سكت لأنه حتى هو ، ما تتخيل كيف غيّرت له جوه ، غيّرت له حياته وإبتسمت لثواني : أول ، كنت أحبك من بعيد وأتخيل ، حتى لما عرفت شخصيتك كنت أتخيل لكن يوقف خيالي عند حد معيّن لأن بالنهاية ذياب ! ذياب قصيد مو على كيفك
ضحك يهز راسه بإيه : وصرت على كيفك يعني ؟
إبتسمت لثواني تهز راسها بإيه : شوي ، بس يعني تعرف كيف الكل يتكلم عنّا ؟ كيف الكل يقول قصيد ؟ وذياب ؟
هز راسه بإيه : جلف بدوي شلون له قصيد ، شلون خذاها وشلون رضـ
إبتسمت تمرر أناملها على شفايفه قبل يكمل : أحسن ، أنا أبي كلامهم كذا عنا ولا يدرون بالخافي ، أبي الخافي لنا
إبتسم لأنه هو الخافي البيّن ، حكايته إنه الخافي البين وشتت نظرها لثواني : مرّة من المرات ، فقدت الأمل بالحب والمحبة وكل أنواع الحب لأن بعيني كان شاعري مختمّها كلها ، فكّرت قلت أنا بابا مغرّقني محبة ، مغرّقني أشياء ما تخطر على بال بني آدم كيف بتعايش مع شخص ما يعرف الشعر ؟ ما يعرف يدلل الكلام أو بالأصح يمكن ما بيفهم أنا كيف ودي يحبني ، ما بيفهمني وهذا كله قبلك
هز راسه بإيه ، وإبتسمت لثواني : أذكر مرة ، ماما طوّلت علينا كانت بلندن مع خالو سيف ، طوّلت أخذت لها مدة هناك وكنت أشوف بابا كيف يتغيّر بدونها ، كيف يشتاق لها ، وكيف يحبّها وأخذنا معاه للمطار نستقبلها ، ما كنا كبار مره بس كنت أعرفه ، وكنت أفهمه كنت أشوف لهفته من عينه وما تصدق لو أقولك شفت قلبه يفزّ لما جات تمشي لنا ، كيف تنهّد ، كيف لمعت عيونه وكيف وقتها لما جات له ما ترك يدها وضحك شاعرنا ، ضحك يقول لها إن كلّ إبتسامه مهاجرة جات ، رجعت لشفتّه .. وكل الدروب الضايعة منه تنادي خطوته ووقتها كمّلت عنه ماما ودّعت المطار تقول يارحلة الغربة ، وداعاً رحلتي
لفت نظرها له لأنه يغرق بكلامها ، يغرق فيها هي كيف تسولف وإبتسمت : وعرفت متأخر إن الخوف ماله داعي ، وإن كلنا نحب بشخصياتنا وأطباعنا مستحيل يكون فيه حكاية تشبه حكاية وحتى التمنّي ما يصير ، أتخيل لو بقيت على خيالاتي وأمنياتي قبل ، وين بلقى زي بابا ؟
هز راسه بالنفي : ما تلقين ، مثله والله ما تلقين ومـ
إبتسمت مباشرة : بس لقيتك إنت ، تشبه نفسك وبس وتناسبني ، مرة تناسبني تليق علي بشكل مجنون
ضحك لأنها تعنيها ، تعنيها بشكل غير طبيعي ويبيّن من عينها وهالمحبة بالذات كان يفقدها ذياب ، يفقد مثل هالشعاع اللي يوصل لروحه مباشرة يفقد مثل هالخفة بحياته اللي من كل إتجاه فيها شدة ، وقسوة ، شديد برود أو لهيب حارق لجوفه وما تحركت أناملها من على خده من إنحنى يقبّلها ، لوقت طويل يقبّلها وإبتسمت هي لأن باقي بشفاتها له سوالف ، باقي ودّها تسولف عنه وما تكتفي ، عن حبها له وما تكتفي ، عن كل الحكاية وما تكتفي وعضّت شفايفها لوهلة : ما أدري ، ما أدري كيف صار هذا كله من أول يوم تقابلنا ، من أول مرة وإحنا كبار كنت أعرفك ذياب من ناحية ورد ، وكنت أعرفك كذا ذياب وبس ودايمًا كذا
عقّدت حواجبها تمثل الغضب بإنه دايمًا كذا يضحك ، ومثّلت الهدوء بملامحها توصف له نفسه بإن هذا حاله الآخر وإبتسمت : بمعرض الصقور ، وبالصيدلية تتذكر ؟ ، وبالكويت ، وبكل مكان بالدنيا ذياب كنت أذوب ! أذوب كيف هذا الإنسان كذا ، وكيف يحبّني كذا ولا تحاول تخبي ، أعرف إنك من البداية تحبّني ومو شوي ما كانت حميّا وبس بكل المواقف
ضحك يهز راسه بالنفي : من يوم كبرتي ؟ من يوم إنك صغيّرة تلعبين بي على ما تشتهين وما يجي دلعك إلا على ذياب يوم إني ما أبيك تقربيني ، تقرّبيني يوم الكل يبعد ولا عليك من أحد إن بغيتيني ؟ حتى أنا ماتهابيني ونهيّـان
سكت بعد ما نطق نهيّان لأنه هو الشيء الوحيد اللي ما وده يسولف لقصيد عنه ، لأن نهيّان يهزه بشكل " غير طبيعي " ، وإبتسم فقط : تضحكين لا قلت لك نهيّان كان يدري ؟ من وحنّا صغار يدري إنك لي ، وإني لك
رفّ قلبها لأنه ما يخصها هي لوحدها بإنها له ، يخصّ حتى نفسه لها دائما تبتسم : وإنت كنت تدري ؟
هز راسه بالنفي لأنه فعلاً ما يدري ، فعلاً ما يعرف : لا ، حتى وش الشعور اللي أحسّه لك ما كنت أدري وش يكون غير إنك لا جيتي تقلبين موازيني وتقلبيني كلّي ، كنت أسكت كل ما جاب نهيان طاريّك لأنه يجيبه كثير يميّ ويوم تجين إنتِ ، تجين غير عن دنيتي وعوايدي وتجين معك عيال عذبي لا تفارقينهم ولا يفارقونك
ضحكت تهز راسها بالنفي : تدري ما عرفت إنهم أخواني إلا متأخر ؟ يعني بدايات عمرنا كلها كان الموضوع إننا قرابة وبس وكلنا آل نائل وعيال عم زي ما يقولون
هز راسه بإيه : والكل كان يقوله ، ويوم صارت الطواري إنكم أخوان أنا ما عدت أقرّب مجلس واحد يجيب إسمك
إبتسمت لأنها تذكر غيرته ، تذكر غضبه بالكويت وتذكر كل حدث بينهم بشكل يخطف أنفاسها دايمًا : تدري وش أكثر شيء كان يلفتني ؟ إنك بكل المرّات كنت
ما لقيت كلمة توصف ، إحتارت حروفها لوهلة لأن الكلمات تضاربت بعقلها يهز راسه بإيه : كنت ؟
إبتسمت قصيـد ترفع أكتافها بعدم معرفة : كنت ما تقرّب لي ، كنت تحاول ما تشوفني حتى بكل المواقف أشوف كيف تبيني وكيف ترد نفسك بالقوة وبالصيدلية مثلاً ، لما جيت وأخذت المرهم وباقي الأشياء حسيت
سكتت لوهلة تتأمله لثواني ، ونطقت كلمة وحيدة بعد طول تفكير : حسيت جنتلمان ، مرة
ضحك لأن الكلمة جات رهيبة منها ، جات خطيرة يبتسم فقط وإبتسمت من نظراته : لا تتأملني كذا ، لا تتأملني
هز راسه بإيه يرجع جسده للخلف فقط يتأمل السلة قدامهم : من بدوي ، لجنتلمان ؟
ضحكت ترجع شعرها للخلف تفتح جوالها ، تصور الكورة بينهم وبين أقدامهم وقرب المسافة المستحيل تقفّل جوالها لأنها تسمعه يدندن يطير قلبها بالسرور لأن دندناته كلها " أغزل لك نجوم الليّل .. أخلي لونها وردي "
يتأمل باطن يده ولف يده لها : وش باقي تبين ؟
ضحكت تهز راسها بالنفي فقط ، ومدّ يده لشعرها يتأملها من نوّرت شاشة جواله برسائل متكررة من محمد يبتسم بشكل "مجنون " من فتحها : تبارك الرحمن ، ماشاءالله
إبتسمت لأنها تشوف ، تشوف إنه مصّور له " حوّار " صغير ومصور له كميّات الحليب رغم قرفها من هالشيء بشكل دائم لكن شخصيته تجاه حلاله تعجبها وإبتسمت من لمحت بالمقاطع خيل " متحمّس بحركاته " لكن مو هذا اللي جذبها ، إبتسامة ذياب له جذبتها ومن إنها تشوف تمتماته بـ " ماشاءالله " بلسانه تنطقها هي من فز كله : ماشاءالله !
لف يوريّها كامل المقطع : حار ، به حرارة الصبا توّه
إبتسمت لثواني لأن جاء ببالها لزام تسكن ملامحها ، وقفّل جواله بعد ما كتب لمحمد رسالة وحدة تبتسم قصيد لإسلوبه فيها " ماشاءالله تبارك الرحمن
الحلال طيب وإنت طيب الله يقويك يامحمد ماتقصر ":مين اللي صوّره قبل شوي ؟
إبتسم ذياب فقط يشتت نظره : عزّام ، ما تعرفينه
سكتت لأن إسمه مثل لزام ، ومدّت يدها لخاتمها لثواني : ما كنت أعرف منهم أحد إلا لزام ، الباقيين ما أعرفهم
هز راسه بإيه : ما كنت أدري به أنا ، جبته بسنة قلت أبيه يلازم لزام ويحوم حوله وردّه الشايب ما يبيه ، وعزلته عنه مع باقيها ونسيته ، العلم يوم رحت الخيام آخر مرة ويقبل علي وعرّفني بنفسه ، وعرفته وطيّب ، نشيط يعجبكد
إبتسمت لثواني تهز راسها بإيه ، وعضّت شفايفها لثواني لأن ببالها أسئلة كثير : سولف لي عن الخيول ، عنك
سكت لثواني يمسح على طرف حاجبه ، وشتت نظره لثواني : مع نهيّان ، كل دنيتي كانت مع نهيّان من بل من خيول من صقور ، هو كل شيء إن كان بي طبع فهو منه
هزت راسها بإيه تشتت نظرها لثواني : كنت أتذكر ، ولازلت أتذكر عنه أشياء بسيطة بس ودي تتكلم لي عنه
هز راسه بالنفي لأنه ما يتخيّل يتكلم عن نهيان ، بكل الطرق ما يتخيّل لأنه يختلف بطاريه كثير : الله يرحمه
سكتت تتأمله لثواني فقط لأنها تعرف ، ومدّت يدها لكتفه من الخلف تمسك أعلاه : سولف لي عن عزّام طيب ، كنت ناسيه متى سميّته عزام ليه على وزن لزام
هز راسه بالنفي يمسح على ظرف حاجبه : سمّاه أبوي ، ماهو أنا
ناظرته لثواني لأنها تبي تعرف الوقت ومتى والحكاية لكن بنفس الوقت ما ودها تضغط عليه ، ومسح على طرف حاجبه يعدل أكتافه : آخر يوم رحت به الخيام يومها لقيته ، ويومها سمّاه أبوي وقت شافه
عضّت شفايفها لثواني لأنها تعرف ما يتكلم عن علاقاته نهائياً ، لا عن أبوه ولا عن ورد ولا عن نهيّان ولا عن أمه ولا عن أي أحد بحياته بشكل يثير فضولها دايمًا وتعرف علاقته مع أبوه من أسامة ، ومن أحواله بكثير أوقات لكن للآن عجزت توصل لنقطة السؤال أو إنه يتكلم لها : تحبه؟
لف نظره لها يعرف إن السؤال عن أبوه ، يعرفه بالصريح لكنه لفّه لعزّام : عزام ؟ يبيني أحبه وما قصّر
إبتسمت فقط تهز راسها بإيه ، ورنّ جوالها بمكالمة جماعية من أخوانها تبتسم : يا أهلاً
إبتسم فهد : قصيد بسألج ، ذياب يعرف يصورج وإلا
لأنه سمع هو رفع حاجبه ، وضحك تركي : فهودي غيران ؟ تبي الصج دشيت الألبوم أشوف وهي معنا تلعب وشلون نصورها أدور فروقات بينّا لا يغطي علينا الذيب
ضحكت قصيد تخجل لأن ذياب يسمع معاها ، وإبتسم عذبي أخوها : مو عوايدج تنزلين ستوري جذي قصيد
رفعت حاجبها لثواني لأنها ما نزلت ، وإنتبهت إنها فعلاً نزلت تحذفها بعدم إهتمام لأنها صورة الكورة وأقدامهم وما شافت حتى مين لمحها : ما كانت مقصودة إيه ، شكل ما شافها غيركم أصلاً لهالدرجة تنتظروني يعني ؟
لف ذياب نظره لها يسمع سوالفها مع أخوانها ، يده تتأمل شعرها اللي تحرّكه الريح بين يده يبي كل عمره يوقف على مثل هاللحظة فقط ، يبي سكون هاللحظة وما كمل من صوت إشعارات جواله من محمد جديد يهز داخله بلحظة من رسل له صورة ، صورة وصل حنانها لقلبه مباشرة من سجل له مقطع صوتي " جاء يسأل عنك ياعم هو وابراهيم معاه ، تقهوى عندي وأخذ حليب وصلى معي وراح للحلال مع ابراهيم " وسكن قلبه من الصورة لأنه جالس بين الحلال ، جالس بضعف يشوفه ذياب من هامته ، وقامته ، ومن الصور المفرقة يلي رسلها له محمد مرة يمسح جبينه ، ومرة يعدل الفروة عليه رغم إن الصور بالنهار لكن كان من ضمن الصور صورة لابراهيم - سواقه - يترك الفروة على أكتاف جده ودق هو بدوره على محمد لأنه ما رسل له صور متعب من البداية ويعرف طبع محمد بهالشيء : طيّب أبوي يامحمد ؟
سكت محمد لأن الحال اللي جاء متعب فيه مخيف ، مخيف لدرجة غير طبيعية يحس البرد والجو عبارة عن حرارة لا توصف ، ويسكت كأنه بعالم آخر غير عالمهم : طيب الحمدلله ياعم ، طيب يقول جاء يدورك وحلّفني ما أرسل لك شيء بس ما قدرت إنت وصيتني
سكت ذياب فقط يهز راسه بإيه ، وقفّل من محمد تمشي له قصيد ولمحت صورة متعب قبل يقفل جواله : تحبه؟
هز راسه بإيه بهمس : لأن الصور تذكره بأشياء كثير ، تذكره بشخص واحد ماله بديل : الله يطول بعمره
رفعت نظرها له لثواني تحاوطه ، ومدّت يدها لجواله قبل تطفي الشاشة تشوف صور متعب بين الحلال ، إبتسامته بصورة ، وتعبه بالأخرى وبفروته وشماغه ما قدرت تتخطى منظره لو ثانية وحدة ورفعت نظرها لذياب الساكن تماماً يتأمل بشكل تعجز تعرف شعوره منه : ذياب؟
هز راسه بالنفي يبعد أفكاره عنه لأنه ما يتحمل لكن ما تتخيل كيف صارت تنازعه روحه يرجع للرياض بدون مقدمات ، يرجع لشايبه لأنه يدري به ما جاء لخيامه إلا وهو مشتاق له وما يبي يقول له وجاء الحال غريب يمسح على ملامحه ، يرمي ظنونه : عونك
ما كمل لوهلة من لمح رسالة عمه عناد له يسكن داخله " تعال الرياض ياذياب " يفز قلبه بشكل مؤلم ، تألم قلبه بشكل ما يخفيه شيء وقفّل جواله مباشرة ما تلمح الإشعار يقبّل راسها ونزل نظره لها : وش ؟
هزت راسها بالنفي وهي حسّته ، حست شعوره وما يحتاج يقول نهائيًا : أعرف كيف تحبه ، وأعرف كيف تشتاق
هز راسه بإيه فقط يمسح على طرف حاجبه من رنّ جواله بإسم عمه عناد يشتت نظره : دقيقة قصيد
هزت راسها بالنفي لأنها ما تبيه يتحرك من مكانه لأنها تشوف ملامحه ، تشوف كيف تغيّرت ، وتبدّلت ، وكيف صارت ألف شيء يرد لكن ما قوى ينطق بكلمة غير سم ومسح عناد على حواجبه لثواني : ذياب أبوي ، قل لا إله إلا الله وتعال
_
« الريـاض ، بيـت متعـب »
دخل يسمع نبض قلبه بأذنه من شدة الضغط اللي يحسه ، دخل يشوف كم بيض الثياب على مد عينه ونظره من وجودهم كلهم بالبيت يضجّ فيهم ولمح عمه فزاع اللي ملامحه حارقة بالبكاء ، نهيّان الواقف بجنبه والواضح من ملامحه إنه " يحترق " بالصمت وإنتهى كله من طلع أبوه من غرفة جده يسكّر الباب خلفه ولا رفع عينه ولا نظره عن الأرض يشلّ حواس ذياب كلها : أبوي !
سكت حاكم تماماً ، سكت لأنه هو ما دق وقال له رغم معرفته بمجيئه للرياض وسكت لأن هالمنظر بالذات ما يبي يشوفه : جدتك تبيك
هو نطقها وإبتعد بشكل رجّف أقدامه ، بشكل شل عقله لوهلة يشوف النظرات له ، يسمع لاحول ولاقوة إلا بالله ، ويشوف نحيب عمه فزاع اللي تغطّى بشماغه فقط لأن متعب موّدع ، هذا الأكيد وهذا اللي يعرفونه كلهم لكن وش الحال اللي هو فيه مايدري ذياب ويخاف يدري ، يخاف تثقل خطاه يحس المسافة بين وقوفه ، وبين الباب اللي خلفه جده عمر مو مسافة عادية ، يحس إنه يمشي وما يتقدّم بخطوته وتمنى ، تمنى يدخل أبوه معه لكن الكل وقوف ، الكل ينتظر والكل يراقبه بشكل جرّحه يفتح طرف الباب بعد ما دقّه بيده لمرة وحدة يستأنس من جدته اللي نطقت براجف الصوت : من
رجفت شفايفه ما ينطق ، عجز يتكلم وينطق : ذيـاب
سكن الصوت يحسّه من علياء ، من جدته يطير عقله كله من سمع صوت جده اللي يحاول ينطق : تـ تعال ذيـ
بكت علياء تصد بشيلتها لأن ذياب دخل كله مباشرة ، دخل كله ينطق برعب يمسك يد جده اللي يمدّها بالهواء : استريح ، استريح جيتك يمك أنا جيتك يبه
لأنه مسك يد جده اللي يحاول يتعدل يقبلّها ، يقوي نبرته بالقوة بإرتاح ، واستريح ، وخلّك لا تتحرك ويمّك أنا تبكيه علياء اللي تمسح دموعها ، ونطق متعب إرتجافه : ذياب
نطق برجفة صدره كلها يقبّل يده : سم ، سم أبوي سم
إبتسم متعب اللي ينازع روحه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، إبتسم تغرق عيون ذياب مباشرة لأن تجاعيد وجه جده ، نظراته اللي تبين إنه مودّع لامحالة يقبّل يده للمرة الثانية ، والثالثة ، والألف لأنه كله صار يرجف من سنين ما تخطّى مشهد الموت والحين ينعاد عليه بأحنّ وجه عرفه يضحك متعب متجاهل التعب كله : ولدت الناقة ؟
ضحك تنزل دموعه مباشرة يقبّل يد جده لأن نبرته مؤلمة ، نبرة تعبه مع ضحكه جات مؤلمة يهز راسه بإيه : ولدت ، ولدت حوارٍ صغير يبيك تسميه شد حيلك
هز متعب راسه بإيه يحاول ينطق بالقوة رغم إحساسه بشديد العطش اللي يبيّن بشفايفه : أبطيت علي يابوك ذيـ
هو نطقها ، وهو تلاحق نفسه اللي قُطع يوقّف قلب ذياب مباشرة : على مهلك ، على مهلك أبوي
وقف قلب ذياب كله يناظر جده اللي سكن تماماً ولا كأنه كان ، سكن يهلع كونه لأن جده يحترق بالحرارة بشكل ما يتحمله هزيل جسده نهائي ومسح على ملامحه برعب : ووش قال الدكتور ؟ وين علاجاته وش قال لك أمي ؟
كان يدور بالأكياس حوله ، يدّور بشكل " مجنون " لأنه ما كلمه ، ما لقاه ويقول له أبطيت علي بهالشكل المعاتب يحرق له قلبه كله ورجفت يديه يدّور بعلاجاته ، يقرأ وش تعبه ووش يرهقه وبكت علياء اللي تحاول تكفّ يده عن الادوية فقط : ذيـاب ، يمه ذيـاب
مسك يدها لثواني ينتبه لها ، ينتبه إنها غرقانه بدموعها وسكت تماماً يقبل يدها ، يتمالك نفسه بمحاولة للثبات وأخذت علياء نفس من أعماقها : ليه جيت يمه ؟ ليه جيت له كم يوم يهوجس بك وينتظرك ليه تريّحه وتجي يمه ليه !
ناظرها تشحب عينه مباشرة ، وبكت علياء لأن خوفها من راحة متعب مو من عذابه : يدوّرك ، ويسأل عنك ويبي الدنيا عشان يشوفك يمه ليه تجيه ليه !
طلع من غرفة جده بالقوة يتدارك خطوته ، بالقوة يشد حيله لأنه بيطيح لا محالة ما جاء وقع كلام جدته هيّن عليه وإن كانت ما تعنيه ويدري ، وإن كان مو بيده ولا يدّها يدري لكنه ما تخطى ورجف نهيان أخوه اللي توجه له مباشرة : ذياب ، أبوي ساكت يكلمونه وما يرد ذياب
ناظره لثواني يشد عيونه بالقوة ، ياخذ أخوه تحت جناحه لوقت طويل ومسح نهيّان على ملامحه عينه تتأمل أبوه الساكن على أحد الكراسي ونُفض صدر ذياب كله من رفع أبوه يدينه لراسه فقط يواري نفسه عن الكل رغم الزحام ، نُفض صدره يضرب على ظهر أخوه : قل لا إله إلا الله وتوجه هو لأبوه من بينهم كلهم ، توجه يمشيّه قلبه ماهو رجوله وأكثر تسكن الأصوات ، سكن كون حاكم كله من حسّ بيدين ولده فوق راسه ومن حسّ به قدامه ينحني يقبّل راسه لوقت طويل ، لين رفع حاكم يدّه ليد ولده اللي على جوانب راسه يشدّها بقوة : لا إله إلا الله يا ذياب ، لا إله إلا الله يابوك
أجهش نهيّان يغطي ملامحه بشماغه فقط لأنه شاف كيف مشى ذياب لأبوه براجف الخطوة يمسك راسه ، ينحني بين كل الجموع لأبوه الجالس يقبّل راسه يشدّه ووقت رفع حاكم يده ليد ولده ما تحمّل نهيان نهائياً يحاول يسكت ، يحاول يشد حيله لكنه عجز تماماً من لمح إرتجاف أكتاف أبوه وعيون ذياب اللي صار يحسّ لهيبها من هالمسافة من كثر ما يحاول يكتم دموعه ويحاول يتصبّر ، يحاول لأن الكثرة حولهم مرعبة ومخيفة واليأس ، اليأس اللي ودّه يكون رجّال ويقتله بمحلّه من كثر ما يكرهه بعيون كل شخص حوله وإن متعب ، متعب نهايته بتُسطر لامحالة وهذا اللي تقوله كل الوجوه حوله ..
_
« المطـار »
محد بالدنيـا قدر يطمّن إحساسها ، يهدّي رعبها وأيامها اللي حسّتها مرّت مرور الدهر بكل مكالمة تجمعها بأحد من أهلها ويقولون الأحوال والأمور طيبة لكن هي تدري بتعب جدّها ، تدري وزلّت جود بوجودها تقول " الله يرحمنا برحمته لكن كلهم يقولون يحتضر " وحذفتها بنفس اللحظة لكن ورد شافتها ، ورد شافتها ومن وقّتها طيّرت نصار بالدموع " أنا بروح الرياض .. أنا برجع حتى لو مالك رجعة وما تقدر أنا برجع أعرف إن جدي يودّع والكل ساكت وبشوفه نصّار ! بشوفه ما أبي وقت يروح يقولون راح يا ورد ما لقيتيه بشوفه " تنهار بالدموع وما قدر نصّار يردّها ، ما قدر ما يركض للرياض بترجّي لأبوه إنها ما يقدر يتركها بإنهيارها وإن كانت أمه بترجع معاها ..
فرك عيونه بالقوة لأن له يومين ما ذاق طعم النوم من سوء نوم ورد وكوابيسها ، قلقها وإنها تغفى من التعب لكن تفز على أبسط صوت تنتظر من بيقول لها " مات " وهالرعب لحاله غير طبيعي ولف يشوفها ، يشوف ذبولها الغير معقول وتنهّد من أعماق قلبه : ورد
هزت راسها بالنفي تنزل دمعتها لأن كل سيء الخيالات بعقلها ، تتخيل وجه أبوها ، تتخيل وجه أمها ، تتخيل ذياب ، وتتخيل نهيّان وتتخيل الكل والخيال لوحده مُفجع كيف يكون الواقع : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ..
أخذ نفس من أعماقه يمسك يدّها ، يتوجّهون للخارج وللسيارة اللي تنتظرهم يمدّ يده للباب تركب ورد ، وركبت أمه من الجهة الأخرى يركب هو بجنب السوّاق : جبت اللي وصيتك عليه ؟
هز راسه بإيه ، ومدّ يده للكيس ياخذه للخلف : أمي ، ورد ما أكلت شيء طول الرحلة ومن أمس ..
هزت راسها بإيه تتنهد ، تاخذ الكيس بيدها : حرام اللي تسوينه بنفسك يا أمي ، الرياض ووصلناها وودهم يشوفونك بحيلك ياحبيبتي .. زين أمي ؟
أخذت نفس من أعماق قلبها لأنها تدري كيف تعّبتهم ، أهلكتهم تعب وخوف عليها لكن مو بيدها تاخذ التمرة من يد عمتها : لا تشيلون همي ..
لف نصّار نظره للخلف تنتبه لعينه ، تنتبه لنظراته بشكل جمّع دموعها من جديد بعينها تشتت نظرها بمحاولات للتدارك : نصّار ، كلمت ذياب؟
هز راسه بالنفي يمسح على أنفه : ما يرد ، الحين نروح البيت ترتاحون إنتِ وأمي وأروح أشوفـ
هزت راسها بالنفي مباشرة : لا ، بروح معاك بيتنا نصار
شتت جمانة نظرها لثواني لأن لو قال نصّار لا ، وأصرّ على رأيه ممكن تنهار بمحلّها تهز راسها بإيه : نروح يمه ، نروح أنا وإنتِ نروح لا نمر البيت نصار ، على بيت أبوذياب على طول
ضغط على عيونه مباشرة يهز راسه بإيه فقط وشتت ورد نظرها للشوارع من أول ما حطت أقدامها أسبانيا وهي تتخيل رجعتها للرياض بتكون بأي مناسبة ، بأي فرحة وكيف بتكون المسرّات وما توقّعت تكون الرجعة بحزن ، بخوف ، بقلق وبشعور سحاب الموت يخيّم على ديارهم وماتحبه ، ما تحبّ مروره لأنه يمر وتمطر دمُوعهم بعده وتنهّدت من أعماق قلبها تمسح على عيونها من لاح لها بيت أبُوها المظلم ، لاحت لها أسواره ، النُور الوحيد عند بوابته الداخلية فقط بشكل يذكّرها بكئيب الأيام اللي عجزت تتخطاها ، عجزت تمرّ عادية عليها يوقف نفسها كله ، يُقطع تماماً من لمحت البُاب يفتح والخارج من وراه نهيّان أخوها اللي يحني راسه على جواله وكانت منه إلتفاته لشخص يكلّمه بالداخل لكنها تعرفه ، تعرفه بشكل كتم نفسها كله لأنه رد بكلمة ورجع يصد لجواله تدري إن وده يختفي وبمجرد ما وقفت السيارة ، بمجرد ما إنتبه نهيّان توه على السيارة اللي دخلت للداخل وأمامه هو سكنت ملامحه ما يشوف داخلها ، لكن من فُتح الباب الخلفي يشوف أقدامها هو عرفها مباشرة ، عرفها يفز قلبه يدخل جواله بجيبه : ورد !
ما يدري كيف نزلت أقدامه عتبات الدرج كلها بلحظة من شاف إنها فعلاً ورد اللي تركت السيارة كلها تركض لحضن أخوها فقط يصرخ داخل نصار اللي تقطّع بوقوفه عند باب السيارة لأن هالإندفاع منها ، وهالشدّة من نهيان تحرقه هو لأنه بطريقة ما من زمان ، ومن مدّة طويلة يشوفهم أخوانه الصغّار وإن كانت ورد زوجته لكن يحمل هالشعور لهم قبل لا تكون زوجته وطلعت ملاذ من الداخل تشدّ جلالها برعب من خلف الباب : نهيّـان ؟
مسح دموعه مباشرة يشد على ورد ، يمسح دموعها بيده : إيه أنا هنا ، جات ورد أمي
طلعت من خلف الباب تشد جلالها ، طلعت تشحب نظرتها مباشرة من لمحت السوّاق اللي طلع خارج أسوار البيت ، نصّار الواقف عند باب المعاون ، وأم نصار اللي تمشي لجنب ولدها تمسك ذراعه والأمرّ ، دموع ورد اللي غرّقت ملامحها ووقف نهيّان اللي يمسك أخته بجنبه هدّها ، هدّها تماماً تغرق عيونها بالدموع لكنها مسكتها تشتت نظرها لثواني : لا توقفون هنا ، تعالوا تعال أمي نصار .. أم نصّار
سكتت أم نصّار لأنها تشوف كيف كتمت ملاذ دموعها ، كيف إهتزّت نبرتها تمشي هي قبلهم لأن نهيان وورد للآن يتهامسون وأخذت ملاذ تضمّها : الله يصبّركم ، ويجبركم ، ويقوّي حيلكم ولا يفجعكم بغاليكم يا ملاذ ، عساه أهـ
بُترت كلمتها من نزلت دموع ملاذ تمسحها ، تحس السوء من سرعة مسحها وهمست ملاذ بضعف ، برجفة : الله يلطف به يا أم نصار ، الله يلطف به ويلطف بنا
سكتت أم نصار تشدّ كتفها فقط ، وسلّم نصار عليها يقبّل راسها فقط وعينه للخلف ، لورد ونهيّان اللي يمسكها ما فارقت يدّه يدها ومن وقفت قدام أمها كانت تحاول تجمّع كلام ، تجمّع حروف وتتكلم لكن عيون أمها اللي ماودها بالكلام أهلكتها ، حرقتها تمسح دموعها تضمّ أمها لوقت طويل وشدّت ملاذ عليها بهمس : قولي لا إله إلا الله يا أمي ، قولي لا إله إلا الله وتصبّري الله يلطف به وبنا ..
هزت راسها بإيه تاخذ نفس من أعماق قلبها ، ترجع شعرها للخلف ولفت نظرها لنهيّان : بتروح لهم الحين ؟
هز راسه بإيه : بروح ، أبوي وذياب هناك بروح أجلس وأقنع واحد منهم يرجع ويجي لكم ، يدري إنكم جايين ؟
هز نصّار راسه بالنفي : محد يدري ، بروح معاك أنا الحين
هزت ملاذ راسها بالنفي : يروح نهيان الحين ، توكم جايين من السفر يا أمي إرتاح شوي ويجي عمك وإلا يجي ذياب
لفت ورد نظرها لهم لثواني : بروح معاكم
هز نهيّان راسه بالنفي برفض مباشر لأنها ما بتتحمل ، مستحيل تتحمل : لا ورد ، إرتاحي وبيجي أبوي أصلاً لا درى إنك هنا ووقتها تروحين معه لو ودك تروحين .. أمي روحوا إجلسوا خذي ورد معاك وإرتاحوا بيجي أبوي
هزت ملاذ راسها بإيه تاخذ ورد ، ومشى نهيّان مع نصار اللي ضغط على راسه : وش صاير نهيّان
ركب نهيان السيارة مباشرة يمسح على ملامحه : وش صاير ؟ الله يرحمنا برحمته يانصّار ، الله يرحمنا برحمته
لف نظره له لثواني طويلة ما يحتاج يقوله نهيّان عن كم القلق ، والخوف ، والحزن ، كلّه مسطر بملامحه ومرسوم من شحوب وجهه ، انخطاف لونه وهالاته اللي تعبّر عن عدم نومه ولا ارتياحه يتنهدّ من أعماق قلبه : يارب
_
« بيـت متعـب »
مشيت علياء على أقدامها بالقوة بعدم إهتمام لضجيج الرجال بالبيت ، مشيت تشوف ريف بنته تبكي على يدّه لأنه يغيّب عن الوعي ويذكرها لحظة ينساها لحظات ، مشيت تتوجه لكرسيها وتسمع نحيب ريف لأن شكل الموت مُفجع ، وجه الموت قبيح بشعوره بوجوده بكل معانيه ودخل حاكم بجنبه ذياب ولده اللي ماعاد يطيق الوجود ، ما عاد يتحمّله ووقت الفجر بالذات يضيق صدره بشكل محدٍ يتخيلّه ، محد يخففّه عنه لأن محد يدري به ولأن مابه وقت ، ما به وقت أبوه شايل الحمل كله وهو شايل أبوه والحمل عنه معه بشكل مؤلم لأن الكل يتألم ، والكل يتوجع وينهار لكن لو إنهاروا كلهم والمقصد هو وأبوه ، من بيمسك الباقي ؟
رجفت شفايف ريف من صحى ، من تحرّكت يده تحت يدها تلف نظرها لأخوها : حاكم ، حاكم صحى أبوي .. صحى أبوي يبه تسمعني ؟ يبه أنا ريف بنتك حبيبي
سكنت ملامح ذياب لأنه يعرف هالنظرة ، يعرف هالصحوة ، يعرف هالإبتسامة المتهالكة اللي طلعت منه بشكل شدّ عروق راسه كلها ، بشكل يحس الدم ينساب من راسه منه يحس برطوبته : عمتي
هو إنحنى يوقّفها عنه مباشرة لأنها بكت من إن لسانه ثقيل ما يقوى الكلام ، لأنها إنهارت بدموعها عنده وقرّب حاكم لأبوه مباشرة يمسك يدّه اللي رفع سبّابتها ، وداخله كل يموّت كيف يلفّظ أبوه الشهادة وتغيب شمسه : قل أشهد أن لا إله إلا الله
رجف صدر ذياب كله من رجفة همس أبوه ، من إنه هو ما قوى وإن عمته ريف جنّت تضرب صدره بمحاولات للتفكك منه لكنه يمسكها ، يمسكها ولا يحسّها ولا عاد يحسّ شيء من إنحنى راس أبوه يمسح على ملامحه ، يضغط عيونه بالقوة يكمّل الشهادة لأبوه وأجهش بمجرد ما إنتهى ، بمجرد ما ثقلت يد أبوه بيده على دخول فزّاع ، نهيان اللي مات حيله عند الباب يضحك فزاع بالرعب مباشرة : ما مات أبوي ما مات حاكم ، بشوفه مامات
وقف حاكم مباشرة يمسك أخوه ، وضحك فزاع بالذهول يصرخ على ريف : لا تبكيـن إنتِ ما مات لا تبكينه حيّ !
مسكه بالقوة يخليه يستوعب ، ومدّ يده الأخرى لولده نهيان اللي إنكتم تماماً يضمّه ما صار يُسمع إلا صوت البكاء ، صوت الإنهيار بين اللي يحاول يكتم شهقاته ، واللي يحاول يردّ دموعه ، واللي غاب عن وعيه أساساً وهي ريف اللي شالها ذياب بيدّه عجز لسانه ينطق ، عجز لأن راسه صدّع بشكل يضرب رؤيته وسمع همس نهيّان بشكل يشله تماماً " ورد جات ، كانت تبي تجي معانا وقلت لها لا أبوي يجيك ما قدرت أجيبها "ينتفض صدره ودخل عناد ، دخلوا رجال آل سليمان تضجّ الغرفة بالصوت والازدحام ولف حاكم نظره لنهيّان يمسح دموعه : روح البيت ، عطهم خبر وعط الرجال خبر وقل لهم يقولون لا إله إلا الله .. كلنا لله وكلنا له راجعون يابوك
توجه ذياب بجنب أبوه يضغط على عيونه ، ونفض داخل نصّار الواقف على عتبة الباب من لمح خروج نهيّان وحاكم وذياب من غرفة متعب : عمي ، ذياب ..
ناظره حاكم اللي رد بدون وعي أساسًا : روح مع نهيان لورد يانصار ولا تخلوّنها لحالها ، لا تعلّم أمك وهي واقفة نهيان خلهم يقعدون ويوحّدون يابوك ، طيب يانهيّان؟
هز نهيّان راسه بإيه ينتفض صدره من مد أبوه يده يضرب على خده ، وشحبت نظرات نصّار من صارت التمتمات كلها " لا إله إلا الله .. لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون " ما يدري حاكم هو كيف للآن على أقدامه ، وما يدري كيف للآن واقف بحيله لكن من توجه نصّار لذياب يضمه ، وإنتبه إن ذياب ضمه بيد وحدة فقط يستوعب توه إن يد ولده خلف ذراعه من مدّة تسنده ، توّه يحسها ويستوعب وشدّ ذياب على كتف نصار بهمس : روّح
ناظره نصّار لثواني طويلة وهو يهتز قلبه ، يبيّن على ملامحه حزنه لأنه يشوف ملامح صاحبه ويحسّه وشتت ذياب نظره فقط من صارت ضجة الرجال يشدّ على كتفه للمرة الثانية يودعه فقط ..
_
« بيـت حـاكـم ، العصـر »
مدّت يدها لأسفل بطنها وهي ما تقدر للوقوف ، ولا تقدر للجلوس من الشعور اللي تحسه ودخلت ورد اللي تمسح دموعها من كثرة الناس : تعبت .. يالله تعبت
سكتت حروفها من إنتبهت لملامح ديم شديدة الإحمرار تمشي لها مباشرة تسندها : ديم !
عضّت ديم شفايفها لثواني تجلس بمساعدة ورد ، تتمددّ بمساعدتها وكتمت صرختها ألم تنطق ورد مباشرة اللي تمسح دموعها : لا تبكين ، لا تبكين وخذي نفس شوي عشان البيبي ديم ، عشان البيبي
عضّت ديم شفايفها لثواني لأن نهيان وقت جاء ، وقت دخل الغرفة جلس عند الباب على طول يجهش ببكاه ونظره كله لديم وبطنها " قال لي ما بعد شفت ولدكم يانهيّان ، حفيدي من أحفادي الإثنين " وصرخ بعدها بإنه نساه ، وإنه غاب عنهم يبكيه القاصي والداني والغريب والقريب ، تبكيه قلوبهم كلهم وعضّت شفايفها برجفة : كان يبي يشوفه ، يشوفها ورد ما أدري وتوّه ! توّه كان طيب
لأن ديم منهارة تماماً ، ما كان
ما كان حال ورد اللي ضمّتها أقل منها تاخذ نفس : الله يرحمه ويغفر له ، الله يرحمه ..
أخذت ديم نفس من أعماق قلبها لأنه جدها ، ولأنها تعرف قسوة ضرب الموت عليهم كيف يزلزلهم وإنّ كان يومه ووقته وراحته : يارب .. يارب آمين رجعوا الرجال ؟
دخلت درة اللي تعدّل نفسها ، تمسك نفسها وهي أصبرهم : دفنوه توهم ، لكن ما رجع أحد للحين ..
سكنت ورد وهي تذكر النفور اللي حصل من الكل بعد عزاء فاطمة وعزاء نهيّان ببيت نهيّان نفسه ، تذكره بشكل مؤلم وكل قلبها خفّاق لحال أبوها وأخوها اللي ما لمحتهم ولا تدري عنهم تمسح دموعها : درة خليك عند ديم ، وإرتاحي بقول للعاملة تجيب لك شيء تاكلينه
دخلت وسن اللي معاها أكل لديم أساسًا ، ولفت نظرها لورد : تعالي إرتاحي إنتِ بعد ، شوفي وجهك كيف
دخلت جود وخلفها توق اللي رجف قلبها : ورد روحي لأمي علياء ، جابوها من بيتها توهم العيال
هزت راسها بإيه مباشرة تخرج للخارج ، للكم الهائل من النساء المجتمعين ببيتهم وما خفّ فيض البوابة نهائياً وأفضل الحلول كانت إن النساء ببيت حاكم ، والرجال ببيت متعب ذاته ومسحت دموعها من لمحت علياء المنهارة بينهم وبجنبها عمتها ريف تنحني لأقدامها : أمي
لأن ورد جلست قدام ركبها تمسك يدها ، لأن ريف إنهارت مباشرة ولأن علياء بكت ، علياء بكت من أعماق قلبها تمسح على ملامح ورد : توّه يمسك يديني وراح يمه ورد ، راح متعب يمه
نزلت دموعها تحرق خدها تقبّل يد جدتها ، ومسحت ملاذ دموعها مباشرة من الحال ، والوضع ، والشعور الموجع اللي الكل يحسه بدون إستثناء والكل يتألم منه تضغط على صدرها : لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ..
_
« حـدود بيـت متعب »
لو ما كانت تعرف بإن بنتها في حال يُرثى لها ، ولو ما كانت تدري بإن مستحيل يقرّ قلبها أو يهدأ لها بال لين تشوفه ، لين تلمحه بين غفير الجموع ما كانت جات معاها وطاوعتها لحدود بيت متعب يمروّن بالسيارة بمحاولات لأنهم يلمحونه ومدّت سلاف يدها لبنتها : ماما قصيد
هزت راسها بالنفي وهي للآن متماسكه ، للآن تحاول تمسك نفسها لأنها شافت عمه ، شافت نهيان ، شافت نصّار وشافت الكل إلا هو وأبوه ما لمحتهم : بس بشوفه أمي ، بس بشوف من وقت رجعنا ما لمحته ماما ما تـ
بُترت جملتها كلها من لمحته عند البوابة الخارجية وسط غفير الجموع يرجف قلبها مباشرة بذهول وعضّت سلاف شفايفها تتجمع دموعها بعينها : قصيد ماما
هزت راسها بالنفي ترجف شفايفها من المنظر اللي تشوفه قدامها ، ما تشوف عيونه من نظارته الشمسية لكن وقوفه ، يدينه اللي خلف ظهره وجامد ملامحه بجوار أبوه " هدّتها " تشد يد أمها بعدم إدراك وهي حتى النفس ما صارت تعرف له من منظره ، من إنها تشوفه وبينهم شارع وكثرة رجال بسلامهم يحجبونه عن مدى شوفها ورؤيتها كل شوي من كثرة مرورهم تنهار كلها : ماما ، ذياب أ
رجفت شفّتها من كثر ما تزاحم الكلام بداخلها ، من إحساسها بإن داخلها يتقطّع حرفيًا لأنه جامد ، لأن اللي يمروّن قدامه ما يحسهم ويصافحون أبوه لكن هو يهز راسه بالإيجاب فقط يرجف داخلها ونزلت دموع سلاف مباشرة على ملامح بنتها يلي إحتقنت بالإحمرار وإنها تحاول تتكلم بعدم قدرة : لا حول ولا قوة إلا بالله ياماما خلاص ، خلاص الحمدلله صابر ومحتسب هذا قضاء وقدر يا ماما
هزت راسها بالنفي تجهش ببكاها بمجرد ما ضمّتها سلاف اللي نطقت للسواق يكمّل طريقه ، كيف بتواجه آل سليمان بعد ما لمحته وكيف بيبقى عقلها بمحلّه ما تعرف وعضّت سلاف شفايفها تشد على بنتها ترجّعها قدامها تمسح دموعها بيدها : خلاص ياماما .. خلاص
أخذت نفس من أعماق قلبها تشتت نظرها لأن وقت وصولهم لبيت عمها هي ما تدري كيف بيكون حالها لكن تدري بإنها تعيش شيء لأول مرة تعيشه بحياتها ، من سنين وهي تنفر من أي عزاء ، من أي طاري للموت ماتحبه وما تحضر نهائياً وهالمرّة تألمت لطاري الموت ذاته يرعبها ، وتألمت لمحبوبها اللي ما شافته من وقت رجوعهم يتركها ببيت أهلها وهو غاب ماعاد له طاري ..
أخذت نفس من أعماق قلبها تمسح على ملامحها من ازدحام السيارات قدام بيت عمها حاكم ، كثرة النساء الداخلة والخارجة ونزلت هي بجنب أمها تشتت نظرها لكل زاوية بالبيت ما عندها إستعداد تشوف علياء ، ما عندها إستعداد تشوف ملاذ ، ولا ريف ولا ورد اللي تعرف برجوعها وقدّمت خطوة أمها قبلها ينتفض داخل قصيد مباشرة من صوت البكاء اللي كل مصدره علياء ، من حسّت بفيض الدموع وتجمّعهم حول علياء اللي ورد تدلّك لها يدها ، ودرّة تمد لها كأس يرويها تمسح على جبينها هي من وقفت ملاذ لسلاف تسلّم عليها ، من طال السلام وطالت مسكة سلاف لملاذ تعزيّها : الله يرحمه ويغفر له ويجبر قلوبكم ياحبيبتي ، الله يرحمه عظم الله أجركم
هزت ملاذ راسها بإيه تشد على كتف سلاف الآخر ونظرها على قصيد اللي خلفها : جزاك الله خير ، بنتي قصيد
لأن نظرتها ونطقها صار لقصيد اللي عيونها تصرخ بالإحمرار ، وملامحها تصرخ بآثار بُكاها نطقت هي من فيض الحنان اللي صار بـ" بنتي قصيـد " : عمتي
تركت ملاذ سلاف تضمّ قصيد اللي شدت على كتف عمتها تتدارك دموعها ، تهمس بآمين لدعاء ملاذ بين الله يرحمه ، ويغفر له ، ويصبّرنا وهي ممنونه لأن عمتها بنفسها تكلّمت ودعت وإلا هي ممكن تكتمها دموعها تهز راسها بإيه تقبّل راس عمتها : آمين
أنت تقرأ
انت الهوى ، كل الهوى برد ولهيب🤎
Romance- للكاتبة : ريم الاوطان🇸🇦 " عندما تصبح القيُود حناناً وتمرّ السُنون مثل الثواني .. عندها ، تصبح القيود إنعتاقاً وإنطلاقاً ، إلى عزيز الأماني .." يُقال إن للجديد دائماً وقعه ، وأقول إن كل الحكايا والسنين معاكم لها وقعها ورغم كثر النوايا...