الفصل الخامس

5.4K 121 5
                                    


الفصل الخامس

يقف أمام النّافذة يحدّق من خلالها كما هو معتاد أن يفعل، لكنّه اليوم ينظر ولا يرى سوى صورة رمادية باهتة لفراغ شاسع لا يغريه بإطالة الوقوف، يقفل النافذة معتذرا لها فجمال ما تخفيه لم يقلّ بل يزدادا بهاء ككلّ يوم لكنّه هو من لا يرى في الكون شيئا جميلا اليوم، وكيف سيفعل وهو لا يرى نفسه مقبلا إلّا على... فراغ... مستقبل بارد، فارغ لا حياة فيه ولا روح، تماما كماضيه إنّما أشدّ قسوة وبشاعة

نعم الأمر مختلف، فهو إن كان في الماضي لم يكن يعلم ما يفقد، إلّا أنّه اليوم يعلمه تماما!!

متيبّس الأطراف، متعرّق الجبين، جلس حسين فوق مقعده أمام المكتب، ينظر حوله فلا يرى إلّا ذات الفراغ يحاوطه يضيق حينا فيخنقه ويتّسع أحيانا فيتوه فيه

يغمض عينيه بألم، كلماتها تتردّد واضحة في هدوء المكان، تضرب أوتار قلبه قبل أسماعه، تجلده بسياط الفقد القريب

" أنا قرّرت أعطي نفسي وأعطي أخوها لمنال فرصة، أنا كنت فعلا رفضته وبلّغت منال بهاد الرفض بس... هوّ إجا قبل ما يعرف قراري... مش يمكن هاي إجابة الاستخارة"

صدمة

صدمة كانت كلماتها ألجمتهما فيها هو وأخيه قبل خروجهما في الصّباح، ثورة اشتعلت في صدره من غضب وعدم رضا أوشك على الانقياد لها وربّما الصعود لذلك الكاسر وتهشيم وجهه وتكسير عظامه قبل أن يجرؤ على أخذها منهم

لكنّه محمّد بملامحه المتجمّدة وذراعيه الصلبتين كبّلتاه وأخرجه من المنزل قبل أن يستجيب لخيالاته ويجرح أوّل ما يجرح أخته نفسها

صوت حركة بالخارج استجلبت انتباهه فوقف بتحفّز يبحث عن من يفرغ فيه إحباطه وغضبه فعسى أن تكون هي

عندما وجد المكان فارغا توجّه مباشرة نحو المطبخ باستنفار يبحث عن قاتلة الفئران تلك، ونادى قائلا: سيبي الفيران وخلّيها في حالها تسترزق وتاكل عيش واعمليلي كوبّاية شـ....

نظر حسين بصدمة إلى فوزية التي ما إن سمعت صوته حتّى خرجت إليه تبتسم ابتسامتها التي دوما ما تتغلغل لداخل صدره تبثّه دفئا لا يعلم من أين منبعه

بهالتها المميزة التي تنبع من داخلها، كشمعة مقدّسة تشتعل دائما دونما انطفاء، قد تخفت حينا وتتوهّج أخرى لكنّها دوما هناك تبثّ بجانب النّور المريح دفئا غريب، قد لا يخصّه لكنّه يتغلغل بداخله وإن من بعيد

يشعر أنّ دهرا قد مرّ منذ أن رآها آخر مرّة ورغم شعور الخيبة الذي فاجأه للوهلة الأولى عندما لم يجد "السيّدة منشن" سالبة إيّاه فرصة تقريعها إلّا أنّ سعادته كانت صادقة وحقيقيّة: لاااا معقوله؟ الستّ فوزية رجعت المكتب؟ الشّمس خلاص هتنوّر المكتب من تاني؟ طب والله مش مصدّق يعني أخيرا هرجع اصطبح بالوشّ اللي زيّ القمر ده؟

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن