبه إلّا كلمته الأخيره فتنشج بقوّة وتدفن وجهها بين كفّيها وتصرخ بلا شعور: ما عدتش تفرق يا فؤاد ما عادتش تفرق، أنا خلااااص ضعت
بغير فهم نظر إليها للحظات وبتوجّس قال: انت بتقولي إيه؟ ضعت ازّاي؟ فيه إيه يا جيجي ما تردّي عليّ وتفهّميني؟
قالها بفقدان صبر وأعصاب منفلته ثمّ أمسك بذراعها وأرغمها على النظر إليه ثمّ صرخ بها بخوف وقلق وهو يرى انهيارها أمامه: بُصّيلي وفهّميني، واقفة هنا منهارة وبتعيّطي لييييه؟ انطقي قوووولي!
فاقدة لشعورها صاحت بوجيعة تقول: جيت عشان أشوف دكتورة نسا -قالتها ثمّ أكملت بضعف تنشج وتقول- أنا ضعت يا فؤاد، انضحك عليّا، منير استغفلني، انتقم منّي، خد حقّه منّي... من شرفي
بذهول بعدم فهم ولا تصديق حدّق بها للحظات يحاول إدراك معاني كلماتها، رافضا تصديق ما هو واضح وهزّها يقول: إييييه؟
بتأكيد وبوح أجابته و وبكلمات متقطّعة من شدّة الإنهاك كأنّها أخيرا قد وجدت من ترمي عليه ما احتفظت به لنفسها كثيرا: انتقم منّي الحقير.. الواطي.. خدني شقّته... اغتصبني... اغتصبني...
بغير وعي ابتدأت جيهان ترديد الكلمة بضعف فاستفزّت ذلك المذهول بجانبها فباغتها وباغت نفسه بصفعة لم يرد إلّا إسكاتها بها فتجفل هي بصدمة قبل أن يبدأ صوت نحيبها بالارتفاع من جديد، أمّا هو فتراخت يداه بعيدا عنها ودفن وجهه بانهيار يحاول التفكير بتلك المصيبة التي حلّت فوق رأسه والتي لم يكن ليعرفها لولا مروره هنا مصادفة ورؤيته لها منهارة بهذا الشكل بينما هو خارج من البناية التي تقف قريبا منها حيث كان بعيادة لأحد أصدقائه
أغمض فؤاد عينيه بقوّة وحاول أخذ أنفاس عميقة يهدّئ بها نفسه علّه يستطيع الاستيعاب والتفكير ولكن هيهات فرجولته حميته غيرته كانت تفور، فهذه التي بجانبه هي ابنة عمّه الصغيرة... والوحيدة، هذه التي تمّ انتهاكها هي رحمه ، من دمه ولولا تصاريف القدر لكانت الآن رغم كلّ شيء زوجته!
وكأنّما هي كانت تدور برأسها ذات الأفكار إذ فجأة رفعت رأسها أمامه بوحشيّة وتقول: انت السبب، انت السبب، انت الحقير، انت الأناني اللي لا عرفت تحبّني ولا تحبّها، بدل ما تضربني روح اضرب نفسك عشان انت ضعيف وجبان وأناني وطمّاع عايز تاخد كلّ حاجة، جمال ومال وبرستيج
قالتها وبدأت تنهت من شدّة قوّة مشاعرها قبل أن تبدأ دموعها بالتزايد أكثر بينما تقول: وللأسف إنّي انا طلعت زيّك، طمعت زيّك، بقيت عايزة كلّ حاجة وفرّطت بمنيييير، ضحكت عليه وجرحته فرجولته لغاية ما قدر ينتقم منّي ويدفّعني التمن بس التمن كان غالي أوي أوي
صوت بكاءها بل نواحها أصبح مثيرا جدّا لأعصابه، معذّب لمشاعره، محرق لقلبه، وفجأة وجد نفسه يحتضنها بقوّة مكبّلا إيّاها بين ذراعيه ومكبّلا بها قهره وحرقته وبينما هي منهارة بين ذراعيه، غير واعية لشيء قرّب رأسه من رأسها ماسحا فوق سواد شعرها دموع قهره بينما يقول: ما تخافيش، ما تقلقيش يا جيجي، أنا معاك مش هسيبك أبدا، انا آسف، آسف، اهدي ما تخافيش.
أنت تقرأ
بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملة
Romanceرواية للكاتبة المتألقة نيفين أبو غنيم.. الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..