الفصل الثالث والثلاثون

5.7K 125 3
                                    

الفصل الثالث والثلاثون

يجلس بين المعزّين والجمود منحوت فوق محيّاه الفتيّ الّا من اختلاجة صدمة تنبض داخل عينيه لا يراها إلّا من هو شديد المعرفة به كوالده الذي يجلس بالقرب منه بملامح تشابه ملامح ابنه بجمودها وإن لم تخلُ عيناه هو الآخر من عواصف من نوع خاصّ

كتف بكتف كانا يجلسان فيما كلّ منهما هائم في ملكوت خاصّ من الأفكار والمخاوف

رغم كلّ ما أظهره اليوم من صلابة كان الصارم يرتعد داخليا ومنظر جدّته وهي تحتضر وتنازع لمفارقة روحها يُعاد بذاكرته في كلّ حين وبكلّ تفاصيله، ما أشقاها وأصعبها من معاناة لو تعلمون!!

لقد ماتت أمامه وبين ذراعيه، صوتها تشهق وتنتفض بينما تقبض على ذهبها الذي ترتديه متمسكة به حتّى اللحظات الأخيرة كان موجعا بالنّسبة إليه، شعوره بالعذاب الذي ألمّ بها يكاد يقتله، أصبعها الذي أصرّ على التشبّث بمتاع الدنيا رافضا أن يرفع ولو لمرّة لأداء الشهادة يبكيه دما ويحرق قلبه ألما

يقبض كفّة على جانب مقعده بقوّة بمرارة فهي جدّته، جدّته التي ربّته وتعبت عليه رغم كلّ شيء

لقد أمرها بالشهادة بحقّ الله، لقد منّ عليه الله وأنطقه رغم سنّه الصغير بأن يقوم بتلقينها الشهادة، ولكن أنّى لها أن تفعل وقد عاشت وماتت وهمّها كلّه بالمال

لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، اللهمّ اغفر لها يا رب وارحمها واعفُ عنها

صوت والده يطلب من أخيه نبراس بأن يقوم بسكب القهوة وتقديمها لبعض المعزّين الذي وصلوا توّا قاطع جحيم أفكاره لينتشلها منه أخيرا تذمّر الأخير وهو يتمتم له قائلا: هسّة جدّتك إنت اللي ماتت أنا شو دخلني أضل رايح جاي أوزّع إشي تمر وإشي قهوة وياخوفي آخرتها تحكولي لمّ الزبالة

ابتسامة خفيفة داعبت فمه بينما يخبر أخاه: معلش شويّ بسّ يروحوا زملائي بقوم أنا بساعدك

بغيظ أجابه نبراس: وليش بسّ إنت اللي تساعدني؟

بغير فهم أجابه صارم: ولاد خوالي صغار

بغيظ وبطرف عينه أجابه أخوه: وشو بالنسبة للاخ؟

نظر صارم إلى حيث يشير أخوه ففهم أنّه يقصد أخاه لأمّه البالغ من العمر اثنا عشر عاما والذي كان يجلس بجانب والده فيبدوان كلاهما نسخة من الكِبر والعنجهيّة والغطرسة، فابتسم ساخرا وأجابه: الأخ بدّه مين يخدمه

عندها خرج والدهما عن صمته ونهرهما كليهما قائلا: التهي بحالك إنت وهوّ الواحد بيقدّم قيمته وبيعكس تربيته ومبادؤه والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كان يخدم ضيفه ولّا حضرتك سيّد نبراس أحسن منّه!

باندافاع أجابه نبراس: أكيد لأ بس هدول مش ضيوفي وخاصّة هاد!!

عندها نهره الكاسر وقد ابتدأ يفقد حلمه وقال: ضيوف أخوك ضيوفك انكتم وروح قدّم القهوة

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن