الفصل الحادي والعشرون

5.7K 126 6
                                    

الفصل الواحد والعشرون

في الثلث الأخير من الليل

بينما النيام في غفلتهم، والعصاة في سكرتهم، كان الأوّابون بين يديّ الله يتنعّمون... يتقرّبون... يستغفرون... يطلبون الرحمة ويتوسّلون، أمّا هي فلم تكن تطلب، بل كانت تتضرّع مجهشة بالبكاء، ساجدة بين يديه تكاد تختنق والدموع تكتم أنفاسها، تسجد وتطيل ولا تبالي سوى بالذنوب التي تثقل كاهلها تدعو الله بأن تتلاشى مبيّضة صفحتها يوم الحساب

لقد نسيت.. أخذتها الدنيا وانشغلت، نسيت ذنبها وتشاغلت عن توبتها، وها هو الله ينبّهها وإنّما بأقسى الطرق، يحمّلها بطريق التوبة مسؤولية هي والله مهولة... مهولة... مهولة

سلّمت لميس من صلاتها ولم تقم عن سجّادتها بل انهارت على الجدار خلفها، تدفن وجهها بين كفّيها، تريد اللطم ولكنّها تخاف الله في أذيّة ما لا تملك والوجه لله وكلّها ملك له، النار تحرق قلبها الأفكار في عقلها مستنفرة، تهمس لنفسها في ذهول "يا للمصيبة... يا للمصيبة"

هو ابتلاء ولكنّه ابتلاء عظيم والله يكسر الظهر، قليلة الحيلة هي يا الله وأمرها كلّه بين يديك، فوّضت أمرها لك فألهمها الصواب في القول والعمل

التاريخ يعيد نفسه وفي أبشع الطرق، أن تحمل ذنبها عظيم وأن تحمل ذنب غيرها أعظم، أن تضلّ طريقها جهلا أمر، وأن تسكت على ضلال العنود أمرا آخر، لقد عرفت هي طريق الحق بأصعب الطرق ودفعت الثمن غاليا جدّا ولا تزال تدفع ولا تعلم كم ستدفع بعد، ولكن لم على العنود أن تفعل هي أيضا وبيدها هي أن تريها الطريق ولكن كيف... كيف وهي لم تجرؤ حتّى أن تنظر في عينيها اليوم؟ كيف وهي ليست أمّها؟ وكيف وهما ليستا حتّى صديقتين؟

هذه أمانة جديدة حمّلتها إيّاها يا الله وهي والله عظيمة... عظيمة جدّا...

من جديد أجهشت لميس بالبكاء تشعر بقلبها يعتصر بقسوة، فهمست بيقين نابع من داخل فلبها

"إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي... فلا أبالي"

فجأة ومن بين نشيجها المتألّم وشهقاتها المبتورة، شعرت بيد تحطّ فوق كتفها، وصوت يتسلّل عبر ظلمات اليأس والخشية يتخلّل مسامعها يسألها يقلق: خالتي خير شو صاير؟ ليش هيك عم تبكي؟ والله خوّفتيني

رمشت لميس عدّة مرّات تنفض الدموع عن مقلتيها وهمست بصدمة: عنود؟!

ارتبكت العنود وقالت: آسفة دخلت غرفتك بلا إذن بسّ ما كنت قادرة أنام ورحت للحمّام سمعتك بتبكي هيك متت خوف دخلت من غير ما أحسّ... شو في خالتي؟

صمتت لميس تنظر للشابّة الصغيرة أمامها ذات الخمسة عشر ربيعا بحسرة، تلمس البراءة التي تملأ عيونها مهما تحاول مداراتها وتلبيسها بقناع من الجمود والكبر، تشفق عليها من طريق مظلم تريد أن تسير فيه، تتألّم لمستقبل أسود قد ينتظرها إن لم تساعدها هي بتوفيق من الله، فمدّت لها يدا مرتعشة وأمسكت بيدها بقوّة تستمدّ منها دعما يشدّ من أزرها وقالت بصوت قد بحّ من كثرة البكاء: خايفة!

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن