الفصل السابع عشر

4.7K 114 2
                                    


الفصل السابع عشر
صوت ارتطام جسدها في الأرض، متبوعا بصوت شهقتها، كان كلطمة حطت على وجهه نبّهته على فداحة فعلته
لاهث الأنفاس مشتعل النظرات كزّ محمّد على نواجذه بغضب شديد حاشرا الكلمات في جوفه مانعا نفسه عن رشقها بها كالرصاصات واعدامها بها كما تستحق مثيلاتها
قبض كفّ يده المعترضة على فعلته بسيطرة، بينما يرمي جسدها المكوّم عند قدميه بين طيات ثوبها الأبيض بنظرة غضب مغلفة بالخيبة، فبدت له كوردة ذابلة مكسورة الساق مهملة على قارعة الطريق
عاجزا عن الكلام، غير قادر على سماعها، نظر محمّد حوله بضيق كأسد حبيس في قفص، ليأتي سؤالها الذي نطقته بصوتها الأبحّ المجروح المختنق بالذهول، قاصما لظهر احتماله فيغادرها هاربا كمن تلاحقه كلّ الشياطين: ليه؟
نطقت إيمان السؤال متبوعا بشهقة حادّة انفجرت بعدها في البكاء وكأنما شهقتها تلك كانت التصريح المناسب لعبور كلّ تلك الدموع الكثيرة التي كانت تكبتها منذ الصباح مع كلّ خيبة أمل وخذلان وتجاهل، الكثير من الدموع والبوح كانت تجمعه في عقلها مرتّبا منذ أيّام لترميها فوق صدره تشاركه بها علّه يفهم ويتقبّل ولكنّها لم تكن تعرف أنّ خيبتها الكبرى ستكون على يديه، بل على يده… وتحطّ على خدّها مرديا أحلامها مع جسدها مباشرة تحت قدميه
أمّا هو فخرج من الفندق متسارع الخطوات متجاهلا لنداء أحد العاملين، وكأنما يفرّ من براثن قدر مخيف، بينما صدى شهقات بكاءها تتردّد في أسماع ذاكرته مرارا وتكرارا
……………………...……………………………………………………………….

تغلق الباب على نفسها كي تحجب صراخ والدتها عن أسماعها فلا تسمع المزيد من كلامها المسموم الجارح
تميل على طاولة زينتها تنظر إلى نفسها بعمق كاره، حقد ومرارة يملآن عينيها ويفيضان مضفيان على كلّ تفاصيلها سوادا كريها رغم بشرة وجهها ذات البياض الشديد والتي لم تفلح أدوات التزيين الكثيرة بإخفاء بعض منه ولو قليلا، وكيف سيخفت أمام لون عينيها الواسعة شعرها الكثيف الأشعث شديديّ السواد
"كاسبر"
هكذا كانوا يلقبونها بالمدرسة ومن يلومهم وهي بهذا الطول وذلك النحف، وهي مجرد خيال شاحب بعيون سوداء غائرة وشعر يحيط بوجهها كثا مهما حاولت وثبتته بالدبابيس يأبى إلا أن يظهرها كمتسولة لا تعرف التسريح
بشعة بملامح نافرة لم تشعر بها إلا عندما جاءت فتاة صغيرة فاتنة لتسكن معهم قالوا انها اختها وكأنّ الاخوّة شعورا يفرض على الانسان بمجرد ذكرهم للكلمة فما يكون عليهم سوى أن يتقبولها
وكيف ستفعل هي وأختها قد جاءت لتشعرها بكل ما لم تملكه هي
الجماة والفطنة والقرب من القلوب، واه كم كان مواسيا لمشاعرها أن تعرف أن شقيقتها لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ولكم كان مرضيا للطفلة الجريحة بداخلها بأن تدرك ذلك العيب بأختها والذي أدركت بحدسها كم كان يغيظ والدتها وينفرها منها
وكم كان سهلا بالنسبة لها بذكائها أن تستغل ذلك العيب لتشويه صورة اختها وذلك بتسليط الضوء عليه بخلق فارق كبير بينهما، فتعلو عليها وتتعالى عبر اجتهادها الشديد وتفوقها
لقد حاولت تقسم أنها حاولت أن تتعايش مع نفسها، أن تتجاهل الآخرين ولا تكترث الا بنفسها ولكن كيف لها أن تفعل ونظرات الحسرة في مقلتي والدتها دوما ما تطعنها في قلب أنوثتها، كيف تفعل وابن عمها من أحبته دوما منذ كانت طفلة أعمته الأخرى بجمالها وحتى حين ظنت انه على الأقل بعقله قد تخيّر الأفضل بينهما، مؤمّلة نفسها أنّه ربما عندما تغيب أختها أخيرا من أمام عينيه سينحسر تأثيرها عليه ويتقرب منها هي، سيشعر بها أخيرا ولكن هيهات
هيهات وقد أبى إلا الرضوخ لسحرها حتى اللحظة الأخيرة أملا، نابذا إياها لأجلها وكأنها لا شيء وكأنها ليست خطيبته، ليست ابنة عمه، ليست إنسانا من لحم ودم، ليست إلا شبحا لا وجود له إلا في الحكايا الخيالية الخاصة بتخويف الأطفال
لقد استحق ما فعلته به وليست نادمة أبدا على ذلك بل على العكس اهانته تلك لم تبرّد من نار قلبها بعد، ولا حتى تلك الكلمات المسمومة التي رمتها في أذني إيمان قاصدة بأن يسمعها زوجها وكم تأمل أن يكون رجلا كفاية ليرميها كخرقة بالية علّها تخبو ويخبو سحرها فلن تسعد هي إلّا وقد جعلت حياتها جحيما: اهو الراجل اللي انت طوول عمرك بتجري وراه، الراجل الي رخّصتي نفسك علشانه، ابن عمي الي بعد ما زهق منك رماك وجه علشان يتجوّزني أنا، اخترني أنا، رفضته ورميته من غير لحظة تردد، عارفة ليه؟ علشان أنا بعكسك كرامتي ،
بالنسبالي فوق كل اعتبار، واوعي تفتكري ان اللي حصل بينكم من كم يوم فرق معايا، لا خالص ابدا لإنّي واثقة ومتأكّده إنّها كانت مجرّد فورة مشاعر لحظيّه خلصت وندم عليها فلحظتها والدليل إنّه جه النهارده وبرضه كان عايز يكتب عليّا عادي
…………………………………………………………………………



بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن