الفصل الأربعون

6.8K 128 3
                                    

الفصل الأربعون

يجلس بجانبها -حيث هي راقدة فوق السرير- على كرسيّ خشبيّ وضعته له السيّدة فوزية، يراقبها بتدقيق متفحّص، يلاحظ وجهها الذابل والهالات تحت عينيها، يتجاسر ويكمل تفحّصه فتجري عيناه فوق جسدها الفاتن، وترنوان بلهفة إلى بطنها الذي لا يزال مسطّحا فيغمض عينيه بلحظة من جنون ويتخيّل شكلها ببطن مكوّرة، فتبتسم شفتاه بحنين لاهب وتتمادى خيالاته، فها هي تحتضن طفلهما بين ذراعيها تضعه على صدرها بينما يحيطهما هو بذراعه مستمتعا بدفء لم يشعر به يوما، دفء غمر قلبه منذ الآن ولمجرّد خيال فكرة، والواقع أجمل بإذن الله

فجأة تجهّمت ملامحه فالغضب لا يزال يستحكم بقلبه كلّما تذكّر رغبتها بحرمانه من طفل لم يعرف أنّه يتلهّف له إلّا عندما عرف بحملها، غضب كان سيؤذيها يعرف نفسه فهو الحليم والحذر منه عند الغضب واجب، وكم يحمد الله أن ألهمه أن يرسلها مباشرة للسيّدة فوزيّة حيث الأمومة في معانيها الأصيلة، حيث الرعاية والاهتمام والقدوة الحسنة، والأهم حيث تكون بعيدة جدّا عنه، فغضبه حينها كان كبيرا، خيبته كانت مريرة، وجرحه كان عميقا، وكيف لا يكون والضربة يومها لم تكن واحدة بل اثنتين، ضربتين ومن أحبّ اثنتين إلى قلبه

فأولاهما تودّ حرمانه من ثمرة صبرٍ استحقّها بعد سنوات عجاف طالت حتّى ظنّ أنّ روحه قد أقحلت إلى أن عرفها، وثانيهما كسرته وأذلّت نفسها أمام آخر لم يكرمها ويراعي الله فيها، اختارته وهو الذي يريد أن يكسرها بأخرى مهما صَلُحت وأصلحت لن تكون بنصف صلاح شقيقته

من جديد يغمض محمّد عينيه، يقاوم شعورا بتأنيب الضمير يجلده منذ تلك اللحظة التي صعد فيها على متن الطائرة، يلوم نفسه أنّه قد تركها، كان لا بدّ أن يحضرها معه شاءت أم أبت، كان لا بدّ أن يستمع إليها، يفهم تصرّفها الذي كان واضحا أنّ له سببا لكنّه في حينها كان أشدّ صدمة وخذلانا من أن يفهم، لقد طلبت منه أن يثق بها ولكنّه لم يفعل، ربّما بتأثير الضربة الأولى، أو الحميّة الشديدة لها، لا يعرف، كلّ ما يعرفه أنّه يحمد لله كثيرا أنّ أخاه كان أشدّ ذكاء من أن يسافر ويتركها كما فعل هو!

تململ إيمان فوق السرير أثار انتباهه فنظر إليها مترقّبا منتظرا استفاقتها التامّة وفعلا لم تحتج هي لكثير من الوقت حتّى تدرك وجوده إذ أنّها وفي لحظة فتحت عينيها على اتّساعهما وكأنّها أحسّت بوجوده، وفي ذات اللحظة التي رأته فيها قريبا جدّا منها التمعت عيناها الذابلتان وتحرّكت شفاهها بما يشبه ابتسامة، ثمّ طفرت من بين أجفانها دمعتان ثقيلتان صدمتاه وأوجعتا قلبه عليها فانتقل إلى جانبها فوق السرير جالسا يقول بحنان أذاب قلبها وتصدّعت بسببه جلّ مخاوفها: هشش خلاص بسّ ما تعيّطيش أنا جيتلك وبقيت عندك اهو

تأمّلته إيمان للحظات، قلبها خوى من نبضه إذ تطاير كلّه ملهوفا إليه تاركا صدرها يعاني الفقد والخواء والألم، نظرت إليه بعينين تبوحان، تشكواه إليه، تعاتباه أن قد تركها، تبرّرا له انحراف سلوكها، ثمّ أخيرا كطفلة حزينة تشكو لوالدها تمتمت بهشاشة تقول بسخط: أنا مش بعرف أقرا

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن