الفصل الثالث والعشرون

6.4K 121 4
                                    

الفصل الثالث والعشرون

هائج الأنفاس، مشتعل العينين، منفلت الأعصاب، أوقف محمّد السيّارة أمام باب الشقّة وبفم قد جفّ وابيضّ من شدّة الصراخ أمرها قائلا: انزلي يلّا!

بوجه شاحب من شدّة الهلع وعينين محتقنتين سألته بخفوت: طب وانت؟

أظلمت ملامحه أكثر وأجابها بحدّة: لو سمحت يا إيمان اتفضّلي انزلي

أطرقت إيمان حينها بحزن للحظات ثمّ ابتدأت تبكي بكاء عاصفا تفرغ فيه كلّ الكبت والخوف الذي احتشد في صدرها خلال الدقائق الفائتة قبل أن تقول له بصوت مختنق متقطّع: أنا... أنا آسفة... أنا معرفش ليه كلّ ده بيحصل معايا... والله... والله... انا ما كنتش أقصد أخبط بفؤاد في البيت عند ماما، ولمّا مسكت إيد الراجل في الكاندي شوب ما كنتش عارفة إنّ ده مش إنت... ما خدتش بالي وانت بتمشي من جنبي

ممزّقا ما بين دموعها وبين صورتها وهي تمسك بيد الرجل في متجر السكاكر، صرخ محمّد بها بصوت شبه مبحوح محاولا إسكاتها، ولكنّها أبت إلّا أن تكمل من بين نشيجها: أنا مش وحشة يا محمّد والله العظيم أنا مش كدة بسّ إنت اللي ما بتصدّقنيش، بسّ أنا ظروفي كده ودي حاجة ما ليش ذنب فيها لكن أنا مش وحشة والله العظيم أنا مش كده والله العظيم

لقد كان بالفعل مشتعلا غضبا عندما خرج قبل ساعات من بيت أهلها، مطبقا شفتاه عاقدا الحاجبين منغلق الملامح رافضا لأيّ حوار قد تفكّر بأن تجريه، بانيا سدّا بينه وبينها مخفيا خلفه غضبا عنيفا هادرا لو فكّر بأن يظهر منه لمحة لأهلكها معه، لكنّها أبت إلّا أن تستدرّ بعضا من تلك الأبوّة الوليدة التي يشعرها نحوها في صدره ونظرت له بعيون حزينة تقول له بإقرار واقع وفي خيبة: خلاص مش هتاخدني للكاندي شوب صح؟

مصدوما بمنحى أفكارها البعيد جدّا جدّا عن أفكاره نظر إليها مبهوتا، فأطرقت برأسها وقالت: خلاص مش عاوزة

بغيظ نظر محمّد أمامه وقد لاحظ كيف شتّتت من تركيزه على الهوّة السوداء التي كانت تسحبه إلى داخلها، وبغيظ أكبر من نفسه وجد نفسه بعد دقائق يصطفّ بسيّارته أمام متجر كبير للسكاكر كان قد لاحظه قبل أيّام قليلة وفكّر حينها أنّها لا بدّ ستحبّ أن تشتري منه

وكما تخيّل وقتها وجدها فعلا تجول فى المكان هنا وهناك بحماس شديد، تشير له على أشهى الأنواع من وجهة نظرها، ودون أن يشعر وجد نفسه يتوه معها بين الأشكال المتنوّعة والألوان المبهجة، حتّى في لحظة ما لمح محاميا زميلا يشير له من بعيد، فاتّجه إليه بذوق ليسلّم عليه، وابتدأ الآخر يشير له على أطفاله يعرّفه عليهم من بعيد وقد كانوا يبدون مثلها فرحين غارقين ببهجة الاختيار، فابتسم لنفسه مرغما وحانت منه لحظتها نظرة إليها ليراها فجأة وبعد قفزة حماس طفوليّة تمدّ يدها تلامس ذراع رجل يقف قريبا جدّا بجانبها دون أن تنظر إليه وتشير له على شيء بحماس، حينها أحسّ بأنّ كلّ الغضب الذي تبعثر، ابتدأ يتكالب بداخل صدره من جديد

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن