الفصل الخامس والأربعون والأخير

9.2K 145 18
                                    

الفصل الخامس والأربعون
الأخير

يجلس فوق مقعد الانتظار خارج غرفة الفحص بقلب شديد الانقباض، من يراه ويرى وجهه الثابت وعينيه الجامدتين من المستحيل أن يحزر أنّه هناك بداخل صدره يعيش حالة عجيبة خاصّة من الرعب، فمنظر جسدها المتهاوي أمامه -والذي لولا سرعة بديهته وحركته لكان قد ارتطم فوق الأرض- لا يزال يُعاد بذاكرته مرة بعد أخرى كإعلان مُجَدْول متكرّر مثيرا بداخله ذات المخاوف والذهول

بجانب جسده الثابت للعيان تنقبض كفّه بعنف شديد، ولولا بعض العقل لكان قام بلكم نفسه عديدا من المرّات؛ فالذنب ذنبه وهو الذي تجاهل كثيرا من علامات التعب التي كانت تبدو واضحة جليّة عليها مقتنعا بتبريراتها الخرقاء، وقد كان آخرها اليوم وهو الذي ترك أمر غرقها المريب في النوم دون تحقيق وتمحيص منجرفا خلف مشاعره كغرّ سخيف!

بلهفة رفع رأسه وهو يستمع لصوت انفتاح الباب وانتفض بقوّة من مكانه وهو يتأكّد أنّ زاكية من كانت تخرج مغلقة ايّاه وراءها وقد كان سابقا قد اتّصل بها فزعا عندما سقطت لميس مغشيّا عليها لترشده لطريقة لإفاقتها وقد كان من شدّة الهلع نسي كلّ أبجديات الاسعافات التي كان مضطلعا عليها، كما طلبت منه مشدّدة بضرورة إحضارها للمستشفى حيث تعمل ما ان تستفيق وتستعيد بعضا من قواها

عينيه المتوجّستين المترقّبتين كانت تدقّقان في ملامحها محاولا استشفاف خطورة الأمر ثمّ ازدادتا اتّساعا وخالطهما الخوف وهو يلاحظ احمرار أنفها وتورّم جفنيها كدلالة واضحة على البكاء

متأهّبا ثابتا اقترب منها رغم تلك الانقباضات الصدرية التي كانت تضغط فوق قلبه معتصرة إيّاه بإيلام شديد ثمّ سألها محتدّا باقتضاب: خير؟ طمنيني!

قالها وكأنّه يمنعها من نطق أيّ من المخاوف الكثيرة التي تتلاعب في تلافيف عقله، أمّا هي فنظرت إليه بعينين ملتمعتين ثمّ فتحت فمها وأقفلته باضطراب حائر، فتوجّس عقله خيفة وهتف متسائلا بقلّة صبر: ايش في؟ مالها لميس؟

عندها وبجنون أنثويّ لم يكن يوما مفهوما إليه وربّما أيضا لرجال الأرض قاطبة، تألّقت عينيها ولم تستطع أن تكتم ضحكتها التي انطلقت مختلطة مع حشرجة بكاء: لميس... حامل!!

مستنفرا مستعدّا متهيّئا لسماع الأسوأ فتح الكاسر فمه ليسأل مستفسرا عن التفاصيل ولكنّ الكلمة سرعان ما وجدت طريقها لعقله المشوّش طارقة وعيه من بين زحام الأفكار متسبّبة بوقفة خاشعة لهيبة الكلمة حتّى همس أخيرا في ذهول: نعم؟!

بقوّة نشجت زاكية أمامه بالبكاء بينما تهزّ رأسها مؤكّدة تقول وكأنّما تؤكّد لنفسها لا له: لميس حامل حامل!

الكلمة هذه المرة هوت داخل روحه بقوّة مثيرة صخبا شديدا بين دقّات قلبه التي تقافزت باهتياج ولكنّ لسانه لم يمتلك إلّا أن يتساءل بذهول وارتباك: بسّ.. متى.. كيف.. قصدي مش هيّ... إنت متأكدة؟!

بين عينيك ذنبي وتوبتي(الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن