الفصل الثلاثون

5.7K 116 3
                                    

الفصل الثلاثون

كان محمّد يدخل من باب المحكمة مرتاحا وشعور بالخفّة والحماس يلامس روحه، وكيف لا يكون وهواء مدينة واحدة يجمعه أخيرا بها بعد أيّام طويلة من البعد والحرمان، اشتاقها حدّ اللامعقول، حتّى ما عاد يفهم كيف عاش عمرا بكامله دون وجودها بحياته بفوضاها وتفاصيلها ورقّتها المهلكة

عشرة أيّام منذ تركها هناك ببيت السيّدة فوزيّة مخلّفا إيّاها وراءه تداوي جراح نفسها التي تسبّب بها بعيدا عنه، وثلاثة منذ تلك المكالمة التي باح فيها بالكثير مفصحا عن مكنونات قلبه وروحه، ثلاثة أيّام لم يمضي يوم فيها دون أن يخبرها كم يحبّها، كم تعني له والأهم... لأيّ درجة هو متمسّك بها وغير قادر عن الاستغناء، لكنّها رغم كلّ ذلك... لم تثق به وبمشاعره و... لم تفصح!!

كانت حالة من الاحباط توشك ان تتلبّسه عند هذه الفكرة في اللحظة التي لمح بها الأستاذ مصطفى زوج والدتها يخرج من ذات الباب الذي كان يدخل منه، حينها طرأت في رأسه فكرة أن يبحث بنفسه وبشكل غير مباشر عن تفاصيل تخفيها ولا يفهمها فسارع بتطبيقها مناديا على الرجل الذي سرعان ما توقّف وابتسم له مرحّبا

سلّم الأستاذ مصطفى عليه بحرارة ثمّ نظر له قائلا بينما ينظر للساعة بيده: ربع ساعة والمحكمة هتقفل ليه متأخّر كده؟

نظر محمّد هوّ الآخر للساعة بيده وأخبره قائلا: لسّة واصل حالا من الصعيد قلت اخلّص الورق اللي معايا بسرعة من هنا علشان ما اضطرش اجي علشانه بكره مخصوص

ربّت على كتفه قائلا: ربّنا يقوّيك وحمد لله عالسلامة

استشعر محمّد بدء مغادرة الرجل فأوقفه بسرعة قائلا: أستاذ مصطفى، تحبّ تشرب فنجان قهوه معايا؟ حاسس راسي مصدّعة وفي كافيه قريب من هنا بيقدّم قهوة مضبوط بتعدّل المزاج تحبّ تشرب معايا؟

بترحيب أومأ الآخر قائلا: عرفته، هروح أدخّل شنطتي العربيّة واسبقك على هناك على ما تخلّص وتيجي

بعد حوالي ربع ساعة كان محمّد يجلس على طاولة صغيرة مقابل الأستاذ مصطفى الذي سارع بالتوصية على فنجانين من القهوة المضبوطة قبل أن ينظر للآخر ويسأله باهتمام صادق: ها طمنّي عملت ايه هناك خلّصت القضيّة؟

أجابه بركازته المعهودة: الحمد لله كلّه تمام القضّية انتهت بالحكم لصالح موكّلي من اكتر من اربع ايّام لكن الحقيقة جاني موكّل تاني فنفس اليوم وطلب منّي أمسكله قضيّته ولله الحمد كانت سهلة وخلّصتها النهاردة وفضلت جايّ على طول على هنا

ابتسم مصطفى بإعجاب وقال: ربّنا يزيدك الحقيقة انت تستاهل كلّ خير الحمد لله إيمان ربّنا بيحبّها علشان كده عوّضها بيك

قفزة قلبيّة حارّة كانت ردّة فعله من الداخل أمّا من الخارج فلقد استطاع محمّد كبت كلّ تلهّفه وانفعاله وقال ببرود مقصود: تعبت أوي إيمان بحياتها

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن